أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مصطفى عشماوي - (ماذا يعني أن تكون يسارياً اليوم؟















المزيد.....

(ماذا يعني أن تكون يسارياً اليوم؟


مصطفى عشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 3 - 03:19
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


لأن الإنسان بفطرته الخُلُقية غير طبقي، عادل، أبيض، شفاف، متوازن، يحب الآخرين، مبدع، خلاق، فاعل، طموح، بهذا تجسد اليسارية في معناها على المستوى الأناسي الكوني، وتكشف ما ألم بالمجتمعات لاحقاً مع بروز البنى الشرائحية والطبقية).
هكذا كتب الزميل الدكتور جمال الدين الخضور في (النور) العدد 441 المؤرخ بتاريخ الأربعاء 23 حزيران 2010.
إن معنى أن نكون يساريين اليوم وحتى بالأمس وغداً يستلزم أن ندرك أن هذه المقولة على إطلاقها غير صحيحة من الناحية المعرفية والعلمية، ناهيك بالناحية الواقعية التاريخية على الأقل حتى هذه اللحظة التي نعيشها، إنها نظرة إلى الإنسان طيبة وعفوية ووردية. لكنها بالتأكيد نظرة مثالية، تنتمي إلى النهج الفكري المثالي في عصر كلاسيكي تجاوزه الزمن. وبعيداً عن الجدل الكبير والعميق هي من الآفات التي أصابت وتصيب الفكر البشري على مر العصور، وعلى الرغم من أن النظرة الماركسية إلى الإنسان عموماً هي نظرة تفاؤلية وخيّرة، إلا أن ذلك لا يعني عدم وضع الأمور في نصابها وعدم الأخذ بالحقائق العلمية. وعلى سبيل المثال نحن نعلم أن العدالة لا تتحقق غالباً، لكننا رغم ذلك نسعى دائماً إلى تحقيق الشيء الجميل، تحقيق العدالة.
فالقول إن الإنسان بفطرته مسالم وعفوي وأبيض وشفاف وعادل.. إلخ، هو من التعميمات التي يكذبها الواقع ناهيك بالعلم والدراسات العلمية البيولوجية والوراثية. فمن الناحية العلمية والنظرية ليس كل الناس مبدعين وخلاقين وعادلين ومسالمين، فهناك أناس مبدعون بالفطرة ومسالمون بالفطرة، وهناك أناس ليسوا مبدعين ولا خلاقين، ناهيك بكونهم عادلين أو غير عادلين.
ومعنى أن نكون يساريين اليوم هو أن نكون ماديين واقعيين علميين، حالمين في الوقت نفسه بمستقبل أفضل للإنسان وللبشرية، مستقبل تكون فيه المجتمعات البشرية أكثر عدلاً. وإلغاء الفوارق الطبقية لا يتم إلا إذا توفرت الأسس المادية والأخلاقية والتربوية التي تشترط انتقال الإنسان من طور معين إلى طور حضاري آخر أرقى. وهذا أمر منوط بنضال الإنسان اليومي وعمله الدائب من أجل تغيير الشروط المادية والتاريخية والاقتصادية. مع ذلك سيظل هناك فوارق بين البشر من الناحية النظرية والبيولوجية والوراثية والتسليم بهذه الحقيقة العلمية الواقعية لا يعني ترك الإنسان لمصيره الفطري والبيولوجي والوراثي. فالعلم والتكنولوجيا والتقدم الجاري على قدم وساق في جميع المجالات له دور كبير في تعديل وتحسين هذه الشروط، تماماً مثلما للعامل الاجتماعي والاقتصادي دور كبير في ضبط وتحسين مصير الإنسان وسلوكه وجعله يعيش حياة أفضل وأكثر عدلاً. من هنا يأتي معنى ودور الإنسان اليساري التقدمي الذي يعي هذه الأمور ويعمل بشكل دائب ويومي من أجل توفير وخلق الظروف التي تجعل هذه الأهداف قابلة للتحقيق الفعلي والعملي وليس مجرد أمانٍ وتصورات مثالية ونوايا حسنة.
إن إطلاق وتعميم مقولة الإنسان المبدع الخلاق العادل والمسالم بفطرته، كما مقولة الإنسان ذئب لأخيه الإنسان بإطلاقها وعموميتها، خاطئتان، وإلا فما معنى أن يعمل الإنسان لتغيير مقولة الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وما معنى التسليم بمقولة الإنسان المبدع الخلاق والعادل والمسالم بفطرته إذا كان مساره قد خالف هذه المقولة. إن تعليل ذلك بالأسباب والعوامل الشرائحية الطبقية على أهميته وخطورته لا يكفي.
وإذا أردنا الحديث عن الأمور الفطرية فأنا أرى أن الإنسان بطبعه يغلب عليه حب التملك والسيطرة والتفوق على الآخرين، وقسم كبير من الناس إذا استطاعوا إيذاء الآخرين بطريقة أو بأخرى من أجل الوصول إلى أهدافهم فلن يترددوا في فعل ذلك، إلا إذا وقف في وجههم عائق ما أو رادع ما. قد يكون هذا الرادع أو المشجع، امتلاك أو عدم امتلاك الثروة، أو قد يكون شيئاً آخر قانونياً أو أخلاقياً، أو تربوياً.. إلخ. وبالتأكيد يمكن اعتبار العامل الطبقي هاماً وخطيراً في دفع أو كبح ميول الإنسان، ولقد رأينا مجتمعات وأنظمة ألغت إلى حد كبير الفوارق الطبقية، لكن النتيجة الفعلية كانت ظهور طبقات جديدة محل الطبقات القديمة مارست القمع ولم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية كما نتصورها. فدكتاتورية البروليتاريا لم تتحقق، وإنما تحقق عوضاً عنها طبقة أخرى طبقة الإنابة، من أنابوا أنفسهم عن طبقة البروليتاريا، وتسلموا مقاليد الحكم فمارسوا الديكتاتورية، والعنف والسيطرة، ناهيك بعدم تحقيق العدالة الاجتماعية كما ينبغي أن تكون.
هل كان الإنسان ما قبل الطبقات بفطرته مسالماً وعادلاً وشفافاً؟! لسنا متأكدين من هذه المقولة، وهناك شواهد وأدلة تكشف عن ممارسات قتل وعنف وسيطرة، وإذا وصف الإنسان بأنه حيوان اجتماعي، فلا يجب أن نستغرب كثيراً لأن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو بالضبط وصفه بأنه اجتماعي يملك عقلاً ووعياً جعلاه يسعى إلى ضبط شهواته وغرائزه وحبه للتملك والسيطرة. وهو لم يفعل ذلك إلا لأنه كان مضطراً لتعاونه مع الآخر، من هنا إنشاؤه للمجتمع الذي يعيش فيه. ولا شك أن الإنسان استطاع أن يوجد مجتمعه وأن يتعاون مع الآخرين، لكن هذا المجتمع وهذا التعاون لا يزال يقوم على السيطرة والاستغلال، استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. ومعنى أن يكون الإنسان يسارياً تقدمياً، كما قلنا من قبل، هو أن يعي هذه الحقائق وأن يعمل على إنشاء مجتمعات أكثر عدلاً ومساواة عبر تغيير الشروط المادية والتاريخية والاقتصادية والتربوية والأخلاقية، وبضمنها تغيير شروط الإنسان نفسه، وإنشاء أسس جديدة لتعاون الإنسان مع الآخر وتعايشه معه. نقول هذا الكلام ونؤكده ونتساءل بمرارة هل كان الماركسيون أنفسهم متسامحين وعادلين بعضهم تجاه بعض عندما كانوا في السلطة أو حتى خارج السلطة؟ مع أنهم جميعاً كانوا يؤمنون ويدّعون أن إزالة الفوارق الطبقية هي علة العلل.
وفي رأيي أن الإنسان لا يزال ذلك المجهول الكبير الذي نبحث فيه وعنه، عن إجابات أكثر دقة. ورغم التقدم الكبير في العلوم الإنسانية وكذلك علم النفس والوراثة والبيولوجيا إلا أننا لا نزال في بداية الطريق، ومسار الإنسان الحضاري لا يتعدى بضعة آلاف من السنين، وعليه قطع شوط آخر إلى الأمام. وإذا كان فوكوياما قد تحدث عن نهاية التاريخ بمعنى أن الرأسمالية والليبرالية هي نهاية المطاف فإن ماركس قد تحدث، ولكن بشكل غير مباشر، عن نهاية أخرى للتاريخ ينتهي فيها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وعندئذ يبدأ تاريخ آخر حقيقي للإنسان.
إنها نظرة مغرقة في التفاؤل، ولكن هل باستطاعتنا أن لا نعمل ولا نتفاءل؟
أخيراً، ربما كان الكاتب الفاضل من أصحاب الرأي الذي يقول إن الطفل عندما يولد يكون كالصفحة البيضاء، ثم تأتي البيئة والحالة الاجتماعية والتربوية.. إلخ، لتملأ هذه الصفحة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم العقل المكتسب. وهذا العقل المكتسب على الرغم من أهميته البالغة، إلا أنه لا يطغى على ما نسميه بالعقل الفطري، فالعقل الفطري يبقى هو الأساس والأهم والأقوى، والعقل الفطري ذاته ليس صفحة بيضاء كما كان يُعتقد، وإنما هو آت وراثياً من أجيال مغرقة في القدم، وهو ما يعطي الشخص صفاته الأساسية، والعقل الفطري لا يكون متساوياً عند جميع البشر، فالإبداع والخلق والشفافية والتوازن، وحتى حب الآخرين لا يتساوى فيها البشر من حيث عقلهم الفطري. وربما من هنا أهمية دور العقل المكتسب لأنه هو الذي يتدخل عبر الوسائل المتقدمة في تصحيح أو دعم ما هو موجود في العقل الفطري عند الإنسان، وهو يقودنا إلى سؤال حيّر الفلاسفة وعلماء الاجتماع هل الخلاص ممكن على هذه الأرض؟! الخلاص من شقاء الإنسان وتعاسته؟ الخلاص من الحروب والكوارث والأزمات، الخلاص من القتل والعنف والسيطرة؟
هل هذا ممكن؟ الأديان عموماً ترى أن الخلاص الحقيقي هو في عالم آخر، عالم ما وراء الطبيعة، قسم من الفلاسفة وعلماء الاجتماع ومنهم الماركسيون يرون أن الخلاص ممكن على هذه الأرض، إنها نظرة متفائلة وخيّرة. وأنا أرى أن هذه النظرة صحيحة من حيث المبدأ، وعلينا أن نتمسك بها ونعمل من أجل تحقيقها شئنا أم أبينا، بشرط أن نعلم ونعرف الأسس التي يمكن أن تحقق لنا هذا الخلاص.



#مصطفى_عشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مصطفى عشماوي - (ماذا يعني أن تكون يسارياً اليوم؟