أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماء العينين لكحل - الثورات العربية وخطر الإجهاض















المزيد.....


الثورات العربية وخطر الإجهاض


ماء العينين لكحل

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 08:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"ستبذل القوى الغربية جهدها لإجهاض الربيع العربي". قد يبدو هذا التصريح غريبا لدى بعض القراء العرب من حسني النية، وممن صدقوا أن فرنسا ساركوزي، أو أمريكا الرأسمال المتوحش، أو اتحاد أوروبا اليمينية مهتمين لمصير الشعوب العربية، ويدعمون ثورات هذه الشعوب المقهورة التي كانت إلى الأمس ولا زالت ترزح تحت حكم أنظمة رجعية ديكتاتورية مدعومة ومباركة من العم سام، والعمة العجوز، أوروبا وبقوة.
لكن بتتبع الأحداث، وبقليل من التروي في معالجتها وتحليلها يمكن أن تبرز للمتتبع الفطن نقاط إشارية توضح حقيقة هذا الحراك الغربي في المنطقة العربية. كما أن مقارنة بسيطة بين ردود فعل القوى الدولية على كل ثورة على حدة توضح بجلاء تزاحم الأجندات الغربية في كل من هذه البلدان. فردة الفعل على الثورة التونسية، ليست مماثلة للثورة المصرية، والتعتيم الإعلامي الغربي على المجازر بالبحرين وبالصحراء الغربية، ليست هي نفس السياسة المتبعة في ليبيا أو سوريا حيث انبرى الإعلام ليس فقط للتغطية الحية كما في أفلام هوليود، بل وتفاعل مع سياسات بث الإشاعات التي أطلقها حلف "الناتو" لزعزعة أتباع القذافي، وهو ما ظهر بجلاء مثلا في إشاعة خبر كاذب حول اعتقال سيف الإسلام القذافي لبث الرعب والتذبذب في الفصائل العسكرية التي تتبع نظام أبيه وهو ما أثمر بالفعل استسلام عدد من هؤلاء أو على الأقل تخاذلهم في مقاومة الهجوم على طرابلس التي سقطت بسهولة.
وطبعا، لا بد لهذه "الحملة من أجل دمقرطة" العرب من شعارات. فكما كانت الحرب على العراق تحت شعار "تدمير أسلحة الدمار الشامل" و"دمقرطة العراق"، فإن شعارات "الإستقرار والأمن والديمقراطية"، هي الشعارات او الموجة التي تركب عليها الدعاية الغربية الآن من أجل فرض خياراتها في تونس وغيرها. ولكن هذا الإستقرار يعني في النهاية "استقرار" أي نظام سياسي يخدم الغرب، ويحفظ "أمنه" الإقتصادي والجيوسياسي، أما "الديمقراطية" في عرف الغرب، فهي التوصل إلى صفقات سياسية بمكياج ديمقراطي تجلب أنظمة منتخبة ولكن "واقعية" وبراغماتية تعرف كيف تتعامل مع القوى السيدة والسائدة، الغرب وامريكا، وتعرف كيف تسيطر على شعوبها بكافة أنواع المسكنات.
وقطعا أن التحليل الذي نقترحه في هذه العجالة لا يحاول بأي شكل من الأشكال الدفاع عن الأنظمة العربية التي أجرمت في حق شعوبها وفي حق مستقبل أجيالها ومصائرهم أكثر من الغرب الإستعماري. كل ما نريده هو تلمس الطريق لفهم دواعي الإختلاف في ردود الفعل الغربية من كل ثورة، ونرمي كذلك إلى التنبيه أن مقاومة الشعوب العربية لأنظمتها لا يجب أن تنسينا أن العدو الحقيقي الذي وقف دائما خلف هذه الأنظمة هو نفس هذا الغرب الذي يحاول مداهنة الشعوب للإلتفاف لاحقا على مكاسبها ومن هنا وجب الحذر.

تونس الخضراء
لقد كانت الثورة التونسية مفاجأة بحق للجميع، سواء في الشرق أو الغرب، بل أن النظام التونسي البائد بمخابراته وأحلافه الغربية النافذة و"المطلعة" لم يستوعب جيدا ما حصب، لهذا كان النصر حليف الشعب التونسي سريعا، خاصة أن القوى الغربية، خصوصا فرنسا، قد أخذت على حين غرة فلم تتمكن من إنقاذ محيميها بن علي. غير أن الغرب أجمع، وفرنسا وأوروبا خصوصا يحاول الآن تدارك الأمر، ويحاول بكل الوسائل المتاحة استمالة القوى السياسية التونسية التي يمكن أن تزكي استمرار النظام السابق بوجوه جديدة، ربما بعد إجراء القليل من التعديل أو إن شئتم حقن البلاد ببعض المسكنات الإقتصادية والديمقراطية للتخفيف من أوجاع شعب تونس الذي عانى طويلا من ويلات القمع، والديكتاتورية. وفي النهاية سيظل الصراع قائما، وسيظل التجاذب بين قوى التغيير النابع من المجتمع وحاجياته يلاقي مقاومة شرسة من طرف القوى التي ترغب في عودة الأمور إلى ما كانت عليه مدعومة من فرنسا اليمينية.

مصر الكنانة
تعتبر مصر المخاض الحقيقي لثورات الشعوب العربية بما تمثله أم الدنيا من ثقل سياسي، وتاريخي ومعنوي ليس فقط في العالم العربي، بل وفي إفريقيا والعالم الإسلامي. ويعتقد الكثيرون أن ما حصل في مصر كان ثورة حقيقية خارجة عن كل سيطرة، ثورة فرضت على امريكا والغرب التوقف قليلا لاستيعاب ما يجري، وتبني مواقف سريعة لمسايرة الشعب المصري، حيث تجنبت الإدراة الأمريكية ما أمكنها ذلك استفزاز مشاعر المصريين، ولم تعمد مثلا إلى دعم نظام مبارك إلى آخر لحظة، بل نجحت في إيجاد البديل للرئيس المخلوع عبر التمكين للمؤسسة العسكرية المصرية التي عرفت كيف تلعب دور مخفف الصدمة، وعرفت كيف تساير مطالب الشعب إلى الآن بقدر معتبر من النجاح دون أن تخسر الكثير.
غير أن الثورة المصرية لم تصل بعد إلى بر الأمان، مثلها في ذلك مثل الثورة التونسية، إذ أن الإصلاحات المطلوبة، والتغيير الملح الضروري والأساسي لنجاحها لا زال يحتاج للكثير من الجهد من طرف ثوار المحروسة، ويحتاج الكثير من الإبداع ومن الذكاء في ركوب أمواج هذه "الإكراهات" التي يعاني منها أي نظام مصري محتمل، خصوصا فيما يتعلق ب"التوفيق" بين مشاعر الشعب المصري القومية والعروبية والإسلامية المشروعة، مثلا فيما يخص قضية فلسطين، وبين التزامات أي نظام مصري مع أمريكا، والغرب ومع إسرائيل بالأخص. ولقد شكلت مطالب مختلف القوى السياسية المصرية بقطع العلاقات مع إسرائيل، وإلغاء كامب ديفيد وغيرها رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته سنوات قادمة من الصراع السياسي على هذه الجبهة، صراع يخشى الغرب أن يهدد "مصالحه" في حماية إسرائيل، و"مصالحه" في ضمان "استقرار" يساعد على استمرار "الأمن" في الشرق الأوسط. هذا إن كنا نستطيع تسمية ما يجري في الشرق الأوسط من ظلم ضد الفلسطينيين والعرب عموما ومنذ عقود: "استقرارا" و "أمنا" من الأساس. ولكن هذا هو على الأقل قراءة العالم الغربي "للإستقرار" و"الأمن" أي استقراره هو، وأمنه هو بغض النظر عن مصالح شعوب المنطقة.
ولسوف تعمل الإدارة الامريكية، والقوى الغربية الأخرى على دعم كل التوجهات السياسية المصرية التي قد تساعدها على السيطرة على الوضع هناك، بل هي مستعدة لإيجاد صيغ تفاهم مع التيار الإسلامي، خصوصا الإخوان المسلمون، إن تطلب الأمر، وذلك لأن النموذج التركي وما يمثله من اعتدال وبراغماتية ساعد الغرب على القبول بأي حكومة "إسلامية" معتدلة تتبنى سياسات براغماتية وسطية تسمح بضمان "استقرار وأمن" المصالح الغربية. وهو احتمال وارد ايضا بالنسبة لتونس الذي يمكن للغنوشي وحركته أن يلعبا دورا محوريا في المستقبل.

ليبيا والبحرين
إنه لمن المثير للإهتمام في نظري الإنتباه إلى اختلاف التعامل الغربي مع ما جرى ويجري في ليبيا والبحرين خصوصا، لأن اختلاف السياسة الغربية/العربية تجاه البلدين مؤشر واضح على صحة الإستنتاج بأن ما يهم الغرب (وأعرابه) في نهاية الأمر هو "استقرار مصالحه وأمنها" ولا شيء آخر، بل ولتذهب كل الشعوب العربية والإفريقية للجحيم.
فبالنسبة للموقف الغربي مما حصل في ليبيا، لاحظنا أن اتخاذ الموقف العسكري من طرف الأمم المتحدة، ثم حلف النيتو لم يأخذ وقتا طويلا، ببساطة لأن الغرب، كل الغرب لا يرى في ليبيا إلا بترولها وغازها الطبيعي الذي كان يتحكم فيه القذافي، وهو الحاكم غير المضمون، والمشاغب إن لم نقل "المخبول" الذي لم يتمكن الغرب قط من مجاراته أو التحكم فيه مائة بالمائة. إذا، أن يتخلى الغرب عن دعم القذافي بهذه السهولة، وأن تقوم فرنسا بنفسها بالإشراف على "ثورة" المجلس الإنتقالي لتدعمه بكل ما أوتيت من قوة، فهذا ليس اعتباطا، ففرنسا تريد انتزاع الثروة الليبية لنفسها، ولقد انتزعتها أيما انتزاع من أيدي إيطاليا، التي فشلت في لعب دور فعال في "الثورة" بصفتها المستعمر السابق. فهل يمكن أن نصدق حقا ان فرنسا، التي نكلت بآلاف المواطنين الفرنسيين داخل حدودها بسبب أصولهم الإثنية (قضية تهجير الروم والغجر مثلا)، منشغلة بمصير شعب ليبيا؟ وهل يمكن أن نصدق أن نظام ساركوزي قد بات "ثوريا"؟ وهل فرنسا التي ترفض الإعتذار للشعوب الإفريقية عما ارتكبته ضدها من مجازر بشعة ولا إنسانية، تهتم لمعاناة شعب عربي، إفريقي ومسلم؟
لكن فرنسا لم تتوان عن دعم الثوار في ليبيا لإزاحة القذافي، ولا يهمها نوع النظام القادم، ولا يهمها الشعب الليبي ولا مصالح الشعب الليبي، مادامت القيادة القادمة ستكون طيعة ومتعاونة مع قصر الإليزيه و"مصالحه". بل إن باريس لم تنتظر حتى استقرار الأوضاع هناك، لتبدأ فعليا بالتأثير على قيادة المجلس الإنتقالي الذي بدأ مباشرة وحتى قبل استباب الأمر له في لعب دور مكبر الصوت للدعاية الفرنسية ومختلف الأكاذيب المختلقة ضد الجارة الجزائر، وضد جبهة البوليساريو، خدمة لفرنسا وللمغرب. ومن المرجح طبعا أن تصبح ليبيا "المجلس الإنتقالي" رأس حربة النظام الفرنسي في القارة الإفريقية وفي شمال إفريقيا بل والعالم العربي. ومن المنتظر أن تقوم بكل الجهود الممكنة لمهاجمة الجزائر والجمهورية الصحراوية (العضو في الإتحاد الإفريقي) في كل المنابر الممكنة. كما أنه من غير المستعبد أن تشكل ليبيا "الواقعة تحت السيطرة" الفرنسية خنجرا فرنسيا في خاصرة مصر وتونس إذا ما نجحت الثورة بهذين البلدين.
وطبعا، لا يمكن أن نبخس الشعب الليبي حقه، بل أن هنالك حتما مناضلون شرفاء ليبيون قدموا تضحيات جسام للتخلص من نظام القذافي الذي أطبق على أنفاسهم طويلا، ولكن واقع الأحداث يشير إلى أن الغلبة، والقوة والتأثير هي في أيدي حلف فرنسا بليبيا وليس في أيدي القوى السياسية الشعبية الحقيقية التي لم تتمكن من التشكل فعلا، أولا بسبب عدم قدرتها على التشكل سابقا في عهد القذافي الذي كان حتما سيضربها بيد من حديد، ولا هي تمكنت من التشكل الفعلي في خضم المعارك الدائرة في ليبيا لعدم استقرار الظروف للعمل على تأسيس حركة سياسية شعبية وطنية حقيقية تحدد أهدافها وأحلافها وتوجهاتها. غير أن الوضع في ليبيا لا زال في أوله وسيحتاج ربما عقودا للوصول إلى أي استقرار، هذا إذا لم تنشب حرب أهلية قد تغذيها الصراعات القبلية التي يمكن تغذيتها، بالإضافة إلى اجندات الغرب.

البحرين
المثير في موضوع البحرين، أن لا أحد يتحدث عما حصل فيها بعد أن كتمت صرخة هذا الشعب في مهدها بتعاون الجميع، من أمريكا، وأوروبا، ودول الخليج، ووسائل الإعلام العربية والغربية على حد سواء. ولكن عند معرفة السبب يبطل العجب.
إن البحرين، هذا البلد الصغير، الذي تشكل الشيعة فيه حوالي 70 في المائة، والذي عرف منذ عقود ثورات وانتفاضات عديدة، وقمعا وترهيبا لا مثيل له، هو القاعدة العسكرية للأسطول الخامس الأمريكي، أكبر أسطول أمريكي في العالم، ويقع جغرافيا على التخوم الشرقية الجنوبية للعربية السعودية، ويواجه الجزء الأغنى في السعودية من حيث النفط والغاز، وبالتالي فإن أمريكا لا تستطيع بأي حال من الاحوال السماح لأي نوع من التغيير أو الثورة في البحرين، خصوصا إذا كانت هنالك إمكانية ان تنتج هذه الثورة نظاما ديمقراطيا حقيقيا يمثل القوى السياسية البحرينية التي تصارع منذ عقود، أو نظاما مبنيا على أساس عقائدي يعطي للأغلبية الشيعية الغلبة وربما يجعل البحرين نقطة اجتذاب للتأثير الإيراني القريبة جغرافيا.
إذا هذين العاملين الأساسيين: عامل الأهمية الإستراتيجية العسكرية للبحرين بالنسبة لأمريكا، وعامل قربها الجغرافي من السعودية وسيادة الأغلبية الشيعية في هذا البلد الصغير، ساعدا على تبني الغرب دون تردد لرغبات دول الخليج في كتم أنفاس أي ثورة بحرينية، ولو عبر تقتيل الثائرين، وتشريدهم، والتعتيم عليهم، ودائما من أجل شعار "الإستقرار والأمن" في المنطقة.
إذا، يمكن أن نستشف هنا أن ردة الفعل الغربية والعربية في حالتي ليبيا والبحرين قد اختلفتا بسبب اختلاف النظامين الديكتاتوريين في البلدين. فكلا النظامين في نهاية المطاف نظام ديكتاتوري، حيث أن ليبيا القذافي لا تختلف في الشيء الكثير عن بحرين النظام الخليفي من حيث القمع، والإستبداد، والتنكيل بالمواطنين، ولكن الإختلاف هو في درجة "تعقل" هذا الحاكم من ذاك، فكان خيار التخلص من القذافي المشاغب من طرف القوى الغربية أسهل الطرق لضمان "المصالح"، في حين أن ضمان استمرار سيادة النظام الخليفي على البحرين يصب في صالح الغرب و"استقراره" و"أمنه".

واليمن
ربما أن الموقف الغربي والعربي (الرسمي دائما) من الثورة في اليمن يشابه إلى حد كبير موقفهما من البحرين. فالغرب والأنظمة العربية لا تريد للثورة اليمنية أن تنجح، ولكن كذلك لم تتمكن من كتم أنفاسها مثلما حصل في البحرين بسبب قوة هذه الحركة، وزخمها المليوني الذي لم تستطع وسائل الدعاية العربية والغربية إلا أن تنتبه إليه وإن باحتشام.
الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب عموما، ولكن أيضا السعودية والأنظمة العربية، دعمت علي عبد الله صالح دائما لتخوفها مما يمكن أن تأتي به الثورة اليمنية إذا ما سقط. وبالتأكيد أن الحرب ضد الحوثيين، ووجود عاملي المكون الشيعي بالمنطقة، بالإضافة إلى "عناصر القاعدة"، هي "البعبع" الذي رفعه النظام دائما لضمان دعم أمريكي شامل لسيطرة نظام صالح رغم ما كان يعتمل داخله من صراع داخلي وعدم انسجام، خصوصا بين الشخصيتين القويتين بالبلاد: الرئيس اليمني الحالي، علي عبد الله صالح، واللواء علي محسن الأحمر، الذي التحق كما هو معلوم بصفوف الثورة بعد إحدى المجازر التي ارتكبها النظام ضد المتظاهرين بساحة التغيير.
وبطبيعة الحال أن سبب القلق الغربي من تغيير النظام هو الخوف من أي نظام قادم قد "يهدد" أمن السعودية، البقرة الحلوب التي تدر نفطا وغازا ودعما ماديا للمشاريع الغربية في المنطقة، إضافة إلى الإحتمالات الكبيرة للتأثير الإيراني على البلد بفضل القوة الشيعية جنوب البلاد.
وهنا أيضا يتكشف النفاق الغربي الذي يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بيد، في حين يدعم أنظمة فاسدة متخلفة مترهلة كل فائدتها أنها تدر على القارة العجوز وامريكا مصادر الطاقة وبأبخس الأثمان في حين تقصف أعمار شعوبها وتضيع مستقبل أجيالها الصاعدة اليائسة.

الصحراء الغربية
ومرة أخرى، نصل إلى أبلغ الأمثلة على النفاق الغربي حين نلقي نظرة على تعامل الغرب مع المقاومة الصحراوية التي كانت، باعتراف مفكرين بقامة المفكر والعالم الأمريكي ناعوم تشومسكي، الشرارة الأولى التي أطلقت رياح التغيير العربية. إن السياسة الفرنسية الرسمية تجاه القضية الصحراوية واضحة للعيان، وتتلخص في الدعم التام واللامشروط للإحتلال المغربي لحد استعمال الفيتو وكل وسائل الدعاية الفرنسية للتعتيم على كفاح شعب الصحراء الغربية، خصوصا في مناطقها الواقعة تحت احتلال المغرب.
فرنسا، لا تقف عند هذا الحد فقط، بل تحاول محاصرة الشعب الصحراوي، وكل القوى التي تدعمه، خصوصا الجزائر، في محاولة لتجفيف منابع الدعم السياسي للمقاومة الصحراوية. ونتوقع أن تنتقل فرنسا، بفضل نجاحها حتى الساعة في خلخلة الوضع في شمال إفريقيا إلى الهجوم على الجمهورية الصحراوية داخل الإتحاد الإفريقي، هذه المرة بالمال الليبي.
وبطبيعة الحال، فإن السياسة التي يتبعها المغرب وفرنسا (التي نعتبرها الضامن الحقيقي لاستمرار الإحتلال المغربي في الصحراء الغربية)، بالإضافة إلى اسبانيا، تعتمد على مجموعة من الأهداف التي تتكاثف جهود هذه القوى لتحقيقيها، واولها دون شك هو ضرب جبهة البوليساريو، كحركة التحرير الممثلة شرعيا للشعب الصحراوي ولكفاحه من أجل الإستقلال منذ انطلاق كفاحه ضد الإستعمار الأسباني سنة 1973. وفي هذا الإطار يمكن إدراج كل محاولات الرباط في خلق "قيادات وهمية"، وإطارات سياسية يقودها متساقطون وانتهازيون صحراويون، وإطلاق كل أنواع التهم والأكاذيب لتشويه صورة الكفاح الصحراوي السلمي وإلصاق تهم الإرهاب به الى آخر ذلك من السياسات المعروفة، والتي كان آخرها ادعاء الإعلام المغربي الرسمي باعتقال المجلس الإنتقالي الليبي لما اسمتهم "مرتزقة البوليساريو" وهو الإدعاء الخالي من الصحة بدليل أن لا أحد نقل هذه الأخبار لأن المجلس لم يقم اي دليل على وجود عضو واحد من البوليساريو في ليبيا كلها.
وهنا أيضا يمكن القول أن ما تخشاه فرنسا، وربما الغرب بصفة عامة، هو أن يفضي استقلال الصحراء الغربية لإنشاء دولة ديمقراطية عصرية غنية وتقدمية ترفض الخضوع للتأثير الفرنسي، في حالة ما نجحت الأمم المتحدة في تنظيم استفتاء لتقرير المصير كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة. في هذه الحالة سيجد نظام الرباط الملكي نفسه جارا لنظام ديمقراطي قد يدفع الشعب المغربي لمطالب أكثر "تقدما" تنشد إسقاط النظام الملكي القروسطي للتأسيس لنظام جمهوري في المغرب.
وطبعا هناك أسباب كثيرة أخرى لسعي فرنسا الحفاظ على السيطرة الإستعمارية المغربية على الصحراء الغربية، خصوصا لضمان "الأمن" الإقتصادي المغربي، إذ أن السيطرة الفرنسية-المغربية على الصحراء الغربية تضمن استمرار نظام الرباط في ممارسة الإستنزاف الممنهج لثروات الصحراء الغربية لفائدة الشركات الأوروبية عموما. ومعروف أن الصحراء الغربية غنية ليس فقط بالثروات السمكية، والفوسفاط، بل هناك مؤشرات قوية على غناها بالنفط، والغاز، والماس، واليورانيوم وغيره من الثروات وهي الثروات التي يبدو أن المغرب مستعد لاقتسامها مع إسرائيل والغرب لضمان دعم اللوبي الإسرائيلي بواشنطن.
أضف إلى ذلك أن إحدى غايات فرنسا الرئيسة تتمثل في ضرب الدولة الجزائرية الحليف التاريخي للمقاومة الصحراوية، وهو ما سيتأتى لباريس فقط حين تنجح في استكمال أظلاع الكماشة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، على الجزائر من كل الجهات: ليبيا وتونس من الشرق في حال نجاح فرنسا في السيطرة من جديد على السياسة في تونس ونجاحها في السيطرة على نظام ليبيا القادم، والمغرب و(الصحراء الغربية المحتلة نهائيا من طرف نظام الرباط) من الغرب، وموريتانيا ومالي والنيجر من الجنوب، وهي دول تقع تقليديا ضمن ما تبقى من مجال النفوذ الفرنسي بإفريقيا.
كما أن البعد الجيوسياسي حاضر وبقوة في الموقف الفرنسي/الغربي عموما. فالمغرب حين ينجح في "شرعنة" احتلاله للصحراء الغربية يشكل قاعدة جد هامة للإنطلاق إلى عمق القارة الإفريقية، ويدخل بالتالي في صلب اهتمام أمريكا وفرنسا مثلا، فلا يجب أن ننسى أنهما ترميان ببصرهما منذ سنوات على عمق ما يسمى دول الساحل والصحراء الكبرى، والتي ستكون في المستقبل مجالا لصراعات أكثر خطورة على الثروات الطبيعية والسيطرة العسكرية لوقف الزحف الصيني، ولكن هذا موضوع متشعب آخر يستحق لوحده دراسات شاملة لاستشراف ابعاده وغاياته.

خاتمة:
إن ما أثارته الشعوب العربية من ثورات وحراك سياسي فاعل وفعال ليس بالقطع نتيجة "لمؤامرة" خارجية، قطعا لا، بل هو نتاج طبيعي لعقود من القهر، والقمع، والتجويع، والتفقير وهدر الكرامة، وهو انتفاضة إنسانية، وتعبير أصيل عن رفض للخنوع ورغبة في التغيير، وفي استرجاع الكرامة الإنسانية العربية المهدورة على أيدي أنظمة متعفنة، فاسدة، فارغة إلا من عمالتها للغرب المتسلط على مصائرنا جميعا. ولكن بالمقابل، يجب أن ننتبه كشعوب وكمثقفين وكمناضلين في أي مكان من العالم بأن "الشعب الذي يريد.." مطالب بالإنتباه إلى حماية "إرادته" من أن تسلب منه من جديد بعناوين جديدة، وحكام جدد، ومصالح جديدة تصب في النهاية في صالح نفس القوى المسلطة على رقابنا: الغرب وقواه ومصالحه وشركاته ورأسماله المتوحش الذي لا يرى منا نحن الشعوب العربية، والإفريقية والعالم ثالثية سوى ثرواتنا، وخيراتنا، وقوانا العاملة الرخصية، وأسواقنا الإستهلاكية التي تستعمل من طرف أسياد هذا الزمن لتسويق بقايا سلعهم لضمان استمرار انتفاخ جيوبهم على حساب فقرنا وتفقيرنا.
وبطبيعة الحال، أن هذا الصراع منتظر، وأن استسلام الغرب وأتباعه من الحكام والأنظمة لإرادات الشعوب غير ممكن بتاتا، بل لا مفر لكل الشعوب المنتفضة من مواجهة الأمرين للوصول إلى ما تصبو إليه.
المهم أن تدرك جيدا وتحدد بدقة: مالذي "تريد"؟
------------------
ملاحظة: ليست الأفكار والحجج الواردة في هذا التحليل هي الوحيدة الممكنة، والمتوفرة لفهم ما يجري في المنطقة عموما، ولا لتحليل وضعية كل بلد على حدة، بل هناك عدد كبير من الحقائق والحجج التي لم نستطع إيرادها في هذه العجالة تفاديا للإطالة واكتفينا بتقديم ما تيسر من أمثلة على أسباب اتخاذ الغرب هذا الموقف أو ذاك. كما أن تحليلا معمقا لوضعية كل بلد لا زالت تحتاج للمزيد من المتابعة لعدم اكتمال الثورات العربية التي نعتقد أنها في أطوراها الأولى فقط ولا زالت تحتاج لعقد من الزمن على الاقل لتتبلور بشكل أكثر استقرارا. من جهة أخرى لم نتطرق للوضع في سوريا وفلسطين والسعودية والعراق وغيرها لأنها مواضيع تحتاج لحيز أكبر لا مجال له هنا.



#ماء_العينين_لكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماء العينين لكحل - الثورات العربية وخطر الإجهاض