أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سارة سلام - في التكتيك، جماعة العدل و الإحسان حزب النهج الديمقراطي بداية تشابك الأصابع و قراءة الفاتحة















المزيد.....


في التكتيك، جماعة العدل و الإحسان حزب النهج الديمقراطي بداية تشابك الأصابع و قراءة الفاتحة


سارة سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 01:09
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    




ليست هذه محاولة طرح نظري في طبيعة علاقات التكتيكي بالإستراتيجي، رغم حضور هذا الطرح ضمنيا في فكر كاتبة هذه الأسطر، فهو ليس محوريا في محاولتنا هذه كي نبسطه على القارئ، كما لن نسمح لأنفسنا و من منطلق ذاك الطرح النظري الضمني، التعامل بمنطق "الحكم النظري" في ما تطرحه من تكتيك بعض القوى التي تهمنا هنا في هذه المحاولة.
محاولتنا هذه، هي إذن لوضع القارئ في صورة ما يعتمل اليوم وسط نضال جماهير شعبنا، كي نرى أي وجهة هي وجهة تلك القوى في ظل الوضع الراهن. فالكل يهتف باسم جماهير شعبنا، و يعمل وفق منظوره و موقعه، و لسنا نحيد عن هذا، لكنا نرى البعض، كما قد يرانا أحد أطرافه، يعمل عكس ما يهدف إليه اتجاه طموحات شعبنا في التحرر الفعلي، في الوقت نفسه يتقدم طرف آخر، خلسة و خطوة خطوة في الظلام، عله يفوز برضي مولاه، ليرسي بعد تكتيكه سفينة ربه على بره.

المراد هنا بهذه القوى هما جماعة القتل و الإجرام و حزب النهج الديمقراطي.

قبل البدء، قد يتساءل البعض، و بالتحديد من لا تروقهم مثل هذه المحاولات بدءا من عنوانها. و لما بالضبط هذه القوى و ليس غيرها، مع أن هناك أطرافا أخرى متواجدة في الميدان و تعمل هي الأخرى على أخذ مواقع لها وسط حركة جماهير شعبنا وهي تهتف "الموال" نفسه. جوابنا هو أبسط من سؤالهم إن هم طرحوه: هناك تنظيمين سياسيين (إلى جانب أخرى ضعيفة جدا هي لتأثيث جوانب الصورة الداخلية لحركة 20 فبراير لا أكثر) فقط من يعمل و لحدود اللحظة خارج مؤسسات النظام الشكلية التي يرفضها شعبنا. فكلا التنظيمين يضع شروطا مسبقة محددة اليوم في المطالب السياسية التي ينادونا بها وسط حركة 20 فبراير. في حين أن كل القوى الأخرى المتواجدة ميدانا انخرطت منذ زمن في العمل من داخل تلك المؤسسات الشكلية للنظام الذي قاطعت جماهير شعبنا انتخاباته، و قاطعت استفتاء دستوره الذي تحت سلطته تعمل تلك القوى و لحدود اللحظة داخل مؤسساته الشكلية. لذلك هي "تكتيكات" (حقيقة هي لا ترقى إلى مستوى التكتيكات بقدر ما هي ردود أفعال لمن فقد القدرة على الفعل اتجاه النظام و سياساته) هذه القوى متناقضة في الآن نفسه و ملخبطة حد التوهان ، هي تعبير عن انهيار" بنيانها الفكري و السياسي" و تمزقها أمام الآلة السياسية للنظام القائم.

لنأتي الآن إلى أصحاب التكتيك من خارج مؤسسات النظام و المركزة اليوم داخل حركة 20 فبراير.

يحدد الطرفان معا في ما "يشبه" اتفاقا سياسيا غير "رسمي"، مطلبهم الأساسي في وضع حد للاستبداد و الفساد، بدءا و من جهة الاثنين بدستور ديمقراطي يضعه مجلس تأسيسي يختاره الشعب عن طريق التصويت، يضمن فصل السلط و سيادة القانون، و ينزع طابع القداسة عن الحاكم و ينهي عهد الحكم الفردي المطلق.
رغم أن هذا المطلب لم يكن يوما حتى في القاموس السياسي لجماعة القتل و الإجرام، فقد اتخذته اليوم شعارا لها و وضعته في أولى أولوياتها، و هو ما يعتبره البعض تنازلا من الجماعة أو تحايلا منها، و يعتبره البعض الآخر تقدما منها. لن نجادل تقييم هؤلاء، بقدر ما سنتجه لمعرفة كيف ترى الجماعة هذه المطالب السياسية رابطا بينها و بين مشروعها في إقامة مملكة رب عيسى (ها) على أرضه.

قبل ذلك، لنعرج قليلا على الطرف الآخر من الاتفاق "اللاسلكي" بين الطرفين، علنا نجد ما قد يربطنا بما هو حادث الآن من تجاذب في المواقف و المواقع. فقد صرح منذ بضع سنوات من هذا القرن (سنة 2003 ) في ظل شروط داخلية و خارجية محددة، أحد رموز حزب النهج الديمقراطي، أن من شروط الحوار بين حزبه و الجماعة بحكم ما يعتقدونه من صيرورة عزلتهم السياسية آنذاك هو: " النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي عبر إقرار دستور ديمقراطي و التصدي للإفلات من العقاب...." ، " الدفاع عن شعبنا في مواجهة الهجومات ضد قوته اليومي و ضد حقه في التعليم و الصحة..."، بالإضافة إلى شرط " تقديم نقد ذاتي على التحالفات المشبوهة السابقة مع الامبريالية و الرجعية و على الجرائم المرتكبة في حق المناضلين السياسيين....". ليكتب نفس الرمز الحزبي سنتين بعد وضعه لشروطه تلك، و سنة بعد ارتمائه وسط ما سمي آنذاك بميثاق "تجمع اليسار الديمقراطي"، موقفه من الإسلام السياسي و مشروعه بالمغرب ، إذ يقول " الذي يرتكز في الاعتقاد بأن الإسلام دين و دولة و أنه صالح لكل زمان و مكان يجب أن نقول بكل وضوح أننا نختلف جذريا مع هذا المشروع و بالتالي لا توجد أي إمكانية في ظل هذا الواقع لأي تحالف تكتيكي أو استراتيجي مع هذه القوى. و مع ذلك يجب أن يكون واضحا أن الإسلام السياسي أخذ يتقوى في المغرب و هذا ما يفسر أن مختلف القوى السياسية تحاول إما احتواءه أو استعماله و يطرح علينا أن نفعل في هذا الواقع، ليس عبر مغازلته، و لكن عبر انتقاده بموضوعية و جدية."، و يضيف " ... إننا كماركسيين ـ لينينيين نطمح إلى التغيير لا بد لنا أن نساهم في فضح طبيعة هذا المشروع حتى نلعب دورنا في إفشاله." فينتهي إلى خلاصته الآتية: " نقد أطروحات و ممارسات و موقف الإسلام السياسي نقدا إيديولوجيا و سياسيا دءوبا بهدف إقناع الجماهير بموقفنا و مشروعنا و فضح الطبيعة الوهمية و البالغة الضرر لمشروع الإسلام السياسي و ربح المسلمين إلى صفوف القوى التقدمية و الثورية.".

لسنا نبغي هنا الكشف عن ما قد يعتبر موقفا مبدئيا لزعيم حزب النهج الديمقراطي اتجاه حركات الإسلام السياسي و بالتحديد اتجاه جماعة القتل و الإجرام، و ما (فرضه) يفرضه عليه اليوم الوضع الراهن من تجاوزه لموقفه ذاك و غمد سيف نقده و بعض من شروطه باسم خصوصية و دقة الظرفية من جهة، و باسم انخراط الجماعة و انضباطها لمطالب و نضال حركة 20 فبراير من جهة ثانية. لكن، ما نود التأكيد عليه، هو تمأزق هذا الحزب و تردده الراهن في العمل المباشر و الرسمي مع الجماعة التي لا تعيش اتجاهه المأزق ذاته ( و كأني بهذا الحزب في طور بداية فقدانه القدرة على الفعل التكتيكي الواضح جماهيريا بعد فقدانه لإستراتيجيته). على العكس منه، فبالإضافة إلى أن الجماعة وجدت في حركة 20 فبراير الميدان المناسب جدا للخروج من عزلتها و جمودها السياسي من دون مد اليد لأي طرف سياسي أو تنازل فعلي اتجاه ضغط و حصار النظام لها، هي اليوم قادرة و بقوة على قيادة أي تحالف سياسي من داخل حركة 20 فبراير، بل حتى من خارجها بحكم الأزمة الشاملة و العميقة من جهة، التي أضرت حتى بالبرجوازية المتوسطة دون الحديث عن الضربات القاتلة و المستمرة التي تتعرض لها الطبقات الكادحة يوميا، و من جهة ثانية بحكم الدينامكية النضالية التي تعيشها البلاد سواء في إطار حركة 20 فبراير أو خارجها في سياق الانتفاضات الشعبية الراهنة لشعوب المنطقة. قدرة الجماعة هذه، لا تتمثل مقارنة مع الأطراف الأخرى، فقط في الكم الهائل الذي تستطيع تجييشه و تنظيمه في العديد من المواقع، بل نعتقد أن قدرتها تلك تتركز في جزء لا يستهان به من الفئات الشعبية الكادحة التي تنجر معها و ورائها و التي قد تشكل في الوقت المناسب جيشها الميداني. هذه الفئات العريضة التي هي من المفروض أن تكون جزءا من الأرض الاجتماعية لعمل اليسار، قد تكون من بين الأسباب التي تدفع القائمين على توجيه عمل حزب النهج، ليس في الدعاية لمشروع سلطة الكادحين و الصراع السياسي ـ الإيديولوجي ضد الجماعة و وسط تلك الفئات لتوجيه و تنظيم نضال جماهير شعبنا نحو التحرر الفعلي، بل لوضعه ذريعة إلى الانجرار أكثر في العمل مع الجماعة التي لا يضيرها اليوم أي شيء في العمل و على المكشوف مع ذاك الحزب.
فالجماعة تعتقد جازمة أن لا مصلحة لها اليوم في التسرع والإنفراد بكل السيرورة النضالية الراهنة، لأن في ذلك يكون تبريرا " لعودة" قمع النظام لها من "جديد" و بشدة، مع ما يستبق و يستتبع ذلك من هجمة إيديولوجية ممنهجة لدفعها إلى عزلتها و انكماشها الذٌيْنِ ستساهم فيهما حتى الأطراف الأخرى رغما عنها إن هي ـ الجماعة ـ حاولت قيادة الحركة لوحدها، حيث واقع هذه الأخيرة و قوة الجماعة وسطها يدفعانها لذلك، لذا هي ـ الجماعة ـ مجبرة على التحكم و ضبط إيقاعها الداخلي الذي قد يفوق إيقاع الحركة بحكم طول مدة و قوة الضغط و الحصار الذي عاشته. كما أن عمل الجماعة على تحقيق تلك المطالب السياسية رغم تناقض فكرها؛ منطلقاتها؛ تنظيمها و أساليب عملها إلى أهدافها، مع حاملي تلك المطالب من التنظيمات الأخرى وسط حركة 20 فبراير، هو بالنسبة لها ممر شرعي و قائم، ما دامت لم تمس/تنتقد في مرتكزاتها الدينية ـ الإيديولوجية و مشروعها السياسي الاستبدادي، للوصول إلى تنقية الميدان و تهيئ الشروط السياسية لإسدال ليل الزحف العظيم تدريجيا عن طريق صناديق الاقتراع التي تريدها كغيرها شفافة، حيث سيصعب على كل من غمد سيف نقده و صراعه اليوم قبل الغد ضد الجماعة، وسط الحركة و خارجها، باسم تجميد/تأجيل التناقضات الثانوية و بناء جبهة عريضة "متعددة" سياسيا في قيادتها و غير متحكم فيها من هذا الطرف أو ذاك، حمله من جديد أمام قومة/صحوة جماعة القتل و الإجرام.
قبل أن نتقدم خطوة واحدة في استكشاف مشروع التكتيك المتفق عليه من خلال الديناميكية الحالية إلى حين ترسمته تحت مسمى "التعددية"، نود وضع القارئ و بتركيز شديد في صورة بعض المراحل المميزة في تتبع خط المد الديني عبر ضرب بعض الأمثلة من تاريخ بعض الديانات إبان تشكلها و صيرورة تطورها، و التي تمكننا من استخلاص بعض الدروس الأساسية و على رأسها فشل كل الحركات الدينية في قلب الأوضاع السياسية و الاجتماعية القائمة. بل على العكس من ذلك، تحولت إيديولوجيتها الدينية من موقع المعارض و المناهض إلى موقع إيديولوجية المسيطر، من دون أي تحول يذكر في بنيات النظم الاجتماعية و السياسية القائمة، اللهم انشطار حامليها إلى اتجاهات (بفعل) و التحاق بعض منها و هي قليلة جدا من رجالات تلك الإيديولوجية الدينية إلى مواقع الأسياد، ليشرعنوا بفكرهم الديني هذه المرة تلك النظم القائمة من جهة، و يمنحوا للدين و بقوة السلطة بعده الغيبي ـ اللاهوتي كجوهر لتعاليمه و رسالاته من جهة ثانية.
للإشارة، هناك من يستقرأ التاريخ من زاوية نظر الدين، ليظهر له مدى تقدم هذا الأخير و انتشاره و كذا استجابة الناس له بغض النظر عن طرق توسعه و ظروف اعتناقه، و كأن هذا هو معيار صحة (كمرادف للحقيقة هنا) هذا الدين أو ذاك. كما يستقرؤون التاريخ نفسه في حالة تراجع فكرهم الديني و انكماش مساحته الاجتماعية بابتعاد الناس عنه وعداء السلطة له، و هو كذلك بالنسبة لهم معيار صحة هذا الدين أو ذاك. لغة المعيارين هذه، هي نتيجة لإخضاع منطق التاريخ ل "منطق" الفكر الديني، و كأن الأول يجري في إطار الثاني و ليس العكس. فالتاريخ في النهاية بالنسبة لهؤلاء ما هو إلا تقدم أو تراجع اتجاه الحقيقة التي هي هذا الدين أو ذاك، و هي لا تكتمل إلا بخلق حالة اعتقاد شامل للكل و بنفس الطريقة، أي خلق حالة امتثال مطلقة لا توجد إلا في ذهنية هذا الفكر الاستبدادي المولع بالخضوع المطلق والتماثل الكلي.
فالمسيحية التي ابتدأت في مرحلة تشكلها كإيديولوجية دينية من قلب الفكر الديني اليهودي و انطلقت من تربته الأسطورية، كرد فعل اجتماعي مناهض بهدف الخلاص من اضطهاد سلطة الدولة ـ الإمبراطورية الرومانية، في إطار وضع اقتصادي صعب و سياسي متوتر يميزه الصراع المستمر على السلطة السياسية العسكرية، تحلق حولها العديد من المضطهدين اجتماعيا تحت قيادة فئة متعلمة دينيا و غير ضعيفة اجتماعيا. تحولت في خضم صيرورة طويلة من الاضطهاد الاجتماعي اتجاه حامليها والصراع السياسي الداخلي حول السلطة، و في وضع الحرب و السلم مع قوى خارجية آنذاك، إلى موقع الديانة الرسمية للدولة ـ الإمبراطورية الرومانية (القرن الرابع وفق الحساب التاريخي) من دون أي تحول يذكر على مستوى البناء الاجتماعي و السياسي، اللهم انتقال بعض رجالاتها إلى مواقع الأسياد، و تحولها هي من شكل فكري ديني أسطوري "بسيط" إلى شكل أسطوري أكثر تعقيدا بتفاعله مع فكر فلسفي مبدع في ميتافيزيقيته آنذاك، فأصبحت بذلك السلاح الإيديولوجي القوي بيد نفس الطبقات السائدة و رجالاتها الجدد، لإخضاع المزيد من الفئات و توسيع جغرافية سيطرة الدولة ـ الإمبراطورية. لتأتي قرونا بعد أن أرست تلك الديانة بيوت ربها على أرضه و عششت أساطيرها عقول المضطهدين، فتهز عروشها ثورة البرجوازية بهدم أسس فكرها الأسطوري و سحق طبقات الأسياد آنذاك.
البوذية، بالهند القديمة، ظهرت كإيديولوجية دينية في إطار رد فعل اجتماعي على نظام ما يسمى باللغة اللاتينية: "ل كاست"، وهو نظام يضم أربع فئات اجتماعية بالإضافة إلى فئة خامسة مقصية كليا (فئة "خارج" الفئات والمسماة ب "المنبوذين")، حيث تشكل فئة البراهمان وفق فكرها الديني الأسطوري رأس (النظام) الآلهة: براهما الإله الخالق الذي من فمه خرجت هذه الفئة إلى الوجود. في ظل هذا النظام، كان هناك نوع من التمييز و الفصل الصارم بين الفئات حيث يستحيل على من ولد أو ينتمي إلى فئة الانتقال إلى أخرى، و على الخصوص إلى فئة البراهمان، و كأن هذه الأخيرة تعمل على الحفاظ على صفاء "عرقها الإلهي". جاءت إذن الإيديولوجية الدينية البوذية ( و غيرها في مرحلة رد الفعل الاجتماعي تلك ك "جينية" مثلا) من رحم الفئة الثانية و هي فئة المحاربين اللذين خرجوا وفق الأسطورة الدينية من ذراع الآلهة. ليفشل صاحب دعوتها، بداية في إقناع من هم حوله داخل فئته التي هجرها، داعيا لفكره الرافض ذاك النظام الاجتماعي وسلطة آلهته و كتابه المقدس (الفيدا) المشرعن له، وسط الفئات الأكثر اضطهادا و المنعدمة المعرفة الدينية، اللهم ما اكتسبته من طقوس و أساطير في إطار سيادة الديانة البراهمانية. هذه الأخيرة، و خلال ثلاثة قرون تقريبا من صيرورة الصراع الاجتماعي بين حامليها و بين التوجهات الدينية الصاعدة المعبرة عن ردود الفعل الاجتماعية آنذاك، تحولت في خضم تلك الصيرورة إلى ما يعرف بالديانة الهندوسية، في حين أصبحت الأيديولوجية الدينية البوذية هي دين الدولة مع الملك "أزوكا"، من دون أي تحول اجتماعي يذكر في بنية نظام " ل كاست"، بل انتقلت هي من فكر ديني يعتمد بعض عناصر و أسس الفكر الديني البراهماني بحكم أنها نشأت على أرضه الدينية الأسطورية، إلى فكر ديني فلسفي يهدف في بعض من اتجاهاته إلى الخلاص من الوجود نفسه.
لقد تعمدنا اختيار هذين المثالين حين كان الدين هو الإطار الإيديولوجي "الوحيد"/السائد الذي من داخله يتم التعبير عن مناهضة الاضطهاد الاجتماعي من غير أن تفرز الشروط التاريخية آنذاك أطروحات إيديولوجية و سياسية غيره لتحمل مسؤولية الدفاع عن المضطهدين. و كذا من حيث ما يمثلانه هنا في محاولتنا هذه، أولا، من اختلاف نوعي من حيث منطلقاتهما الدينية، فالأول، المسيحي، يصنف ضمن خانة الفكر الديني التوحيدي حيث الإله هو مصدر كل شيء. و الثاني، البوذي، ضمن خانة الفكر الديني ـ الفلسفي حيث سؤال (وجود أو عدم وجود) الإله غير ذي معنى و الوجود كله "عذاب". ثانيا، من تحدد صيرورتهما و "نفس" مصيرهما الاجتماعي رغم اختلاف الشروط التاريخية التي أنتجتهما بما فيها منطلقاتهما الدينية. فالطبقي ـ المادي هو الحاسم دوما لا الإيديولوجي ـ الفكري، حتى و لو كان هذا الأخير دينيا فلن يتخطى أو يتجاوز مصيره الطبقي (1).
أعتقد أنه لا داعي لطرح صيرورة تحول الفكر الديني الإسلامي من أيديولوجية دينية مناهضة إلى أيديولوجية دينية مسيطرة من دون تحول في علاقات السيطرة الاجتماعية آنذاك. فمكتباتنا العربية لا تنعدم فيها هذا النوع من الدراسات.

في يوتوبيا أهداف التكتيك المشترك، بقول آخر وهم نظام اللبرالية المغربي

يعتقد الطرفان أن من شأن هذا المد النضالي الجماهيري، الدفع في اتجاه بناء جبهة اجتماعية موسعة و موحدة بمطالب سياسية، تكون قاعدتها الاجتماعية الطبقات الكادحة و قيادتها البرجوازية الوسطية الممثلة اليوم في كل القوى و الشخصيات المنخرطة و التي ستنخرط مستقبلا في الحركة، أن يضع المغرب على طريق بناء نظام ديمقراطي حيث سلطة القانون تعلو وتحل مكان سلطة النفوذ و الأعيان، و حيث مؤسسات الدولة تكون ذات سلطة حقيقية و غير صورية كما هي عليه و منذ زمن حتى اليوم.
هي إذن، بكل تركيز و من دون الدخول في تفاصيل دولتهم المنشودة "دولة الحق و القانون"، صورة للأنظمة السياسية القائمة في البلدان ذات النظام الرأسمالي كما يريدها اليوم المدافعون عن هذا الطرح. فهي النموذج بالنسبة لهم، حتى في تعدد أشكالها لأن مرتكزاتها بالنسبة لهم ثابتة من ثبوتية ما يعتقدونه كونية حقوق الإنسان (الإنسان المستغَل هنا). فهذه الأخيرة، تنطلق في كونيتها المزعومة من الحق و المطالبة به في إطار سيطرة الطبقات البرجوازية، حيث الثروة و السلطة هما سبقا في ملك فئات محددة، وما على الطبقات الأخرى و عبر تنظيماتها التي تقودها البرجوازيات الوسطية، إلا مطالبتها بحقوق أقرتها، في إطار صراع الطبقات، البرجوازية هي و مؤسساتها و في إطار قوانينها التي تضمن لباقي الطبقات حق المطالبة تلك. فالعملية إذن تتعلق بتقدم تحصيل تلك الحقوق من داخل علاقات السيطرة القائمة ( و" ليس من خارجها"، أي رفضها)، وهو مشروط بمدى تقدم الطبقات البرجوازية نفسها و توسع مصالحها، لأن أي تراجع عند هذه الأخيرة يستتبعه غالبا تراجع حقوق الطبقات الأخرى. و هي عملية تتكرر بتقدم و تراجع الصراع ما دام البناء الطبقي قائما. أما بالنسبة لنا، فكونية تلك الحقوق تعني الانطلاق و من على "نفس المستوى" و في كل شيء، و هذه ليست دعوى أصولية إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو إطلاقية من حيث دعوتها إلى المساواة في كل شيء قبل الحديث عن الحق، بل هي دعوى إلى العمل على ضرب أسس تلك المستويات الطبقية كي تتحقق الشروط الأساسية المادية لانطلاق سيرورة كونية (حق) الإنسان الغير المستغل. أي أن شرط تحقق كونيتها يجب أن يحدد من منطلقاتها، و هو أمر مستحيل في ظل نظام الطبقات القائم. لذلك نرى أن كونيتها لن تبدأ إلا بضرب أولا هذا النظام الطبقي و بناء مجتمع المساواة الفعلية، حين ذاك يمكن الحديث عن "الحق" (إن استطاع هذا المفهوم و حامليه من البرجوازيين الاستمرار حتى ذاك الزمن) بمعنى مادي و وجودي و ليس كحق إيديولوجي و قانوني. لهذا نرى أن ما يعتبرونه من ثبوتية تلك المرتكزات هو نتيجة من استمرارية هيمنة نظام الرأسمالية عالميا رغم أزمته، و اختراق إيديولوجيته اللبرالية عبر ترسانة هائلة و متنوعة من الأجهزة، حد استلاب كل الفئات الطبقية و على الخصوص البرجوازية الوسطية منها التي ترى فيه وهم مستقبلها. لذلك هي تلك الأنظمة النموذج بالنسبة لهم من حيث المرتكزات، وجب عليهم فقط العمل سوية كفئات برجوازية وسطية و من دون إثارة الخلافات الإيديولوجية و السياسية لبنائه، لا على أنقاض النظام القائم، ففي هذا موتهم و نموذجهم، بل يكفي فقط نزع الطابع الاستبدادي عن هذا النظام و تطهيره من الفساد عن طريق تقييده بسلطة القانون و المؤسسات. و طبعا لن تعمل تلك المؤسسات بشكلها الحقيقي إلا إن هي جردت من المفسدين السياسيين و الاقتصاديين...، أي و بلغة أحد أطراف التحالف "اللاسلكي"، عزل "المافيا" السياسية و الاقتصادية، و لن يحفظ للمؤسسات و للقانون سلطته غير هذه الفئات الصاعدة و "النزيهة".
خدمة كالحلم هي تلك التي تريد هذه الفئات البرجوازية الوسطية تقديمها لهذا النظام باسم "نزاهتها" و "نظافة" تاريخها السياسي. فهي لا تهدف القضاء على هذا النظام، و لن تستطيع ذلك، وحدها و لا حتى بقيادتها للمضطهدين، بل تحلم فقط في تدشين طور جديد في إطار سيادة التكتل الطبقي السائد، طور يكون عنوانه " و في ذلك فليتنافس المتنافسون"، ليكون على كل طرف الانطلاق في العمل على تحقيق مشروعه في إطار من الشفافية و النزاهة و مكارم الأخلاق.
ألا يرى هؤلاء مثاليتهم هذه، أليس في هذا بداية لمشروع الطبقات البرجوازية الوسطية حين قادته هي نفسها مرتكزة (خادعة و متخلية) في ذلك على كل الكادحين و الذي أتبث تاريخ صراع الطبقات فشله في تحقيق تحرر الشعوب المضطهدة الفعلي من التبعية و من السلطة الطبقية للمعمرين الجدد.
هل يدرك هؤلاء أن في تكوينهم الطبقي عجز تاريخي، هو من عجز الطبقات السائدة في عدم قدرتها على الاستقلال و الوجود الفعلي كطبقات قائمة بذاتها، عجز لن تمحوه أو تغطيه لا إيديولوجية التحريفيين الانتهازيين و لا تلك لأصدقائهم اليوم من الظلاميين مهما بلغت درجة سحرها. بل تكشفه و تعريه علمية الفكر الثوري و تاريخ الشعوب المضطهدة المرير من الصراع بمعية الثوار لأجل التحرر.
ما لا يقبله و يتجنبه هؤلاء، أن الاصطدام بالنظام القائم هو حاصل لا شك، لكن هل بهذه الأشكال من النضال و التنظيم، وهل على هذه الطريق الفاشلة بسبب من تعطيل و تحييد الطبقات التي لها المصلحة الحقيقية و القادرة فعلا على قلب ميزان القوى، يمكن مواجهة هذا النظام الاستبدادي بطبيعته.
إن مهمة الشيوعيين و من دون الخوض فيها، تتركز اليوم على طريق بناء منظمة ثورية واحدة، نواة حزب العمال و الفلاحين الثوري، في الإنغراس القوي و بناء التنظيمات الثورية وسط جماهير الكادحين و المضطهدين في قلب نضالات و معارك جماهير شعبنا، للتخلص من قبضة "القيادة السياسية" السائرة اليوم في التشكل من الطبقات البرجوازية الوسطية الممثلة في انطلاق مشروع الفاشلين: التحريفيين الانتهازيين و الظلاميين، على طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.







1 ـ حقيقية و أثناء صياغة هذا الموضوع كنا قد وضعنا عنوانا آخر له: " جماعة العدل و الإحسان و حزب النهج الديمقراطي ـ تناقض الإيديولوجي ـ المشروع السياسي و وحدة "المصير" الطبقي"، و هو إشارة إلى غلبة التشكيلة الطبقية البرجوازية على التنظيمين معا رغم انسياق جزء من الفئات الكادحة وراء أطروحة الجماعة بحكم هيمنة الفكر الديني وسط الكل الاجتماعي، إلا أن تنظيمها يعرف هيمنة لفئات البرجوازية المتوسطة و فئات من البرجوازية الصغيرة. فوق ذلك ليس في فكر ولا في ممارسة الجماعة أي طرح لتجدير تنظيمهم أو العمل على تغيير البناء الاجتماعي القائم، بحكم أن قضية الملكية من عدمها (" الفقر و الغنى") هي بالنسبة لهم ليست مركزية بقدر ما تعمل الجماعة على شرعنة هذه القضية دينيا و منحها بعد ذلك الحلول الدينية الكفيلة فقط بتخفيف و من حين لأخر درجة الصراع بين طرفيها. قلنا أن الجماعة تتحكم في بنيتها التنظيمية و الإيديولوجية فئة البرجوازية المتوسطة و الصغيرة، و الشيء نفسه يسري على حزب النهج الديمقراطي مع فارق هيمنة فئة البرجوازية الصغيرة على تنظيمه و خطه الإيديولوجي ـ السياسي و ضعفه الكبير جدا في التواجد وسط الكادحين إن لم نقل أن هذه المسألة الأخيرة أصبحت اليوم المحك الحقيقي في قدرة هذا الحزب على الاستمرار خارج مصيره الطبقي، و إلا سيشق طريقه للعمل السياسي النخبوي كأصدقائه في "تيد" . إذن، فرغم الاختلاف الإيديولوجي و تعارض أهدافهما السياسية التي هي جزء من الدعاية الإيديولوجية لتنظيميهما، تبقى مصالحهما الطبقية الحقيقية، الآنية و البعيدة، واحدة، و هي ما اصطلحنا عليه بوحدة "المصير" الطبقي (كي لا يذهب فكر القارئ بعيدا في تحميل مفهوم "المصير" مضمونا دينيا، و على الخصوص من سيحشر هذه المحاولة ضمن خانة الهجوم على تنظيمه، نؤكد له أننا استعملنا هذا المفهوم للدلالة فقط على صيرورة الطبقة).





#سارة_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سارة سلام - في التكتيك، جماعة العدل و الإحسان حزب النهج الديمقراطي بداية تشابك الأصابع و قراءة الفاتحة