أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي عيدان - المستقبلية.. إعلان موت لفن الماضي















المزيد.....

المستقبلية.. إعلان موت لفن الماضي


محيي عيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 13:15
المحور: الادب والفن
    


المستقبلية واحدة من أهم حركات الحداثة الفنية والأدبية التي ظهرت في العقدين الأوليين من القرن العشرين على يد الشاعر الايطالي مارينيتي (1876 ـ 1944) تميزت هذه الحركة بالدعوة إلى تحطيم كل شيء، قواعد الفن واللغة والأدب والموسيقى وكل مؤسسات الحضارة الغربية من متاحف وأكاديميات ومسارح وقطع كل صلة مع الماضي وتراثه الفني لأنه حسبها مثل الجمود والسكون أي (الموت) فوظيفة الفن المستقبلي ليس بإتباع اثر الماضي إنما بإتباع إيقاع الحاضر والمستقبل والمتمثل في التقدم العلمي والتكنولوجي، فأصبحت الآلة والنظريات العلمية هي التي تلهم الفنان المستقبلي وحجتها في ذلك أن لا انفصام بين الفن والحركة، لذا فأن البيان المستقبلي الأول الذي وقعه مارينيتي الذي نشرته صحيفة لوفيغارو في (22) من شباط عام 1909 أعلن فيه صراحة موت فن الماضي وولادة فن مستقبلي يستلهم الانجازات العلمية والتكنولوجية التي أخذت تظهر متسارعة مع دخول البشرية القرن العشرين،

فبعد أن مجد البيان الحركة والسرعة هاجم ما اسماه بطغيان الهارموني في الموسيقى الغربية وعلى كل الأساليب والأشكال التقليدية (الكلاسيكية) في مجال الشعر فقد دعا البيان الشعراء المستقبليين إلى تبني أسلوب الإشادة بالاندفاع والطيش وحب المخاطر، فتأثيرات نيتشه والإراديين واضحة في البيان المستقبلي الأول، بالإضافة إلى تأثيرات (هنري بيرغسون) في أن فعل الإنسان يجب أن يكون مرتبطا بالحاضر وليس بالماضي والأموات، ومنه اخذ مارينيتي فكرة الحركية (الدينامية) وربطها بوظيفة الفن المستقبلي الذي قطع كل صلة بالماضي، البيان عبر عن رؤية المستقبليين لدور الشعر، وسجلوا في البداية اعتراضهم على شعر (الماضي):
(لم يعبر الشعر حتى يومنا هذا إلا عن الأشياء الخامدة والاستسلام للملذات). فوظيفة الشعر المستقبلي الآن هي في تمجيد (الحركة): (أما نحن فسوف نمجد الحركة المغامرة، والأرق المحموم. سنمجد الحياة بكل عنفوانها، وبكل بهلواناتها وصفعاتها وواخزاتها.
مارينيتي يريد بهذا أن يحصر وظيفة الشعر في تسجيل (الصراع) وذلك لان (الجمال) مسكونا فيه: لا (جمال) إلا في الصراع. ولا عمل يفتقر إلى روح المغامرة، والعدوان يمكن اعتباره أثرا رائعا.
فكر الفاشية الايطالية لم يكن بعيدا عن (المستقبلية) في تمجيد روح الحرب والعدوان والمغامرة، مارينيتي نفسه كان ناشطا بارزا في حزب (موسوليني) الفاشي، البيان المستقبلي الأول مجد الحرب والروح العسكرية ، كثير من النقاد الفنيين اعتبر الحركة المستقبلية تعبيرا عن تطلعات مثقفي البورجوازية الايطالية الصغيرة في أن تقوم ايطاليا بلعب دور اكبر في الثقافة والسياسة والحرب في أوربا خدمة لمصالحها المستقبلية، الحركة لم تخفي موقفا شائنا اتجاه المرأة وذلك بتأثير الفكر الفاشي الشمولي الذي يمجد القوة والعنف والعدوان:
سوف نمجد الحرب ـ عافية العالم، والروح العسكرية ، والوطنية، والروح التخريبية عند الفوضويين، والأفكار العظيمة التي يستشهد في سبيلها الرجال.. أما المرأة فسوف تكون موضع احتقارنا.
بيان المستقبلية يبشر بهدم كل المؤسسات الثقافية والنضال ضد الأخلاقية: سوف نهدم المتاحف، والمكتبات والأكاديميات بلا تمييز ونكافح ضد الأخلاقية، والدعوة للمساواة بين الجنسين، وكل الدوافع النفعية الشريرة.
المستقبليون يرون إن حاجة الإنسان المعاصر إنسان المخترعات والتكنولوجيا هو ليس إلى (المعرفة) المرتبطة بالماضي وإنما هو بحاجة إلى الفعل إلى الدينامية إلى الحاضر، التأثيرات المستقبلية لم تنحصر فقط في مجال الشعر الذي راح يمجد الحرب والآلة والطوربيدات والطيران بل امتد إلى مجال الرسم والنحت والموسيقى، (امبرتو يوتشيوني) رسام ونحات مستقبلي استلهم (العنف والقوة) بعد اشتعال الحرب العالمية الأولى في رسومه وكانت لوحته (الرماحون) قد أظهرت العنف بوضوح، هذا الرسام اصدر من جانبه بيان الرسم المستقبلي حيث أنكر فيه أن يكون الشكل واللون يعبران عن (الحقيقة) كما كان الأمر في رسومات الماضي، وإنما (الحركة) هي التي تعبر عن الحقيقة لان كل شيء في الوجود هو في (حركة) و (تغيير) مستمرين وأنكر أيضا وجود (الفراغ) إذ أن الفراغ هو "عبارة عن الجو الذي تتحرك وتتداخل الأجسام".
الأجسام عند الرسامين المستقبليين ظهرت على هيئة (حركة وضوء) واللون عن "لحن موشوري" ، فاهتمامهم بالحركة دفعهم لرسم آلات السباق، الرقص، الخيول، وقد استعاروا من المدرسة التكعيبية (السطوح المتقاطعة) و (الزوايا الحادة) في التعبير عن الحركة، الرسام المستقبلي (بالا) رسم كلبا صغيرا ظهرت أرجله وكأنها عجلة دراجة تسير، الناقد الفني (هربرت ريد) رأي لوحات المستقبليين زاخرة بالحركة والزمن والفراغ، الخطوط والأشكال الهندسية لها مدلولات جمالية ونفسية. عند الفنانين المستقبليين فالخط المستقيم عندهم يدل على الطهر الخالص وهو يعبر عن الآلية، لذا فان الرسام المستقبلي يرفض المكعب والهرم لأنها أشكال جامدة، أما الزاوية الحادة فهي عنده تعبير صارخ عن الحركة والانفعال،. أما الخطوط المائلة فإنها أشبه باسهم سقطت من السماء فهي تقوم بوظيفة استفزاز (حواس) المشاهد. الرسام المستقبلي مأخوذ لحد الهوس برسم الدوائر والتي تبدو وكأنها (دوامات) أما المخاريط فإنها تذكرهم بانفجارات القنابل، اختلاف الأشكال والأشياء المتعددة الإيقاعات تحقق عندهم اللاتوافق (اللاهارموني) الذي يعتمد عليه الرسام المستقبلي وهذا ما عبر عنه أشهر الرسامين المستقبليين وهو (كارلو كارّا(.
(امبرتو بوتشيوني) يندد بالنحت الكلاسيكي:
في بيان النحت المستقبلي الذي أصدره بوتشيوني عام 1915 اظهر ازدرائه واحتقاره للنحت الكلاسيكي والذي شبهه بالفن (البربري) داعيا النحاتين المعاصرين إلى التخلي عن نحت التماثيل التي تجسد (عري) الجسد البشري،8 ودعاهم إلى التركيز على ما اسماه (الإيقاع التشكيلي الخالص) عوضا عن (الشكل الخالص)، والى تجسيد الحركة في الجسد بدلا من نحته، أما ما يخص (مواد النحت) فقد رفض (بوتشيوني) في بيانه (لرخام والبرونز) وأجاز استخدام أكثر من مادة في نحت عمل واحد كالزجاج والخشب وغيرها من المواد، فنانين من مدارس فنية أخرى يتفقون مع المستقبلية من إن الفن هو حركة بحد ذاته مثل الرسام (بول كليه): "إن الفن التصويري ينبع من الحركة، وهو بحد ذاته حركة ويدرك من خلال الحركة".
من مأثرة المستقبليين أنهم نادوا باستخدام المواد الشفافة كالزجاج في الأعمال الفنية فاستخدمت في الفن المعماري.
المستقبلية والموسيقى:
وضع (مارينيتي) والمستقبليون هدف إلغاء (الإيقاع التوافقي) الهارموني في الموسيقى فلجأ بعضهم إلى ابتكار آلات ميكانيكية تقوم بعزف ما أسموها (موسيقى الضجيج) كما سعوا إلى اكتشاف (الأصوات الغريبة) وتدوينها رواد الموسيقى الكونكريتية سعوا بدورهم أيضا إلى نفس الاتجاه فالموسيقى عندهم هي تتابع أمواج صوتية من مختلف المصادر، نوطه، ضوضاء، إيقاع وغيرها.
المستقبلية تمهد الطريق للدادائية والسريالية:
مأثرة المستقبلية هو (الحداثة) التي طبقتها في مجالات الرسم والنحت والشعر والموسيقى ورفضها لفن الماضي الذي مات ودعوتها إلى فن يمجد الحركة والتغيير والسرعة، لان الفن الحالي هو تعبير عن إيقاع الحاضر، هذه الفكرة القائلة بموت فن الماضي وجدت صدى وقبول لدى الحركات الفنية والأدبية التي ظهرت بعدها مثل الدادائية التي أسسها الشاعر (كريستان نزارا) والسوريالية الأكثر شهرة وديمومة والذي أوجدها الشاعر اندريه بروتون، الحركتان قامتا أيضا على فكرة (موت فن الماضي) والقطيعة مع كل ما يمت بصلة إلى الماضي سواء في الفن والأدب أو في السياسة والسلوك والأخلاق والدين، فالحداثة عند الدادائية والسريالية هي نفسها عند المستقبلية: الإنكار والرفض لكل قواعد وأساليب الفن القديمة.

المصادر:
1 ـ علي الشوك، الدادائية، منشورات وزارة الثقافة العراقية/1972/ بغداد
2 ـ الأطروحة الفنطازية/ علي الشوك
3 ـ موريس نادو/ تاريخ السوريالية، بالفرنسية
4 ـ الحداثة/ الجزء الأول/ منشورات وزارة الثقافة والإعلام/1987.



#محيي_عيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيتشه.. الحياة والميتافيزيقا
- الحياة مرة أخرى وأخرى والى الأبد ..


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي عيدان - المستقبلية.. إعلان موت لفن الماضي