أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - محمد المرباطي - معالجات وآراء بشأن الانقسام الطائفي والبحث عن الهويّة الوطنية















المزيد.....


معالجات وآراء بشأن الانقسام الطائفي والبحث عن الهويّة الوطنية


محمد المرباطي

الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 18:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


إن تشكل المجتمع البحريني الحديث قام على موروث تاريخي في شبكة علاقاته الراهنة من انقسام مذهبي، أدى لانقسامات مجتمعية وقيمية، تحولت بفعل تأطيرها السياسي الاجتماعي إلى صراعات واصطفافات سنية شيعية، غيّبت الهوية الوطنية، وأبعدت محاولات قيام الدولة المدنية االحديثة . وهي حالة عربية عامة تتجلى في كثير من المشتركات التاريخية التي صاحبت ظهور الدولة العربية منذ عشرينيات القرن الماضي، أهمها قصور سياسي مؤسسي، وضعف في الوعي والأداء السياسي كنتيجة تاريخية لغياب مفهوم الدولة السيادية الحديثة، فالعرب كغيرهم من شعوب العالم الإسلامي خضعوا لقرون طويلة لغزوات أجنبية وحكم السلاطين والاستبداد، ولم يعرفوا في تاريخهم الدولة المدنية أو الدساتير الوضعية إلا في أواخر الحكم العثماني. وكان لغياب ثقافة المواطنة أثر سلبي على المواطن، جعلته يعيش حالة مزدوجة ومتناقضة أخلَّت بانتمائه الوطني، وصار يعيش انتماءات وهويات فاعلة أخرى. بمعنى أصبح متعدد الهوية والانتماء، ما خلق أزمة هوية، دفعته نحو ولاءات غير وطنية، كالولاء المذهبي أو الطائفي أو العنصري.
أزمة الهوية والولاءات الطائفية :

يتجلى ذلك بوضوح عندما يتعرض المجتمع لأزمات سياسية، حينها نجد قطاعات شعبية واسعة تتعمق لديها هذه الانتماءات - الولاءات المذهبية والطائفية - ونجد قوى سياسية أخرى تستحضر الولاءات والوشائج العنصرية (القومية) كأدوات تستغلها لتحقيق مصالحها الضيقة فالمجتمعات العربية كانت مرهونةً منذ قرون بقوى تقليدية قادرة على إعادة إنتاج ثقافتها وتشكيلاتها التقليدية القديمة، وفي حالات كثيرة بتشجيع من السلطات الحاكمة، ولايزال الانتماء المذهبي والطائفي والقبلي مكوناً أساسياً في ثقافة الفرد والمجتمع، ضمن منظومة واسعة من الأفكار المتناقضة كالاعتقادات بالمظلومية الأبدية، وقيم الاعتداد بالانتماء القبلي أو العشائري الممزوجة بفكرة التمايز والمفاضلة عن سائر البشر.
هذه الثقافات المتخلفة تشكل في كثير من الأحيان خليطاًَ تمتزج فيه القيم الرأسمالية بقيم وثقافات التعصب والانتماء الطائفي والعشائري ، ولأسباب غياب المؤسسات الديمقراطية الحقيقية للدولة أصبحت الناظم الاجتماعي للحقوق والواجبات، ونجد تجلياتها عند تفجر الأزمات والصراعات السياسية، من خلال إثارة مخزون ثقافي اجتماعي عن الاضطهاد والهيمنة والتمييز في محاولة لتماهي الفرد وحقوقه في الجماعة وحقوقها، وإذكاء روح الذات الجماعية (نحن) وتغييب حقوق الأفراد التي تقوم عليها المبادئ الديمقراطية والتي تجسدها حقوق المواطنة بكل أبعادها وقيمها الديمقراطية، وهو توجهٌ عامٌ للجماعات والقوى السياسية الطائفية حين يتم من خلالها استغلال الأحداث السياسية بوصفها الصورة العامة للصراعات المذهبية، وقد صارت البديل السائد عن ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
الملفت في هذه الظاهرة تحول كثير من شخصيات وأفراد ينتمون لأحزاب وجمعيات يسارية نحو التقمص بلبوس طائفية ومذهبية، كما إن الدولة العربية الحديثة والأحزاب والجمعيات الديمقراطية فشلت في أن تكون حاضنة للتيارات والقوى والشخصيات الديمقراطية على نسق الطوائف والمذاهب الدينية والقوى الاجتماعية القبلية التي تسيّست وتسيّدت بفكرها الطائفي أو القبلي، وتحوّلت حاضنةً لأفراد المذهب أو الطائفة أو العشيرة، لأسباب أن القيم والثقافة الطائفية المذهبية العشائرية لاتزال حاضرة ومتجذّرة في الوجدان الاجتماعي لمعظم المكونات البشرية في المنطقة العربية، بالإضافة إلى ضعف وفشل معظم التيارات السياسية الديمقراطية التي تنادي بدولة مدنية، والتي مهد بعضها الطريق للكيانات العصبوية التقليدية التي تقوم على فكرة تسييس المذهب أو الدين أو القبيلة أو العشيرة لأن تأخذ مكاناً في العملية السياسية وتحالفاتها.

فشل الدولة :
ان الدولة لم تنجح في تقديم نفسها بوصفها تجربة ديمقراطية ناضجة، وعليه يمكننا القول إن فشل أية تجربة ديمقراطية يعود أولاً إلى فشل الدولة ذاتها من حيث القوة والنضج والقدرة على تحقيق شروط ومتطلبات التحول للديمقراطية، وأحد تجليات فشل الديمقراطية تراجع حقوق الإنسان، وهذا يشكل تراجعاً في الحقوق الأساسية للإنسان.
يتميز هذا الواقع بصورة عامة بغياب الدولة ومؤسساتها لصالح النخب السياسية واستبداد السلطة، كأحد العوامل الحاسمة في إفشال الديمقراطية، نتيجة لاختزال الدولة بمؤسساتها في السلطة، واختزال السلطة في النخبة الحاكمة ، فالدولة العربية هي سلطة النخب الحاكمة التي تستفرد بجميع السلطات وبمقدرات البلدان، كما أن حالة التنافر التي اتسمت بها العديد من الأنظمة العربية جعلها أسيرة لإملاءات الدول الأجنبية الغربية والإقليمية، إضافةً إلى تغليب مصالح فئات متنفّذة على المصلحة العامة، ما سبّب خللاً مزمناً في التنمية الوطنيّة، نتيجةً للقصور الذاتي في إدارة وتنمية الموارد والطاقات البشرية والاقتصادية، وتغييب آليات الإدارة الحديثة.

الارتداد إلى حضن الطائفة والقبيلة :
ان التاريخ العربي لم يشهد قيام دول ديمقراطية تقوم على سيادة القانون وسلطة المؤسسات، لذا يغيب عن فكر وثقافة الإنسان العربي باستثناء بعض النخب السياسية ثقافة الدولة المدنية الحديثة وآلياتها في الحكم ، وهو سبب حاسم لارتداد المواطن العربي نحو الكيانات التقليدية التي نمت بقوة في عدد من البلدان العربية، وصارت تشكل عامل تهديد وإعاقة لأي تحول ديمقراطي، إضافة إلى فشل القوى الديمقراطية، والسلطة الحاكمة في معظم البلاد العربية في توفير الحماية والأمن العام (الأمن ليس بمفهوم القمع والاستبداد) وتعميق الثقافة الديمقراطية المعاصرة، ما جعل المواطن العربي يعيش حالة اغتراب ثقافي، دفعته للارتداد نحو الكيانات العصبوية التقليدية (الطائفية والقبلية والعرقية) لاعتقاده أن هذه الكيانات تحقق الأمن والاستقرار، وحماية وجوده المادي والمعنوي بدلاً من الدولة العاجزة عن تحقيق تلك الطموحات.
إن رفض منطق القوى الطائفية يقوم على خلفية حضارية هدفها تعزيز وتنشيط ثقافة الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية، التي تتعارض مع توجهات هذه القوى السياسية والاجتماعية باعتبارها الحاضن للثقافات والأفكار المعادية للديمقراطية مهما حاولت استغلال بعض الشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها فمن خصائصها عصبية الولاء، والمنطق الجمعي الذي يلغي ثقافة المواطنة وما يترتب عليها من حقوق باعتبارها جوهر الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة التي ترفض العصبية الناجمة عن تعصب الأفراد وانحيازهم لبعضهم البعض لأسباب مذهبية وطائفية أو عشائرية وغيرها من العصبيات التي تقوم على ثقافة وقيم المناصرة لأسباب عائلية أو انتماءات مذهبية وعرقية أو عشائرية ، وقد نجد صورها وتجلياتها في أماكن العمل التي يغلب عليها الطابع المذهبي أو العرقي أو العائلي والعشائري.
كما ان الجمعيات والأحزاب التي تقوم على العصبية بكل مكوناتها وأبعادها المذهبية والعرقية أو القبلية تلغي قيمة الفرد وتجرده من حقوقه في إطار الجماعة، لذا فمن المستحيل أن يتوافق المكون الطائفي أو العرقي أو القبلي مع قيم ومبادئ الديمقراطية ، فالديمقراطية على النقيض من هذه المكونات، فالفرد الذي يكون ضمن الجمعيات الطائفية أو أي شكل من العصبيات الحزبية أو الدينية وغيرها لا يجوز له الادعاء بالديمقراطية أو أنه يمثل الإرادة الشعبية ، ويمكنه فقط الادعاء في إطاره الطائفي المحدود، لسبب أن قيم المناصرة والمغالبة التي تقوم عليها بعض الأحزاب العقائدية تكون بعيدة عن قيم الديمقراطية والحرية في هياكلها التنظيمية التي يغلب عليها الطائفية السياسية والعصبيات الأخرى ، وهي شكلٌ حديثٌ للتنظيم الاجتماعي السياسي للمذهب أو القبيلة أو العرق، من خلال جملة الممارسات السلوكية التي تقوم على حالة عقلية في تخصيب الذاكرة الجمعية بالتعاليم المذهبية والتراثية من خلال إحياء واستحضار حوادث التاريخ، وتفسير النصوص بما يخدم ويعزز التوجه العام للجماعة ويكرس جملة من المفاهيم القيمية التاريخية والاجتماعية والدينية مثل المظلومية والأحقية والمفاضلة في الأنساب والانتماءات. وعلى هذا يجري تراكم منظومة ثقافية تقوم على تأجيج النفوس وتنافرها مع الآخر بهدف تعزيز الولاء المذهبي الذي يستخدم في الممارسة السياسية لدعم الولاءات الطائفية والعصبية الأخرى، بهدف استغلالها وتسخيرها لغايات وأهداف سياسية .
ان التطورات الديمقراطية والقيمية الحديثة وتأثيراتها القوية على المجتمعات العربية جعلت الجماعات الطائفية والعصبية الأخرى تتناغم مع الأوضاع الجديدة من خلال مزج أطروحاتها بشعارات ديمقراطية، ولكن واقع الحال يشير إلى أن هذه الجماعات تعيد استنساخ قيمها وثقافتها بأسلوب يتلاءم مع الواقع الراهن، وذلك لأسباب أن هذه الجماعات لا تعرف في محيطها العام مبدأ المعارضة، فمن يخالف يستثنى من الطائفة والجماعة أو من الحزب والجمعية، وهو المعيار الذي يحكم سلوك هذه الجماعات والأفراد.
لهذا فإن خطورة العصبيات المذهبية أو الطائفية أو الحزبية وغيرها، تكمن حينما تتقاطع مع المفهوم السياسي الحديث للدولة، كما أن هذه العصبيات تتداخل بشكل تحشيدي يقوم على الكم البشري، فكلما كبرت وازداد حجم هذه الكتلة البشرية، كلما ازداد المجتمع تخلفاً، ففي هذه الجماعات أو الكتل يتماهى الفرد وتتماهى حقوقه، حينها لا يمكننا الحديث عن الديمقراطية والمواطنة ودولة القانون، كما أن التعصب بجميع أشكاله عامل فرقة لا عامل اجتماع أو اتفاق أو توافق، إضافة إلى أن التعصب أو العصبية تخلق جماعات أخرى خارج الإطار الوطني العام، عندما تشكل ولاءاتها وهوياتها النشطة الخاصة بها، والتي تتنافر وتتصارع مع الآخر في المجتمع ذاته ، وقد تتطور إلى تقسيم الوطن لأجزاء متنافرة.
تحشيدات مذهبية متقابلة :
لقد أخذت هذه الظاهرة تنمو في بلادنا من خلال التحشيد السني - الشيعي، الذي يقوم على الولاءات المذهبية، في تشكيل هذه الكيانات الطائفية وثقافتها ، فمن خلال الولاء تتم صناعة وتأصيل قيم الطائفة التي تقوم على الذات الجماعية (نحن)، وذلك في التمايز عن الآخر. وفي هذه الحالة تغيب حقوق المواطن وحريته التي تقوم عليها مبادئ المواطنة كجوهر للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وقد أصبحت هذه الظواهر من الملامح البارزة لمجتمعنا وحياتنا السياسية، فمن دون هذه الولاءات لا تقوم العصبيات الطائفية وغيرها، لأن ثقافة الولاء تعزز اللحمة الداخلية للجماعات العصبية وتجعلها كتلة اجتماعية سياسية مؤثرة ، وبالمقابل فإن بروز الهويات العصبية النشطة تعبير عن فشل الدولة في تكريس مفهوم الولاء للوطن أو الولاء الوطني لأن الوطنية كانت محارَبَةً، ولم يسمح بنشر ثقافتها ومبادئها، لذا أصبح هذا المفهوم يعاني الغربة والانتكاسة، علاوة على عدم تأصله وتجذره في مجتمعنا، بعكس المفاهيم الطائفية التي تعززت وتكرست لدرجه أنها تسببت في الشرخ العمودي للمجتمع، وصار الولاء والتضامن المذهبي الجبري من خصوصيات هذه المرحلة، وأصبح اجترار الحديث عن الأغلبية الشيعية أو الأغلبية السنية وليس الأغلبية المواطنة المهددة بفعل موجات الهجرات الأجنبية ، وهكذا أصبح للطائفية أو المذهبية كيانات ذات خصوصية في مجتمعنا، وأصبحت تملك قوى التأثير القادرة على تعطيل مقومات الدولة المدنية الحديثة.
إن تجذر الكيانات الطائفية وتسيدها في المجتمع، تجعل أفرادها مجبرين على مسايرة التوجهات والآراء العامة لمراجع وشيوخ الطائفة في الشأن السياسي العام، وإلا أصبح الفرد محارباً ويواجه الإقصاء، لأن الكيانات الطائفية تقوم على قواعد المنطق الجمعي الذي يلغي كيان الفرد ، ونلاحظ ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية والبلدية، حينما يؤخذ الفرد في إطار الجماعة المذهبية أو العصبية بصورة عامة ، فالجميع يتوجهون لاختيار ممثليهم بناءً على تزكية وتوجيهات المراجع وشيوخ الطوائف ، والحال نفسه في الأحزاب العقائدية وفي إطار القبيلة أو العشيرة من دون أي اعتبار لكفاءات الفرد (المرشح) الذي يتماهى في إطار الجماعة الطائفية أو ضمن العقل الجمعي العصبوي ، وهي من الحالات الرئيسية في عدم إنضاج عملية التحديث السياسي، ولأسباب تعارض هذه الكيانات الطائفية في خلفياتها الايديولوجية وجذورها التاريخية التي ترسم ذاكرتها الجمعية مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية وعملية بناء هوية المواطنة.
إضافة إلى ذلك، تشكل السبب المباشر لممانعة الجماعات العصبوية (الطائفية) التقليدية لمفهوم الوطنية ومبادئها، فهذا المفهوم الحديث غير مألوف في ذاكرتها وثقافتها، إضافة إلى أن الوطنية تلغي الكيانات الطائفية وتبعدها عن الشأن السياسي.

الديمقراطية المشوهة تكرس الطائفية :
ان الممارسة الديمقراطية يمكن أن تكرس الطائفية وغيرها من القيم العصبوية إذا حاولت الحكومة أو الجمعيات والأحزاب السياسية ونخبها استغلال هذه الأبعاد، ودخلت في حالة تواطؤ مع تعبيراتها ورموزها الدينية والمذهبية، حيث إن تمازج البعد الطائفي في العملية السياسية يكون بالضرورة عاملاً سلبياً ، فالممارسة السياسية السليمة للديمقراطية يجب ألا تتيح المجال لأية مساحة سياسية ممكنة للكيانات الطائفية السياسية، وعدم السماح باستغلال الدين أو المذهب أو العرق أو العشيرة في التحولات الديمقراطية.
وتكمن خطورة الاستغلال السياسي للمذاهب في عمليات التحول الديمقراطي من خلال استغلال مساحة الحرية المتاحة التي تستغلها القوى السياسية الطائفية في إذكاء المكونات التقليدية في المجتمع كالطائفة والقبيلة والدين واستغلال المذهب والدين سياسياً في الدولة الحديثة، ومن خلاله تنشيط الممانعة الثقافية ضد تقبل الدولة المدنية وقيمها الحديثة.
إن بعض القوى الطائفية تحاول امتصاص الصدمة الحضارية للدولة المدنية من خلال تقبل بعض مفاهيمها الوطنية والحقوقية للتأثير السياسي بغطاء مذهبي ديمقراطي، وهو عامل مهم في إفساد الديمقراطية ، فالوطنية ليست بالضرورة على توافق مع الديمقراطية التي تشكل منهجا حضارياً للحكم ، فلقد شهدت المنطقة العربية كثيراً من أنظمة الحكم الوطنية والمعادية للاستعمار، ولكنها في الوقت ذاته كانت معادية للديمقراطية.
الأنقسام المذهبي وابعاده التاريخية :
إن ربط الأحداث التي تمر بها البحرين في سياقها التاريخي وظروفها السياسية حسب كل مرحلة ، نجد انقسام تاريخي بين القوى السياسية من الموالاة والممانعة التي تتحول في حالات اخرى من معارضة تامة الى القبول والتوافق والإنسجام مع النظام السياسي ، ونجدها بوضوح في فترة بداية المشروع الإصلاحي والتوقيع المنقطع النظير على ميثاق العمل الوطني ، ثم الدخول في دوامة المقاطعات وبروز حالة اخرى من التحالفات بين بعض القوى اليسارية والوطنية مع بعض المكونات الدينية السياسية والتي افرزت ظاهرة المؤتمر الدستوري ، ثم التحول مجددا من قوى الرفض ( المعارضة ) لقوى القبول والإنسجام ، ومن المقاطعة الى المشاركة ، وهكذا من المشاركة إلى المقاطعة ومن الممانعة والتصادم الى القبول ، وهي حالات أعاقت استكمال قيام الدولة المدنية والممارسة الديمقراطية .
ان هذا التحليل يجرنا لسؤال : هل نجحت الدولة في إيجاد جو الطمأنينة لدى المواطن مبني على تحقيق العدالة الاجتماعية، ورعاية المواطن وحفظ الحقوق ، فالديمقراطية تؤسس على قواعد اقتصادية وسياسية واجتماعية عادلة .

اسباب تراجع ثقافة الوحدة الوطنية :
لقد تعززت مفاهيم وقيم الوحدة الوطنية خلال الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي ، وكانت مراحل هامة في تاريخ البحرين والوطن العربي ، ولكن محاربة القوى الوطنية والزج بقياداتها في السجون وإهمالها لاحقاً كان كفيلاً لتعزيز دور الكيانات الطائفية في الحياة السياسية وبروز ملامح الانقسامات الإجتماعية على خلفيات طائفية ومذهبية ، ولضعف مؤسسات الدولة التي بنتيجتها تقوى تلك الكيانات والجماعات العصبوية والعكس صحيح فحينما تقوى الدولة ومؤسساتها تضعف هذه الكيانات ، الى جانب غياب دور مؤسسات المجتمع المدني في مجالات التنمية البشرية ، بعد ان اصبحت حكرا لمجموعات نخبوية محددة ، عادة تتمثل في إدارات هذه المؤسسات التي تختزل فيها جميع هياكل وآليات تلك المؤسسات ، وعلى هذا يمكننا قياس دور مؤسسات المجتمع المدني كمجموعات تشبعت بسلوك وممارسات الأنظمة السياسية ، فهي نسخة مصغرة للنظام السياسي العربي ، لذا فشلت ان تعمل بحرية، وتكون مستقلة عن الأنظمة والأحزاب والجمعيات السياسية ، وان تكون ملكاً للمجتمع الذي يمكنه من خلالها أداء مهمات الضغط والمراقبة والتمثيل.
العوامل المعيقة في بناء الدولة الديمقراطية :
ان فشل الحكومات العربية في بناء قواعد سياسية وأقتصادية واجتماعية وفق شروط ومتطلبات بناء الدولة الديمقراطية كان عائقاً أمام تطور الديمقراطية ، هذا الى جانب ان النظام السياسي العربي لم يكن حاضناً للمؤسسات الديمقراطية وثقافتها ، ولم تفسح المجال لتراكماتها الثقافية حتى تتجذر داخل المجتمع ، خاصة في مبادئها الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الاعتقاد والمشاركة السياسية بحيث تتحول الى مفاهيم راسخة، وفاعلة إجتماعياً وسياسياً ، ولهذا يجمع مفكري الديمقراطية بأن العوامل الثقافية اهم من العوامل الاقتصادية للديمقراطية ، فالديمقراطية كي تترسخ وتتجذر في المجتمع، تكون بحاجة إلى أنْ تحتضن ثقافياً .
ان معظم الأنظمة العربية ترجع اسباب عجزها وفشلها بالعدو الخارجي ، فلكل نظام عربي عدو خارجي ابرزها الصراع العربي الإسرائيلي ، وقد تم تحت هذا الشعار عسكرة العديد من الأنظمة العربية ومؤسساتها ، وصار كل من ينادي بالحرية وإصلاح بنية الدولة عميل للعدو الصهيوني ، وهناك عدد من النظم الجمهورية التي صنعت عداوات وهمية مع الغرب،واصبح كل مواطن ينادي بحقوقه عميل للغرب وللإستعمار والصهونية والرجعية ، وعميل لإمريكا وللماسونية العالمية ولكل ما انزل من عبارات الخيانة والعمالة فقط لأنه تجرأ وقال اين حقي ، وهذا الحجم الهائل من القمع والتسلط والإستبداد كان كفيلاً لتفجير الواقع العربي برمته من خلال شرارة البوعزيزي .



#محمد_المرباطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارات فلسفية حول ظواهر استثنائية في التاريخ العربي الاسلامي ...
- مصادر الفكر العلماني العربي منذ مطلع القرن الثامن عشر
- مقدمات تاريخية في فهم النقابات العمالية والحرفية مع بدايات ا ...


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - محمد المرباطي - معالجات وآراء بشأن الانقسام الطائفي والبحث عن الهويّة الوطنية