بن جبار محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 18:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لخبطة حقوقية
ككل طلبة العلوم القانونية و الإدارية عندما وضعنا أرجلنا في الجامعة كنا نحمل محصلة لابأس بها من إختلاط في المفاهيم و مجموعة عشوائية من نظريات في كثير من حقول المعرفة و الخاصة تلك التي كانت في مقررات الدراسة الثانوية . رصيد كمي لا أكثر ..قد تكون وسائل الإعلام و الجرائد و بعض الدوريات و المجلات الرديئة دورا في تراكم بعض المعارف المشوهة ..عقولنا فوضى لا تكاد تستقر على شيئ بأفكار مشوهة و متناقضة و ساذجة الى حد الضحك.
و كثير من الطلبة الذين أجتازوا بكالوريا بنجاح كانوا من شعبة علوم الإسلامية أختاروا الحقوق وهو حق مشروع لهم لكن...
بدأت الدراسة و معها بدأت تظهــر مشكلة المفاهيم و مشكلة الإستيعاب لهذا العلم ومشكلة عدم وضوح الرؤية الى مابعد سنوات الدراسة الأكاديمية . أظهر الكثير بمأسوية مقــاومة شديدة للحقــوق بمعنى أن المفاهيم الإسلامية و العقلية الإسلاموية أصبحت راسخة الى درجة يتعذر التخلي عنهـمـا , فخلقت لدى ذوي النوايا الحسنة نوع من الإنفصام بما يؤمن به من مقولات و رصيد و ترسبات معرفية إسلامية و بين ما يتحصل من الجامعة من دراسة معقلنة و موضوعية و حيادية ايضا . اذكــر انه في بداية دراسة لمقياس "تاريخ النظم"كيف أن الطلبة كانوا يجهلون تاريخ العالم القديم و يبدأ التأريخ بالنسبة لهم من العصر النبوي أما ما قبلها فلا أهمية له إطلاقا رغم المجتمعات القديمة قد وضعت شرائع و قوانين أكثر أهمية و أبرمت معاهدات مهمة حولت مسار البشرية ..الخ . و لكن طلبتنا بكثير من التفاصيل يعرفون سوى صلح الحديبية و وثيقة المدينة بين النبي و اليهود.
المشكلة تزداد سوءا بعد سنتين من الدراسة لا يستطيع الطالب التفريق بين المصطلح الشرعي للزنا و المصطلح القانوني للزنا , فكان الأستاذ يضاعف الجهـد لكي يفهمنا أن القانون كل مفاهيمه غربية المنشأ و الإنسان و حقوقه هي المناط في الفكــر الغربي و أنا الزنا لما تم تجريمها يعني : حمــاية الحياة الزوجية و أطراف الزوجية ليس إلا و يمكن سحب الشكوى (زوج أو الزوجة ) أو التنازل عنــها أما المصطلــح الشرعي فهو تجريم هذا الفعل على الكــل سواء محصنة أو غير محصنة فتى أو كهلا أو شيخا ..المنشأ الفلسفي يختلف تماما عنه في الشريعة و لا يمكن سحب الشكوى أو التنازل عنـها و هي من حقوق الله على عباده و يقام عليهــا الحد بإحضار شهادة الشهود ..كان الأستاذ يشرح لنا و هو يتصبب عــرقا حتى أنفجر غاضبا: الذي يريد دراسة الشريعة فليذهب الى كلية الشريعة و يريحنـا ..كل المذكــرات التي كان يعدهــا الطلبة لا تعد من قبيل البحث العلمي المقـبول فنجد آيات قرآنية طويلة و أحاديث نبوية و كلام التابعين ..كان بعض الأساتذة يصدر منهم إمتعاض شديد على عدم إحترامنا للحد المعقول من الموضوعية و الحيادية في العلم .
إلى درجة أن أحدهـم كتب و بإقتناع كبير أن من مصادر القانون الإداري الشريعة الإسلامية و إسهام الشريعة في تطور هذا القانون و بلورته و ضرب لنا مثلا بــ الحسبة .
و الأمر لم ينتهي عند هذا الحد بل تعداه الى بعض الأساتذة الإسلامويين الذين درسوا لنا الإلتزامات و العقود من وجهة نظر إسلامية بحتة و بالمصطلح و المفهوم الديني مما خلق إرتباك كبير بعدما كدنا أن نميز بين المفهومين عدنا الى نقطة الصــفر و بعدها يطل علينا أستاذ آخر غريب الأطوار يخرج بنظرية إسلامية في التحكيم التجــاري و يكرر على مسامعنا ببعض الفخر أن العرب كان لهم باع في التحكيم التجاري و يأخذ بفكرة فض نزاع القبائل عن طريق التحكيم النبوي كمثال للحجر الأسود..
ما أجتزنــا السنة الثالثة و شرعنــا في الرابعة و هي السنة الأخيرة كانت لي كابوسا يجب أن أجتازه كيفما كان الحال ..الأمر يتعلق بمستقبل كامل لطالب جامعة ( كانت مسألة طردي من الجامعة مسألة وقت فقط ) أطــل علينــا من بين الأساتذة الذين يدرسون قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) شخصية سلفية ينذر أن نجد مثلهــا في الجامعة الجزائرية ..يدرسنا قانون الأسرة بمفاهيم القرون الوسطى فكان بيني و بينه سجــال الى درجة خشيت على مستقبلي الجامعي.. فيستعمل مصطلح النـكاح عوض مصطلح الزواج و يستعمل مصطلح الموطوءة بدلا من المدخول بها أو أي مصطلح متحضر لعشرات الساعات يتكلم عن الطمث و النكاح و الحكمة من تعدد الزوجات و العدة و إستبراء الأرحام بشكل مستفيض يدعو للتقزز ..و قد طرحت سؤال على نفسي : فقهاء الإسلام ضيعوا جهودهم في أمور تافهة و حتى مصطلحاتهم التي أستعملوهــا تبين نزعتهم الدونية للمرأة و نزعتهم الجنسية و يمكن لأي أحد منكم أن يستعمل مصطلح الموطوءة بدل المرأة . إهدارا لكرامتها و إهانة لهــا .
المفاجأة , يظهــر لنا هذا الأستاذ فكره الديني بما لا جدال فيه و واضح وضوح الشمس أن المرأة الشريفة من "الأشراف" يمكنها حسب مذهب مالك أن تستفيد من مزايا الخطبة و الزواج و الرضاعة خلافا للمرأة" الوضيعة" ..و ضرب بذلك عرض الحائط بكل ما درسناه من حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و نبذ العنصرية و التمييز بين البشر ..لكن بعض الطلبة بعد تخرجهم أزداد الخلط عندهم أكثر مما كان و أصبحوا لا يمكنهم التمييز بين الغث و السمين و ما تعلموه زادهم جهالة .تلك نتائج عدم الصرامة الأكاديمية و التخلف الجامعي .
لعنة الأصولية و التخلف تطــاردنا حتى في الجامعة .نظرة خاطفة لمكتبة الجامعة ترى مما لا يدعو للشك أن أغلب المؤلفات القانونية هي مؤلفات مقارنة بين القانون و الشريعة بداية من العقود و المسؤولية و إنتهاءا بالقانون الدولي , ما أردت قوله في هذه العجالة أننا نعيش أزمة مفاهيم و عشوائيتها نظرا لهيمنة الفكــر الديني لأنه لم يترك ميدانا إلا و لونه بلونه و صبغه بصبغة الألوهية و أصبح مصير إنسان فيه غامضا و لا يمكنه التقدم لخطوة ألى الأمام ولا ينفك عقده إلا بوضع الفكــر الديني الأصولي جانبا و يصبح الإنسان وحده محور هذا الكون و سيد هذا الكون و لا يتأتى ذلك إلا بالتحرر الكامل العقل .
#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟