أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - استشهاد (صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية) (5-10)















المزيد.....


استشهاد (صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية) (5-10)


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 3452 - 2011 / 8 / 10 - 23:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استشهاد جناب الطاهرة والكـارثة
كيف يمكنني أن أقدم لكم كل ما عرفته عن مراسلات جناب الطاهرة مع جلالة الملك ناصر الدين شاه. فعندما جيء بها الى بلاطه بعد احضارها من بدشت، قال حال رؤيتها: "لقد أعجبني شكلها، اتركوها، ودعوها كما هي". ويقال أيضا ان جلالة الامبراطور أرسل لها رسالة الى بيت رئيس الشرطة ملخصها انه طلب منها انكار حضرة الباب والعودة إلى الاسلام، فاذا فعلت ذلك، فسوف يمنحها قصراً رائعاً وستكون مسؤولة عن نساء قصره، وتكون زوجة له. فأجابته ببيتين من الشعر كتبتهما على ظهر رسالته وأعادتها اليه. وما يلي ترجمة لمضمون تلك الأبيات، لا تعطي معناها الحقيقي ولا تفي بروعة جمالها الأصلي:-
لك الملك والغنى والحكم
ولي العجب والفقر والذلة والبؤس
ان كان ذلك المقام جيداً، فخذه
وان كان هذا المقام سيئاً، فإني أتشوق له، فدعه لي
وعندما قرأ الشاه ردها، مدح روحها الرائعة وشجاعتها، وقال: "لم ينجب لنا التاريخ مثل هذه المرأة منذ زمن بعيد".
لقد أخبرني أقرباء جناب الطاهرة في قزوين انها دعيت قبل يوم واحد من استشهادها إلى بلاط جلالة الملك ناصر الدين شاه، فقال لها في ذلك اليوم: "لماذا آمنت بالباب؟ فلم تجبه من عندها، بل نطقت بسورة "الكافرون": (لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين). لذلك سأعبد من أشاء وأعبد أنت من تشاء.
عندها أطرق جلالته برأسه إلى الارض بصمت لبعض الوقت، ثم نهض وترك الغرفة بدون ان يقول شيئاً. وعلى كل حال، سمعت ان حاشـية الملك وخدّامه قرروا قتلها، فقتلوها في اليوم التـالي بدون علم الشاه، ولقد حزن كثيراً عندما علم بذلك.
خلال سجنها في بيت رئيس الشرطة، حبست في البداية في غرفة خارجية صغيرة بدون سلالم، فكان يوضع لها سلم خشبي كلما أرادت الصعود. فجاءت احدى الأميرات وكانت شاعرة أيضا إلى هذا البيت الصغير تأمل رؤية جناب الطاهرة. فقابلتها وبعد ذلك ذكرت هذه الأميرة في أحد كتبها كيف ان جناب الطاهرة كانت سعيدة جدا. لقد قيل عن فرحها وسرورها في كل مكان وفي كل التواريخ وعن كل من تكلم عنها. لقد كانت طلقة متحمسة فرحة دائماً وحتى في أعظم مراحل الخطر على حياتها كانت مصدر شجاعة للآخرين. انها لم تكن شهيدة فقط، لكنها كانت إمرأة شابة باسمة مرحة. أقول شابة لأن عمرها كان حوالي إثنين وثلاثين عاما أو على الأكثر ستة وثلاثون عندما أعدمت في أغسطس 1852م.
هنالك روايات كثيرة عن موتها، أما الاختلاف فهو في كيفية اجراء الفعل، إلا أن الجميع اتفقوا على أنها كانت تعلم من خلال قدرتها على التنبؤ أنها ستقتل، كما أنها قابلت قاتلها بشجاعة لا تدانى.
أولا، أقتطف ما قاله حضرة عبدالبهاء عنها وعن موتها. فقد كتب ذات مرة: "من بين نساء زماننا "الطاهرة"، أبنة المجتهد الاسلامي. أظهرت في وقت ظهور حضرة الباب قوة وشجاعة فائقة تعجّب منها كل من سمع عنها. لقد خلعت عنها الحجاب رغم العرف القديم عند الايرانيين، ورغم ان مجرد الكلام مع الرجال كان يعتبر عملا شائناً، فقد ناقشت هذه المرأة البطلة كبار العلماء، وكانت في كل مجلس تتغلب عليهم. وقالت عندما كانت في السجن: يمكنكم قتلي وقتما تشاؤون، إلا أنكم لا تستطيعون وقف تحرير المرأة".
وكذلك قيل في كتاب "تذكرة الوفاء" عن جناب الطاهرة، انها سجنت في بيت رئيس الشرطة. وذات مرة، كان هناك احتفال كبير في هذا المنزل، كانت مناسبة خطوبة ابن رئيس الشرطة، وحضرها العديد من السيدات من الطبقة الارستقراطية من أميرات وزوجات وزراء وزوجات شخصيات اخرى، كان مجلساً رائعاً ومميزا، وبدأت الموسيقى والرقص واندمج الجميع بذلك، فدخلت جناب الطاهرة وبدأت بالحديث على الفور عن تعاليم حضرة الباب، فشمل الجميع العجب والاستحسان لقولها بحيث تركوا الرقص والغناء وإلتفوا حولها لاستماع حديثها الشيق. ونسوا حفل الخطوبة تمامـا.
وهكذا عاشت في بيت رئيس الشرطة حتى حصلت حادثة ارتكاب أحد الحمقى البابيين المجهولين (يقول بعض المؤرخين انه كان معه اثنان أو ثلاثة من رفاقه) وكان قد تأثر هذا الرجل لاستشهاد محبوبه حضرة الباب، فحاول الاقدام على جريمة قتل الشاه في 15 أغسطس 1852. فلم يصب الشاه إلا ببعض الخدوش، وتمكن في اليوم التالي من عقد جلسته العادية. إلا أن عمل هذا البابي الفظيع قد سوّدَ صفحة تاريخ البابية في كل أنحاء العالم. وفي المقابل، لم يحصل في تاريخ الشعوب أن ارتكب مثل هذا الانتقام والعقاب ضد الأبرياء كما فعل ناصر الدين شاه وحكومته تجاه كل مؤمن بحضرة الباب. ومع أنهم لم يعرفوا شيئا عن هذه المؤامرة، فقد بحث عنهم في كل مكان، وفي 15 سبتمبر 1852م قتل حوالي ثمانين شخصاً في أفظع وأبشع وسائل يمكن استنباطها. فالشاه ورئيس الوزراء ورئيس الفراشين وكل الحكومة كانوا مذعورين وخائفين وأصبحوا متطرفين جدا في حقدهم، لذلك قرروا أن على كل شرائح المجتمع أن تشارك في هذه المذبحة وعلى كل واحد أن يكون مسؤولاً عن اعدام واحد أو اكثر من هؤلاء المؤمنين. فكانت بشاعة جرائم كل طبقة من طبقات المجتمع تدل على درجة اخلاصها للشاه! أن هذه الرواية ستوضح ما حصل للطاهرة وتخبركم عما جرى لحضرة بهاءالله، أما الآخرين فيمكنكم القراءة عنهم في كتب "مطالع الأنوار" و "مذكرات سائح" و "التاريخ الجديد".
في اليوم التالي لحادثة الاعتداء على حياة الشاه، ذهب حضرة بهاءالله بنفسه إلى نياوران حيث مقر الموكب الملكي ومركز المعسكر الامبراطوري، فاعتقل وقيد بالسلاسل وأخذ الى طهران. ولقد شاهدتُ ذلك السجن تحت الارض حيث وضعوه (يستخدم هذا الجب الموبوء اليوم، مصنعاً للتبغ) وشاهدت المحكمة التي أخذ اليها حيث وضعوا أقدامه بين عوارض خشبية وضربوه خمس عشرة جلدة. انه لم يفعل شيئاً ولم يفعل أحد من هؤلاء شيئاً كذلك. لقد كانوا أبرياء، ولقد صدموا من وقع الجريمة كما صدمت الحكومة نفسها. لم يكن هنالك مجال للنجاة من الموت أمام حضرة بهاءالله، لولا أن الشاه أمر بالتحقيق في قضيته بشكل منفرد من قبل وزراء القصر. بعد ذلك، تحققت براءته تماما، لذلك لم يحكم عليه بالقتل، إلا أن حقوقه المدنية صودرت ولم يطلق سراحه، وبعد أربعة أشهر نفي الى بغداد. ومن المحتمل ان ذلك كان بسبب منزلته العالية في طهران، فنجى من الموت بإعجوبة، إلا أننا نحن البهائيون نعلم أنه بقي على قيد الحياة، لأنها كانت ارادة الله لانشاء هذا الدين العالمي الجديد.
ولقد تقدمت بعض الممثليات الاوروبية، إلى البلاط الايراني، في محاولة لاقناع الشاه بعدم تعذيب المتهمين قبل عمليات الاعدام كما كان يجري، إلا ان هذه المحاولات باءت بالفشل.
كانت جناب الطاهرة تعيش سجينة في بيت رئيس الشرطة، ومن المؤكد أنه لم يكن لها ضلع بالمحاولة الفاشلة على حياة الشاه، ومع ذلك وبسبب كونها مؤمنة بتعاليم حضرة الباب أدينت بالمحاولة. وكما ذكر في "تذكرة الوفاء"، فإن موظفي الدولة جاؤوا إلى منزل رئيس الشرطة وأخذوها تحت ذريعة اصطحابها الى بيت رئيس الوزراء. إلا انها كانت قد استعدت لذلك واستحمت في ذلك الصباح واستعملت عطر ماء الورد وإرتدت أفضل فستان حرير أبيض لديها، وودعت كل من في البيت وأخبرتهم أنها ستذهب في المساء في رحلة طويلة. لقد تنبأت روحها الطاهرة بمصيرها. وكانت مستعدة عندما جاؤا بطلبها تلك الليلة وذهبت معهم. فأخذوها إلى حديقة. في البداية تردد الجلاد لفترة قليلة في تنفيذ الأوامر الصادرة بقتلها لدرجة انه رفض التنفيذ. بعد ذلك عثروا على عبد زنجي أسود مخمور، فوضع هذا منديلا في فمها وخنقها. بعد ذلك رموا بجثتها في بئر في الحديقة وأهالوا عليها الحجارة والنفايات.
يقول حضرة عبدالبهاء: انه ولآخر لحظة من حياة جناب الطاهرة كانت سعيدة وجذلة وكانت تنتظر بلهفة بركات العالم الابهى. وعلى هذه الحال، ضحّت بحياتها الغالية. عسى ان تفرح روحها وتسعد في العالم الأبهى.
هنالك اختلاف في وجهات النظر حول طريقة استشهادها. فقد كتب الدكتور جاكوب بولاك وهو نمساوي وطبيب سابق لدى الشاه الايراني واستاذ في كلية الطب في طهران، كتاباً في سنة 1865م، قال فيه انه شاهد طريقة إعدام جناب الطاهرة وأنها تحملت موتها البطيء "بثبات خارق".
وقال الكونت جوبينو الفرنسي في كتابه (فلسفة الأديان في آسيا الوسطى) المطبوع في سنة 1865م، ان جناب الطاهرة قد أحرقت، بعد أن خنقها الجلادون.
وقال مؤرخ آخر، انها قد خنقت بوتر قوس. لقد حاولوا إجبارها على خلع قناعها، إلا أنها رفضت فلفوا وتر القوس حول عنقها من فوق القناع وهكذا خنقوها، ثم رموها في بئر جافة - وهي ما زالت على قيد الحياة - وردموها بالحجارة والنفايات.
وبينما كنت في طهران سنة 1930م، قدمت لي الدكتورة سوزان مودي تقريرا حول استشهاد جناب الطاهرة أخبرها بها الرجل المسن جناب أديب المبلغ البهائي المشهور، وكان قد تشرف بزيارة حضرة بهاءالله في عكاء. كان جناب أديب استاذاً في الجامعة وأنشأ أخيرا "مدرسة التربية للبنين" في طهران. وكان والده مدرساً في عائلة فتح علي شاه.
وما يلي كتب بتوقيع جناب أديب، وكان صديقاً حميماً لقلي الذي جاء مع جناب الطاهرة إلى طهران. وهنا أقتبس فقط الجزء الخاص باستـشهاد جناب الطاهرة:
(في كل مجلس عقد في طهران، كان الرجال والنساء يتكلمون بمحضر جناب الطاهرة بمنتهى الأدب. وجاء إليها العديد من الأعيان والسيدات المعجبات لتغمرهم بالسرور والغبطة بسبب كلماتها المتـشـبعة بالأمل. وكان الجميع من كل الطبقات وحتى الأمراء ووزراء الدولة ينجذبون لفصاحتها وينحنون بخضوع أمامها عند الدخول في محضرها. ولقد انتشرت خطبها وتوضيحاتها في مختلف أنحاء إيران ولم يكن لأحدٍ أقل شك حول ثقافتها وعلمها. عندما كنت شاباً، اعتدت دراسة الفلسفة مع ميرزا عبد الوهاب شقيق جناب الطاهرة. وعندما كنت أخطأ أو يحصل لي إشكال أسرع في طلب مساعدته. ذات يوم من أيام الصيف، ذهبت إليه في غرفته الخاصة وكان جالساً لوحده، وبما أن اليوم كان حاراً، فقد كان يرتدي جلباباً أبيضاً فضفاضاً. بعد جلوسي بقليل وعندما حصلت فرصة مناسـبة، قلت له أريد أن أسألك بعض الأسئلة، إلا إنني كنت متردداً دائماً، والآن إذا سمحت لي فسأفعل. فأعطاني الإذن. لذلك قلت: إن شهرة وعلم وكمال جناب الطاهرة منتشر بين الناس بحيث أذهل العقول. ولا أحد يعرف الموضوع أفضل منك، لذلك أريد أن أعرف منك حقيقة أو كذب هذا الموضوع؟
فتنهد عبد الوهاب (شقيق جناب الطاهرة) وأجاب: مع الأسف انك سمعت عن كلام وفصاحة جناب الطاهرة فقط، وإنك لم ترها ؛ أعلم وتيقن حقاً، انه في أي مجلس كانت تحضره، لا أنا ولا أي شخص آخر يستطيع أن ينبس ببنت شفة، كان يبدو لو أن كل كتب القبل وكتب المستقبل مفتوحة أمامها، لقد اعتادت أن توضح الموضوع بتقديم البراهين الواضحة من كتب العلماء صفحة بعد صفحة بحيث لا يملك احد القدرة على الإنكار.
كان القتيل الملا تقي يردد دائماً: "عندما تظهر علامات القائم الموعود، سيظهر زنديق قزوين أيضا، وكلمات هذا الزنديق ستكون كلمات امرأة دين؟"
والآن ظهرت هذه المرأة ودينها. في الحقيقة أن كلامها وتوضيحاتها شاهد حقيقي لها.
منذ ذلك الحين، أفتى رجال الدين بمنع جميع النساء من الدراسة، مخافة أن يصبحن مؤمنات مثل جناب الطاهرة.
في سنة 1852م، أطلق بعض البابيين المتعصبين النار على ناصر الدين شاه، لذلك أصبح جميع المؤمنين بتعاليم حضرة الباب في خطر عظيم. فأخبر محمود خان رئيس الشرطة كلاً من الشاه ورئيس الوزراء، ان جناب الطاهرة ما تزال تسكن في بيته، فخشيا ان يصدرا عليها حكم الموت بدون محاكمة، مدركين انها كانت صديقة حميمة ومحبوبة جدا من غالبية سيدات المجتمع ومن الطبقة الارستقراطية، ومن المحتمل ان يؤدي قتلها الى قيامهن باحتجاج لا يستطيع أحد إخماده.
دعيني أذكر لكِ أحد الحوادث لأوضح لكِ تأثير شخصيتها: أخبرتني سيدتان لهما علاقة بعائلة رئيس الشرطة، انه خلال حبسها في بيته، جهز رئيس الشرطة حفلة خطوبة لولده، استغرقت هذه الاحتفالات عدة أيام وقدمت الدعوات إلى الناس من مختلف الطبقات المعروفة في المجتمع، وخلال هذه الاحتفالات والتجهيزات لم تتوقف جناب الطاهرة عن تبليغ رسالتها بفصاحة بليغة بحيث ان الناس تركوا أيام المتعة وكانوا متعجبين ومستغربين جداً من بياناتها وفصاحتها بحيث نسيت جميع مظاهر اللهو التي قدمت لمتعتهم وتركت، وباتوا وكأنهم سحروا بكلامها وتصرفاتها وكانوا يريدون أن يعرفوا منها لماذا أصبحت كافرة رغم أنهم لا يشاهدون هذا فيها.
ورغبة من رئيس الحكومة في إتمام عملية قتلها، أمر اثنين من أكبر وأشهر علماء الدين في طهران، وهما الحاج الملا كنى والحاج الملا محمد أندرماني في التباحث معها، وأعلن: انه مهما قرر رجلا الدين بخصوصها فإنه سينفذه.
وهكذا تمت المباحثات في بيت رئيس الشرطة محمود خان، وكانت في كل جلسة تتناقش معهما، تتغلب عليهما، ولكنهما بقيا غير مقتنعين برأيها. وفي النهاية كتبا حكمهما التالي:-
"إن هـذه المـرأة كافـرة ورئيسة الكفرة، لذلك فمـوتها ضروري ولازم".
فوافقت الحكومة على ذلك، وأضافت لحكم رجلي الدين بعض التهم الكاذبة الأخرى، ونشرتها بين النساء والرجال. وهكذا استطاعت الحكومة تغيير أفكار الناس، فانقلبوا عليها ورغبوا بموتها. وعلى كل حال، وعلى الرغم من هذا الإعلان ، فقد قتـلوها بسـرية أثناء الليـل وهم خائفون وجلـون.
وبالنسبة لهذا العبد (أديب)، فقد كنت أحاول كشف حقيقة الأمر البهائي نائماً ويقظاً، فلم تكن صورته واضحة لي آنذاك. لقد رغبت البحث بنفسي، لذلك ذهبت الى أحد أقربائي وكان صديقاً حميما لي وأثق به، كان رجل دين وأكبر مني سناً ويميل الى طائفة المتصوفة.
فسألته: ماذا تعرف عن هذا الحدث؟
فأجاب: ليس عندي معلومات دقيقة، الا انه من السهل الحصول عليها من الابن الأكبر لرئيس الشرطة، وهو من المتصوفة وصديق حميم لي وسأدعوه ذات يوم الى بيتي ليكون ضيفي، وسأدعوك كذلك وعندها يمكننا سؤاله.
وعندما التقينا في اليوم المحدد، قلت له: إنني سمعت أوجه مختلفة عن حقيقة مصير جناب الطاهرة، لكنها طالما كانت سجينة في بيتكم، فإنكم ولا شك تعلمون كل الظروف أفضل من أي شخص آخر؟
فأجاب : في ليلة ذلك اليوم الذي قتلت فيه جناب الطاهرة سراً، كانت عارفة بمصيرها وكأن هناك من أخبرها بذلك، فاستحمت وغيرت جميع ملابسها ونزلت الى الطابق الأرضي وطلبت السماح والعفو من كل أهل البيت فرداً فرداً لما سببته لهم من إزعاج. كانت مثل مسافرة تتمتع بكامل الفرح والسرور قبل بدء رحلتها. وعند الغروب كانت تتمشى بخطوات بطيئة ذهابا وإياباً على غير عادتها في الشرفة العلوية، والتزمت الصمت ولم تكلم أحداً، الا انها كانت تكلم نفسها بصوت منخفض. واستمرت على هذه الحال الى ما بعد الغروب بثلاث ساعات. في تلك الليلة صدر قرار حكومي شديد بمنع التجول ومن يفعل بغير ذلك يتعرض للعقاب.
جاء إليّ والدي وقال : لقد عملت كافة الترتيبات اللازمة وأمرت كل حراس الليل ليكونوا بكامل اليقظة والحذر ويراقبوا الشوارع وتقاطع الطرقات، خشية أن تحدث اضطرابات. والآن أريدك أن تأخذ هذه السيدة بكامل السرية الى حديقة ايلخاني ومعك الخدم، وتسلمها الى السردار كل عزيز خان وتنتظر هناك حتى ينتهي الموضوع، ثم عد وقدّم لي التقرير، حتى أذهب وأخبر الشاه.
بعد ذلك نهض وقال: تعال معي، فذهبنا الى الطابق العلوي معاً. وعندما وصلنا الى باب الغرفة العلوية، رأيناها جاهزة وكأنها تنتظرنا. فقال لها والدي : لنبدأ فوراً، عليك بالذهاب الى مكان آخر. فتقدمت بدون تردد. وعندما وصلنا الى الباب الخارجي، وجدنا حصان أبي الخاص حاضراً، فامتطته، فوضع والدي عباءته فوقها حتى لا يعرف الناس أن هذا الفارس هو إمرأة. ثم تحركنا مع عدد كبير من الحرس الأشداء، وسلكنا طرقاً ملتوية حتى وصلنا الى الحديقة حيث ترجلت من حصانها وأدخلت في غرفة الخدم في الطابق الأرضي.
ذهبت الى الطابق العلوي، ودخلت على السردار وكان جالساً لوحده ينتظرنا. فأبلغته تحية والدي وقدمت له رسالته.
فسألني: هل عرفكم أحد خلال الطريق؟
أجبته: لا أحد.
فنادى على أحد خدمه، وحيّاه بطريقة لطيفة واستفسر عن صحته، ثم قال له: هل حصلت على هدية لأحد أفراد أسرتك في هذه الرحلة؟
قال الخادم: لا.
فقدم له السردار حفنة من فئة التومان الواحد ذهباً، وقال له: خذ هذه الآن وأرسلها لهم وسوف أكافئك لاحقاً، ثم أضاف: خذ هذا المنديل الحرير واذهب ولفه حول رقبة هذه السيدة البابية وأخنقها، لأنها هي سبب ضلالة الناس. فغادر الخادم الغرفة وأنا أرافقه. فذهب لغايته على الفور، أما أنا فوقفت عند الباب. وعندما تقرب من جناب الطاهرة، نظرت إليه وتفوهت ببعض الكلمات تخاطبه. فجأة، رأيته يعود أدراجه ورأسه منحني وهو يكلم نفسه باللغة التركية، ومرّ بي وخرج عبر الباب بلا عودة. فعدت الى السردار وأخبرته بما حدث.
طلب السردار فنجان قهوة، وبعد أن أطرق قليلاً، نادى على خادمه وقال له: لقد فصلت ذات مرة من العمل خادماً أسوداً إعتاد أداء مثل هذه الأعمال القذرة. فأين هو؟
أجاب الخادم: انه يعمل الآن في المطبخ.
فقال السردار: قل له أن يحضر الى هنا.
بعد قليل دخل رجل قذر الهيئة تعلوه ملامح شيطانية. فقال له سيده: ألا ترى أمورك انزلقت الى أي حال؟ إذا تبت وانقطعت عن أعمالك السيئة، فسوف أعيدك الى سابق وظيفتك، ومن الممكن أن تقضي بقية حياتك في سعادة.
فأجاب الرجل على الفور: سوف لن أعصيك أبداً.
قال له سيده: حسناً. أنا متأكد من أنك لم تشرب شيئاً. أذهب الى الغرفة الأخرى وأشرب كأسا طافحة من الخمر ثم عد لي وسأعطيك عدتك وملابسك.
فذهب وعاد بعد قليل. فقال له السردار: إنك رجل شجاع، هل بإمكانك قتل إمرأة موجودة في الطابق السفلي؟
فأجاب الخادم: نعم. ثم خرج وخرجت معه.
وحالما تقرّب منها، لف بسرعة القماش حول عنقها بشدة وعنف، فأغميّ عليها وسقطت فضربها على جنبها وصدرها، ثم جاء أحد الحرس وحملاها معاً كما هي في ملابسها ورموها في بئر موجودة في الطرف البعيد للحديقة، ثم ردما البئر بالحجارة والنفايات. فعدت الى البيت وأعطيت والدي تقريرا كاملاً عن الأحداث.


كلمة تقييم:
حين نستقرئ سيرة قرة العين منذ بداية أمرها حتى ساعة مقتلها نشعر بأنها امرأة ليست كسائر النساء، فهي علاوة على ما تميزت به من جمال رائع كانت تملك ذكاءا مفرطا وشخصية قوية ولسانا فصيحا، وتلك صفات أربع قلما اجتمعت في انسان واحد، وان هي اجتمعت فيه منحته مقدرة على التأثير في الناس وجعلته ممن يغيرون مجرى التاريخ.
وصفها الكونت دي غوبينو في كتابه "الأديان والفلسفات في اسيا الوسطى"، وهو قد زار ايران بعد مقتل قرة العين بمدة قصيرة، فقال: "... كان الكثير من الذين عرفوها وسمعوها في أوقات مختلفة من حياتها يذكرون لي دائما انها فضلا عما اشتهرت به من العلم والغزارة في الخطب فان القاءها كان من السهل الممتنع وكان الناس اثناء تكلمها يشعرون باهتزاز وتأثير الى أعماق قلوبهم مفعمين بالاعجاب وتنهمر دموعهم من الآماق.
وكذلك وصفها صاحب كتاب "مفتاح باب الابواب" فقال: "وقصارى القول ان هذه الفتاة كانت آية الجمال والكمال، وفريدة وصيفاتها بالحسن والاعتدال، طلقة اللسان، فصيحة البيان، عذبة المنطق، شهية الكلام، جسورة مقدامة، ومن منظومها بالفارسية والعربية ما يطرب الأديب، ويخلب لب الأريب، ولكن قضى عليها سوء الحظ ونكد الطالع (ان صح جميع ما يقال عنها) ان تحيد عن محجة الحق والصواب، وتميل عن منهج الهدى والثواب، وتأتي بما تمجه نفوس أولي الألباب، حتى ترتكب ما أطفأت به نور جمالها الزاهي الزاهر، ومحقت بدر كمالها البهي الباهر، ولله الأمر في الأول والآخر". (من كتاب لمارثا ل. روت-مترجم من الفارسية)

ومازلنا مع هذه السيدة النادرة العظيمة قرة العين-الطاهرة...........



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية 4- ...
- الطاهرة-صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين أعظم امرأة إيرانية (3 ...
- الطاهرة-صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين أعظم إمرأة إيرانية (2 ...
- الطاهرة- صوت السافور-زرين تاج-قرة العين أعظم امرأة إيرانية ( ...
- تجدد الدين بعد موته الروحاني -كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة ...
- المرأة في البهائية
- الحج في الشريعة البهائية2-2
- الحج في الشريعة البهائية1-2
- حكم الصوم في العقيدة البهائية2-2
- حكم الصوم في العقيدة البهائية1-2
- أهداف الأديان وهدف الدين البهائي 3-3
- أهداف الأديان وهدف الدين البهائي 2-3
- أهداف الأديان وهدف الدين البهائي 1-3
- النبأ العظيم- أنتبهوا
- الإنسان وصناعة الغباء عبر العصور والأزمان2-2
- الإنسان وصناعة الغباء عبر العصور والأزمان2-1
- الصلاة في البهائية2-3
- الصلاة في البهائية1-3
- تتابع الأديان وتطوّرها
- الفضائل التي يتحلى بها قلب الإنسان وعقله


المزيد.....




- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - استشهاد (صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية) (5-10)