أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سناء الغريب - تراتيل مؤجلة لذاكرة مدينة ...اسمها بغداد















المزيد.....

تراتيل مؤجلة لذاكرة مدينة ...اسمها بغداد


سناء الغريب

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 14:30
المحور: الادب والفن
    


تحمل قصيدة (ذاكرة مدينة ...اسمها بغداد) لعصام البرام، صور شعرية حزينة لصمت الغربة والم الروح ،وتتوسط هذه القصيدة مجموعته الشعرية (تراتيل مؤجلة) حيث تركز في مدلولها العام على الروح المعذبة التي تجول في عوالم الوحدة والغربة ،سواء كنت الغربة الفعلية التي تعني السفر الى مكان اخر غير الوطن ،او غربة الروح التي تعني غربة الفرد داخل وطنه ،وبكلتا الحالتين فان الفرد يحمل في داخله صور كثيرة،ويبقى يفتش في كل زمان ومكان عن صورة حبيبته (مدينته) في محطات غربته تلك.
ومثل حال الشاعر البريطاني اليوت عندما يخاطب رفيقه في قصيدة (بروفروك بات) في رحلتهما للتفتيش عن النفس وايجاد اجابة لسؤال محتوم هو (متى تنتهي الغربة ويعود المغترب الى وطنه)،ظل الصمت والظل المجهول يلاحقان هذان الرفيقان في رحلتهما التي لم تنتهي ولم يجدا الاجابة ،وفي قصيدة البرام يمتد فضولنا حتى النهاية علنا نجد اجابة لتساؤلاته او تساؤلاتنا التي تثيرها ابيات قصيدته .
مستهل القصيدة التي يصفها عصام البرام (بالخاطرة)،يتكأ على عنصرين هما الوحدة والحلم ،اذ يمثلان كل ما يحظى به البرام في لحظات حنينه لمدينته وعندما ينتصر عليه شعور الغربة فيلجئ الى الاحلام وان كانت احلام اليقظة او احلام النهار كما يصفها ،وبالرغم من ان معالم الحياة تحيط به من كل اتجاه في المكان الذي حل بديل عن بلده وان كان بشكل مؤقت،الا ان شعور الوحدة القاتل ذاك يبقى ملازما له ،وتظل عيناه تبحثان في كل تفصيل من التفاصيل عن عطر،صوت،لون،او نكهة لبغداد ، فيستدعي احلام النهار تلك ويتباهى بانه الوحيد الذي ترواده الاحلام في وضح النهار وهو بهذا يكون حالما ببغداد طوال الوقت ليلا او نهارا وهي الميزة التي يسعى للتباهي بها من خلال قصيدته .
ويعلل الشاعر المه بحنينه المستمر الى مدينته مستعيرا من الهلاوس صور شتى، ولعالها الهلاوس التي يعانيها العشاق ،اوالهلاوس التي تعيها الذاكرة العراقية البغدادية عن الحروب والاهات المريرة .تلك الاستعارات الادبية تقترب في بعض الاحيان من وصف روحه، كونها تخيلات ظلية لترنح الروح في درابين وازقة الضياع المظلمة الموحشة يرافقها عصرة الالم التي تضيق خناقها يوم بعد يوم عليه.ويتجلى وبوضوح كيف ان القصيدة حملت طابع الاثر النفسي الذي يعانيه الكاتب وهي بذلك شكلت انعكاسا نفسيا واضح من خلال الاكثار من عرض ألام الروح وتئوهاتها وحنينها المفرط الى ذاكرة ذاك المكان واستشهادها بتفاصيله الجميلة التي لاتزال ذاكرته تستلهمها مرارا وتكرارا.
ويفلح الشاعر في انتقاء المتضادات والصور البلاغية المتعاكسة ويوظفها في تصعيد الحدث الشعري ،حيث يقول (تسكنني الالام والصمت المريض)وقبلها يصف حلمه في وسط الزحام ،وبذلك وظف الزحام وأزاءه الصمت وهما لايتحققان باي حال من الاحوال، كما وظف الالام لتكون سكون لروحه وهما ايضا لايتحققان الا في احلام الكاتب نفسه،وفي الوقت ذاته فانهما قد اسهما من حيث التكنيك الادبي في ارتقاء النص الادبي من حيث تسلسل احداثه .
تهجره الاشياء كما تهجره الحقيقة ،ويظل الشك ملازما له فيما تتقاذفه عيون الحرب والسنين التي تمر الواحدة تلو الاخرى فلا يدرك كم تلك السنين التي مرت ويعبر عنها بقوله (تغمرني السنون صريعا) ،فهي صرعة التعجب والاستهجان للسنين الكثيرة التي تركته صريعا متحسرا خلف شبابيك المنافي فيعطي السنين صورة الرماد وبالتالي فان انتظاره هو شعلة النار التي تترك خلفها الرماد،الذي لايعدو كونه سني حياته ،وهذا مايسمى توظيف المصطلحات المتباعدة في علاقتها البعض بالبعض اخر كالبعد بين شبابيك المنافي والرماد ،الغاية منها خلق ملامح غموض يحفز ذهنية القاريء لاستلام تلك الصور وتحليلها .
تترك السنين التي تمر مسرعة فتغمره بالرماد اسئلة كثيرة وعلامات استفهام تجول من حوله ،فيمثلها بالمشنقة التي تغتاله موتا ،وهو تعبير مجازي يمثل مدى شوق نفسه وحنينها الى الديار،ولكثرة ما تساله متى العودة الى الديار؟.
وما يلبث ان يعود مجددا لصمته ازاء تلك الاسئلة ،هذا الصمت الذي يراقصه وعيناه مشدودتان الى منظر سماوي ،يرقب الفجر عله يطل مزيلا سحب الظلام ،وفيه مافيه من الاسئلة التي امتزجت بذكرياته ورسمت طيوفها على الشمس وهي تعتلي ظهر الفرات فيعلق خواطره على الفرات لترتسم لوحة شمسية جميلة تطفو على امواج النهر الجميلة في وقت هو الاروع لسكون النفس وتاملها الا وهو الغروب.
لايهمل الاديب استدعاء الوسائل الخاصة في نقل الافكار وتحويلها الى كلمات فيستدعي من بين مايستدعي المؤثرات الذاتية ،وعوامل البيئة الاجتماعية والطبيعية التي تطبع اثرها عليه بوضوح،معتمدا على المكونات الطبيعية في تحقيق التوازن في قصيدته،فيقيم توزانا فنيا بين المحتوى والشكل ،رغم انه يفقد بريقه في وصف الجوانب التي لايميل اليها، حيث انه يستعيض عنها بالاعتماد على عناصر الطبيعة التي تشغل حيز كبير من القصيدة.
ونجد الشاعر يمزج في قصديته (ذاكرة مدينة ...اسمها بغداد) من كتابه (تراتيل مؤجلة) بين (الحس الفطري) للاديب وبين (حس المنتقي) للالفاظ والتعابير،ونستشهد بمستهل قصيدته لنرى انه رتب معادلة خاصة وهي ( الحلم في جوف النهار ) ويبدو انها اتت بعد تفكر وتمعن ...ونقراءها على انها مراجعة ذاتية لكيفية الدخول الى ذهن القراء بصورة شعرية صعبة نوعا ما ومعقدة،فانبثقت عنها ولادة صورة شعرية ليست فطرية ،بل منتقاة اي انه تدبر في صنعها ،وناخذ عليه انه اهمل صور اخرى كثيرة نرى بعضها تاخر في الابيات وكأن وقعها سيكون ابلغ واقوى ان جاء في المقدمة فبيته : (تتركني الحقيقة بلا شراع) ،صورة فطرية كاملة لماعليه الاديب الذي يرقب مدينته من بعيد كسفينة جردت من اشرعتها فهوت بها الامواج الى المجهول تميد بها يمينا ويسارا،وتلك حقيقة الامواج التي لايمكن السيطرة عليها،وتجرد الانسان في الكثير من الاحيان من قدرته على التحكم بتلك الامواج وتطويعها لما تصبو اليه النفس.
اما الصورة الاخرى فهي (بحدائق النيران...ووهج الانتظار) وهذه كانت ستكون فاتحة رائعة فهو تصوير فطري ايضا امتزجت فيه كل الابعاد ...الحدائق واخيلتها الجميلة،التي اكتسبت صفة غير مالوفة وهي نيران الانتظار،معطيا لنفسه مبرر يعينه وهو ينطر امله وشوقه وحلمه ...فتوازت الحدائق في ذائقتها مع الانتظار، وطبعتهما النيران والوهج ،وهي بحق صورة رائعة اختزلتها كلمات اربع ،وابعدها الشاعر الى منتصف قصيدته ولانعرف السبب وراء ذلك الاختيار.لكنها مثلت العودة من جديد الى تقنية جمع المتضادات ،فالنيران والحدائق متضادان لايجتمعان،والوهج والانتظار نقيضان ايضا .
وتبقى جدلية الاختيار الفطري للابيات تلازم اساليب النقد فنضطر للتمعن في (تراقص الليل العيون...كالعطر،) وما بعدها(كالاهداب، تراقص شمسنا والموج) وهي مزيج بين طرفي الحياة الليل والنهار،وما بينهما نافذة الانسان الى تلك الموجودات الاساسية للحياة ،العيون واهدابها ،وقد يكون الشاعر قصد من ذلك وصف مدينته بغداد وجمالها عندما يرخي عليها الليل سدوله ،وعندما تغط الشمس في احضان دجلة والوانها القرمزية في المغيب ،وهو معذور في تسابق ابياته التي قد تفضي الى الفوضى، فجمال بغداد يزداد بشكل مستمر لدى القابعين في غياهب الغربة،ليكون عذرا يحسب لصالحه لا عليه.
واخيرا يغبن الشاعر حق دجلة فيختم قصيدته التي امتلئت بصور ذاكرة بغداد، بتعليق خاطرته الشعرية على الفرات دون دجلة ،او قد تكون دعوة منه موجهة للقاريء لتحريك ذكائه واثارة التساؤل لديه عن سبب تعليق الخاطرة تلك على الفرات دون دجلة ،ومع ذلك فان دجلة يحمل عتبه ويرسله الى الشاعر ليقول له (لماذا تهملني من ذاكرة المدينة وانا كل ذاكرتها وبطلها الاسطوري).ويبدو ان الاحتمال الثالث هو احتجاج الشاعر،عله احتجاج على المدينة ذاتها ،او على ذاته هو،فغازل الفرات الذي قد يكون جزء بسيط من ذاكرة مدينته ولايحمل من الحكايا ما يحمله دجلة رفيق بغداد الابدي،عسى ان تثور ثائرته كعملاق اسطوري تراخى على صدر المدينة فيفعل ما يعجز الشاعر عن فعله مع وحدته وصمته واحلامه في غربته.

عصام البرام
ذاكرة مدينة اسمها...بغداد
وحدي الذي يحلم في جوف النهار
وسط الزحام،
وتسكنني الالام والصمت المريض
وحدي،
تتركني الحقيقة بلا شراع
تلاطمني عيون الحرب
وثورة الشك
بلا احتواء
وحدي...
اسافر بلا عناء
شتات في الهواء
تغمرني السنون
صريعا،
خلف شباك المنافي
مثل الرماد
مثل الدوار
تجوب اسئلة
حولي وتشنقني فرط بلوغ،الى الديار
اسئلة
تسافر بلا عطر
بلا رقصات موج
بلا موت...اوبكاء
وعلى الطريق
حتى ذاك الطريق
شكا لي...ابواب الاسى
مطوقا
بحدائق النيران..ووهج الانتظار
وعلى الطفوف،
تطوق القلب السجين
فيهرب السجان
والمجنون
وتراقص الليل العيون
كالعطر،
كالاهداب،
تراقص شمسنا والموج
عند المغيب،
لكنها
في الافق
كالحلم،
تتركني احيا بلا لقاء
اراقص الصمت
واراقب السماء،
فجرا،
لعله،
يحمل لي
يوما
سر فراشات الدروب
والذكريات
وترسم طيفها
المبثوث،
على وجه الشمس
لترتقي الفرات
خاطرة
علقتها على
ابواب المدينة
27/5/2009



#سناء_الغريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سناء الغريب - تراتيل مؤجلة لذاكرة مدينة ...اسمها بغداد