كميل داغر
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 01:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مشاهدات وأفكار من "ليلة السفارة"
حين شاركتُ في الاعتصام أمام السفارة السورية ، ليل الثلاثاء الماضي ، تضامناً مع أهلنا ، في سوريا ، الذين يتعرضون ، منذ أواسط آذار/مارس الماضي ، للقمع الدموي الشرس ، من جانب نظام بلدهم ، كنت أتوقع أن يحصل ، بالضبط ، ما حصل ، على أيدي شبِّيحة السفارة ، بحق المعتصمين . فعند هذه الدرجة من شعور النظام المذكور بالانحشار في الزاوية ، وبعد أن بدا واضحاً أنه يخوض آخر معارك وجوده الطويل ، والعَصيِّ على الاحتمال ، من المفترض أنه بات يصعب عليه أن يرى مدى الرفض الذي يُقابل به ، ليس فقط من جانب الشعب المذكور ، بل أيضاً من جانب كل المتضامنين مع هذا الأخير . ولا سيما حين يكون هكذا موقف صادراً من قوى تقدمية وديمقراطية تنتمي لشعب سبق أن ذاق الأمرَّين ،هو الآخر ، خلال عقود من هيمنة النظام المذكور المخابراتية ، الكريهة ، على الدولة والمجتمع اللبنانيين .
لم تمر دقائق قليلة على وجودنا الصامت ، بالمناسبة ، مؤقتاً على الأقل ، حتى رحنا نشاهد مجموعتين من حَمَلَة صور الرئيس السوري تتقدمان من جهتين مختلفتين ، واحدة من زاروب متفرع من شارع جاندارك ، حيث مركز الحزب القومي السوري ، والأخرى من زاروب آخر متفرع من شارع الحمرا الرئيسي . وفقط حين وصلوا ، وهم يُفَدُّون الأسد الإبن ، "بالروح والدم" ، على جاري عادتهم ، بدأ المعتصمون ، المتضامنون مع ضحايا الرئيس المذكور ونظامه ، يهتفون لأجل حرية الشعب السوري ،وتضامناً معه . ولم تنقضِ أكثر من دقائق معدودات ، ربما ثمانٍ أو عشر ، قبل أن يزداد سعار شبّيحة السفارة ، بشكل ملحوظ ، ويندفعوا نحونا بعدوانيةٍ قلَّ نظيرها ، وقد ظهرت فجأةً معهم أدوات حادة متنوعة ، ليس أقلَّها العِصِيُّ والسكاكين والكراسي ، التي استخدموها بأقصى العنف ، ضد الجمهور المسالم ، الذي كانت نسبة هامة من أفراده من الفتيات .
ومن الواضح أنه لم يكن ثمة مجال لدى هؤلاء للصمود طويلاً ، في مواجهة ما بدا أنه قرار حاسم يتسلح به المهاجمون ، سلفاً ، يقضي بسحق المعتصمين ، بحيث يثنيهم ذلك ، كما يثني أيّاً غيرهم – في ظن أصحاب القرار المشار إليه – عن تكرار هذا الشكل من التعبير عن الرأي ، أمام سفارة النظام البعثي ، في بيروت ، وربما في أي مكان آخر من المدينة !! وبالتأكيد ، فإنه لم يكن ليتجرأ سفير النظام المذكور على اتخاذ قرار من هذا النوع ، لو لم يكن يستقوي بالحلفاء المحليين لهذا النظام ، الذين حسموا أمرهم ، منذ البدء ، فاصطفّوا بصورة أقل ما يقال إنها معيبة ، ومثيرة للكثير من الحزن والاستنكار ، بجانب نظام القَتَلَة ، في دمشق ، ضد الشعب السوري ، المنخرط ،
حالياً ، في السيرورة البطولية الثورية نفسها ، التي تعيشها المنطقة العربية ، منذ أوائل هذا العام .
وبالطبع ، إن ما حصل مساء الثاني من آب الجاري ، في شوارع الحمرا ،هو نذير شر مستطير ، إذا لم يتمكن كل الحريصين على بقاء هذا البلد موطناً للحريات من أن يتحولوا إلى جسم متراص ، ومعادلة صعبة ، في مواجهة الإنذار الذي مثَّلته هجمةُ مجموعاتٍ مسعورة ، شبيهة تماماً ، بتلك التي أطلقها النازيون في ألمانيا ، في الثلاثينيات من القرن الماضي ، والفاشيون في إيطاليا وإسبانيا ، في الفترة نفسها تقريباً ، ضد كل أحرار بلادهم ، مع النتائج الكارثية ، التي قد تترتب على ذلك ، في غياب قوى منظَّمة ، أو جاهزة للتنظم ، من دون إبطاء ، وتمتلك الشجاعة الكافية لقطع الطريق ، أمام تطوُّرٍ بهذه الخطورة .
وهو أمر يستدعي ، بالتأكيد ، استنهاض كل القوى الديمقراطية الحية في المجتمع ، ومعها جمهور واسع من المجموعات اليسارية ، التي آثرت ، إزاء بؤس أحزابها الأصلية ،وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني – وقد جبُنت قيادته حتى عن مجرد إصدار استنكار بسيط للجريمة المخزية التي ارتُكبت في الحمرا – أن تقف على الحياد ، وتتفرج على ما يجري من بعيد ، عاجزةً عن تقديم إسهام ، مهما يكن متواضعاً ، لأجل درء مخاطر زاحفة أطلقت نُذُرَها بصَخَبٍ ، قبل أيام قلائل .
ونحن ننظر بالكثير من الجدية إلى ما اعتبرناه أعلاه " نذير شر مستطير " ، ولا سيما حين نعلم أن بين الأوراق التي لم تستعملها السلطة في دمشق ، إلى الآن ، تفجير الوضع لدينا ، بما قد تكون تظن أنه يخدم مسعاها اليائس لإطالة حياة الدكتاتورية البشعة القائمة هناك ، منذ عشرات السنين .
في غضون ذلك ، لا ريب في أنه ستكون ثمة حاجة قصوى لاستخدام منبر القضاء – مهما يكن يأسنا من نزاهة هذا الأخير وشجاعته – وذلك في وجه مجرمي الحق العام ، الذين مارسوا بطشهم وفاشيَّتهم ضدَّ معتصمي السفارة ، في الوقت نفسه الذي تتم فيه أقصى درجات الفضح والتعبئة ضد المسؤول الاعلى لهذه الأخيرة ، كما ضد القوى الحزبية المحلية ، الموجودة أصلاً في السلطة السياسية القائمة ، والتي تقبل بأن تدفع بمحازبيها إلى ممارسة دور بالغ البشاعة ، ضد مواطنين لهم مسالمين يؤمنون ،على عكسهم ، بأن إطلاق مقاومة حقيقية ضد إسرائيل وأميركا ، وإعادة الاعتبار لمطلب تحرير فلسطين ، يمر بتحرر الشعب السوري من سلطة غاشمةٍ مارست ، على امتداد وجودها ، دور حارس ذليل للأمن الصهيوني ، وامتنعت منذ 39عاماً عن إطلاق رصاصة واحدة ضد الاحتلال في الجولان المغتَصَب ،هو الآخر ، فيما هي تُبدي ، منذ نشأتها ، استعدادها الدائم لقهر شعبها ،بقوة السلاح ، وتصل الآن إلى درجة عالية جداً من استباحة حياته بحيث لا تتورع عن إغراق مدنه وقراه بشلال لا ينقطع من الدماء .
أبعد من ذلك ، إن الرد الأنجع على مسعى هكذا قوى لإشاعة الذعر لدى مواطنين ومواطنات يصرون على تقديم دعمهم لإخوةٍ وأخوات لهم في سوريا ، يكمن في الإعداد منذ هذه اللحظة ، ومن دون توقف ، لاعتصامات ومسيرات ، في الأسابيع والأشهر القادمة ، تعطي صورة مضيئة عما تختزنه أفئدة شعبنا من مشاعر نبيلة ، وتطلعات أصيلة إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ، ليس فقط له ،هو بالذات ، بل أيضاً لكل الشعوب ، وفي مقدمتها الشعب السوري العظيم .
#كميل_داغر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟