أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم نافل والي - قصة قصيرة بعنوان / ورطة














المزيد.....

قصة قصيرة بعنوان / ورطة


هيثم نافل والي

الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 17:02
المحور: الادب والفن
    




أنتصف النهار، وأشتد الحر، حرقت الرياح الملتهبة الوجوه، كما تحرق نار جهنم الأجساد، عند يوم الحساب! وباتَ الظهور في الطرقات بهذا الوقت، أمراً عسيراً...، دخلَ سامي، أبن التسعة أعوام منزلهم، عائداً من المدرسة، وعصافير معدته توصوص من الجوع. كانَ نحيف الجسم، صاحب العيون الصغيرة جداً، وكأن لا مكان لها في وجهه! متفوق دراسياً بشكل ملفت للنظر والحسد من قبل زملائه في المدرسة! عاشَ متأملاً، مفكراً، وهو في هذا العمر، لذا تراه، نادراً ما يتكلم، إلا إذا طلب منه أو سؤل، فيجيب مقتضباً، مختصراً، وكأنه يوزن كلماته قبل النطق بها!
ما أن رمى حقيبته المدرسية في إحدى الزوايا، حتى تقدمت زوجة أبيه منه بحزم، مادتاً يدها له وهي تعطيه حق تذاكر الحافلة، باتجاه واحد! وهي تلمظ شفتيها، وتقول له بصرامة وكأنها تؤنبه:
أذهب إلى العمل حالاً، وها هي حق التذاكر... وقل لصاحب المتجر الذي ستعمل عنده منذ اليوم، بأنك جائع! وهو سيتكفل بأمرك. وسيعطيك عند المساء أجرتك وحق العودة!
ينظر لها سامي بخوف، يتطلع لها وكأنها أفعى، لا ينوي الاقتراب منها! والجوع ينهش معدته وهو صامت كالصنم، لا ينطق!
- هيا يا سامي، ما لي أراك باهتاً، كالأبله! ألم تسمع ما قلته؟ فهو الآن بانتظارك، وهذا ما اتفقنا عليه اليوم صباحاً، ثمَ على صوتها، وهي تلوح بيدها عالياً كالسيف، محذرة: يا ولد، أذهب فوراً ولا تتأخر أكثر، ثمَ استطردت، أعوذ بالله، ما هذا؟ أي نوع من الأطفال أنتم؟ وبدأت تندب حظها العاثر، الخائب، الذي جعلها زوجةً لأبيه، كعادة النساء العربيات عموماً، في نقد حياتهن!
يمد سامي يده الصغيرة، وهو يرتعش هلعاً، من منظر زوجة أبيه الغاضبة، يتجه بنظره إلى ناحية المطبخ، بعد أن كانَ قد شمَ رائحة الطعام، الذي يتوق لتناوله الآن، عندها صرّ على أسنانه، وكأنه يمضغ قطعة من اللحم، بعدَ أن أخذَ اللعاب في فمه يلهو كما يطاب له في أوقات كهذه! وهو يتراجع متقهقراً بتضرع، وبخيبة أمل قاسية، لم يستطيع إلا الخضوع لأوامر لا يمكن رفضها، فمضى مسرعاً، حاملاً جوعه معه... وإلى قدره المرسوم...
وصل السوق، بممراته الضيقة الملتوية، وكأنها الأمعاء، الذي يضم في حناياه، متجر بنيامين اليهودي، بائع العطور المعروف حينَ ذاك في بغداد. لكنه تفاجأ، عندما رأى المتجر مغلقاً! مد يده إلى بطنه التي تؤلمه، فالجوع ينهش في معدته، كآفة المرض، أسند ظهره إلى الحائط منتظراً، قلقاً، لا يعرف كيف يتصرف! بعد أن غزا السكون عقله، الذي له صوت الصمت! فلم يهتدي إلى طريقة للخلاص من هذا الموقف المتأزم الذي يصادفه، وهذه اللحظات الطويلة، بعمر الدهر بالنسبة له، والتي أبت أن تمضي، فأستسلم لقدره، بضعف طفولي مهلك...
نظر حوله، فرأى متجراً يبيع الخبز، تقدم نحوه دونَ شعور كالحالم، وأشار لصاحب المتجر بإعطائه قطعة واحدة من الخبز الذي تفوح منه رائحة زكية، عطرة، فتذكر أمه وهو يلتهم الخبز سريعاً، فتكسرت على خده، دمعة ملتهبة كحرارة الخبز الذي بين يديه... ثمَ فجأة ودونَ أرتباك، صاحَ بصاحب المتجر بعناد وصرامة: هيا أريد أن ذهب، ، أني على عجلة من أمري، وزوجة أبي في انتظاري! ثمَ أردف بكل عنفوان المنتصر، خذ حقك، وأرجع لي باقي النقود!
- نظرَ له صاحب المتجر، والعرق يتصبب من على وجهه المنهك، المحروق بسبب حرارة الجو والفرن المتقد، وأجابه باستخفاف: ماذا تريد؟ باقي نقودك! فضرب كفاً بكف، وكأنه يصفق وقال صارخاً: يا لكَ من وغد، لص وشرير... ثمَ بصق بقوه في وجهه، تفوه... وأضاف، لم تكتفي بمحاولة الأكل مجاناً، بل تطلب السرقة أيضاً! ثم علت الأصوات التي تجمعت فجأة، وكأنَ حريقاً هائلاً قد شب، وبدأت السواعد القاسية، الخشنة، تمرر يدها على سامي من كل صوب وجانب، فهذا من يشده من إذنه، وآخر يضربه على قفاه، وثالث يركله بكل وحشية، وكأن الطفل، قاتل أبيه! بينما ظلَ سامي يتحمل الآلام والصفعات وهو صامت، جامد، كالحجر،وكأنه يستقبلها عن طيب خاطر!
وسط الجموع المحاصرة كالجراد، ظهرَ صوت بنيامين اليهودي، وهو يردد، انتظروا... أنه عاملي الجديد، أرجوكم، كفوا عن ضربه، ليأخذنكم الشيطان، إلا ترون أنه ما زالَ طفلاً! أعتقوه لوجه الله، أرجوكم...
دفعَ بنيامين حق الخبز، وأستمع من سامي، القصة كاملة، أخذه من يده وهو مثخن بالجراح، وكأنه خارج من معركة للتو! أشار له بأن يعمل اليوم مجاناً دونَ أجر! نظراً لتصرفه الغير أخلاقي! واكتفى بما دفعه من نقود، حقاً للخبز المنهوب!
حلَّ المساء، وتذكر سامي زوجة أبيه وهي تنتظر، كي تستولي على نقوده التي لم يحصل عليها! ودعه بنيامين بكلمات مبهمة، لم يفهم منها سامي شيئاً، فقد كانَ غارقاً في ورطته التي لم يجد لها منفذاً، لحلها!
جلسَ في الشارع يتأمل المارة كعادته، وهم يسيرون على عجلة من أمامه، كالأشباح، كلاً في سبيله، ونحو هدفه، إلا هو مازال ينتظر المعجزة التي تنقذه، ولكن هيهات أن يكون القدر عادلاً! ولماذا يكون عادلاً؟ كالموت، بلا رحمة! رفعَ رأسه الصغير إلى السماء، وبكى، ثمَ نبح، كالجرو: كيفَ سأواجه غضبها! تلك اللئيمة القاسية، المتحجرة القلب، الفارغة من الشعور؟ فندت عنه صرخة مدوية وهو يمضي مسرعاً في الطرقات يبحث عن حل لورطته الخانقة، الثقيلة، كالهم، بوزن الحجر، وهو جاثم على صدرهِ، يعدو إلى المجهول، طالباً، ساعياً، لعله يهتدي إلى جواب، يكون مقنعاً وشافياً، تصدقه زوجة أبيه، لتغفر له، ما اقترفت يداه من أثم لا يغتفر!



#هيثم_نافل_والي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان / لعنة
- حكاية امرأة عراقية
- قصة قصيرة بعنوان / صراع الروح
- قصة قصيرة بعنوان / الحدث
- قصة قصيرة بعنوان / سوء فهم
- قصة قصيرة بعنوان / شهرة
- حكاية بعنوان / رجل من الشرق
- قصة قصيرة بعنوان / حب في زمن الأخلاق
- قصة قصيرة بعنوان / الوداع
- قصة قصيرة بعنوان / رقم 101
- الدين وعلماء العصر الحديث
- قصة قصيرة بعنوان / مبارزة
- قصة قصيرة بعنوان / السر
- قصة قصيرة بعنوان / جنون الحزن
- قصة قصيرة - بعنوان قرار
- السحر وعلاقته بالدين
- قصة قصيرة بعنوان لا مبالاة
- مشهد بعنوان مصير الشيطان
- قصة قصيرة بعنوان الصرخة
- قصة قصيرة


المزيد.....




- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم نافل والي - قصة قصيرة بعنوان / ورطة