أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالنبي فرج  - الحروب الاخيرة للعبيد















المزيد.....


الحروب الاخيرة للعبيد


عبدالنبي فرج 

الحوار المتمدن-العدد: 3445 - 2011 / 8 / 2 - 07:30
المحور: الادب والفن
    


فصل من رواية الحروب الاخيرة للعبيد
عبدالنبي فرج 
وسط حقول الموز وعلى ضوء شمعة خسر سعد الكومى ستة آلاف وسبعمائة جنية فى القمار وضاع حلمه فى الثراء وأن يكون من الأعيان ، ويرمى العباءة على كتفه ويحضر مجالس العرف ويتصدر مجالس الرجال
فى الفروشات ، ضاع حلمه فى أين يكون كبيراً مثل موسى ، الشيء الذى لم يستطع أن يبيعه هو طبنجة الوالد ، كلما فكر أن يدخل ويسحبها من السحارة تطل صورة أمه فيتراجع ، لم يكن يريد أن يصطدم بها ، وعندما واجه الأختان سعد بأنه سرق الفلوس وقت وفاة الأب ، ثار وضرب على صدره ، أسرق مالى ، وبكى الأخت الصغرى بكت هى الأخرى والكبيرة كتمت غلها فى صدرها ، هو خدهم مفيش غيره ، ثم فتح حساباً عند عبد العاطى البقال ولم يسدد الدين وذهب عبد العاطى لكبير آل الكومى الذى أرسل لسعد الذى قال : إحنا كبيرنا الشيطان ، واضطر كبير العائلة أن يدفع من ماله الخاص ، والبقال كاد أن يغمى عليه من فرط فرحه ولما سحب من الجزار بمبلغ خمسمائة وسبعون وماطل دخل البيت وسحب بقرة ودفع باقى الفلوس وخربت الدار وباع عبد الفتاح الجمل ، والجاموسة والذرة اللى فوق السطح والقمح والناف والمحراث والدراسة وعندما سحب سعد الماعز يريد بيعها ، خرجت الجدة وفهموا من سرسعتها أنها لا تريد أن يبيع الماعز ، اندهش سعد وضرب كفا على كف واتهمت زوجة سعد بأنه ضعيف وجبان ، زوجة سعد امرأة قوية ومتسلطة ، انتفض سعد ورمى التلفيحة على كتفه وترك البيت ، والتاجر غمز بعينه إلى زوجة سعد إشارة إلى ثديها الظاهر ، لمت ثديها ومصت شفتيها ، إيه الكهن ده ؟
وأغلقت الباب بالضبة ، يا قاعدين يكفيكم شر الجايين . الجدة انزوت فى غرفة الخزين ، تلبس كومة ملابس على جسمها وتدور فى البيت فى شبة ذهول لا تخرج من البيت ولا تسأل عن طعام أبداً ، تستحم ولا ينقطع من جيبها حق النشوق حتى أصبحت رائحتها كريهة وانتشر القمل فى رأسها والبراغيث فى جسمها ، لم تكن تأبه ، حتى أتت ابنتها الكبرى وحمتها بالقوة وهى تبكى كالأطفال !
- اتحكمى فى أمك .
- والأبنة بالليفة تدعك فى قوة وتغرف بالكوز وتصب الماء على جسمها وهى تشهق .
- صلى علشان الصلاة تنفعك يوم الموقف العظيم .
- ما أعرفش ( تقولها بصوت عال ) أنا عمرى ما صليت .
لم تعد تفكر فى شيء سوى خيالات موسى التى تطاردها ، كانت تحبه وتفخر بأن هذا الرجل من صلبها ( ابنها ) ولذلك لم تكن تعتقد أبداً أنه مات . وعندما كنت أجاريها فى الكلام وأن خالى موسى فى غيظ الشريعة أو الأربعين تفرح بى وتخرج الفلوس المكرمشة وتعطينى وأنا ، أشترى بها سجائر من عند البقال وعندما تسمع صوت تنفسى عال وخرخشات تزيق فى صدرى كانت تقول : شرب على قد ما شرب عمرى ما سمعت صوت صدره بيخروش .
البنت الكبرى صارمة تدخل ، تجد الأم عاجزة عن الحركة من عدم الأكل ، تخرج وتزعق مع النسوان ، سلف ودين أعيش وأشوف ، ثم تدخل على أمها بعد أن تشترى الأكل وتضع فى فمها وتبكى على الأم والخراب الذى حل بالبيت حتى أنها لم تعد قادرة على دخول البيت وكلما تذكرت حال أمها تبكى وأبى الذى كان يعنفها بدأ فى الأيام الأخيرة طيب ويظل وراءها لكى تأكل هى الأخرى وهو يردد دائماً .
- الرجل ده كان طيب ، عمره ما دخل بيته حرام .
- معقولة ؟ الشياطين دى كانت مستخبية فيه .
الجدة أنصتت لصوت زوجة سعد الذى كان واطياً ثم ارتفع .
يا ريتها كانت انبطت عليه .
كانت قد انتهت من الخبيز والنسوة تقمر العيش بعد أن برد الفرن وهى ترص فى العيش ، جنت الجدة وانتفضت من مكانها متعثرة فى ملابسها وفتحت الباب متجهة ناحية غرفة الخبيز حيث تجلس زوجة الابن قرب الفرن . لم تدر ويد تقبض عليها فبالت على نفسها عندما رأت الجدة منكوشة الشعر ، عيناها تنفذ بنار ، حاولت خلالها الهرب فضربتها فى الحائط فسقطت على الأرض فجرتها من شعرها وأخذت تسحب فيها بعنف وشراسة لم يراها فيها من قبل ذلك ، حتى شاط شعرها وتمزقت ملابسها وهى تريد أن تدخلها فى عين الفرن وزوجة الابن تطلق الصوات والنسوة ينزعونها من بين يديها وفيها كومة شعر مجزورة من فروة رأسها وعندما عاد سعد من الغيط ورأى زوجته فى حالة سيئة والجيران رووا له ما جرى ثار وأخذ يزعق ويهدد بأعلى صوته والجيران يهدؤون فيه .
على الطلاق لازم أقتلها ، لازم تموت . دى لازم تموت النهاردة وخلع الجلابية وجرى ناحية الشونة وأخذ الفأس وأخذ يضرب على الباب ويجعر ، عايزة تموتيلى أم عيالى ، يللى مش لاقية حد يربيكى والجيران يشدوا فيه وهو يزداد هياجاً ، المشكلة إن مراتى بقت قرعة ، قرة يا ناس ، خرجت الجدة فاردة طولها ناظرة إلى بركة دم فى السماء وهو جالس صامت تسير فى تيه ودلال وكأنها ليست هى ، تسير وسط الدار ، ثم دخلت الشونة وسحبت جدى وسارت ، وسعد صفق الباب وراءها صارخاً ، أنت فاكرة حاتعدى عليكى الحكاية دى بالساهل . لا الزوجة دخلت غرفتها وأغلقت الباب عليها وسعد يدور فى البيت يضرب كفاً بكف ، أنا عارف ها تعمل فى نفسها حاجة الولية دمرتها خالص ، ثم ترك البيت ذاهباً لأخته الكبرى لكى ترى حلاً لأمها قبل أن تدمر البيت ، والعجوز استقبلت الهواء بصدرها ناظرة إلى البعيد تسير فى الحقول حتى وصلت إلى الغيط ، دخلت الخص بعد أن تركت الجدى فى الحقل يرعى وسحبت الجوزة من بين الحطب وأشعلت القوالح وأدخلت يدها بين حزم الحطب فأخرجت ورقة معسل رصت الحجر وأخذت تشرب ، لم تعد تفكر فى شيء سوى فى اللحظة التى هى فيها ، الجوزة تكركر وتكح وتواصل الشرب ، تحاول كبت الكحة لكى تواصل الشرب حتى فرغ المعسل ، عادت إلى البيت مع الغروب وجدت الغرفة مرتبة ومكنوسة ومرشوشة بالماء المعطر ، سعد جن كيف تعمل امرأته ذلك ؟ تغيرت وبدت الأيام التالية هادئة ترسل لها الأكل المخصوص وتنظف المكان وتحميها وتنصت إلى هذيانها المستمر حتى سعد صرخ فى نص الليل ، بتحبها أكثر منى ، أنا لى حقوق عليكى ، حتى أرسلت فى طلبها ، دخلت وجدت العجوز بهية ويخرج منها ما يشبه الضوء . شيء غير ملموس كأنها عروس متهتكة ، وقفت على الباب وهى تدور ثم ضحكت وبانت أسنانها متآكلة سقطت على الأرض وهى تضحك .
- نعم يا أم موسى .
- موسى البركة يابت .
- موسى البركة !!
- أنا عايزة أستحم .
- حاضر .
أحضرت طشت والمياه الدافئة وصابونة وليفة وخلعت ملابسها حتى أصبحت عارية وبدت فى الطشت كفأر ميت وفكت ضفائرها .
- الميه سخنة .
- زى دمعة العين .
أخذت تحمى فيها إلى أن انتهت ثم ارتدت ملابسها وسرحت شعرها ، وكانت مجهزة الحنة التى وضعتها على شعرها و تركتها تجف ، ثم نامت وصحيت فى نص الليل على صوت موسى يناديها ، انتبهت لم تجد أحداً ، تركت غرفتها وسارت فى وسط البيت ، البيت ساكن سكون الموت كأنها تراه لأول مرة ، فتحت الشونة لم تجد سوى الجدى كان هزيلاً يقف فى سكون بليد فى ركن الشونة تهدمت وأخذت تبكى ، ثم سحبت الجدى وأدخلته غرفتها ثم فتحت السحارة وأخرجت الساطور وظلت حتى قرب الفجر تسلخ وتقطع وترمى فى الحلة ثم وضعتها على البابور ، خلعت ملابسها وارتدت ملابس موسى وجلست على الطبلية تأكل فى الجدى بنهم شاب وفى أخر النهار دق قلب زوجة سعد دقات متتالية وتذكرت العجوز وحزنت على أنها نستها طول اليوم ، دخلت عشة الفراخ وسحبت البيض ووضعته فى البراد وأخرجت قطعة زبد وهرست البيض فيها ثم أحضرت العيش وفتحت الغرفة وجدت عيناها مفتوحتان على أخرهما والعجوز راقدة والأكل فى فمها وهى منفوخة !
الخـــــــــــــــوف
غفوت ورأيتنى فى حجرة مظلمة قم فتح على الباب ودخل لى جراد وفئران ، حشرات بلا رؤوس وعقارب متوحشة ، مخالب فقط تهجم لى فى عنف ، ساعتها أحببت الحياة بشكل جنونى وأنا واقف على جسر العدم فى انتظار ابتلاعى ودائماً وحيد ، سقطت ويدى تبحث عن شيء تمسك به لا شيء ، ويبرق داخلى ساعتها أحلام جميلة ، لو عشت سأحققها ، أحلام ستموت بموتى ، أصرخ طلباً للنجاة ، وأقوم مغموراً بالخوف والليل والعرق . افتح النور وأظل ساكناً ، أحاول خلال ذلك السيطرة على الخوف الذى يتدفق فى خوفاً بلا أخر ، لا أستطيع أن أكبته ، رغبتى فى الخوف لا تنتهى ، هلاوس تكاد تدمرنى ، ورغم ذلك أحس داخلى أننى أسعى إليها ، إن هذه الهلاوس والكوابيس أطلبها ، هل أنا منتظم فى حياتى اليومية ؟ هل أنا ساكن سكون الموتى ؟ وداخلى يحتاج إلى مل هذه الفوضى . كل هذه الشرور رغم أننى أحاول دائماً الهروب من البيت ، السهر مع أصدقائى حتى ساعات متأخرة . السير على الجسور وحدى وسط الحقول ، أنا أدخن فى شراسة ، هذه قصتى الوحيدة المحققة الآن ، الاستغراق فى التدخين ، رغم أننى أحس أن صدرى يكاد يتخرب . ذهبت إلى شبل ، كانت زوجته مريضه حاولت خلالها أن أسحيه من ذهوله ولكن دون جدوى ، ناظراً إلى الصحراء فى شبه غيبوبة ، صمت احتراماً لحزنه وكل آن أقطع هذا الصمت ، تركنى ودخل البيت كانت النسوة حول البيت كغربان ! سلط عينى على امرأة جميلة تلبس جلباباً أسود ووجهها أبيض رائق ، حتى خرج مسرعاً يرتدى جلباباً من الكشمير واضعاً الخف الذى يرتديه تحت باطه ، قام وتركنى وسار على المسقة لحقت به وسرت جواره ، غيمه غطت علينا وأنا أتكلم معه وهو لا يأبه بحديثى ناظراً فى اتجاه واحد ، وحقول البرسيم اكتست بالمطر الذى يلمع وشجر الموز القائم يهتز ويطقطق ويتساقط المطر بقوة على أوراقه ، ريح قوية جعلت الكون شبه مخيف ، الصمت جعلنى ألوذ بالتفكير فى حالة شبل ، لماذا هو فقير ؟ رغم أن زوجته من عائلة كبيرة ، وأين الذى نهبه طوال عمره ؟ لماذا يعمل رغم أن له قطعة أرض تكفيه لو أنه أجرها ، حتى تغلبت على خجلى وسألته فثار وزعق فى !
عايزنى أعيش قرمة . عايزنى أتركن فى ركن لحد ما أموت . خلاص يا سيد شكراً !
أحسست أننى غبى وأننى جرحته وذكرته بأنه شجرة عقيم ، أخذت أعتذر له ، صامتاً أسير جواره ووجهه أكتسى بنقاط مطر كثيرة . داخلى خبا وأحسست أنه نفانى تحول إلى شخص أخر غير ودود كريه كلما تقدم فى السير زاد تنفسه ضيقاً وبدأ صدره يضيق وقد بدأ عليه التعب فتوقف وأشعل سيجارة ولم يعزم على . قرفت والدخان بتطاير حولى وفتحة أنفى تتسع وعينى تكاد تغلق لم أعد أدرى ، ورأسى يدور ، متى تتوافر فى يدى السجائر وكرهت أبى وأمى ، أخوتى محيطى الاجتماعى ، قريتى ، العالم كله الذى لا يوفر لى متعتى الوحيدة أنا لا أطلب حشيشاً أو بيرة ، أنا أطلب فقط سيجارة أعزم على أصدقائى أرمى العلبلة بينهم وليست عينى عليها وقلبى يدق لو أمتدت يد أحد وسحب العلبة ، وش يا بطل .
بدأت حواسى تنتبه وعينى تزداد جموداً كلما اقتربنا من أشجار المانجو الكثيفة الأوراق التى كنت دائم الخوف منها وأنا صغير وكبرت ومازلت أخاف منها ومن الجنيات والتنانين التى تسكن تحتها حتى أن ثمارها تنضج وتسقط ولا أحد يستطيع الاقتراب منها إلا الست التى تظل فى كل أشجار المانجو وظلوا جثثاً لا أحد يريد الاقتراب لكى يواريها حتى هبط ملائكة أبرار نزلوا بأجنحتهم الخضراء القوية الجبارة وعيونهم الصافية الرقراقة وغسلوا الأخوة وصعدوا بهم إلى السماء نجوماً تتلألأ . وأنا بعد عشرين عاماً سأحاول أن أكتب سيرتهم العطرة فى رواية ولكن دون جدوى ذهبت إلى عبده النجار لكى يقول لى ما جرى فأخذ يضحك وكرشه يهتز . فيه ميت فرع فى الجمهورية يحملون اسم النجار ، سألت أخر قال يمكن بتقول على الشيخ أحمد النجار بتاع سنتريس ، وعندما سألت شبل عن الست وهل هى قريبة أولاد النجار ، قال : لا لا لا يا أخى الست دى أصلاً أمها كانت بتعمل وهى صغيرة فى بيت من بيوت الأسرة المالكة وكانت شديدة الذكاء ، اتجوزت سايس الأمير وكافئ الأمير مخدوميه وأعطاهم الجزيرة دى كلها وعندما عرفت أنه ملوش فى الخلف تخلصت منه واتجوزت من واحد من أهل البلد وكان رجلاً طيباً وخلفت منه الست ومات وهى كرهت الجواز ولما البنت كبرت وأصبحت جميلة الصورة رآها أبو البيه وقال الأرض على الأرض ، وتمت الجوازة . البيه فيه عرق تركى علشان كده أم الست كانت عايزة تأصلها رغم الفارق الكبير فى السن .
كيف ؟ هل هو خيالى الذى صنع تلك الحكاية أم أننى رومانسى وأريد أن أصنع هالة جميلة حول الست ، ذهبت إلى أخر البلد وكان لدى إصرار على مواصلة البحث حيث يسكن شيخ طاعن فى السن لحيته تصل إلى نهاية بطنه ، أعمى ، دفعت الباب وبعد أن زهقت من الدق عليه وجدته جالساً وأمامه مصحفاً وكأنه يقرأ من المصحف ، ورغم ذلك لا يقلب الصفحة ، وعندما قلت له ما جئت من أجله وألححت بالسؤال توقف عن القراءة وسحب يدى ثم تركها وأشار لى بالانصراف ، لم استطع أن أكمل الرواية رغم يقينى أننى لو صبرت سأكتب رواية عبقرية . ولكن كان على أن أتوقف عن كل شيء وأبحث عن شيء أتعيش منه بعد تخرجى .
وصلنا إلى البحر لم يكن المراكبى موجوداً . ورد النيل يعوم مع التيار والصيادون بجوار الشاطئ يلتفون حول النار . السماء تزداد عتامة والبحر يزداد قوة وعنفاً يسير قطعة واحدة متموجة . تركنى وأخذ ينادى على المراكبى . صوته مضحك حتى أننى لم أتمالك نفسى فأخذت أضحك ، صوته رفيع طفولى . تجاهل ضحكاتى وأنا أبتعد عنه ناظراً إلى الامتداد الهائل للمياه التى تهدر بموج ممتد وقاس ، والجزيرة التى عليها قصر الهانم مضنية . قطعة صغيرة من اليابس يضرب فيها الموج وأعلم أن البحر سينال منها ذات يوم ويغوص القصر مرة واحدة إلى هاوية . هل ستموت الهانم قبل أن أكتب حياتها . لماذا أنا مدفوع إليها ؟ هل أنا مرصود أن أقف على رأسها بينما تنسحب منها الحياة أم لأنها نموذج غائب على طوال الوقت أم لأننى مغرم بالأسرار ، مغرم بالقصور المغلقة . التى تحوى الأساطير ، وكأننى عندما أفتح الباب سيتسلل من ورائه عالم ألف ليلة وليلة . عالم غريب فى تلك القصور ! العفاريت ، الجنيات ، المردة ، التنانين ، السحر والساحر الذى يجعل من قمر الزمان هذه الأنثى البريئة الآية فى الجمال ، أبحث عنها وسط القصور لعلها مسجونة فى سجن من القصدير يحرسها مارد جبار اشكيف لعين لن يفك بكارتها إلا بالرضا الذى لن يحصل عليه أبداً !
هل أنا فى طريقى إلى الهلاك ؟ صورتها تتراءى أمامى والمركب الصغير يندفع فى الموج ، المطر يزيد وسحب سوداء تخفى القمر وشبل جالس يلف فى السيجارة وقد انطوى على ذاته فى ضجر حتى خيل إلى أنه تقزم . رأسه بين رجليه والمراكبى رجله فى قاع المركب ويقف على حيلة مع التجديف . زراعة قوية وجسده ضعيف يضع السيجارة فى فمه ويخرج الدخان من أنفه فقط . هل سيتذكر البيه أن أمى اندفعت بعد الثورة وضربت الست ومرغتها فى الأرض وأخذت تشد فى شعرها حتى مرغتها فى التراب !
وقالت لى زهيرة هانم بعد ذلك بأعوام كثيرة وكنا فى الخريف وأشجار الباكس قد تساقطت أوراقها وبدت عارية وأشجار البرتقال جفت أوراقها وهواء رقيق يندفع تحت تكعيبة العنب الجرداء وهى تلبس جيب أسود وبلوزة بيضاء يظهر تحتها قميص نوم أصفر . والتجاعيد قد زحفت إلى وجهها ورغم ذلك كانت جميلة ووجهها رائق وفمها قطعة صغيرة ممتلئة وحمراء وكل آن تمشط شعرها المصبوغ بالحناء بأظافرها الطويلة فيظهر باطها منتوفاً وجانب من ثديها . ثم أخذت تشرب القهوة وهى ناظرة إلى الخلاء الشفا يف عندما لاحظت أننى أنظر إلى منبت ثديها ضمت البلوزة ، أشحت بنظرى عنها حتى تطمئن وتترك ثديها ظاهراً أخذت أنظر إلى البحر وتكعيبة العنب التى تهدم ظاهراً أخذت أنظر إلى البحر وتكعيبة العنب التى تهدم جزء منها بقاء الحال من المحال .
أنت عندك بتتجوزش ليه ؟
أيه عندك عروسة ؟
البنات كثيرة أنت عايز وحدة معينة ؟
مفيش وحدة معينة .
صفات إيه ؟
أنا عايزها تكون زيك كده ؟
( ضحكت وأحمر وجهها ) دا إنت متواضع قوى .
لا أنت عارفة قد إيه أنا مفتون بيكى ، أنت حاجة كده بتاعة ربنا .
أنت نموذج الجمال اللى بعشقه !
أخذت تنصت لى وأنا مندفع فى الكلام أغازل كل جزء من جسمها . بدوت مهووساً بجسمها والكلام يخرج منى لا أعرف كيف ! حتى أننى لا أستطيع تكراره مرة أخرى وكلما ذكرت جزئاً حساساً من جسمها يبان عليها غضب لذيذ غضب يدفعنى لكى أزيد فى وصفها وعرفت ما تملكه الكلمات من قوة وجبروت ! بداخلها سحر ما ! شيء يجعلها تقاوم الزمن كانت مثيرة فعلاً وكان أكثر المناطق إثارة ثديها . حساس صغيراً وأنا مستثار بشكل جنونى وهى تعلم ذلك وتعلم أننى أتعذب ورغم ذلك كانت تفلت منى كلما أحسست أنها فى متناول يدى . خلاص تنكمش كقطة وتزوم فى عصبية تجعلنى أخافها . أقمع رغباتى بلا أخر . أتركها لأعود إلى البيت وأغلق على غرفتى وعندما تبرد رغبتى وأيأس منها تماماً أفاجأ بها تلبس جيب أسود وتخلع شهرابها وتظهر سيقانها بيضاء وليبنه تضوى فى وجه الشمس أندفع إليها مرة أخرى بجوعى ورغبتى التى تكاد تهدمنى .
- أنت شقى أوى .
عارفة أنا لى رغبة وحيدة قبل ما أموت ، بعيد الشر عليك ، متقولش كده .
_ أكمل ، أركب أنا وأنتى فى قارب فى نص البحر نرمى المجداف . وأنام على حجرك والتيار يأخذنا .
- خيالك واسع .
- إنتى حجر ؟ أنت شايفانى بتعذب .
- يا سرم . ثم ضحكت .
- أنا عارف أن كلامى ملوش تأثير عليكى . عارفة أنت ؟ عاملة زى نجمات السينما فى الخمسينات العيون السود اللى بتلمع وتوحى طوال الوقت بالحزن ، الوجه البرئ . الجسم الصغير التكوين .
- أنت جواك إيه .
بدأت أرتعش وأعصابى تكاد تفلت منى وهى ساكنه تلعب فى شعرها لكى تصنع قصة على جبهتها وأنا أحبط فسكت . وأنا أشعر بالمرارة وأن أعصابى غير قادرة ، أيضاً أننى لو هاجمتها ستقاوم بعض الشيء . وقد تشتم . وبعد ذلك ستستلم وسأذوق العسل .
- أنت بتقرأ إيه دلوفتى ؟
- بيت الياسمين .
لازم تسمع موسيقى . فاجز ، باح ، موتسارت تشايكوفسكى .
- أنت بتحب الرسم ، ثم سكتت وأشعلت سيجارة وقالت .
- أنا حياتى لازم تتكتب . أنا اتعذبت كتير .
- أنت محيرة متناقضة ، مش قادر الأقى مفتاح شخصيتك .
- أخذت تضحك . مفتاح !
- أنا كتبت عنك فصل من رواية ثم مزقتها .
- يا ساتر . ليه ؟
- أنت أبهى من كل كتاباتى ، كل ما أنظر فى اللى أنا كتبته عنك ألاقى حاجات خائبة ، أحاول دائماً أن أجعلك أعزرينى فى التعبير مومس ، مومس فاضلة .
أنا قبل ما أقابلك كتبت رواية أسمها أفراح الجسد . أنا كنت ضعيف فى ذلك الوقت وداخلى مخرب بشكل غريب كنت أحاول أن أحمل بطلى شخصيتى الضعيفة وكم فرحت عندما استدرج حبيبته إلى ثلاجة الموتى فى القصر العينى وهو يحس أنه لم يفعل شيئاً فى حياته له قيمة وأن حياته ستذهب هباء ، ولم يهدأ إلا بعد أن اغتصب رفيقته ! وهو يرى الهياكل العظمية تندفع من الأدراج وترقص حواليه وهو غير مبال ! يغتصب التى أحبته حباً حقيقاً فى عنف وقسوة غير مبررة ثم جرى فى الشارع صارخاً انتصرت ، انتصرت تاركاً طشيش جسد ساخن ، التفت رأيت الست تبكى .
- أنت مجنون مجنون !
- أنت عارفة أنى أكثر الناس كرهاً للاغتصاب .
- كفاية ، كفاية . ثم تركتنى وسارت .
دخلت وراءها القصر . وانتظرت فى البهو ، أتأمل القصر من الداخل ، والبيانو يرقد فى البهو ، وقد تغير بالتراب وتمزق غطاؤه ز هل أحبها ؟ أم رغبتى المطمورة التى تجعلنى مدفوعاً إليها بلا انتهاء . أى بلاء ؟ أى حياة ؟ أى عندما تسلمت الأوراق التى كتبتها فى فترات من عمرها . كانت الدموع تلمع فى عينيها وأحسست أنها تكبح ألماً ، تركتها وسرت عائداً إلى البيت .
السيدة التى تعشق الحروب
المركب رست على الشاطئ قفزت فخدعتنى الحشائش النامية على شاطئ البحر ولولا يد شبل لكنت سقطت فى البحر ، وسرت وراءه فى طريق ضيقه يحيطنا الغاب الذى يلقى بظلاله الثقيلة التى أضعفت على المكان وحشة أخافتنى . خائف وأحس أن هذا الطريق ليس طريقة وأن الذى دفعنى إلى هذا الطريق هو لحظة يأس ، خلق لى نوعاً من اللامبالاة والاندفاع فى طريق لا أحسبنى قادراً على السير فيها وأن هذا الطريق يحتاج إلى أعصاب قوية وقلب ميت قرر أن يبيع . سأكون سعيداً جداً لو وجدتنى أقف أمام باب بيتنا . غرفتى الحقيرة أجلبتها .
هذا العالم الضيق أحبه كل البشر الذى أنا منه ، الغلابة امتلأت بمحبتهم . أريد أن أعود أدخل الغرفة وأفرد اللحاف على وأنام . يا سلام النوم لذة لا يعرف قيمتها إلا الذى يدور فى طاحونة مثلى . الذى ينام وفى ذهنه أنه سيصحو بعد ساعة . كارهاً الذى يدق عليه الباب ، الدقة التى تسحينى من أخر العالم ، تسحب روحى المتحررة من قاع عميق يظل الدق يسحب بقسوة حتى يعتقل الروح داخل الجسد . يرتد الجسد ساعتها ويحس بالألم .
أسير جواره وهو صامت . نصعد فى هدوء إلى الطريق الصاعد إلى الجزيرة ، المكان غارق فى الأضواء وكأنها عائمة فى الجو ، الموتور ينز فى صرير حاد . تقدم شبل وأنا وراءه اجتزنا البوابة وهيىء لى أننى لمحت عيناً تبص وسط الحشائش . الأشجار الصغيرة تحيط بالمدخل . عيناً تلمع بقوة وكأنها عين كلب . توقفت عن السير فرجع شبل وسحبنى من زراعى ودق دقات خفيفة على الباب وسمعت صوت البيه يأتى واهناً ضعيفاً ، كان يجلس فى غرفة معزولة عن القصر . الضوء مبهر وهو يجلس على السرير ويضع على نصفه الأسفل كبرتاية ووجهه بداً اصفراً عليلاً وصلعته تلمع . ابتسم وحيانى وكأنه يعرفنى .
جلست جواره وهو يرحب بى . أنصت إليه ، كان يبدو ودوداً بسيطاً وبدأت صورته المنفرة تتغير .
- أبوك عامل إيه ؟ آه ، فاكر يا شبل ؟ لا اسكت أنت ما كنتش موجود .
- فيه إيه ؟
- لما جدك مات راح فرحات علشان يأخذ أبوك يسرح بالبهائم ولما أم محمد رفضت حرق البيت بتعكم ، والناس بتطفى فى النار خلعت التربيعة من على رأسها وأخذت تدعوا على الفاعل والله ؟
والله أخر النهار كان النعش فايت على بيت أم محمد ثم أخذ يضحك وهو يترحم على الست أم محمد !
حتى أغرورقت عيناه بالدموع ، ثم رد شبل ، فاكر يا حاج ، وبعد كده باعت فول وطعمية وربتهم لحد ما بقوا رجالة ثم استدرك البيه مرة أخرى وقال . ماقلتليش . أبوك عامل أيه ؟
ثم دق جرس فدخلت بنت تلبس جيب كحلى وتضع روج خفيف لفت نظرى ، كانت رقبتها سوداء ولم تفلح البلوزة الجميلة فى إخفائها . بدت متغطرسة فى وقفتها ويبدو على سيمائها نوع من القرف ، تقف مستقيمة تنظر إلى الفراغ . كانت مقبضة وأحس رائحتها زنخة تلبس حلق فالصو ، وخاتم فضة . لن أكن قادراً على المشاركة فى الحديث ، أحسست فجأة أننى غريب ، الشيء الذى أحسن أنه قريب منى هو الحائط الذى استند عليه ، ملمس الحائط الناعم ، الإضاءة ، الستائر الرمادية ، الصور المعلقة على الحائط التمثال الخزفى ، المنبه الجميل ، الكراسى , كل شيء يحيط بى ، أريد أن أكنس الموجودين وأظل وحدى أنام على الكنبة ناظراً إلى الحقول من الشباك الواسع وموسيقى تسرى بنعومة فى الحجرة ، أتذكر الكتابة ذلك الوقت . سأعد كل شيء فى هدوء . الأقلام ، الأوراق الراحة ستجعلنى أستقر وأبنى رواية كما أشاء . انتبهت لدخول الطعام على صينية نظيفة يغطى الأكل جرنان ينزل البيه ويرفع شبل الجرنان فاصوليا ، أرز ، لحمة ، أخذ ينادينى لكى أكل والبيه يلح على فى قوة كى أكل تقدمت للأكل وشبل يأكل فى نهم ويضع أمامى اللحم . كنت مغتاظاً من إلحاح شبل لكى أكل اللحم ، إلحاحه كان يشعرنى بأننى محروم لم يكن البيه يأكل معنا مما زادنى حرجاً حتى قال : كان نفسى أكل معاكوا . أصل أنا عندى سكر أكلى مخصوص . رد شبل . يا بيه سيبك من كلام الدكاترة ، اللى مكتوب ، مكتوب . قلت . ربنا خلق الطب والدواء .



#عبدالنبي فرج  (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالنبي فرج  - الحروب الاخيرة للعبيد