أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن عجمي - التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية















المزيد.....

التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 3442 - 2011 / 7 / 30 - 01:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نرسم في هذه المقالة معالم فلسفة السوبر حداثة و السوبر مستقبلية و نظرتها إلى التراث. لقد خدعتنا فكرة أن التراث جزء من الماضي , و الحقيقة هي أن التراث جزء أساسي من المستقبل لأنه من صنعنا نحن بالذات. فمثلاً , نحن الذين جعلنا التراث سجناً لعقولنا بدلاً من أن نجعله محرراً لنا , و ذلك من خلال قراءتنا السوبرمتخلفة له.

نظن أننا نعرف التراث , لكننا نحيا في جهله. فالتراث غير محدَّد ما هو تماماً كما تقول السوبر حداثة , و بذلك يعتمد التراث على آليات فكرنا كي يغدو محدَّداً في مضامينه و مقاصده. لكننا اليوم نرفض العقل و الفكر و لذا لم نتمكن من فهم تراثنا و معرفته تماماً كما لم ننجح في فهم الغرب الحديث و تراثه. بالنسبة إلى السوبر حداثة, اللامحدَّد يحكم العالم. من هنا , التراث العربي و الإسلامي غير محدَّد ما يجعله معتمداً علينا في تحديده. مثلاً , بالنسبة إلى تراثنا , من غير المحدَّد ما إذا كان الإنسان حراً في القيام بأفعاله أم غير حر. فثمة آيات قرآنية تدل على أن الإنسان حر كآية " و لو لا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم " , و ثمة آيات قرآنية أخرى تشير إلى أن الإنسان غير حر كآية " و الله خلقكم و ما تعملون ". كما أنه من غير المحدَّد , بالنسبة إلى تراثنا , ما إذا كانت المعرفة ممكنة أم لا. أي من غير المحدَّد ما إذا كان من الممكن للإنسان أن يحصل على المعرفة أم لا. فثمة آيات تدعو إلى المعرفة و بذلك تسلّم بإمكانية الوصول إلى المعرفة , و ثمة آيات أخرى تشك بقدرات الإنسان العقلية و إمكانية أن يصل إلى معارف حقيقية كتلك التي تقول " و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ". الآن , بما أن التراث غير محدَّد , إذن من المفترض أننا نحن مَن سنحدده , و بذلك نحن مَن نصنع التراث بدلاً من أن يصنعنا. هكذا يحررنا التراث بدلاً من أن يسجننا في معتقداته لأن معتقدات التراث أصبحت محدَّدة من قبلنا نحن بالذات بفضل لامحددية التراث و مواقفه. من هنا , تقدّم السوبر حداثة آلية تحرر قصوى من خلال اعتبارها أن اللامحدد يحكم العالم و بذلك يحكم الماضي و التراث أيضاً. فبما أن الماضي و ما يتضمن من تراث غير محدَّد ما هو , إذن لا بد من أن نحدّده نحن و بذلك يغدو معتمداً علينا بدلاً من أن نكون معتمدين عليه ما يضمن تحررنا منه دون إلغائه.

بما أننا نحن الذين نحدِّد التراث , إذن تراثنا يتخذ المضامين نفسها التي نؤمن أو نعتقد بها. من هنا , يغدو تراثنا متخلفاً فقط إذا كنا نحن متخلفين , و يصبح تراثنا متطوراً فقط إذا كنا نحن متطورين. لذا الشعوب المتخلفة تملك تراثاً متخلفاً لأنها تقرأ تراثها بأسلوب متخلف بينما الشعوب المتطورة لديها تراث متطور لأنها تقرأ تراثها بمنهج متطور. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير تلك الحقيقة ألا و هي أن المتخلف يملك تراثاً بل تاريخاً متخلفاً بينما المتطور يملك تراثاً بل تاريخاً متطوراً. فبما أن التراث غير محدَّد ما هو , إذن يتحدد التراث على ضوء مَن نحن , و بذلك يغدو متخلفاً من جراء تخلفنا و يغدو متطوراً من جراء تطورنا. لكننا اليوم سوبر متخلفون لأننا نطوّر التخلف من خلال استخدام العلوم و المعارف و المنجزات الحضارية كافة من أجل نشر الجهل و التعصب , و بذلك من الطبيعي أن نفهم التراث بطريقة سوبرمتخلفة فيمسي تراثنا سوبرمتخلفاً يدعو إلى كره بعضنا البعض و إلى الاقتتال فيما بيننا. تراثنا غير متخلف و غير متطور لأنه غير محدَّد ما هو. لكننا جعلناه سوبر متخلفاً من خلال قراءتنا له بطريقة سوبر متخلفة. فمثلاً , لدى إبن تيمية نظريات تفصيلية حول المعرفة و المعنى و اللغة لكننا نجهلها تماماً و لا نعرف من أعمال إبن تيمية سوى فتوى تكفير علماء الشيعة التي حوّلها سوبر تخلفنا إلى تكفير للشيعة أنفسهم بدلاً من تكفير علمائهم. و فتواه هذه ليست سوى صفحة واحدة من عشرات الآلاف من الصفحات التي كتبها في مواضيع أخرى. لكن سوبر تخلفنا اختزل إبن تيمية في صفحة واحدة هي بمثابة دعوة دائمة إلى الحرب بين السُنة و الشيعة. مثل آخر على أننا نحن مَن خلقنا تراثاً سوبر متخلفاً هو أن الحلاج بشعره و تصوفه يمثل الحضارة الإسلامية و العربية , لكن يرفض معظم المسلمين الحلاج و يكفرونه بل معظمنا لا يعرف مَن هو أصلاً. هكذا صنعنا تراثاً سوبر متخلفاً لأننا سوبر متخلفون ؛ فوظيفتنا الأساسية أمست الحفاظ على التخلف و تطويره.

من جهة أخرى , تؤكد السوبر مستقبلية على أن التاريخ يبدأ من المستقبل. هذا يعني أن ماهيات الأشياء و الحقائق و الظواهر محدَّدة فقط في المستقبل. و بذلك , بالنسبة إلى السوبر مستقبلية , الأشياء و الظواهر غير محدَّدة في الحاضر و الماضي تماماً كما تقول السوبر حداثة. من هنا , تشكّل السوبر حداثة و السوبر مستقبلية مذهباً فلسفياً واحداً منسجم العناصر. على هذا الأساس , للسوبر مستقبلية موقف صريح من التراث و منسجم مع موقف السوبر حداثة. لكن قبل الدخول إلى عالَم التراث السوبر مستقبلي لا بد من توضيح فلسفة السوبر مستقبلية بشكل عام. تختلف السوبر مستقبلية عن المستقبلية ؛ فبينما المستقبلية تحاول التنبؤ بما سيحدث في المستقبل على ضوء ما يحدث في الحاضر و ما حدث في الماضي , تدرس السوبر مستقبلية الحاضر و الماضي من خلال المستقبل و بذلك تقلب السوبر مستقبلية معادلة المستقبلية. فبما أن ماهيات الحقائق و الظواهر كافة محدَّدة في المستقبل فقط , إذن من المتوقع أن تحلّل السوبر مستقبلية الحقائق و الظواهر من خلال مفهوم المستقبل و بذلك تدرس السوبر مستقبلية الظواهر كافة من خلال المستقبل. و هذا هو المقصود من أن التاريخ يبدأ من المستقبل. بكلامٍ آخر , السوبر مستقبلية مذهب فلسفي يعرّف المفاهيم و يقدّم الحلول للمشاكل الفكرية من خلال مفهوم المستقبل . فإذا نظرنا الى أي شيء سنجده يفقد صفاته كلها عبر الزمن ، و بذلك ماهيته غير قائمة و غير محدّدة في الحاضر و الماضي. لكن إذا لا توجد ماهيات للأشياء، إذن لن تتميز عن بعضها البعض و لن تختلف ، و هذا محال . من هنا , تقول السوبر مستقبلية إن ماهيات الأشياء محدّدة في المستقبل فقط ، و لذا لا بد من تحليل المفاهيم من خلال المستقبل. على ضوء هذا المشروع الفكري سنقدّم نظرية السوبر مستقبلية في المعنى ، و من ثم نعرض موقفها من التراث.

بالنسبة إلى السوبر مستقبلية ، المعنى قرار اجتماعي في المستقبل. هكذا تعرّف السوبر مستقبلية المعنى من خلال المستقبل فتغدو المعاني محدَّدة في المستقبل فقط و غير محدَّدة في الحاضر و الماضي. لهذا التحليل السوبر مستقبلي للمعنى فضائل عدة منها : أولاً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي ، و العلماء يشكّلون جماعة معينة لها قراراتها العلمية التي تعبِّر عن الواقع ، إذن المعاني تعبّر عن الواقع ما يضمن إمكانية الوصول إلى المعرفة. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن إمكانية الحصول على المعرفة و بذلك تكتسب فضيلتها الأولى . ثانياً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي ، و بما أن القرار الاجتماعي يشترك في اتخاذه معظم أفراد المجتمع ، إذن المعاني مشتركة بين أفراد المجتمع ما يضمن إمكانية التفاهم و التواصل بين الأفراد من خلال اللغة. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن إمكانية التفاهم و التواصل اللغوي ، و بذلك تكتسب فضيلتها الثانية. ثالثاً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل ، و بما أن المستقبل لم يتحقق بعد بشكل كامل في الحاضر و الماضي , إذن لا بد من البحث الدائم و المستمر عن معاني المفاهيم ما يضمن استمرارية البحث العلمي و الفلسفي . و استمرارية البحث فضيلة كبرى. كل هذه الفضائل تدل على مصداقية الاتجاه السوبر مستقبلي.

الآن ، بما أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل ، إذن المعاني غير محدَّدة في الحاضر و الماضي بل محدَّدة فقط في المستقبل. لذا لا يكتسب التراث معانيه سوى في المستقبل. لكن المستقبل من صنعنا , و بذلك نحن مَن نصنع التراث. من هنا , من الضروري إعادة صياغة التراث بل خلقه من جديد ليكون. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية , لا يوجد تراث مستقل عنا بل نحن مَن نصنعه. و لأننا اليوم سوبر متخلفون ، صنعنا تراثاً سوبر متخلفاً. فمثلاً ، لا نعلم ما هي نظريات ابن تيمية في اللغة و المعنى ، لكننا متأكدون من تكفيره للنصارى و الشيعة. لكن لو كنا خارج سجون السوبر تخلف لأجرينا البحث العلمي على التراث و اتخذت فتاوى التكفير حيزاً ضيقاً و مجهولاً من تراثنا و برزت بدلاً منها نظريات تراثنا الفلسفية و العلمية المفيدة و العميقة حقاً. هكذا الأحياء يخلقون تراثهم ، و الأبناء ينجبون أجدادهم. فالنص لا يكتمل إلا إذا تم فهمه ، و لا يُفهَم إلا من خلال نظريات من نتاجنا لأن على ضوئها نقرأ ذواتنا و نصوصنا و تراثنا. لذا التراث غير موجود بشكل مستقل عنا بل نحن مَن نبدعه. لا بد من أن نكون متطورين ليكون تراثنا متطوراً , و لا بد من أن نكون متحضرين ليصبح تراثنا متحضراً و إلا سنبقى عبيد السوبر تخلف الذي يقتلنا باستمرار.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوبر علمانية في مواجهة السوبر عقائدية
- السوبر فلسفة: تزاوج الفلسفة والعلوم
- صراع اليقين واللايقين: العلم أساس زوال الديكتاتورية
- هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟
- السوبر تخلف
- السوبر حداثة : الحرية و النهضة
- خصخصة الثقافة خصخصة الإنسان


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن عجمي - التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية