أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى محمود عبد الصادق - من وحي الثورة والثوار















المزيد.....

من وحي الثورة والثوار


مصطفى محمود عبد الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 23:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحسبُ أنه من المفيد للمرءِ أن يعرف من الوقت للآخر مقدارَ قصر نظره، ولكن أحداً لا يستطيب هذه العملية، لأسبابٍ تتعلق بعذوبة خداع النفسِ، وما يتضمنه ذلك من لذةِ الشعور بالاستقرار، وبأن الحال على ما يرام، بحلوة ومرة، مما لا يدعو بالضرورة للتغيير. وفي بعض الأحيان، يتسنى للمرء إدراك الحقائق، ولكن تتعارض النتيجة مع ما يحمله من تحيزات وأحكام مسبقة، وما يريد للأشياء أن تكون، فينساق وراء ما انحاز قلبه إليه، ويتجاهل ما حذره عقله منه، فيخسر كل شيء. فلا هو مستنير بنور الحقيقة، ولا هو مشفوع له لجهلة وقلة حيلته.

بدا هذا واضحاً جلياً في الموقف الذي اتخذته فئة كبيرة من الناس حيال خطاب الرئيس المستأصل الذي اتسم بالعاطفية، عن طريق لعب دور الوطنية والانتماء ونية البقاء في أرض الوطن وعدم الهروب والحديث عن الشباب والشيخوخة وتراب الوطن، وكل من هو من شأنه دغدغة مشاعر الجماهير في التعاطف مع وضع الإدارة الحالي. هنا انقسمت الجماهير إلى:

أ‌. من كانوا أصلاً قلقين من المجهول، وهم من سالت دموعهم حزناً على من اعتقدوا أنه عزيز القوم الذي يقف على أعتاب المذلة، وبالتالي وجدوا في تصديقه ملاذاً ظنوا أنه يحقق تسوية بين مطالب ميدان التحرير، والخطوات الإصلاحية. اعتقدت هذه الفئة أن خطاب الرئيس المستأصل لا يتعارض مع مطالب ميدان التحرير، وفي ذات الوقت لا يترك الأمر للمجهول المتمثل في إزاحته عن الرئاسة.

ب‌. من تبنى بقلبه وعقله عملية التغيير، وهم من وجدوا في الخطاب مادة للسخرية من المحاولات الاستجدائية للبقاء في السلطة، والتي تصل إلى مرحلة التسول. آمن هؤلاء بالتغيير كضرورة لا بديل عنها، خاصة عندما تحولت السخرية إلى أسى ومرارة من الأحداث الهمجية التي أدت لسقوط مئات الشهداء.

تكررت هذه الانقسامات عدة مرات خلال شهور الثورة المصرية الوليدة، وفي كل المرات كان هناك ذلك العامل المشترك: وجود طرفان إحداهما منهجي يعتمد على العقل والمنطق والبحث والتمحيص والذاكرة، والآخر عشوائي يعتمد على التحيزات والأحكام المسبقة والشائعات والانقياد. فهناك من صدق الإعلام المصري في أكذوبة أن (كنتاكي) هو الوجبة الرئيسية في ميدان التحرير، وهناك من كان شاهداً لا سامعاً ولا مروجاً، ويعرف حقيقة ادعاءات التليفزيون المصري آنذاك. هناك من ازدري وجود شفيق في السلطة لقائمة أسباب عملية ومنطقية تتعلق بقربه من مبارك وفساده المالي، وهناك من أبهرته كاريزما شفيق وحقيقة أنه (حارب وقتل واتقتل كذا مرة) فتخلى عن عقله وفكر بمبدأ الانقياد للانطباع. هناك من آمن بالدكتور محمد البرادعي وبدورة في تفجير الثورة المصرية بسبب الدور المعارض الشجاع الذي قام به منذ 2009، وموقفه النبيل من حرب العراق، وإصراره على التفاف المعارضة على مبادئ واحدة في 2010، وهناك أيضاً من هاجمه بتفانٍ وإخلاص على اعتبار أنه يحمل الجنسية الأمريكية. إلى هنا والواضح أن الثوار هم الطرف الذي يتبني المنهجية، و(الآخرون) هم من يتبنون العشوائية. نعم... لا ننكر أن الوضع بقى على ذلك لفترة ليست بالقصيرة.

لكن الثوار أيضاً بشر، هم يريدون الاستقرار (الثوري)، ويهابون التغيير. وفي بعض الأحيان يرفضون الحقائق العلمية والعملية والمجردة، ويدفعونها ثمناً للانطباعات والأحكام المسبقة وما يريدون للأشياء أن تكون، فينساقون وراء ما انحاز قلبهم إليه، ويتجاهلون ما حذرت عقولهم منه، فيخسرون كل شيء. فلا هم مستنيرون بنور الحقيقة، ولا هم مشفوع لهم لجهلهم وقلة حيلتهم.

فها هو الثائر (المنهجي)، يسمع عن عمر عفيفي وعن اتهامه بالخيانة والعمالة وتحقيق أجندات مشبوهة عن طريق التحريض، وهي اتهامات هناك ما يبررها ويدعمها وربما يؤكدها، فيرفع رأسه في شمم ويعلن إيمانه وتضامنه مع ما يدعيه عمر عفيفي من منطلق (ما دام قال دراع مرسي يبقي بيتكلم صح). طالما يتحدث بحماس وانفعال وينتقد ويسبّ ويعارض ويصدر أحكاماً، إذن فهو من الأصدقاء. وها هو الثائر (المنهجي)، يتواجد في ميدان التحرير يوم أحداث مسرح البالون، ويرى البلطجية، يصنعون زجاجات المولوتوف في حرفية وسرعة يحسدون عليها... يتسلحون بالمدى والأسلحة البيضاء، وأنابيب الغاز، ثم يتجهون مع عدد من المتظاهرين المتحمسين من المُنزَلِ غشاوةً على أعينهم وعقولهم، نحو مبنى وزارة الداخلية بغرض اقتحامه من منطلق (إلى الأمام... ثورة... ثورة)... دقائق ويتصاعد دخان الغاز المسيل للدموع، ويعم الهرج والمرج، فتدمع عيناه في حسرة ويقول: "إنهم يقتلون خيرة شباب مصر". ثم يتحدث الإعلام (حتى المستقل والمعارض منه) عن تواجد للبلطجية بشكل كبير بعد منتصف الليل من هذا الثلاثاء المشؤوم، متظاهرينَ بأنهم متظاهرونْ، بهدف إثارة الشغب وإلصاق تهم الشغب بالمتظاهرين الحقيقيين، فلا يفكر (المنهجيون) من الثوار في التوضيح، ولا يتنصلوا من البلطجية ومن الاتهامات بالعنف والشغب، بل يساندونهم، ويؤكدون لصق الاتهامات بأنفسهم على الرغم من برائتهم منها، بإصرارهم الغريب على السخرية من الفكرة ذاتها على طريقة فيديو (أنا اسمي فلان، وبشتغل بلطجي...).

وها هو الثائر المنهجي يتخلى عن منهجه، ويصر على ذبح بلطجي تم القبض عليه بالسويس كالنعاج على منصة الميدان، ويكاد أن ينجح في ذلك لولا تدخل جنود القوات المسلحة لحماية البلطجي، ثم يعود ذلك الثائر إلى منزله، ويفكر في (تويت) اليوم، فلا يجد أفضل من (الجيش والبلطجية إيد واحدة)، أو (نرجو الإمدادات في ميدان الأربعين، فالجيش يحمي البلطجية). ولم يسلم ميدان التحرير من هذه العقليات الثورية (المنهجية)، فمن البلطجية من لاقى مثل ما لاقاه المصري المقتول في "كترمايا" اللبنانية من البطش والضرب والتعذيب وتعليقه عارياً على نخلة، على مرأى ومسمع من المنظمات المحلية لحقوق الإنسان، والتي لم تجرؤ واحدة منهم على الاعتراض ومخالفة شريعة الثورة والثوار، أو ربما لم يبد هذا البلطجي لهم كإنسان له حقوق بالمقام الأول.

وأخيراً يعلن المجلس العسكري عن نشاطات مشبوهة لـ(جماعة) 6 إبريل، ومخططات منظمية لا تتفق عليها الأمة تتعلق بتشويه العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة، وهو ما سهروا الليالي على تحقيقه منذ مارس 2011، فيذهب أصحاب المنهج إلى التحقق والفحص ومراجعة التاريخ وسؤال أهل الخبرة، وربما انتقاد المجلس لعدم الكشف عن الأدلة، بينما يستعيد البعض الآخر الصورة الذهنية للإدارة القديمة التي كانت تنعت متظاهري التحرير بالعملاء وأصحاب الأجندات، فيذهب العشوائيون، ومنهم من هم معارضين كبار إلى إعلان الغضب من تصريح المجلس العسكري كبديل بديهي عن التحقق، بل وشطح الآخرون فقرروا الانضمام لجماعة 6 إبريل (ثورة... ثورة...) كنوع من التضامن والدعم للحركة، والرفض لتصريح المجلس العسكري، من منطلق أن (عدو عدويّ، هو بالضرورة صديقي)، والعقلية الثورية (المستقرة التي تهاب التغيير رغم أنها تطالب به طيلة الوقت) لديها الانطباع أن القوات المسلحة هي العدو الحالي، إذن فإن 6 إبريل يستحقون الصداقة.

لماذا تحولت بعض العقول الثورية (فقط البعض منها للدقة) من الثورة على الجهل بالعلم، وعلى الضلال بالوعي وعلى الديكتاتورية بالديموقراطية وعلى الظلم بالعدل، إلى أكبر ممارس للجهل والضلال والديكتاتورية والظلم؟ أرى الإجابة في السطور السابقة... لقد فقدت هذه العقول منهجيتها وباتت الثورة غاية لهم لا وسيلة (بعض الثوار يعترفون بهذه الجريمة المشينة بالفعل)، حيث الغضب يحرك رد الفعل، والانقياد يدفع الفعل، والديكتاتورية تحكم القول، والشائعات توجه الفكر.

الصورة ليست قاتمة بشكل كامل، بل، كما قال إيمانويل كانت: "مما لا شك فيه، أن المعرفة لا تبدأ إلا عندما تبدأ التجربة". ومن المؤكد أن تجربة ثورة 25 يناير ستحمل العديد من الخبرات المعرفية التي ستتناقلها الأجيال لسنوات وسنوات، ولكن يظل السؤال الرئيسي: "أيهما أهم، الثورة أم الثوار"؟



#مصطفى_محمود_عبد_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سناتور جمهوري: أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات في طريقها إل ...
- Ulefone تعلن عن هاتف مصفّح بقدرات تصوير ممتازة
- الدفاع الجوي الروسي يعترض طائرة مسيرة في ضواحي موسكو
- حركة -النجباء- العراقية ردا على استهداف صرح ثقافي وإعلامي له ...
- البيت الأبيض: أوقفنا شحنة أسلحة واحدة لإسرائيل ولن يكون هناك ...
- -حزب الله- يعلن قصف شمال إسرائيل بـ -مسيرات انقضاضية-
- -ضربات إسرائيلية- شرق رفح.. ومحادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق ...
- نتنياهو يرد على بايدن بشأن تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل: ...
- انتعاش النازية في أوكرانيا وانتشار جذورها في دول غربية
- شركات عالمية تتوجه نحو منع -النقاشات السياسية- في العمل


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى محمود عبد الصادق - من وحي الثورة والثوار