صادق جعفر العلي
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 16:39
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لم تعرف الأرض من استخف بوطن
لعمرنا لم نجد يوما او نسمع من استهان بمقدرات الأمم والشعوب ، اللهم إلا أولئك الذين لا يحسبون للزمن حسابا ، ولا يدركون (حوبة) الشعوب . وكعادة العراقيين الذين اثبتوا وبحق أنهم دعاة الصبر ومعدن (طول البال) – كما يقول أهلنا - وأنهم يرصدون كل صغيرة وكبيرة ، ولكن حلمهم الكبير المعزز بتاريخهم العريق والموغل الجذور ، جعلهم يتحفظون على قرارهم ، وهم يبتسمون ابتسامة اللبيب العاقل ، والحكيم العارف أمام تهورات وطيش وتسرعات الغير والذي ينهش ببعض جسدهم ويمضغ شيء من لقمتهم (الزقوم).. إنهم فعلا تلامذة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ، الذي زق فيهم قيم الصبر من خلال مقولة وحكمة (رقبة البعير) المعروفة . كما أن الأحداث الجسام التي مرت عليهم أخيرا جعلتهم يتسلحون ويتحصنون بما عاد وعزز تجاربهم الطويلة والعسيرة ، وسلحهم بما غاب عن غيرهم ، فالحروب المدمرة والحصار الطويل ومسلسل القتل والإرهاب الذي طال الخريطة العراقية ، والسموم والأمراض والإشعاعات والملوثات التي استوعبها مختبر العراق الكبير ، فضلا عن ممارسات وتجارب وأجندات الدول الصديقة والعدوة والشامتة التي احتضنها هذا الجسد الممزق ، الذي حمل مأساة العصر ومهزلة التاريخ بكل أبعاده وعموم مهازله .. كل هذا وذاك والعراق يدرك جيدا أن هذه التجارب والحالات والمخاضات لا تزيده إلا إصرارا وتحسبا ، لما ينتظره من دور وواجب ، لاسيما وهو يرصد ويسجل كل صغيرة وكبيرة ، ويبتسم ابتسامة المعلم الحاذق أمام تحذلقات ومراهقات تلامذته .. نعم سادتي ، فشعبنا ممتن لكل المواقف الأخوية التي قدمتها الشعوب العربية والصديقة والأجنبية ، ويدرك ويخبر أبعادها ويسجلها بحروف من نور ومداد من الألق .. فمشاريع الخير وأعمال البر والإحسان ، ومنجزات الفضيلة ، كبناء المستشفيات والجسور وإعادة البنى التحتية وما دمرته وخربته الحروب ، والتغاضي عن ديون صدام وإطلاق المشاريع الإنسانية وتأسيس الجمعيات والمؤسسات التي تعيد النظر بالإنسان والإنسانية ، وإطلاق المنح لتشغيل العاطلين وبناء المعامل وإعادة المصانع .. كل هذه الأعمال والمنجزات سجلها الشعب واحتفظ بها ليوم الشدائد ، وهو يقف إجلالا إلى كل الشعوب التي قدمت هذه المساعدات . هذا مقابل التوسعات والخروقات والاعتداءات على حقوله النفطية ، وعملية إثارة الديون التي ليس لأي عراقي دخل او حصة فيها ، والمضايقات البحرية المستمرة ، والتوسع الساحلي الغريب وبناء الموانئ بنية تحجيم دور الاقتصاد العراقي وعزله ،وإضافة أراضي بحرية جديدة .. وصولا إلى الحصار الواضح على الأجواء العراقية ، وما أفصح علنا عن إطلاق الحرب الواضحة على العراق في والبر والبحر والجو ، إلى غيره من التحرشات اليومية والتي تعطي الدلالة القاطعة والعلنية على أن هناك من يرصدنا ويعمل ليل نهار على إلحاق أي ضرر بنا ، ويرسم برامج ومناهج لتصدير أجندات الحقد بمستقبلنا ، ويستمر بتأجيج الكراهية وأساليب العداء بكل أشكاله وتصنيفاته . وهو يحسب أننا غافلون سذج هوام لا نعي من هم أصدقاؤنا ومن هم الراصدون لنا .. وأي ثقافة بليدة رعناء نلك التي تنساب كالماء من تحت القش ، وتحسب أنها تحقق او تضيف ثأرا جديدا يسجل إلى سلسلة الثارات والأحقاد غير المبررة التي حصلت عليها أثناء جروحنا الثقال الطوال .
ولا داعي للتورية ، وكفانا سكوتا أمام هذه الثقافة الحربائية ، والتي تتجدد يوميا من خلال مشاريع وأعمال توسعية ، تسعى لها الكويت من دون رادع لضمير او حلم لمواقف او رجاحة لعقل ناضج .. ولا نعرف سببا لهذا التصعيد والتبجح ، وهذا التغالي الذي تتشدق به الكويت ، والذي لا يشفع له شفيع عندما يبلغ السيل الزبى ، وعندما يبلغ غضب الحليم أوجه . وإذا استثمر الكويتيون (خبصة) الحكومة العراقية و (زبد) القرار العراقي الذي ينساب نحو المصالح الشخصية والضيقة قبل غيرها ، فان هناك من هم أسمى واكبر من الحكومة وبرلمانها ، انهم الوطنيون الشرفاء والعراقيون الحقيقيون الذين لا يسكتون على ضيم ولا ينامون على ذل ، والذين قدموا قوافل وطوابير وجحافل من الشهداء الذين فاقوا نفوس الكويت بأربع مرات ، ولا مانع أن يقدموا عشرة أضعاف هذه القرابين أمام كرامتهم وحيال من يلعب ويستهين بمقدراتهم ويستغفلهم في الليل البليد . نعم ظواهر عدوانية وممارسات تجري في السر والعلن تقوم بها الكويت لن تمر من دون حساب ، لأنها تمس الكرامة وتخدش الوجود والتاريخ ، وتستهين بشعب برمته من دون وازع او رادع .. وإذا كان هناك من نوه لهذه الانتهاكات من السياسيين العراقيين ، فاعلموا أن الشارع العراقي يزيد غليانا يوما بعد يوم ، ليتفجر مرجله الذي لا يبقي ولا يذر ، وهو يسجل كل صغيرة وكبيرة بدم أصابعه على حائط الزمن .
لذا نقولها وبقوة : إن على الكويتيين أن يكفوا عن هذه الأعمال والانتهاكات ، ويعيدوا الأمر بحسابهم الخائب ، وليعرفوا جيدا أن لا شفيع ولا درع ولا أجير ينفع في اليوم الأسود .. وإذا كان تهور صدام قد اجتازهم يوما ، فليعلموا وليدركوا أن حلمنا العراقي كفيل بسحق كل التخرصات والمراهقات .. كما أن من مدّ لنا يدا بيضاء بنية حسنة ، نمد له قلبا رحيما رحبا بحجم الحياة ، ولكن من يزرع الجمر على حدودنا ومياهنا وسماءنا يحترق به . وأهلا وسهلا بالنيات التي تنسجم مع القلوب .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟