موفق محادين رئيس رابطة الكتاب الأردنيين في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: مقاربات فكرية لموضوعات سياسية


موفق محادين
الحوار المتمدن - العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 12:43
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرت الحوار: هيفاء حيدر

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 62 - سيكون مع الاستاذ  د.موفق محادين  رئيس رابطة الكتاب الأردنيين حول: مقاربات فكرية لموضوعات سياسية.

1-الدور الإقليمي ,مفردة لازمت تاريخ الأردن قديمه وحديثه ,واليوم تعود من جديد الشبهات حول دور الأردن الإقليمي بعد اعلان مجلس التعاون الخليجي انضمام الأردن اليه,كيف ترى تاريخياً هذا الدور وأهم الأنتقادات ,التي توجه له,رؤيتك للدور الخليجي القادم؟

ما من دولة لا تحاول لعب دو ر ما في الإقليم الذي تعيش فيه.. ولكن المهم هو طابع وشكل هذا الدور الذي قد يأخذ بعداً مستقلاً معززاً بعناصر وبنى اجتماعية واقتصادية إنتاجية، وقد يأخذ بعداً ملحقاً وبرسم التخادم والتوظيف الدولي الإقليمي.
وفيما يخص الأردن، فقد أخذ الدور بعداً وظيفياً تابعاً على خلفية تداعيات (تقسيم العمل) بين الرأسماليات المنتصرة في الحرب الأولى، وهو التقسيم الذي عبرت عنه اتفاقية سايكس بيكو الفرنسية البريطانية لتمزيق سوريا الطبعية خدمة لأكثر من هدف – منها حماية المصالح البريطانية وطريق شركة الهند الشرقية وصولاً إلى حيفا والسويس ومنها تبني ودعم المشروع الصهيوني في فلسطين العربية الذي قدم نفسه كبافر ستيت بين مصر وبلاد الشام ولا سيما في ضوء بواكير البرجوازية المصرية ودعمها محمد علي لبناء قوس مصري – شامي يرث أو يشارك الدور الإقليمي السابق للرجل التركي المريض آنذاك.
على خلفية هذا "بافر ستيت" Buffer State الصهيوني تشكل مشروع باقر ستيت صغير في دوائر وزارتي الخارجية والمستعمرات البريطانية، هو شرق الأردن. وخدمة لهذا المشروع جرى تكبير منطقة شرق الأردن من كاردور جبلي ضيق بين نهر الأردن وغرب شرق سكة حديد الحجاز إلى مشروع سياسي ضمت له أجزاء واسعة من بادية الشام ثم معان وخليج العقبة..
وتحولت شرق الأردن من جزء من مناطق عرضية مع فلسطين (شمال الأردن وشمال فلسطين والبلقاء مع نابلس، وجنوب الأردن مع جنوب فلسطين) إلى منطقة طولانية تنسجم مع مشروع "بافر ستيت" Buffer State الطولاني الصهيوني على امتداد الساحل الجنوبي السوري (الساحل الفلسطيني) وعمقه الجبلي..
وقد تعززت وظيفة بافر ستيت الأردني الصغير مرتين: الأولى بعد اتساع الموجات الوهابية ومحاولاتها قطع الطريق بين المملكة الهاشمية في العراق والإمارة الهاشمية في شرق الأردن، ونقل الحدود السعودية إلى الحدود السورية.. أما الثانية فكانت شديدة الارتباط بالوظيفة الأساسية للباقر ستيت الأردني وبضمها ما أكده كيركبرايد البريطاني (تحويل الأردن إلى خزان بشري للفلسطينيين المتوقع طردهم بعد تمرير وعد بلفور وإعلان دولة العدو الصهيوني في فلسطين..)
هكذا ظهرت الأردن كدولة جغرافيا سياسية ذات دور وظيفي تابع وتشكلت الدولة بموجبة كحاجة اقليمية خارجية وكانت نواتها الأساسية (قوة عسكرية محدودة سرعان ما قامت أيضاً بتشكيل المجتمع بالضد من قانون دولة السوق القومي الحديثة (المجتمع البرجوازي الناشئ الذي يشكل الدولة)
ومنذ ذلك الوقت والبنية الاقتصادية الاجتماعية الأردنية تتأسس وتتطور على (الاستثمار السياسي) في الدور الاقليمي المذكور الذي مر بعدة محطات:
1. الاستثمار في القضية الفلسطينية (الالغاء والمصادرة للكيانية الفلسطينية) والذي عبر عن نفسه بعد نكبة 1948 بضم الضفة الغربية ومحاولات التكيف مع التحديات الجديدة التي فرضها عبد الناصر من جهة بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وسوريا، والسعودية بدعم فتح من جهة ثانية وذلك في إطار الصراعات العربية والدولية على مدار الخمسينات والستينات..
ورغم المناورات ومحاولات التكيف الأردني المتكررة مع قرار الرباط 1974 الذي اعترف بالمنظمة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.. إلا أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى حسمت معركة التمثيل نهائياً مستفيدة من مناخات في أيلول 1970 فصاعداً.
2. بعد ذلك دخل النظام في أزمة دور حقيقية تهدد مصيره كله وخاصة بعد الانتفاضة الشعبية الأردنية 1989 مما دفعه إلى الهرب مؤقتاً إلى انتخابات 1989 بانتظار معطيات جديدة كان أخطرها على الإطلاق ما ترتب على اتفاقية أوسلو ومعاهدة وادي عربة 1994 ودخوله على خط التنافس مع المنظمة في إطار الالتحاق بالمشروع الصهيوني بعد أن كان شريكاً له بالمعنى الإقليمي.
والملاحظ هنا أن النظام كان أذكى من قيادة المنظمة في التنافس معها على قلب عاصمة العدو، تل أبيب. فقد أدرك أن إعادة إنتاج دوره الوظيفي التابع على الصعيد الفلسطيني والاقليمي يأخذه إلى إعادة تشكيل نفسه كجزء من الآليات الداخلية للمشروع الصهيوني كما عبر عنه بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) وذلك ما يفسر أن معاهدة وادي عربة لم تكن اتفاقاً سياسياً للتسوية بين طرفين بل ترتيبات موضوعية تطال كل شيء من البنى التحتية الإقليمية إلى التنازل عن هوامش المناورة السياسية والدخول في ترتيبات أمنية باسم مكافحة الإرهاب والهلال الشيعي والإيراني – الخ..
3. لم يكن الاستثمار في مكافحة الارهاب بديلاً أو تعويضاً عن الاستثمار المفقود في التمثيل الفلسطيني بل شكلاً جديداً لإعادة إنتاج الدور الوظيفي التابع السابق فحيث تراجع الأردن عن إدعاءاته في التمثيل المذكور (جوهر دوره الإقليمي إلى جانب الدور الإسرائيلي) تعززت علاقاته الموضوعية مع اسرائيل.
4. وهو ما ينقلنا إلى أخطر محطة في تاريخ الدور الإقليمي للأردن وهو الانسجام مع تحولات البافر ستيت الصهيوني (الكبير) فكما يسعى العدو إلى التحول من دولة عازلة إلى دولة واصلة على مستوى الإقليم كله، كذلك البافر ستيت الاردني الصغير الذي سعى ولا يزال للتحول هو الآخر من دولة فاصلة بين العدو والشرق العربي، إلى دولة واصلة.... وبين الدولتين والمحاولتين نقرأ مغزى مشروعين: الأول: مشروع البنيلوكس الثلاثي (مركز اسرائيلي ومحيط أردني- فلسطيني) يساعد العدو في التجسير الإقليمي مع كل المنطقة – في الترانسفير الناعم وتصفية القضية الفلسطينة عموماً واللاجئين خصوصاً.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن العدو يتعامل مع كل المنطقة من البحر إلى حدود الصحراء العراقية بوصفها أرضاً إسرائيلية يعيش عليها سكان عرب بحاجة إلى سلطات عربية أقرب إلى الإدارة المحلية الأمنية منها إلى الدولة والإدارة السياسية فتوطين الفلسطينين في الأردن حسب هذا الحل، توطين سكاني لا توطين سياسي.. والأطراف العربية الأردنية الفلسطينية المطلوبة ليسوا شركاء سياسيين في دول مستقلة حقيقية بل صورة عن السلطة الشرطية – الجابية.
المشروع الثاني، هو ضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي وهو شكل من الأقنعة الإقليمية لتمرير (اسرائيل الكبرى) وبناء تحالف عربي – اسرائيلي على الأرض سواءً ضد الثورات العربية أو ضد (الهلال الشيعي) أو ضد دور مصري صاعد.


2-ثورات وانتفاضات العالم العربي ,بعد مضي اشهر على تغيرات مصر وتونس , هل لديك خوف من استثمار القوى الإسلامية لنتائج هذا التغير؟ أين ترى دور وتقصير قوى اليسار في الوضع العربي الراهن؟

من الصعب الحديث بالمطلق عما يشهده العرب منذ أشهر، ومن الصعب الحديث عن ثورات بالمعنى الشائع. والأدق أن نتحدث عن مناخات شعبية جديدة تؤشر على إمكانية ملموسة لاشهار الثورة على المستوى العربي مع تأكيد لم يعد مجافياً للواقع وهو أن النظام الرسمي العربي البوليسي دخل فعلاً غرفة العناية الحثيثة وللأبد...
وفي هذا المجال لا بد من إعادة الاعتبار للمفاهيم ابتداءً بعد أن استبيحت لعقود مديدة مضت، ومن ذلك مفاهيم الثورة، والدولة والمجتمع والطبقة والحزب... الخ. ذلك أن هذا القاموس برمته ساد في بلادنا في غياب شروطه الموضوعية التاريخية...
وفيما يخص موضوع السؤال، فمن الضروري التمييز بين الثورة والانتفاضة والاحتجاجات والحركات الشعبية. فالثورة تقع بين حقبتين وتؤسس لأخرى من حيث علاقات وقوى الانتاج وبرامجها وثقافتها فيما المفاهيم الأخرى أشكال من الحراك غير المؤكد ضد أو داخل النظام (الاجتماعي القديم).
وما ينبغي ملاحظته هنا هذا الخلط المبرمج غالباً والساذج أحياناً بين الثورة والثورة الملونة التي قد تكون ثورة اعتراضية أو مسروقة أو مضادة في ضوء الالتباس الموضوعي بين ضرورة بعض الحركات على مستوى جنوب العالم فيما تساعد على إعادة إنتاج أو تجديد الرأسمالية لنفسها على المستوى العالمي...
وإلى جانب التمييز بين الثورة والثورة الملونة، لا بد من إعادة الاعتبار للتمييز بين الديموقراطية والليبرالية بما يخدم فرز القوى المختلفة ورسم التحالفات والصراعات والتقاطعات وفق ضرورات واحتياجات اللحظة السياسية في كل مرة.
فإذا كانت الديمقراطية مكوناً هاماً (يتبادل الأماكن والأهمية مع المكونات الأخرى) داخل الثورة بوصفها عنواناً لحركة التحرر الوطني والقومي التي لم تنجز عربياً – فإن الليبرالية مكون أساسي في الثورات الملونة والفرق كبير في الحالتين بين دفاتر الاشتراكية وفلاسفتها وتياراتها وبين دفاتر الرأسمالية بتياراتها العقلانية الأولى (جون لوك) والفاشية (هوبز فصاعدا ووصولاً إلى البراغماتية الأمريكية وعناوينها القديمة) (ديوي – جيمس شتراوس) والجديدة جورج سوروس صاحب المجتمع المفتوح وجين شارب صاحب الكفاح اللاعنقي)... الخ.
فالثورة الحقيقية تقاتل لإستبدال علاقات وقوى الانتاج الرأسمالية وترتقي مناخات ديمقراطية لذلك فيما الثورات الملونة تريد استكمال تحطيم الأشكال السابقة والمعيقة للرأسمالية وكذلك تجاوز أزماتها المتجددة في المركز والمحيط على حد سواء..
أما عربياً، فنحن أمام مناخات تختلط فيها الثورة مع الثورة الملونة تحت تأثير التركيبة الاقتصادية – الاجتماعية المشوهة والتبعية المزمنة وعجز المشروع القطري عن استكمال نفسه في دورة رأسمالية أو بناء بديل وطني ديمقراطي أو التكامل مع مشروع السوق القومي ناهيك بعجزه عن توفير الشروط الموضوعية لاندماج مدني يصهر العناصر ما قبل الرأسمالية الطائفية والقبلية والجهوية في بنية اجتماعية مدنية جديدة. وفي هذا أيضاً تكمن أزمة قوى المجتممع المدني من الأحزاب والنقابات (كثير من الايديولوجيا الفقيرة وقليل من الشروط الاجتماعية) وهو ما يقودنا إلى تفسير عجز اليسار وتقدم الأوساط الدينية والطائفية – وربما استعادة شكل من الانبعاث العثماني أو صفقة قرن ما بين الاسلام السياسي وعسكر أمريكا وما يعرف بالليبراليين الذي لم تفرزهم تحولات اجتماعية مدنية بل إقحامات برسم التوظيف السياسي...


3-المصالحة الفلسطينية –الفلسطينية ,التدخل العربي في المسار الفلسطيني, والمطلوب من الفلسطينيين على الصعيد الدولي,كيف ترى خارطة الصراع اليوم ؟الى اين يسير المركب الفلسطيني؟وأين نحن من تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني والقدس وحق العودة ؟


ابتداءً فإن مفهوم المصالحة مفهوم ملتبس مثل مفهوم الوحدة الوطنية وما جرى لم يكن مصالحة وطنية بل تفاهمات سياسية بصرف النظر عن الموقف منها، وهي على الأرجح نتيجة جملة من الاعتبارات الفلسطينية والاقليمية والدولية، منها:
- سقوط نظام مبارك وأجندته ومصالحه وارتهانه إلى تحالفاته الأمريكية – الصهيونية وكذلك مناخات الصعود المصري المتوقع وما يرتبط به من دور إقليمي جديد.
- محاولات إقليمية – عربية لانتزاع الورقة الفلسطينية من سوريا سواء عبر (المصالحة المذكورة) وإضعاف علاقة حماس مع دمشق – وعبر فتح معبر رفح أيضاً.
- الصراع مع أي دور جديد محتمل على جبهة التمثيل الفلسطيني مع الأردن الذي قد يعاد الاعتبار له من موقع التخادم والتوظيف والمقايضة بين دور في الخليج ودوره الفلسطيني القديم أياً كان مستواه (الأمن بدل السياسة)

وبالمجمل فالقضية الفلسطينية لم تكن يوماً قضية الفلسطينيين وحدهم، ولم تكن قضية سياسية عادية، فهي نتاج الخوف الغربي من القوس المصري – الشامي أمام محمد علي عبد الناصر – وهي محصلة صراع الامبرياليات العالمية على هذه المنطقة المتاخمة لما يعرف بقلب العالم وكانت في محطات عديدة أكثر تأثيراً من الصراع على قلب العالم نفسه (أورواسيا وفق نظرية ماكندر - سبيكمان) ولاحقاً بريجنسيكي...
وكما لم يكن الفلسطينيين سوى الضحايا المباشرين وقوة الصدام المباشرة من جبهة الثورة العربية، فقد لعب اليهود دور أداة الصدام المباشر للثورة العالمية المضادة، وكانوا ضحايا لها في الوقت نفسه (ومن المفارقة هنا أنه كما نجح النظام الرأسمالي العالمي من تحويل اليهود إلى جزء من قوى الثورة العالمية في أواخر القرن التاسع عشر إلى ثورة مضادة تحت شعار (يا وحدنا ولا بد من دولة يهودية خالصة على أرض تاريخية مزعومة) فقد نجح النظام الرسمي العربي (على هامش النظام الرأسمالي العالمي) بنقل الفلسطينين من جزء هام في الثورة العربية إلى أوهام الاستقلال والكيانية تحت الشعار نفسه (يا وحدنا)
وليس بلا معنى أن يكون ملك المغرب والسادات الأكثر حماساً لقرار الرباط 1974 الذي اعتبر المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني...
وبهذا المعنى، فإن خارطة الطريق الحقيقية للحضور الفلسطيني هي استعادة قانون الصراع الحقيقي ودور الفلسطينين فيه وهو قانون الصراع ومعادلاته الاقليمية الدولية وحق العرب في نهضة ديموقراطية مدنية تتلمس الأشكال الملائمة لها في الاتحاد الفدرالي أو الكونفدرالي الملائم.. وكذلك حق أمم الشرق المختلفة من عرب وأتراك وفرس وأكراد وأرمن في تقرير مصير هذا الشرق وموقفه على خارطة العالم بعيداً عن الشرق أوسطية الأمريكية الصهيونية مما يجعل من قضية فلسطين وهزيمة المشروع الصهيوني كممثل عدواني عسكري للامبريالية الأمريكية والأوروبية – قضية هذه الأمم أيضاً..


4-أردن وطني ديمقراطي,يتم الحديث عن سقف عالي للحريات ,في الوقت الذي يكثر الفساد ويختفي الفاسدون ,تشكل لجان وتفرخ لجان هي الأخرى, رؤيتك لقضايا الإصلاح والتغيير في الأردن أين تكمن المشكلة في رأس الهرم أم في الحكومة أم في الأحزاب السياسية؟


كما القضية الفلسطينية، فإن المشكلة العميقة التي تواجه الأردنيين تتعدى المعركة من أجل الاصلاح الدستوري والسياسي والمدني، وتشمل الجميع، الحاكم والحكومات والشارع والمعارضة.. وهذا التشخيص ليس دعوة للتقليل من أهمية النضال اليومي من أجل هذا الاصلاح، وذلك أن علينا أن نتذكر أننا لا نتحدث عن تونس أو موريتانيا بل عن دولة في قلب معادلات الجغرافيا السياسية للصراع على الشرق الأوسط ومكانته الإقليمية وموائنه وخطوط نفطه ومواصلاته فمن الصعب الحديث عن فك التبعية وإطلاق النضال من أجل التحرر الوطني والإصلاح الديمقراطي وإيجاد حل ديمقراطي للعلاقات الأردنية – الفلسطينية بعيداً عن الصراع العربي – الصهيوني في مجمل قوانينه وتجلياته..
وإذا كانت حكاية التحرر الوطني أو الإصلاح الديمقراطي قابلة للنقاش فيما مضى كعنوان عام لما ينبغي التصدي له. فهي اليوم قضية إشكالية بحد ذاتها بالنظر إلى أن قانون الصراع يتمدد يوماً بعد يوم على مساحتين: أما إسرائيل الكبرى وإما (سوريا الكبرى) وحيث تتجلى الأولى عبر تقسيم العمل الجديد لكونفدرالية البنيلوكس (الاسرائيلي) التي قطعت شوطاً كبيراً فيما يخص البنى التحتية الاقليمية بين المركز (الاسرائيلي) والمحيط الاردني – الفلسطيني بانتظار ظروف سياسية تسمح بإشهارها فإن مواجهتها تحتاج إلى ما يمكن وصفه بتعريب أنطون سعادة واستعادة مناخات وروح حزب الاستقلال العربي السوري والمؤتمر السوري عام 1919/ 1920....
وإذا كان من الصعب وغير الواقعي إطلاق العنان لحلم الدولة السورية الواحدة التي تضم سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين (المقاومة) فمن الضروري، على الأقل، الحديث عن كونفدرالية ما للدول والبلاد الشامية تواجه (اسرائيل الكبرى) وتواجه الخطاب الطائفي وتحل مشكلة العلاقات الأردنية – الفلسطينية والمجاميع القومية الأخرى مثل الأكراد وتعوض غياب الاندماج المدني وتوظيف هذا الغياب من قبل القوى المذهبية والطائفية والجهوية. تعوضه بمشروع مقاوم من الزوايا الاجتماعية والمعرفية ومن ثم السياسية


5-دور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات النسوية وقضايا التمويل الأجنبي,ما بين الإجندة الوطنية وما يتهم به البعض من أجندات أجنبية ألم يحن الوقت الى انهاء هذا الجدل ؟والحكومة ما زالت تمارس تغول على منجزات هذه المؤسسات تارة بإسم القانون وتارة بالتشكيك بالدور والأهداف؟


من المفترض أن المجتمع المدني ومؤسساته قوة أساسية من قوى الصراع من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والحداثة، ولكن مفهوم هذا المجتمع وتشخيص المؤسسات القائمة التي قررت أنها مؤسسات مدنية، مفهوم وتشخيص ملتبس مثل بقية مفردات ومصطلحات القاموس الدارج المقحم على الحياة السياسية والمدنية العربية في غياب شروطه الموضوعية، من جهة والنزاهة والمصداقية من جهة ثانية..
وأياً كان هذا المفهوم في النظرية من هيغل إلى ماركس إلى غرامشي، فلا وجود ولا حضور لأي من هذه التعريفات في عشرات الحالات العربية المزعومة..
فلسنا دائماً أمام مناضلين من أجل حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات واحتكار السلطة من قبل دكتاتور أو حزب أو طائفة أو مزرعة عائلية ما.. والأدق أننا أمام وجه مقلوب للأنظمة والحكومات العربية. فمقابل استثمار هذه الأنظمة والحكومات في الارهاب أو مكافحته وتقديم الفواتير للإستخبارات الدولية مقابل هذه الخدمة أو تلك ثمة استثمار مقلوب في حقوق الانسان والبيئة والنسوية و(الأقليات) القومية والثقافية... الخ
وكما تحول ضباط الشرطة السرية ومكافحة الارهاب في الأجهزة العربية إلى أثرياء جدد وغاسلي عمله ودخلوا نادي الملايين – تحول الكثير من ناشطي (المجتمع المدني) وحقوق الانسان والنسوية ومراكز الدراسات الخاصة – إلى أثرياء جدد وانضم كثيراً منهم إلى نادي الملايين أيضاً..
ولم يكن ذلك بعيداً عن الأجندة السياسية للنظام الرأسمالي العالمي ومحاولاته تجاوز أزمنة وتجديد نفسه بخطاب ليبرالي.
وليس بلا معنى، في هذا المقام، دور ما يعرف بالمنظمات غير الحكومية ونشاطاتها في الثورات الملونة وجذب الثورات والانتفاضات الشعبية لها.