نجوى كيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3432 - 2011 / 7 / 20 - 23:39
المحور:
حقوق الانسان
تخيل أنك عربي تفتخر بثقافتك و لغتك العربية و تحبها, و أنك كعربي تشكل أقلية هامة في بلدك (حوالي 10 %) . تخيل أنه قد تم اضطهادكم كعرب تاريخياً بسبب حكومات متتالية اتبعت سياسة القومية الكردية, كحظر الاحتفالات بالأعياد العربية (حسب منظمة حقوقية دولية محترمة, على سبيل المثال, لطالما أحببها السوريون عندما فضحت ظلم نظامهم).
تخيل أنه بعد انتفاضة شهدتها المدن اللتي تسكنها أقليتك بأثر بعض الألقاب العنصرية المهينة في مناسبات مثل مبارة كرة القدم , ضد نظام دكتاتوري, لم تشاركك بقية البلد فيها و بالكاد أعارك أحد أي اهتمام و صدق الكثيرون أنكم أنتم من قمتم بأعمال التخريب و الشغب – قبل أن يرى كل البلد لاحقاً من هو اللذي يقوم بأغلبية ان لم يكن كل التخريب . و تخيل أن بعد انتفاضتكم قام النظام المتجبر الأخرق بعقاب جماعي بشع لأقليتك العربية : فانتشرت ظاهرة “قتل” (أو انتحار بحسب الرواية الرسمية, و غالباً ما تكون طلقات في الرأس!) المجندين العرب, أثناء خدمتكم الالزامية في “الجيش السوري الكردي“.
ثم تخيل أنه بعد سنوات, هزت ثورات عدة دول مجاورة و بدأت انتفاضة في بلدك أيضاً. فشاركت أقليتك العربية, و رغم منح مئات الآلاف منكم للجنسية اللتي كنتم محرومين منها كرشوى, استمريتم بالمشاركة و خاطرتم بأن تُسحب منكم حقوق أخرى فأنتم تعرفون برغماتية نظامكم الماكر المتجبر. هتفتوا لمدن كردية محاصرة و كانت أحياءكم من الأحياء القليلة و الهامة جداً داخل العاصمة (ركن الدين و ساحة شمدين) اللتي خرجت.
و بعد أشهر, تم الدعوة لمؤتمر لأجل تشكيل حكومة انتقالية لتسلم السلطة و ادارة البلاد في حال سقوط النظام. فشارك البعض منكم, و طلبتم أنتم العرب , و مازال دمكم العربي لم يجف بجانب الدم الكردي, أن لا يكون اسم البلد ” سوريا الكردية” و انما “سوريا“. فكان الرفض! و الاصرار على الرفض!
ألن تشعر بالسخط أيها العربي؟ ألن تشعر أنه يتم الاصرار على تجاهلك و اقصائك؟ أهكذا كان طلبك مستحيلاً على هؤلاء المعارضبن؟! ألن ترغب بتركهم اذن و الانضمام الى البلاد العربية الأخرى ان لم يكن هناك مكان لك في الدولة “الكردية“؟
بعد سخطي على التيار الاسلامي اللذي ذكرته في مدونتي السابقة بسبب تحالفهم مع خدام و حتى رفعت سابقاً و لقائهم بالمدافع الشرس عن ممارسات اسرائيل الظالمة برنار ليفي, يزداد سخطي عليهم بسبب خطأهم الفادح المتعنت و الظالم هذا.
التجاهل و الاضطهاد و التهميش لا يؤدي الا للعداء و التفرقة و يفتح الباب أمام تيارات كردية ستكون مطالبها أكبر, مثلاً كالانفصال عن من لا يعترف بهم أصلاً. و لعله , من هذه الناحية, ليس غريباً أن بعض التيارات المتشددة للأتراك الكرد عادت الى السطح لتتشابك مع جنود أتراك, لأنه ليس غريباً علينا أن السلطة السورية تتصرف كمافيا برغماتية لا يهمها الا كرسيها, فتسمح لهذه التيارات بالتسلل عبر حدودها كرسالة عقاب و تهديد لتركيا اللتي لم تغلق حدودها و تُرجع النازحين السوريين الى الموت على أيادي عصابات الأمن السوري, و لم تصمت عن الظلم كما فعلت دول عربية شقيقة.
اذا كان لنا أي فرصة بتجنب اقتطاع قسم آخر من بلدنا في المستقبل, بعد الجولان و الاسكندرون, فهو بالعدالة و المساواة و الشفافية للجميع, بتنمية الجزيرة السورية المهملة الفقيرة, و بتعزيز المساواة و ليس فقط الاعتراف أو “التسامح” مع الأقليات و انما الاعتزاز بكل مكوناتنا و تاريخنا و ثقافتنا لفتح المجال أمام جميع المواطنين المتساويين لتطوير بلدنا يداً بيد و لتعزيز الانتماء السوري و استقرار وحدة سوريا: سوريا لكل مواطنيها المتساويين, و ليس سوريا المفتتة اللتي تضطهد و تهمش الأكثرية فيها الأقلية و اللتي يظلم فيها القوي الضعيف.
حاولت لأيام أن أردد على صفحة الثورة ضرورة تسمية هذه الجمعة بتسمية الجمهورية السورية, ليس فقط كرسالة للأكراد و انما أيضاً كرسالة فكر و رؤية سياسية مستقبلية هامة و ضرورية لتحريك الطبقات الوسطى المتمركزة في دمشق و حلب : نريد جمهورية و ليس مملكة!, لأن مجرد تسميات العواطف مثل“بركان” حلب و “زلزال” دمشق لا يكفي لتحريك حقيقي. لكن للأسف بدون فائدة.
البعض اعتقد أنه علينا التصويت على الأمر و أن هذه هي الديمقراطية. هذا فهم خاطئ. فهي ليست أن تتجاهل و تهمش الأغلبية الأقلية, فمن أساس الديمقراطية عدم اضطهاد أو تهميش أي شخص بسبب عرقه أو دينه أو فكره السياسي المسالم و انما المساواة التامة بالنسبة للحقوق الأساسية.
فخر أغلبية المواطنين بعروبتهم و تعزيز التعاون و التبادل الثقافي مع بلاد تجاورنا أغلبيتها أيضاً عربية شيء جميل لكن ليس ضرورياً أن يكون مرتبطاً بتهميش و اضطهاد و انكار القوميات السورية الأخرى.
آمل أن لا يكون معظم السوريون كبعض التافهين اللذين سارعوا بتخوين الاكراد اللتي كانت دمائهم ما تزال تسيل و اللذين قالوا أنهم مستمرين بالانتفاضة معنا, لمجرد طلب بسيط و لهم فيه كل الحق!
آمل أن تكون التيارات الأخرى بالمعارضة و معظم السوريون أفضل من سلطاتنا المتتالية السابقة. آمل أن نكون على قدرٍ كافي من الوعي و العدالة و الذكاء, و أن لا ندفع ببعضنا دفعاً للانفصال بانكارهم و تهميشهم, أن لا يكون عندنا مشكلة بالاعتزاز ب“الجمهورية السورية“.
و الا.. لن تفيدنا الحسرة في المستقبل و لا ترديد ما قالته عائشة الحرة لابنها الباكي عبد الله الصغير..و بصراحة, لن يكون هناك أي عتب على الأكراد اذا أرادوا الانفصال اذن و انما سيكون الحق علينا نحن!
#نجوى_كيلاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟