أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحال إغرم - جمعية تيسوراف للتعاون والتنمية بمريرت: العمل الجمعوي، القانون، التنمية؟؟؟؟















المزيد.....


جمعية تيسوراف للتعاون والتنمية بمريرت: العمل الجمعوي، القانون، التنمية؟؟؟؟


رحال إغرم

الحوار المتمدن-العدد: 3432 - 2011 / 7 / 20 - 22:57
المحور: المجتمع المدني
    


من الواضح جدا أن العالم بمختلف جهاته عرف تحولات عميقة مست جميع جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، وإذا كان المواطن المغاربي والشرق الاوسطي يعيش في هذه الأثناء لحظات تاريخية بامتياز بعدما أبان عن جرأة وحنكة غير معهودة لسنوات وعقود طوال، من خلال التعبير الصادق والعملي عن طموحاته وآماله ومراميه التي يتلخص مجملها في المطالبة بالعيش الكريم وسيادة الديمقراطية والعدالة وإعادة التوزيع العادل لثروات البلاد والأمن والاستقرار والاطمئنان على حياة الأفراد والجماعات وحماية حقوقهم المعنوية والمادية، فإنه من اللازم أن نشير إلى أن المشهد الذي نعيش أطواره في هذه الآونة يعد نتيجة حتمية لما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية الناتجة بدورها عن انقلاب في العلاقات القائمة بين الثلاثي المؤثث للنظام الاجتماعي القائم بشكل عام ألا وهو الدولة والقطاع الخاص والشعب (أو الشعوب).
وفي هذا السياق وقع اختلال عميق في موازين القوى التي عادت فضائلها لصالح القطاع الخاص الذي أصبح يتحكم بقوة في دواليب السياسة والاقتصاد والشأن الاجتماعي، وذلك منذ بداية السبعينات من القرن الماضي بعدما تأكد بالملموس عجز دولة الرعاية عن القيام بأدوارها التقليدية والالتزام بواجباتها اتجاه الشعب، الأمر الذي تم التعبير عنه من خلال الأزمة التي شهدها المنتظم الدولي خلال عقد السبعينيات وبداية الثمانينات.
لقد أدى عجز وتراجع دولة الرعاية عن تقديم الخدمات الاجتماعية لفائدة الشعب والتصدي للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، إلى فتح المجال على مصراعيه أمام القطاع الخاص الذي سالت لعابه طمعا في الاستحواذ على جميع القطاعات بما فيها الخدمات الاجتماعية التي رأى فيها قطاعا حيويا للاستثمار وموردا هاما للرفع من أرباحه وصرف الأزمة الخانقة لأنفاسه آنذاك. ومن ثم زادت ضغوطاته على الدولة وارتفع سقفها إلى حدود المطالبة بضرورة تنحي هذه الأخيرة نهائيا عن القيام بأدوارها التقليدية التي رسمها عالم الاقتصاد الانجليزي كينز لتجاوز أزمة 1929، وبيع ممتلكاتها لصالح الخواص والاكتفاء بدور الوسيط والتقريب بين الفاعلين أي أن تصبح الدولة في حدها الأدنى.
أزيحت الدولة إذن عن عرشها التقليدي، على الرغم من تفاوت مد هذه العملية من بلد إلى آخر ومن قطر إلى آخر، وساد جو حار من المنافسة الشديدة بين الرأسماليين الأقوياء الذين عملوا فورا على تشييد وتبني طروحات نيوليبرالية اقتصادية وسياسية جديدة تسمح بتوسيع السوق الرأسمالية لتشمل بلدان العالم وكل بقاعه، واستهداف جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وجعلها تحت رحمة السوق أي خاضعة لمنطق العرض والطلب كباقي السلع التبادلية.
وتمت ترجمة هذه الطروحات عبر تبني سياسات جديدة على مستوى الدول الرأسمالية الكبرى، والضغط على الدول الأخرى من أجل الانصياع للمستجدات السياسية والاقتصادية لدول المركز، ومن ثمة ضرورة العمل وفق إملاءات الصناديق المالية الدولية(صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية) والمنظمات الغير الحكومية التابعة كلها لهذه الدول طبعا، وذلك تحت ذريعة مساعدة دول العالم على تخطي الأزمة الاقتصادية التي أودت بحياة الملايين من البشر إلى مستويات أدنى من عتبة الفقر، والوقوف جانبا معها لتحقيق إقلاع تنموي من شأنه النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لكافة سكان المعمور.
إذا كانت الظروف السياسية الدولية آنذاك عرفت تشنجات واضطرابات وتجاذبات على أشدها بين المعسكرين الشرقي والرأسمالي حالت دون تحقيق كل البرامج الهيكلية المملاة على دول المحيط، فإنه بمجرد انهيار حائط برلين خلال بداية التسعينيات لوحظ تنامي المد النيوليبرالي بوثيرة سريعة وبسط كل نفوذه الاقتصادية والسياسية والثقافية على أرجاء المعمور كلها، الأمر الذي تم التعبير عنه من خلال ما يسمى بالعولمة أو الكونية أو بشكل واضح أمركة العالم عبر تنميط العالم قاطبة وفق النموذج الغربي عامة والأمريكي بشكل خاص.
في هذا الخضم طفحت إلى السطح الاجتماعي المغربي كيانات جديدة تتلون بمختلف الألوان إلا أنها تجتمع كلها في بوتقة وخندق المجتمع المدني الذي يسعى حسب أدبيات الفكر الليبرالي إلى ملء الفراغ الحاصل من جراء انسحاب الدولة وانكماشها وامتناعها عن القيام بأدوارها التقليدية في ما يخص الخدمات الاجتماعية، ومن ثم تشييد قنوات التواصل بين طرفي البناء المجتمعي أي الدولة والقطاع الخاص والمجتمع، بما من شأنه أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح هذا الأخير التي بدأت تتقهقر شيئا فشيئا كلما تباطأ دور الأولى واتسعت مساحة تدخلات الثاني. وللإشارة فإن هذا الأخير أصبح في الوقت الراهن سيد الجميع، يقوم بتوجيه السياسات الدولية والوطنية في اتجاه ما يخدم مصالحه الخاصة ولا غير، وذلك عبر آلياته المتعددة كالشركات العابرة للقارات، والأبناك الدولية، والمنظمات غير الحكومية...
وإذا كان المجتمع المغربي قد شهد ميلاد المجتمع المدني وبشكل خاص العمل الجمعوي، ذي أبعاد ثقافية وتربوية، منذ الأربعينات من القرن العشرين، فإن الطابع التنموي الذي يميز هذا الأخير في هذه الآونة لم يظهر إلى الوجود إلا خلال التسعينات من القرن الماضي، والتي تسعى عبره الجمعيات بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والتربوية المعتاد القيام بها، إلى المساهمة القوية في تحريك وتنشيط الدينامية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية بشكل خاص، فما هي إذن هذه المساهمات؟ وما هي الآليات المعتمدة لتحقيق ذلك في ظل المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يعيشه المجتمع المغربي؟ أو بتعبير أخر سنعمل على مناقشة العمل الجمعوي، في شقه التنموي بشكل خاص، في إطار علاقته القريبة والبعيدة المدى بالجانب الأخلاقي والقانوني ثم الجانب الثقافي انطلاقا من المشاريع التي يسهر عليها الفاعل الجمعوي من جهة أولى ومن خلال العلاقات الكامنة والخفية ثم الظاهرة التي ينسجها هذا الأخير سواء مع ذاته أو مع الساكنة المستهدفة أو في تفاعله مع الفاعلين السياسي والاقتصادي من جهة ثانية، بيد أنه ليس في استطاعتنا حصر هذا الموضوع نظرا للشساعة والتشعب اللذين يتميز بهما، لذلك فإننا سنقف عند حدود نموذج محدد المعالم بالنسبة إلينا حتى نستطيع حصره بدقة وتوضيح ملابسات العمل الجمعوي كفاعل أصبح يفرض وجوده بقوة من خلال الدينامية والحركية والمرونة التي يتمتع بها على جميع المستويات، ويتمثل ذلك في جمعية "تيسوراف للتنمية والتعاون" التي تقع بقبيلة ايت سيدي أحمد وأبراهيم بمدينة مريرت. ونستند في اختيارنا لهذه الجمعية بالذات إلى اعتبارات عديدة يمكن تلخيصها في كون هذه الأخيرة تندرج ضمن الجمعيات الأكثر نشاطا ودينامكية بالمنطقة من ناحية الفعالية والمردودية التي تتجسد في عدد مهم من المشاريع التنموية التي مكنت من بلورتها عمليا بالمنطقة المستهدفة، وفي السياق ذاته تعرف حيوية أكثر فيما يخص التفاعل واالدينامية سلبية كانت أم إيجابية، على الأقل داخل الأوساط المحلية، بين مكوناتها من جهة وبينها وبين محيطها من جهة أخرى مما يجعلها أرضية خصبة تفتح الشهية لنقاش واسع بإمكانه إثارة الانتباه إلى القضايا المطروحة أعلاه والتي نسعى من خلالها إلى فتح نقاش موسع بهدف تفكيك شفرات العمل الجمعوي وإماطة اللثام عن المخفي والمتواري من أهدافه الحقيقية بالمغرب عامة.
سننطلق في نقاشنا هذا من الاسم الذي تحمله الجمعية المعنية أي "تيسوراف للتنمية والتعاون"، والذي يتكون كما هو ملاحظ من ثلاث ألفاظ أساسية ذات أبعاد متعددة من الصعب حصرها على ما يبدو زمنيا ومكانيا ومن حيث دلالاتها، حيث أنها في تركيبتها الثلاثية أعلاه المكسوة بغطاء البراءة والثقة والتضحية الممزوجة بالحماس والدافعية الدفينة ،لتقديم العون وتسخير الذات للنهوض بمنطقة رأسمالها القسوة والفقر والتهميش والهشاشة، تتعمد إلى ترك المجال مفتوحا بين الحاضر والمستقبل وبشكل يضمن للفضاء شساعة وافرة بالقدر المتاح لاحتضان لاعبين متعددين ومن مشارب مختلفة قد يستطيع معه حجب الرؤية بأكبر قدر ممكن عن الذات الفاعلة وتعقيد أي محاولة تنبؤية بخصوص مستقبل الموضوع والذات معا.
فاللفظ الأول "ثيسوراف" لفظ أمازيغي أريد منه على ما يبدو الإحالة للنسب الأمازيغي للجمعية وللفئة المستهدفة، وهذا اللفظ يمكن ترجمته بـ "الخطوات"، والتي تفيد في معناها العميق بداية محاولة جماعية جريئة تتلمس الخطو والحركة في اتجاه الهدم والبناء المستمرين عبر الزمن، وذلك بالقطع مع الماضي البئيس وبناء مستقبل جديد على أنقاضه باعتماد أسس متينة جديدة وحديثة قادرة على تقديم إجابات موضوعية للواقع المحلي في الحاضر والمستقبل، أي البدء بوقفة تأملية رصينة شاملة وعميقة للتمكن من النهوض بالذات أولا وجمع قواها المتناثرة هنا وهناك وتهييئها لمواجهة المجال المحلي علميا وعمليا، ثم بعد ذلك اعتماد آليات منهجية علمية وموضوعية، بعيدة عن طقوس إعادة إنتاج الماضي، قادرة على الإحاطة بكل الجوانب والمكونات البشرية والطبيعية للمنطقة المستهدفة، حتى يتسنى من إمكانية فرز نقط الضعف ومكامن القوة لديها، وبالتالي القيام وفقا لهذا التصنيف بتعزيز هذه الأخيرة والعمل على معالجة مكامن الضعف في أفق تقويتها وجعلها جميعها دعامة وموردا أساسية لتحقيق الرهان المنشود. إنه (ثيسوراف) مفهوم يحمل في ثناياه دلالات عميقة على وجود سعي حثيث في اتجاه إزالة والقضاء التدريجي على كل الملابسات والتابعات والأسس المعيقة التي حالت دون تهيئ وتأهيل وتنمية المنطقة على الأقل في حدها الأدنى ،الذي من شأنه يمكن فك العزلة عنها ولو جزئيا، عبر الشروع في غرس أسس ومعايير وقيم وقواعد جديدة لمستقبل أكثر إضاءة وتفاؤلا لدى المكونات المستهدفة في أفق بدء إقلاع يتمكن من خلاله الأفراد والجماعات تحقيق تنمية ذاتية وجماعية وتعاون كفيل بضمان حياة وعيش كريمين لديهم ولأسرهم ولذويهم وللمجتمع المحلي بأكمله على المدى القريب والبعيد. ومن ثم يمكن أن نطرح السؤال التالي: ماذا تحقق من هذا الرهان؟ وإلى أي حد استطاعت الجمعية أن تبق وفية لهذا الطموح؟
أما مركب اللفظين الثاني والثالث أي "التنمية والتعاون" فيطرح إشكالا عميقا سواء من خلال الترتيب المعتمد للكلمتين أو على مستوى دلالتهما. إن الملاحظ، بادئ ذي بدء، هو وجود ارتباط وثيق بين عمليتي التنمية والتعاون، فالتنمية حسب مفهومها النيوليبرالي يستدعي تحقيقها توفر شروط وقواعد ومبادئ إلزامية لا مفر منها تتضمن من بين ما تتضمنه التشاور والتشارك والتعاون والشفافية والمحاسبة واعتماد المسؤولية ومبدأ تكافئ الفرص في ما يخص اتخاذ القرارات والتسيير..الخ؛ وهكذا يبدو إذن أن التعاون ركن من أركان وأسس التنمية، حيث لا وجود لتنمية بدون تعاون، كما يقر هذا التعريف كذلك بضرورة تحقيق قفزة نوعية على مستوى التعامل والسلوك والشكل والصيغة المعتمدة في التسيير والتدبير بشكل يقطع مع طقوس الولاء والقرابة العائلية والأسرية وعلاقات المصاهرة والزبونية وينبذ الذات والعاطفة وكل الأشكال التقليدية المفضية إلى إعادة إنتاج الماضي. لكن، ينبغي أن نشير كذلك إلى أن التغاوي أو التعاون الفاسد واللامسؤول قد يؤدي حتما، في مقابل ما ذكرناه سابقا، إلى الشتات واليأس والفقر في حالة ما إذا انحنى التعاون في الاتجاه المعاكس حيث المصلحة الذاتية تقوى على المصلحة العامة، أو في حالة الاشتغال في بيئة تكتنفها عقليات ذات مرجعيات تقليدية رجعية لا تتماشى مع مبادئ العمل التنموي (والجمعوي) كما يحملها مفهوم التنمية في صيغته الحديثة أي بمفهومها النيوليبرالي الذي يعد مفهوما يتجاوز مضمونه مفهوم التطور كما لا يحصر التنمية في الجانب الاقتصادي والسياسي، وإنما يجعل منها (التنمية) مفهوما شاملا رهينا بالإنسان كثروة لا محيد عنها، يستدعي تحقيقها وضمان نجاحها، ولو نسبيا، (وفقا لهذا التصور) الإقبال على الانفتاح والعقلنة واعتماد الآليات الديمقراطية المذكورة أعلاه وإيلاء أهمية كبرى للبعد المحلي والفاعل المحلي والساكنة باعتبارها قوى وأدوات لها من الإمكانيات والمؤهلات ما يجعلها قادرة على تحقيق المرامي والتطلعات ومن ثمة إقلاع تنموي محلي. فماذا يا ترى عن الجمعية في هذا لإطار؟
يعتبر القانون الداخلي للجمعية بمثابة طوبولوجية ودستورا يحدد معالم هيكلها التنظيمي ويوضح كيفية وحدود العمل والاشتغال داخلها بشكل عام. إن قراءة أبواب وفصول هذا القانون قراءة تأملية متأنية ورصينة من شأنها بكل تأكيد أن تدفع القارئ إلى طرح العديد من الاستفسارات التي لن يجد أجوبتها بطبيعة الحال إلا عند العناصر الثابتة في المعادلة التي تشكل الجمعية ومحيطها مكوناتها الأساسية. ولا نرمي من هذا طبعا إلى التشويش على الجمعية وأهلها وخلق البلبلة في صفوفها وإنما مقصودنا ومرادنا هو فتح نقاش نزيه بخصوص واقع الجمعية ككل وفق نقد بناء يدفع بعجلة التدبير والتسيير الجمعويين إلى الأمام نحو إرساء مبادئ وقيم وأعراف وسلوك خلاقة وحديثة لكل فعل جمعوي يروم تحقيق التنمية. وسنقف بهذا الخصوص بداية على البند الثاني والثالث من الفصل الأول بالباب الأول (الخاص بأهداف الجمعية) والمتمثلين في ما يلي:
الفصل 1: تهدف الجمعية إلى:
2- تنظيم وتشجيع الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية، وتكوين حلقات دراسية لفائدة ساكنة المنطقة.
3- تقديم المساعدات والخدمات المختلفة لفائدة السكان في الحقل الاجتماعي والثقافي وتشجيع العمل التكافلي.
نلاحظ جيدا أن كل هذه المقاصد نبيلة وستُشٌرف بدون أدنى شك فاعليها كما ستبقى، في حالة تطبيقها عمليا، وصمة فخر وامتياز لهم على مدى التاريخ، إلا أننا إذا تتبعنا مسار عمل الجمعية فيما يخص ما ورد بهذين البندين فإننا سنجد العكس هو الحاصل تماما؛ ومن ثمة نبقى مشدوهين للمفارقة والثنائية القائمة بين النظري والعملي بين الكلام والفعل فالأول عام يمس الجميع دون استثناء والثاني خاص يقتصر على الأنا والأنت وأهلنا دون غيرنا، ويكفي للتأكيد من ذلك الاطلاع على بعض من الخدمات والمساعدات التي قدمتها الجمعية لصالح ثلة من الساكنة محسوبة على رؤوس الأصابع يجمعها قاسم مشترك ألا وهو القرابة العائلية. كما يمكن أن نلاحظ بشكل ملموس الطبيعة السياسية للحلقات الدراسية والتعبوية التي تنظمها عناصر من داخل مكتب الجمعية لفائدة الساكنة، فتارة تكون مكسوة بغطاء إرشادي ووعظي محض بهدف استمالة القلوب والسيطرة عليها لخدمة أغراض سياسية طبعا، وتارة ثانية تكون مغلفة بثياب النفاق والدهاء الممزوجين بالبراءة والإنصات والاهتمام لهموم الساكنة وإبداء نوع من النقد البناء والاجتماعية والثورية والديمقراطية المزيفة في التعامل مع الوضع بهدف استقطاب الأفراد واللعب بعقولها بخداع ودهاء ماكرين بشكل يحولها (الأفراد) إلى أيقونات يُتحكٌم، فيما بعد، في تحريكها ونقلها عبر مواقع من دائرة يحتل المخاطب مركزها في صورة نموذجية للزعيم الحامل للحلول دون غيره. ففي كلتا الحالتين يبقى الهدف واحد على الرغم من اختلاف الأساليب والآليات.
لقد أشرنا سابقا إلى أن ميلاد الجمعية جاء في سياق ظروف جد معقدة وقاسية على المستوى المحلي والوطني، حيث تميزت بصعوبة وتأزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة، واشتداد الخناق على المنطقة بفعل العزلة والضيق الذين تعاني منهما، وسيادة اليأس والإغتراب في صفوف الساكنة وفقدانها للثقة في كل المزاعم السياسية المحلية والوطنية، وانبثاق وبروز زعامات جديدة تستهدف السلطة وقيادة القبيلة بتبنيها لخطابات رنانة تستمد أسسها من خلال تبخيس عمل القيادات القائمة آنذاك عبر تهييج الأعصاب وتزيف الوقائع ضدها والتشويش عليها للزج بها في عزلة خانقة وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بالمنطقة عامة، أي حصر هذا الإشكال في شخص بعينه دون قراءة الواقع العام للمجتمع المغربي ككل. إذن، ميلاد الجمعية غايته بالأساس هي تلطيف هذه الأجواء بالتركيز تحديدا على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ربما هي الدوافع الخفية، إلى جانب أخرى أقل حدة، وراء ما تعيشه المنطقة من تشنجات واحتقانات وعزلة وفقر... الخ؛ إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان حيث انحرف قطار الجمعية عن سكته المصممة والمعدة في البداية، إذ تم تغليب العاطفة على العقل، وارتدى السياسي ثياب الاجتماعي والثقافي، مما أصابها بنزلة برد حادة نتجت عنها حركة ارتدادية في جسدها الفتي أدت إلى تراجع مناعتها وانهيار أحصنتها الدفاعية فقدت على إثره عذريتها وشرفها، لتصبح بالتالي مقصدا للغزاة والصلحاء والدهاة والخطباء الذين جعلوا منها مطية لتحقيق المصالح الذاتية والسياسية كما سنبينه من خلال الاطلاع على الفصلين العاشر والثاني عشرة من الباب الثالث (الخاص بفقدان العضوية في المكتب التنفيذي) المتمثلين في ما يلي:
الباب الثالث:فقدان العضوية في المكتب التنفيذي
الفصل 10: تنزع عضوية المكتب التنفيذي من كل عضو يخرق الإجراءات ومقتضيات هذا القانون سعيا منه إلى عرقلة أنشطة الجمعية ونسف أهدافها.
الفصل 12: يلزم كل عضو يرغب في ترشيح نفسه في الانتخابات الجماعية أو البرلمانية أن يقدم استقالته إلى المكتب التنفيذي.

سنبدأ في حديثنا بالفصل الثاني عشرة الذي يحاول القطع مع ازدواجية منصب سياسي بالعضوية بالمكتب التنفيذي للجمعية، وإذا كان ذلك من خلال الشكل والمضمون يروم إلى تجنيب العمل الجمعوي من الانزلاق إلى مستنقع العمل السياسي الذي ظل منذ سنوات مشبوها وفاقدا للثقة ومن ثمة نفور الناس منه ومن ويلاته التي لا تجذب خيرا للمنطقة ولأهلها، فإن كل هذه المرامي، التي بشرت أهل المنطقة بالخير خلال الوهلة الأولى، سرعان ما انكشف بطلانها وتصدعت كل دعائمها ثم انهارت أسسها وعاد المبشرون إلى قواعد وقلاع الأصل والعصبية ينهون ويأمرون ويفعلون ويتكلمون بلسان وبمنطق وتصورات وعقليات أجدادهم وآبائهم التي أثبتت غير ما مرة عدم صلاحيتها وخلوها من الأهلية ومصداقية التجاوب مع متطلبات المجتمع المحلي في الحاضر، وأصبح بذلك يقينيا أن أول من يدوس القوانين هم واضعيها دون غيرهم؛ وهذا ما كشفت عنه الانتخابات الجماعية الأخيرة، حينما عمد ثلاثة من أعضاء المكتب التنفيذي للجمعية للترشيح مع الاحتفاظ بعضويتهم داخل المكتب (واحد أصبح مستشارا جماعيا، والآخرون لم يحالفهم الحظ لذلك) دون أن يحدث ذلك بالنسبة إليهم أدنى حرج على الإطلاق، على الرغم من تعدد الأصوات المحلية المنددة بهذا السلوك والمطالبة إياهم بالاستقالة، ولم يبقى الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى أكثر من ذلك حينما أبدى هؤلاء نوعا من التعنت والتكبر وعدم الاكتراث لمطلب الجماهير ومواجهة ذلك بالدهاء والمراوغة والاستهزاء بالسكان، وتقييد هذا العضو استقالته بشرط وضرورة استقالة العضوين الآخرين وهكذا بقيت الأمور إلى يومنا هذا دون الالتفات والرجوع إلى القانون الأساسي للجمعية الذي ينص الفصل الثاني عشر من بابه الثالث على إلزامية تقديم الاستقالة من قبل كل عضو بمكتبها التنفيذي إذا ما رغب في ترشيح نفسه للانتخابات.
ولم يبقى الأمر عند هذا الحد خاصة حينما نلاحظ احتدام النزاع والصراع بين طرفين من أعضاء مكتب الجمعية كل من جهته وحسب إمكانياته كما تجسد ذلك خلال مشروع إعادة بناء المسجد ، وخلال مشروع بناء سور للمدرسة بالمنطقة المعنية، حيث عمد كل منهم إلى عرقلة عمل الأخر بغية تحقيق مصالح ذاتية مادية كانت أو معنوية، ما أسفر عن ركود في عمل الجمعية ومس بشكل بالغ الحدة لسمعتها، دون أي احترام أو تقيد بالفصل العاشر من الباب الثالث لقانون الجمعية، فكل هذه المعطيات تجعل كل متتبع للشأن الجمعوي بالمنطقة محاصرا بسيل من الأسئلة والاستفهامات كالتالي:
ما الغاية إذن من هذا القانون؟ ولماذا لم يتم العمل بالفصل العاشر من الباب الثالث لحسم كل هذه التشنجات التي زجت بالجمعية مرات عديدة في مشاكل هي أصلا في غنى عنها؟ وعلى من سيتم تطبيق هذا القانون إذن؟ وألا تفقد الجمعية ككل مصداقيتها بهذا الخرق السافر لقوانينها وخاصة من قبل أهلها وحماتها؟
وما هي القيمة المضافة التي ستحملها الجمعية للساكنة على المستوى الأخلاقي والتسيير والتدبير والشفافية والديمقراطية عامة، ما دام أن القوانين المؤسسة لها ليست في الواقع سوى حبرا على ورق لا فائدة منها، كما تأكد سلفا ويتأكد كذلك وبقوة حينما نشاهد أعضاء بارزين بمكتب الجمعية يهرعون إلى الحصول على مشاريع(النحل أو الفوز بصفقة المشاريع) ذاتية وشخصية على حساب السكان والجمعية، دون التقيد بالفصل الحادي عشرة من قانونها الأساسي الذي لا يجيز لأي عضو من الجمعية في المكتب أو خارجه استغلال الجمعية لأغراض شخصية أو أغراض تتنافى مع أهدافها؟
ودون التطرق إلى جل فصول هذا القانون، فإن الخلاصة واضحة ولا غبار عليها ذلك أن هذا الأخير ليس في واقع الأمر سوى مداد على ورق ولا يلزم على ما يبدو أعضاء مكتب الجمعية، الذين داسوا بنوده من الوهلة الأولى مما أسفر عنه نفور حاد للسكان من الجمعية التي تحولت بموجب ذلك إلى وكر وآلية للتسول والاغتناء الفاحش على حساب الساكنة، وهكذا انقلب الجمعية على ذاتها فبدلا من خدمة الناس والمنطقة تحولت إلى مجرد وسيلة لخدمة مصالح أعضائها وعائلاتهم ولا غير في تناف تام مع الفصل الأول من الباب الرابع من القانون ذاته والذي يعتبر جميع المهام والخدمات التي يسديها أعضاء المكتب التنفيذي إلى الجمعية ذات طابع مجاني وتطوعي. بالتالي، هل من شأن الاختراق السافر والمتعمد للقانون أن يحدث خطوات لشق الطريق نحو الأمام في اتجاه إرساء أسس ودعائم التعاون والتنمية بين السكان وبالمنطقة بأكملها؟؟ يتبع....



#رحال_إغرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة 20 فبراير فرع مكناس تقاطع دستور الترهيب


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحال إغرم - جمعية تيسوراف للتعاون والتنمية بمريرت: العمل الجمعوي، القانون، التنمية؟؟؟؟