أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله بنان - من أجل بناء تنظيم يساري للألفية الثالثة















المزيد.....


من أجل بناء تنظيم يساري للألفية الثالثة


عبدالله بنان

الحوار المتمدن-العدد: 3432 - 2011 / 7 / 20 - 22:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بداية نرحب بجميع الرفاق الذين لبوا الدعوة بالحضور إلى الملتقى الوطني الأول لمشروع إعادة بناء المنظمة. ونشد على أيادي الرفاق الذين تكبدوا مشاقة السفر والذين ألغوا مواعيد مهمة وفضلوا حضور هذا الجمع المبارك تلبية لنداء تاريخ مشترك من النضال والتضحية من أجل الخبز والحرية والديمقراطية لشعبنا ومن أجل تقدم وازدهار وطننا ورفع رايته.
لقد عانى كل واحد منا قسوة تفرقة وتشتيت مناضلي منظمتنا, منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الى كيانات قزمية أضرت وأضعفت من قيمة المشروع النضالي الكبير الذي حمله مناضلينا ومن أجيال مختلفة. لقد حملوا هذا المشروع وطوروه بما سمحت به الظروف الموضوعية والذاتية رغم القمع الأسود الذي سلط عليهم في بداية المشوار مما ذاق الكثير منهم عذاب و قسوة السجون. كما عرف رفاق آخرون الأحكام الغيابية, ثم المنافي الاضطرارية هربا من بطش الأجهزة القمعية. ونذكر أحد رموز التضحية الشهيد الرفيق عبدالسلام المودن المناضل الفذ الذي وهب حياته فداء لمشروع المنظمة في قيام الديمقراطية الحقة ونقول معه إن في قلبي وجسدي خزان من الطاقة الهائلة التي تمكنني من الصمود سنين طويلة إذا لزم.
ويمكن القول وبدون تردد ان الجيل الذي قاد المنظمة الى حدود 1996, ورغم المجهودات والتضحيات التي بدلت لم يحسن الإدارة السياسية والتنظيمية للمنظمة بالعمل على إيجاد آليات للعمل الجماعي والتنافس الرفاقي النبيل مما أدى الى انشطارها وتشتيت مناضليها غير آبهين بقيمة مشروع المنظمة في الساحة السياسية الوطنية والعربية.
اننا اليوم لم نأت لنتباكى على ما جرى أوالبحث عن المسؤول في غياب أو تغييب المنظمة أو توزيع الاتهامات والصكوك لهذا الطرف أو ذاك. اننا هنا لاستخلاص الدروس ورسم آفاق لبناء تنظيم سياسي للألفية الثالثة آخذين بعين الاعتبار كل ما جرى من تقدم وإخفاق في التجربة السابقة.
اننا هنا لان الأسس التي أدت الى انشقاق المنظمة وصلت بأصحابها وحلفاؤهم الى الباب المسدود كما سنرى لاحقا. كما أن التجربة الاندماجية والتي أتت في سياق تداعيات انشقاق المنظمة باءت تدريجيا الى الفشل
إننا طرحنا مبادرة إعادة البناء بعد تفكير طويل واستشارة للعديد من الأطر والمناضلين. لن نخفيكم أن هناك من رحب بالفكرة و هناك من شكك في إمكانية نجاحها. ان أول رفيق عرضت عليه الفكرة كان من مدينة القنيطرة وله اهتمام بالأدب وكتابة الرواية وقد جمعتني وإياه الكثير من الذكريات خاصة ما قبل دخول المنظمة إلى العمل الشرعي. وهكذا انتقلت الفكرة إلى مشروع إعادة بناء المنظمة الذي نلتقي حوله اليوم وأنتم الآتون من جهات الوطن شرقا وغربا, جنوبا وشمالا ووسط. انه قرار واعي يهدف الى لم شتات مناضلينا ليساهموا في سيرورة العمل الديمقراطي الشعبي ببرامج نوعية وبأدوات فعالة إلى جانب القوى الحية ببلادنا.
أيها الرفاق الأعزاء, ان سؤال إعادة بناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ليست مسألة ذاتية كما تبادر إلى ذهن العديد من المهتمين و المناضلين الذين تحاورنا معهم في الموضوع حيث ربط بعضهم مبادرتنا بمحاولة الرجوع إلى ماض مفتقد أو نوسطالجيا. كأنهم لم يدركوا ما وقع لليسار التقليدي والجديد من تراجع وغياب مريب في ساحة الصراع الاجتماعي والسياسي مما أفضى إلى محاولة ملئها بشتى أنواع الأصولية الدينية والعرقية والانتهازية.
إن غياب موقع لليسار الديمقراطي المناضل في الساحة السياسية صار حديث الديمقراطيين بعدما انكسر اليسار التقليدي في متاهات الحكومات المخزنية وإفلاسه كما عزز اليسار الجديد هامشية وانعزاليته في الساحة السياسية. ان بناء حزب يساري جديد هو إجابة عملية لانتظارات المناضلين والمواطنين الشرفاء.
تناول إعادة بناء المنظمة يقتضي مساءلة مرحلة بكاملها حيث اهتز وضع الحركة الديمقراطية وتدرر إلى قطع واختل ميزان القوى بشكل ملحوظ لصالح الخصوم والأعداء الطبقيين بعدما ضببت الصورة لدى الجماهير الشعبية حول من يحكم ومن يعارض.
إستراتيجيتان تحكمتا داخل الصف الديمقراطي في التعاطي مع المسألة الديمقراطية وكيفية الانتقال من ديمقراطية شكلية مبنية على الغش وتزوير الإرادة الشعبية إلى الديمقراطية الحقة حيث الشعب يحكم ويسود من خلال صناديق الاقتراع وعبر ممثليه في جو تسوده النزاهة والشفافية والمصداقية والمسؤولية.
إن الإستراتيجية الأولى تبنت برنامج إصلاحي مطلبي نضالي. وهكذا نجد المطالبة بتعديل الدستور وبإصلاح سياسي وسن العدالة الاجتماعية. إن معركة تغيير الدستور والمطالب الاجتماعية والاقتصادية للشعب ذات أهمية كبيرة. و قد طالبت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بإقرار نظام ملكية برلمانية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي في عز الصراع بين النظام والحركة الديمقراطية المغربية, من جهة للحفاظ على الشرعية التاريخية للملكية وجعلها خارج أي صراع سياسي بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لتكون فوق الجميع وجعلها حكما في كل القضايا الخلافية الجوهرية, ومن جهة ثانية تمكين الشعب المغربي من حقه الطبيعي في حكم نفسه من خلال مؤسسات منتخبة وجعل الإنسان والمواطن المغربي مركز التنمية الشاملة.
أما الإستراتيجية الثانية فاعتمدت أطروحة "إمكانية التغيير من داخل النسق القائم" وذلك بالمشاركة في العمل الحكومي من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتدرج في أفق دولة ديمقراطية برلمانية. إن هذه المقاربة اقتضت من أصحابها التعايش مع كل أشكال التزوير للإرادة الشعبية وسياسة الكوطا وما يصاحبها من تقطيع انتخابي على قد المقاس واستعمال المال لشراء الأصوات إلى غير ذللك. هذه المقاربة نما حجم المدافعون عنها منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي من داخل الأحزاب الديمقراطية. كما ساهم ممثلو الطبقات السائدة في تنامي عدد المدافعين عن هذه الإستراتيجية نوعيا وكميا. وقد تحقق الشرط الموضوعي والذاتي بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي. فقد ظهرت للعيان رغبة القوى الحاكمة في الانفتاح على من يمثل هذه المقاربة من داخل الصف الديمقراطي وذلك بعد ما عرف المغرب أزمة خانقة وعلى أكثر من مستوى والتي عرفت في الأدب السياسي المغربي بمقولة السكتة القلبية التي أطلقها الراحل الملك الحسن الثاني كتوصيف للحالة الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها البلد. وتم تبني مقاربة التغيير من داخل النسق القائم رسميا مع التصويت على دستور1996 والعمل بمقتضى سلم اجتماعي من خلال الاتفاق مع النقابات الداعمة لهذه المقاربة.
بعد الانتخابات البرلمانية لسنة 1998 تم تكليف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتشكيل حكومة في غياب أغلبية برلمانية منسجمة. شكلت الحكومة بألوان سياسية لا رابط بينها إلا ضمانة الملك. أشر البرلمان على البرنامج الحكومي للوزير الأول السيد اليوسفي وانطلقت التجربة معلنة بداية لمرحلة جديدة في المشهد السياسي المغربي. بعد مدة قصيرة مات الملك الحسن الثاني ليخلفه ولي عهده محمد السادس. وصفت هذه الحكومة بكل الأوصاف من لا استقرار, لا انسجام, التناوب التوافقي. وكان التشكي من التدخل السافر لأدرع مقاومة التغيير خاصة إبان وزير الداخلية ادريس البصري.
إن الإستراتيجية هي السياسة نفسها, منهجيتها وفنها. فان تكون في نفس الوقت شريكا وبيدقا, في نمودج استراتيجية مهدت له الدولة, هذا يفترض ان يكون لكل حزب تفكير واضح وممارسة سياسية مرنة, لبلوغ هذا الهدف او ذاك, وقدرة على ربط تحالفات صحيحة, مبنية على مبادئ لا على فرص او فراغ ايديلوجي. ان دور الدولة الإستيراتيجي أثر ويؤثر على سير الاحزاب والنقابات والحركات الجمعوية, وعلى المنظمات غير الحكومية.
ونحن على مسافة محترمة من تجربة إستراتيجية التغيير من داخل النسق السائد التي أدت بأصحابها إلى الباب المسدود وإفلاس مشروع اليسار التقليدي وانشطاره إلى أجزاء متناثرة. ما الذي حصل اذن؟ كان المطلوب تغيير أوضاع الجماهير الشعبية من وضعها المتردي إلى وضع أحسن وأرقى, ومن دولة مستبدة الى دولة ديمقراطية, لكن الذي حصل هو تغيير هوية اليسار التقليدي ونخبه والانتقال من الايديلوجية الاشتراكية الى نسخة مشوهة من الليبرالية الاجتماعية.
إن مشروع إعادة بناء حزب لليسار الديمقراطي المغربي الذي هجر الأحزاب السياسية كما هجرت الجماهير الشعبية العبث الانتخابي والسياسي أصبح حاجة ماسة لتمثيل القوى الشعبية المتضررة من الوضع القائم وتأطيرها والدفاع عن مصالحها.
لم تكن إستراتيجية التغيير من داخل النسق القائم الوحيدة في تراجع اليسار المغربي, بل كانت هناك عوامل أخرى حدت من تقدمه .
إن تراجع اليسار المغربي ساهم في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للجماهير الشعبية. عديدة هي الأسباب والعوامل التي أدت بشكل مباشر أو غير مباشر في تراجع اليسار المغربي ويمكن إجمالها في خمسة أنواع.
النوع الأول موضوعي: و يتمثل في طبيعة النظام والقائم على الاستبداد. إن الممارسة الاستبدادية للسلطة همشت أدوار الدولة ومؤسساتها من سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية وخنق الحريات العامة وقمع حرية التعبير وتضييقها على الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني. ان ظاهرة الاعتقال السياسي الذي عرفه المغرب في تاريخه المعاصر والتي صارت تعرف بزمن الرصاص خير دليل على ما تمت الإشارة إليه من تضييق على الحريات وخنق للمعارضة الديمقراطية. وللإشارة فسياسة الحلول الأمنية والقمعية لا زلت حاضرة إلى يومنا بشهادة منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إن الدستور وهو القانون الأسمى للدولة عكس في فصوله دولة الاستبداد التي تمثل الطبقة السائدة والبرجوازية التبعية تحديدا مقصيا باقي الطبقات والفئات الاجتماعية. إن تخلف بلدنا كان في جزء كبير مرده الاستبداد الذي عمق الظلم والإقصاء الاجتماعيين وعزز التأخر العام للمغرب في مجال الاستحقاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي بمقارنة مع الدول النامية والصاعدة.
ان بلادنا تمر من منعطف كبير وخطير. منعطف كبير لحجم التحولات التي تعرفها المنطقة العربية من احتجاجات و مظاهرات وثورات منذ أواخر 2010 وتستمر الى الآن غيرت من صورة المنطقة العربية لدى العالم وشبابها التواق الى الحرية والديمقراطية ولم يكن المغرب استثناء عن باقي الدولة العربية. وهكذا تفاعلت القوى الحية والشباب المغربي بإيجاب مع الحراك العربي. وبادر الشباب المغربي في احداث حركة نضالية انطلاقا من مواقع الشباكات الاجتماعية وتنسيقا بين المجموعات لتعطي الشرارة الاولى والنزول الى الشارع في 20 فبراير 2011. انها حركة 20 فبراير المجيدة التي ستأرخ لميلاد جديد للحركة الاجتماعية المناضلة لتساهم في تغيير نظام الدولة والمجتمع.
ومنعطف خطير ان لم تحسن الدولة المغربية في التعامل مع معطيات الواقع المتحرك وإيجاد الأجوبة المناسبة لما يطرحه الشارع المغربي من مطالب سياسية واجتماعية عادلة مع ميزان القوى المتنامي لصالح الفئات الاجتماعية المتضررة من الوضع القائم, يمكن أن تجر المغرب دولة وشعبا إلى المجهول.
ان استحقاقات الالفية الثالة في الحرية والمساواة والعدالة والكرامة تضع الدولة المغربية أمام محك حقيقي, إما أن يدخل المغرب باب الحداثة والديمقراطية ويعانق آمال الجماهير الشعبية التواقة إلى دولة ديمقراطية التي تكرم الانسان المغربي, واما أن يدخل المغرب بابا يؤدي إلى المجهول ويخلف موعده مع التاريخ. ونظن أن زمن الاستبداد قد ولى عهده مما يحتم على الدولة أن تنتصر إلى قيم الحرية والحداثة.
النوع الثاني ذاتي: ويتمثل في تفسخ اليسار التقليدي وملحقاته وذلك من خلال الضربات الموجعة التي لحقت به في معمعان الصراع مع الدولة المستبدة. ان فشل اليسار التقليدي في الوصول الى السلطة وبشتى الطرق التي اتبعها في تارخيه النضالي منذ بداية الاستقلال جعلته أخيرا يغير جلده. ان شعار التوافق الوطني الذي رفعه في بداية تسعينيات القرن الماضي كان الضربة القاسمة بين صفوفه حيث صار للدولة دور أساسي في تعميق خلافاته وتشتيت صفوفه وتجتيت كياناته كما حصل بداية في انشقاق منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الى فريقين, فريق الموالات لشعار تلك المرحلة وفريق الرفض لأسس هذا الشعار بما يحتويه من تصالح مع قيم الفساد السياسي والانتخابي والإداري. لتتوالى بعد ذلك انشقاق التقدم والاشتراكية ليعزز انهزامية كلا طرفي الانشقاق, وبعده يقسم الطرف الرئيسي في اليسار التقليدي الاتحاد الاشتراكي الى خمسة أطراف لتكون الضربة القاصمة والقاضية على آمال اليسار المغربي والفئات الاجتماعية المرتبطة به. لم يقتصر الامر على أحزاب اليسار التقليدي بل وصلت عدوى الانشقاق الى النقابة الرئيسية لليسار التقليدي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وهكذا أنهى النظام الاستبدادي مهمته بادلال جزء مهم من اليسار المغربي. لقد انتقل جزء مهم من نخب اليسار التقليدي من الطبقة المتوسطة الى الطبقة البرجوازية مستفيدة من كرم الريع الدولتي والارتشاء السياسي. وجبت الاشارة الى وجود أصوات وطاقات مناضلة لا زالت أحزاب اليسار التقليدي تتختزنها رغم الحصار المضروب عليها من طرف ما يسمى مجازا باليسار الممخزن أو الحكومي. أما ما تبقى من اليسار فهو هامشى القوة و دفاعي المطالب ولايعطي قيمة لتجديد رؤيته منغمسا في ماضويته اليسارية. ان غياب مشروع موحد للتنظيمات اليسارية الديمقراطية بتنوع رؤاها وعلى برنامج حد أدنى ساهم بشكل واضح في تعثر اليسار. اننا لا ندعو لوحدة اندماجية لتنظيمات اليسار لان هذا الشعار مضيعة للوقت والطاقة لأن التجارب الاندماجية عرفت صعوبات جمة لغياب تصور اندماجي وحدوي وثقافة سياسية رفيعة المستوى تنتصر لقيم الحرية و الاختلاف والتسامح مما جعلها تنهار تدريجيا. كما حصل للوحدة الاندماجية للمنظمة في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد التي باءت بالفشل وذلك لغلبة التيار اللاوحدي حيث صار حزب الاندماج ساحة لتصفية الحسابات القديمة ليغادره جل أعضاء المنظمة ومناضلين يساريين. ومن جراء ذلك دخل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الى قاعة الانعاش رغم محاولة البعض انقاد الوحدة الاندماجية من خلال انضمام مناضلي الوفاء الاتحادية لتعطي الاشتراكي الموحد. هناك من أسس حزبا جديدا كاليسار الأخضر وهناك من التحق بأحزاب أخرى, وهناك وهناك.. ان المطلوب من خلال آليات اجتماعية الإجابة عن أوضاع البلد دولة وشعبا والعمل على إقرار دولة ديمقراطية والحد من كل أشكال الإقصاء الجماعي.
- النوع الثالث عولمي: يتمثل بالتدخل السافر للرأسمال المعولم، من خلال المؤسسات المالية والصناعية والدول الامبريالية، في التوجيه لمسار سياسات الدول و شؤونها الداخلية بما يخدم مصالح الرأسمال المعولم منتهكين السيادة الوطنية للدول وقرارها السياسي والتحكم في رقاب مواطنيها وبشتى الوسائل اقتصادية ومالية كانت أو عسكرية. ان الحراك الاجتماعي الذي يعرفه العالم العربي من أسبابه التدخل السافر للمؤسسات المالية في اعادة هيكلة اقتصاديات المنطقة العربية مما أدى الى تعميق الإقصاء الاجتماعي بشتى أشكاله وانتشار قيم الفساد والاستلاب والبطالة في صفوف الشباب المتعلم. كما للتدخل العسكري للتحالف الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة في قلب النظام العراقي بالغ الأثر على ما يجري اليوم من حراك اجتماعي. ان التدخل الامبريالي العسكري في العراق أدى إلى قتل أكثر من مليون نسمة وتشريد الآلاف من الأسر وانتهاك حرمات المواطنين العراقيين وادلالهم, وسجن أبو غريب ومآسيه خير دليل على همجية الحرب العدوانية الغير مبررة على دولة وشعب وحضارة بلاد الرافدين. كان لتلك التدخلات السافرة العسكرية والمالية للقوى البرانية على العالم العربي الأثر البالغ في نفوس وسلوكيات مواطني المنطقة العربية مما أدى إلى تأجيج الكراهية للحاكم المستبد والمرتشي والخادم لأسياده الغربيين. مما أدى أيضا الى صعود مد ثوري تقوده الفآت المتضررة من الوضع القائم وفي مقدمتها الشباب المتعلم مما أطاح برئيسي تونس ومصر والبقة آتية لا محالة في باقي الدول كاليمن وليبيا وسوريا الخ.
- النوع الرابع أصولي: ويتمثل في انتشار فكر وقيم وتنظيمات الأصولية الدينية الإسلامية لتحكم سيطرتها على عقول المجتمع اثر خيبات إحداث التغيير المنتظر. ويمكن الاستشهاد بمسألتين بارزتين. الأولى في تنامي التطرف الديني المرتبط بالاتجاه الرومنسي الذي مثله الشيخ أسامة بن لادن. وكانت أحداث الدار البيضاء والانفجارات التي عرفتها في ماي 2003 المثال البارز لوجود وتنامي هذه الظاهرة. وكان إصرار البعض على إنكار وجودها حتى وقعت الواقعة وكأن المغاربة يعيشون في جزيرة معزولة عن عمقهم العربي والإسلامي. والثانية في ترسيم تيار سلفي معتدل من طرف الدولة وحضوره الملفت من خلال نتائج الانتخابات على علاتها لولايتن تشريعيتن لتكتمل الصورة لان الطبيعة لا تحتمل الفراغ. وهكذا تعمقت الفجوة في السنين الاخيرة بانتشار الاصولية المعتدلة والمتطرفة بشكل واضح وملفت على حساب تواجد اليسار وقيمه وفكره. ان الشعب المغربي شعب مسلم في مجمله ولا يجوز ترك المجال الديني للتنظيمات الأصولية والدولة وكأنهم الأوصياء على الدين الإسلامي الحنيف. إن معرفة الدين الإسلامي نصا واجتهادا أصبح من القضايا الأساسية لتمثل القيم الدينية الداعمة للحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية, وهي قيم حداثية كونية لا محالة. إن تجربة اليسار في أمريكا اللاتينية مع ما سمي بلاهوت التحرير كان لها بالغ الأثر في موقع اليسار الديمقراطي اليوم وتقدمه في أوساط شعوب تلك المنطقة.
- النوع الخامس اشتراكي: ان التجربة الاشتراكية التي تبنت المشروع الماركسي في تغيير العالم باسم الاشتراكية وفشلها في تحقيق ما سطرته لنفسها أدت الى زعزعة التمثلات التي كانت للإنسان الكوكبي على المشروع الاشتراكي برمته رغم أنها كانت مجرد تجربة. ان لمكانة الدور الدعائي الكبير والتبشيري للتجربة الاشتراكية ونجاحاتها بمقارنة مع الأنظمة الرأسمالية أدى إلى نتائج عكسية وكبيرة على مشروع ماركس لتغيير العالم. إن الفشل صاحب تلك التجربة منذ بدايتها. إن بلدان الكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي قدمت آمالا عريضة في الحرية والمساوات والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لشعوب العالم المضطهدة. لكن سرعان ما انهارت هذه الأنظمة الشمولية التي غيبت دور وفعل المواطن والحد من حريتة ومبادراته وبالمقابل عملت على مركزة السلطة في يد نخب الحزب الوحيد بدعوى كونه الحزب القائد والحامي للثورة وقيمها. إن هذا الانهيار أثر لا محالة على بريق القيم المثلى للاشتراكية وأعطى فرصا جديدة لمنظري التيار الليبرالي لمهاجمة المشروع الاشتراكي. كما حصل مع المنظر الليبرالي الامركي فوكهويما الذي قدم نظرية تدور حول مقولة نهاية التاريخ التي تعدم أي إمكانية لصراع الطبقات. أما الأسباب الذاتية فتتمثل في عدم قدرة قوى اليسار العالمي، واليسار المغربي والعربي جزء منه، على مراجعة التجربة الاشتراكية بعد انهيارها مراجعة نقدية لمعرفة الأسباب الحقيقية التي قادتها إلى الانهيار فيما يشبه الزلزال.
ان هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ما يعرفه اليسار من تراجع سياسي وتنظيمي وإشعاعي. إنها اختلالات كبرى لم يستطع اليسار في تقديم أجوبة حقيقية نظرية وبرنامجية عنها لتمكينه من الخروج من موقع دفاعي إلى موقع طبيعي متمثلا القيم العظمى لليسار و في ثراثنا المغربي لتأطير المجتمع والمساهمة في التنمية العامة.
ان البحث في مشروع جديد ليسارالألفية الثالثة وبلورته انطلاقا مما يعرفه العالم من تحولات كبرى وعلى جميع الأصعدة, وما تعرفة منطقتنا العربية من نهظة قوية لمحاربة نظم الاستبداد وقيمه, وما يعرفه وطننا من حراك سياسي واجتماعي افتقدته الساحة السياسية المغربية ومنذ مدة طويلة, أصبح مطلوبا أكثر من أي وقت مضى. ولن يكون لهذا المشروع وقعا على الأرض ان لم يستطع الاجابة الوافية على الاختلالات التي أدت الى تراجع اليسار.
.
أيها الرفاق الأعزاء هذه بعض الأفكار والملاحظات المتواضعة التي يمكن الاستئناس بها في مناولة موضوع "لماذا إعادة البناء؟". ولنستعد لنضال أشمل وأطول, ولتضحيات ما أرخصها في سبيل مستقبل ديمقراطي متحرر لهذا الشعب العظيم.

عبد الله بنان

** مداخلة حضرت للملتقى الوطني الأول لمناضلي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الذي انعقد بالرباط في 16 يوليوز 2011.



#عبدالله_بنان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله بنان - من أجل بناء تنظيم يساري للألفية الثالثة