عبدالعزيز عليوي
الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 19:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اقاليم المفلسين
ناقشت عددا من الداعين لفكرة الاقاليم ( البايدنية ) نسبة للسناتور جو بايدن الداعية الى تقسيم العراق كما جرى في البوسنة عام 1995 من تقسيم، حيث تكون هناك ثلاث دويلات مربوطة بشكل ضعيف ببعضها البعض، وهي «كردستان» و«شيعستان» و«سنِّستان» وكلها تحت مظلة عراق كبير لكنه هزيل. وقال بايدن وغيلب في مقالتهما المشتركة التي تعود إلى تاريخ 1 مايو (ايار) 2006 ونشرت في جريدة نيويورك تايمز: «الفكرة تستند إلى ما تحقق في البوسنة؛ حيث يدير القائمون على كل اقليم شؤونهم بينما تركت الحكومة المركزية معنية بالشؤون المشتركة. نحن قادرون على تحقيق ذلك مع إغراءات تمنح للفئة التي غابت عن العملية السياسية كي يشاركوا في الحكم من خلال خطة مصممة للانسحاب وإعادة نشر قواتنا وعقد حلف عدم اعتداء على مستوى المنطقة». ناقشتهم فلم اجد اجابة شافية تروي فضولي لمعرفة الدافع الحقيقي لبعض السياسيين لاثارة موضوع الدعوة للاقاليم وبعد لقاء جو بايدن مباشرة .
ورغم اني لم اجلس يوما على الكراسي الخضراء التي صارت حلما ينشده كثير من الساسة الذين افلس بعضهم من مناصب المركز فعاد ليقلب في الدفاتر القديمة ليجد فكرة بايدن ويطرحها بثوب عراقي من دون التفكير ولو للحظة بمستقبل العراق الذي طالما سمعنا منهم ضجيجا ملأوا الدنيا به رافعين شعار خدمته , فظنوا ان مصالحهم اليوم تكمن في اجتزاء كانتون او مقاطعة او اقليم يحتوي على بعض الموارد او المنافذ الحدودية التي تدر اموالا تكفي الخدم والحشم والحاشية بعيدا عن رقابة المركز وازعاج بعض الوزارات والمفتشيات ولجان النزاهة , مستغلين الظروف الصعبة التي ألمت ببعض العراقيين فأتخذوا من مصائب قومهم فوائد , كما اني لست من المحللين السياسيين الذين تعاقدوا مع بعض الفضائيات ليطلوا علينا ليل نهار رافعين شعاراتهم الرنانة وخطبهم المسيسة التي حفظنا مقدماتها ومتنها وخواتيمها , وحفظنا حتى الوان بدلاتهم وربطات العنق التي يرتدونها لكننا لم نفهم شيئا مما يقولون اكثر من تزيين كل شي يرغب به السياسيون او الفضائيات التي تحمل برامج سياسية وتدفع لهم بالعملة الصعبة حتى وان كان هذا الشي الذي يطبلون له اليوم نقيضا لما طرحوه بالامس , كما ان مؤهلاتي العلمية وقدراتي لاتسعفني لاكون اكاديميا كما يظن احد اصدقائي الذي خاطبني معلقا على رفضي للاقاليم بالقول : " انت دارس التجارب الفيدرالية في كل دول العالم اتمنى عليك ان تراجع معلوماتك وتصحح هذا الخطا المفاهيمي الكبير الذي وقعت به وهذه وجهة نظري كاكاديمي يحاول توصيل المفردة اي كانت بشكل صحيح الى المواطن العادي " لكن قصور فهمي الذي بينه صديقي لن يحول بيني وبين حقي بابداء وجهة نظري بالطريقة التي اراها مناسبة حتى وان اختلفت مع افكار يحملها عباقرة او اكاديميين كما لا يمنعني ذلك من العتب على اكاديميين ( من العيار الثقيل ) التزموا الصمت المطبق ازاء هذه الفكرة مع انهم طالما كانوا يتحدثون وبصوت عال بامور اقل اهمية من الفدرالية او الاقاليم او ( التقسيم ) كما يحلو للمتشائمين ان يسموها , ومع اننا نعلم كيف نقرا صمت بعض منهم ممن يحملون كلمة حق لايقولوها لاسباب تتعلق بهم ونعذر من لم تسعفه معلوماته لابداء رايه الا ان النخبة التي كنا ننتظر رايها اختارت الجلوس على التل لتنظر تحلل تراقب الاحداث وبعد انتصار اي من المعسكرين تنزل لتهنئ الغالبين .
كل ذلك دفعني لاستعيد اصولي الفلاحية وافهم الامور كما يفهمها والدي وتفسرها جدتي رغم انهم لم يكونوا ساسة او محللين او اكاديميين , فوجدت ان حال الدعوة الى الاقاليم كحال عدو يدخل الى منزل ويضايق رجلا في ذلك المنزل , فيحمل ذلك الرجل سكينا ويقول للعدو ان لم تغادر سوف اقطع نفسي اوصالا وبعد ان لم يستمع العدو يبدا هذا الرجل فعلا بقطع يده اليمين ثم اليسار ثم رجليه وانفه واذنيه واحشائه لينزف ويموت قبل ان يتم عملية التقطيع وتوزيع جسمه الى اقاليم , فلن ينفع ان نعيد اليد او الرجل او الاذن الى مكانها لان الجسد قد مات , وحال الاقاليم لا يختلف كثيرا عن حال هذا الرجل فالاقليم الذي يقتطع لن يعود ولو عاد لعادت كردستان , بل الامور اليوم اشد خطرا لان المحافظات التي دعت الى تشكيل اقاليم تتمتع بثروات تميزها عن المحافظات الاخرى الامر الذي ينذر بمشاكل لها اول وليس لها اخر بين المركز والاقليم وهل ستقبل مثل تلك المحافظات باقتسام ثرواتها مع محافظات او اقاليم اخرى فقيرة ؟ وكيف ستحل مشكلة الجيش والشرطة وتداخل السلطات ؟ وهل سيكون لكل اقليم دستور خاص به ؟, وهل يحتاج العراقي الى 18 جواز سفر و18 كفيل لينتقل من اقليم الى اخر ؟ وهل ينحسر الفساد ام ان قوانين الاقليم تحمي الفاسدين من رقابة المركز ؟ وهل تسمح العشائر في محافظات ذات نزعة قبلية بتولي التكنوقراط للمناصب المهمة ام اننا سنشهد زعامات عشائرية نخبوية ؟ و.. و ..و .. اسئلة كثيرة تمنيت لو ان احدا من الذين ناقشتهم او تابعتهم اجابني عليها
الفرق بيننا وبين غيرنا هو أن الاخرين يطمحون للسعادة التي توجد من حولنا من دون ان نشعر بها فيعمل كل من موقعه ليكون سعيدا في منزله او مدرسته او دائرته على الاقل لينعم الجميع بالسعادة حتى قالوا " اعطني بيتا سعيدا وخذ وطنا سعيدا " , وقمة السعادة ان نعيش حياة خالية من الشقاء لان السعادة تمثل اساسا كل انواع التعاسة البعيدة عنا , ولاتنبع تلك السعادة الا من داخل انفسنا فشعارها ( خذ ) وليس ( هات ) ولايمكن تصورها بالاخذ لانها عطاء اولا واخيرا , لكننا اختلفنا عن اسوياء البشر فبذلنا الجهود وركبنا الطائرات الخاصة وتجولنا في انحاء مختلفة من العالم بحثا عن التعاسة , غريب امرنا ! , فكرنا بانفسنا فقط وغلبنا الانا على مصلحة الوطن ودعونا الى اقاليم نكون نحن قادتها وملاك ثرواتها وخيراتها اما مايجري خارج حدود اقليمنا فلا يعنينا بشي حتى وان قسم البلد وقطعت اوصاله وكان لسان حالنا يحكي " اعطني اقليم وخذ انفصال وتقسيم " وهو مايتفق مع عبارة جو بايدن الشهيرة التي قالها في المقابلة التي اجرتها معه نيويورك تايمز " استشهد بايدن بما سمعه من بعض الدبلوماسيين هناك. «لماذا احتجتم كل هذا الوقت. نحن سنصل إلى تلك النقطة اما من خلال إجرائنا أو من دونه، وما نحتاج إليه هو إدارة التقسيم»....
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟