أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - تلك المدينة التي نحب















المزيد.....

تلك المدينة التي نحب


زهية شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 3427 - 2011 / 7 / 15 - 20:43
المحور: الادب والفن
    



لشوارع القدس شكل خاص لا تشبهه شوارع المدن , لوجه القدس وجه لا تشبهه الوجوه ولا خطوط تشبه خطوط الزمن في تعاريجها ..للقدس قدس هي لا تكرر نفسها في عالم يعج بالفوضى , ولكن للقدس فوضى تشبه الفوضى المحزنة التي تتوه فيها ..ولا تخرج من سياقها ..حيث تأتيك في منامك وفي نهوضك وفي قعودك ..وفي حزن هو لك أنت فقط مفصلة دموعه ووجعه على جسد هو لك لا لسواك ..فتكتشف أن القدس هي لك ولا تتخلي عن تلك الفوضى التي هي قدس.

تدخل تفاصيلها فتبدأ بالمصرارة التي تعرفك منذ شبابك ..و تفغر فاها دهشة حينما تراك قد جئت من حصارك , يلهث نفسك شوقا وعناقا , تتفحص ذكريات قديمة في خطوط لم تبق إلا على جدران متسخة وشوارع تغطيها القاذورات , تلتفت غربا فتندهش للفروق وكأنها مقصودة .(بل هي مقصودة من بلدية المدينة كي يرى السائح الفرق الصارخ بين الطابع العربي للمدينة واليهودي لها )، الشوارع النظيفة والمحال ذات الواجهات التي تعج ببضاعة جميلة ومرتبة وأنيقة، والمترو الذي يمشي في شوارعها ترفا وهو فارغ من الركاب كي يجهز بلا مشاكل عند تقديمه كجزء من سريالية المدينة.



تلتفت مرة أخرى فتطالعك وجوه مختلفة ونساء المدينة وأطفالها بوجهين.. وجوه تظهر عليها بركات المدينة الروحية والحضارية، ووجوه تظهر عليها بركات الفقر والجهل والبساطة.. تقفز للغربية فتجد وجوه متعددة ولكن وجوه المتدينين اليهود تجعلك تشعر بالغثيان فكل شيء متدلي الشعر وخيوط من الملابس وكأنك مع عناكب تنشر خيوطها حيث تذهب ..ولكنك تشعر بشكل أو بآخر تشابه الشكل الديني لبعض البشر ..اللحية غير المرتبة في الغالب والملابس غير المنسقة..الوجوه العابسة.. وأتذكر نبينا محمد وكأني أجد ابتسامته حجة علينا ( حبيبي يا رسول الله ).. تتفحص وتجد الفروقات بين نسائها واضحة من حيث الملبس ..من ارتداء العري ..إلى حجاب المتدينة فتحدث لنظرك صدمة المشاهد المتتالية والمتناقضة والصارخة...تشبه بعض المدن العربية في تناقضها الحضاري.

تأتيك قدسك فتدخل إلى الفلافل والكعك المقدسي وتستحضر نهمك القديم لتك العادة حين زيارة المدينة، تعارض شكلك الاجتماعي والايتيكيت الديني ...فتقف بجانب الحائط والمارة حولك وتأكل بشراهة تبحث عن لذة قديمة علقت في فمك ومعدتك قديما، فتقضم قضمة وراء أخرى ..ولا تجد شيئاً سوى طيف أنت تستحضره بإرادتك وتلهي نفسك فيه ..ينهرك زملاؤك : يلا لا يوجد وقت لننزل إلى باب العامود.

أهرول بقدمي اللاتي انتفخت من كثرة المشي ومن سوء اللياقة والوزن الزائد ..أصرخ من الألم في وجوههم كي أستفزهم وأسكتهم : يا بخلاء قضيتم علي، لا تريدون أن نركب سيارة كي توفروا المال ...

يرد علي أحدهم : الله يسامحك يا أم أيمن .

أضحك وجسمي يهتز من الهرولة وأصطدم بعمود إشارة المرور، أصرخ: انتظروني .

وكأنهم لا يسمعون ..أقفز الأدراج خلفهم، عيناي مثل رادار في كل الاتجاهات ..تتفحص المكان، أبحث عن النساء القرويات اللاتي يبعن الخضار والفواكه، وكأن تلك النسوة ما زلن على نفس مساطبهن وزواياهن، وحتى البقدونس وورق الدوالي والكرز نفسه منذ عشرين عاماً ينتظرني كما تركته.. أبحث عن خبز الطابون فلا أجده.. أتساءل وما من مجيب..أدخل في بطن الشارع عيناي تنتقلان من مشهد لآخر، وأتذكر زحمة الشارع في القديم وخلوه الآن من الناس إلا القليل.. أدخل أحد المحلات لأشتري غطاء للرأس أعجبني، أسأل البائع ابراهيم : أتعيش القدس ركوداً تجارياً بشكل دائم كهذا اليوم .. ابتسم بحسرة : نعم ولكن توجد مواسم وأيام ..تنتعش المدينة مع أهل الثمانية والأربعين ..الله يفك أسر الشيخ .

استفسرت بغباء الجاهل : أي شيخ تقصد ؟

- الشيخ رائد صلاح .

- آه ..آمين

التفت .. فوجدت زملائي قد اختفوا من مجال ناظري فأخذت أركض بسرعة كي ألحق بهم.. وصلت لباب السلسلة.. مشيت، واجهتني ضجة مجموعة من الأطفال تبدو الشقاوة في وجوههم وملابسهم الرثة والمتسخة.. هجمت علي تساؤلات كأنها ليست مني: هل هؤلاء أولاد القدس؟... لماذا يبدون كأنهم أطفال الشوارع ؟ .

دخلت الباب فبدت قبة الصخرة تتلألأ في السماء وكأنها كوكب درئ ..ترقرق في قلبي فرح لم أخبره إلا في المدينة ومكة...أخيراً يا أقصى أراك منذ عشرين عاماً، عشرون عاماً انتظرت حتى فقدت الأمل.. الأقصى الذي في خاطري.. تنعم عيناي بعشقه ويرق القلب حباً وفرحاً، تدمع عيناي، يغرق وجهي حتى فقدت رؤية الطريق، أخذت أركض مرة أخري وراء زملائي حتى وجدت نفسي وجهاً لوجه مع المسجد.. قابلني رجل فنهرني: لا يوجد مكان للنساء اذهبي إلى مسجد الصخرة .

شعرت بجسدي يتجمد عند كلماته.. ولكني تداركت الموقف وسألته : لماذا هو مغلق إلا الباب السفلي ؟

فرد علي: لأنهم يفرشون المسجد استعداداً لرمضان ولذلك فتحوا جزءاً واحداً فقط للصلاة للرجال.. والنساء تصلي في مسجد الصخرة .

قفلت راجعة إلى الصخرة فوجدت آثاراً لحالة إعمار داخل المسجد فهرولت إلى الصخرة أتفقد معالمها ولم أنتبه أني لم أصل تحية المسجد.. فصليت، فكان عرقي قد غسل ملابسي.. فما أن انتهيت حتى خرجت أركض لأكمل صلاتي فوق الأرض.. وجدت مجموعات متناثرة من النساء بعضها حلقات من حافظات وقارئات للقرآن في مقام التعليم، جعلت أسمع جمال القراءة ..كان بودي أن أسمع أكثر أو أدخل بينهن لأقرأ عليهن ...ولكني خاطبت نفسي: يلا يا بنت كملي صلاتك قبل أن يحين موعد الرجوع إلى غزة.. ما إن ركعت حتى رن هاتفي وعلمت أن ساعة الرحيل قد حانت.. خرجت من المسجد بجنوني المعتاد.. أهرول ونظري ينتشر في كل مكان.. وكأنه يريد أن يحفظ ما يستطيع حفظه ويخزنه على ذاكرة العين والقلب.. ترجع نفس المشاهد ولكن أحد زملائنا يقترح أن نأكل الكنافة عند جعفر.. وما أدراك ما جعفر.. أكلنا وشعرت بعدها كأن القدس لا تشبه القدس التي في خاطري إلا بشوقي وعشقي لها.. أخذت قراراً ألا أمارس تاريخي القديم بتاريخي الجديد فكل له مذاقه.. وكي لا أفقد جمال الماضي في قدسي قررت ألا أكرر الأشياء.. فلتبقى ذكرياتي مغلفة في زاوية عذراء لا تمسها آلام الحاضر فكل ألم يخص زمنه.

ركبنا السيارة وحشر زملائي في المقعد الخلفي وأنا في الأمامي وأشعر أنهم يحسدونني على نعمة المساحة التي أتمتع بها.. ينطلق بنا السائق ويشرح لنا الأماكن.. هنا دير اللطرون.. هنا مبان فلسطينية قديمة.. هنا دير ياسين.. هنا.. ثم أجد نفسي ألتفت إليه وأوقفه عن الاستمرار في الحديث.. وأسأله أن يحدثني عن أطفال القدس وعن التهويد.. فانطلق يتحدث عن العنصرية وعن تغيير اللعبة حيث كان المتطرفون يخشون المرور من أمام الأولاد العرب.. والآن أصبح العكس الأطفال العرب يخشونهم.. وتحدث عن بطولاتهم اليومية في مقارعة المستوطنين وعن هدم البيوت غير المرخصة وعن الفقر وضيق العيش والغلاء الشديد.. والمخدرات والشباب واستهداف المحتل لشباب القدس ووجود جيل جديد يعرف هدفه ولا يتنازل ولا تفلح معه مخططاتهم لحرفه عن دينه ووطنيته .

فجأة ساد الصمت أجواءنا فوجدنا أنفسنا عند المعبر.. كانت الإجراءات أسرع بكثير من الخروج من غزة.. تنفسنا الصعداء وأخذنا نتراكض بأمتعتنا داخل الطريق حتى وصلنا للحاجز الفلسطيني.. كان الشباب لطفاء، قال أحدهم مرحبا: أنتم الدكاترة.. الله يسهل عليكم .

تراءت لي غزة حزينة بحصارها وانغلاقها عن العالم.. ومع سرعة السيارة وجدت نفس الحرية الذي شهقته في جسدي قد بدأ يتلاشى وكأنني انضممت لقطيع البشر الذين يساقون للانكسار والحصار وفقدان الأمل..

دمتي غزتي وأحلم بحريتي وحريتك في الآفاق مع حبي لك..

Zahiakh.wordpress.com



#زهية_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل
- حماتي
- أمي تلك المجهولة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهية شاهين - تلك المدينة التي نحب