أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - آيات الميهى - نصر حامد أبو زيد - حوار مختلف مع عالم مختلف















المزيد.....



نصر حامد أبو زيد - حوار مختلف مع عالم مختلف


آيات الميهى

الحوار المتمدن-العدد: 3422 - 2011 / 7 / 10 - 05:45
المحور: مقابلات و حوارات
    


فى الذكرى الاولى لرحيل العالم الجليل د. نصر حامد أبو زيد يشرفنى ان انشر هذا الحوار الذى اجريته معه قبل وفاتة


فى يوم 28 شهر ديسمبر عام 2008 كنت على موعد مع مناضل من نوع مختلف سلاحه الكلمة و معركته هى البحث عن الحقيقة و تقديمها للناس هذا هو الدكتور نصر حامد ابو زيد المناضل العالم الذى ارتدى عباءة العلم و دافع عنه بكل قوة امام الهجوم الذى تعرض له فى وطنه لمجرد انه يفكر ويتفكر وينقد و يمارس دوره كعالم و معلم ويرفض ان يكون مجرد ناقل و كاتب لنفس الموروثات والثوابت التى ألتزمت بها مجتمعاتنا العربية منذ قرون ،فتخلفت عن ركب التطور و لم يعد لها مكان على خريطة العالم المتقدم.
كان الدكتور نصر رحمه الله فى زيارة الى مكتبة الاسكندرية فى ديسمبر 2008 لإلقاء بعض المحاضرات ضمن اولى زيارته للوطن بعد استبعاده ونفيه الظالم من الوطن منذ عام 1994. وقد اسعدتنى الاقدار بفرصة اللقاء به لمدة ساعتين و نصف سمح لى خلالها ان اطرح عليه اسئلتى البحثية فى اطار البحث الذى اعده حول الثقافة العربية والديموقراطية. وقد كان سخيا معى فى طرح الافكار والاجابة على كل التساؤلات بسهولة وسلاسة المعلم المتمكن من علمه و الكريم ايضاً فى نقل علمه الى صغار الباحثين
و كانت صدمتى كبيرة فى خبر وفاته المفاجئ لكنها الأقدار التى لابد ان نقبلها دون اختيار، لكنى وجدت ان من حقه على ان انقل لكم جانب من فكر و رؤية هذا العالم كما وردت فى حديثه معى، فهى ولا شك تجيب على بعض التساؤلات التى يطرحها المواطن العادى وليس بالضرورة الباحث العلمى، وبالتالى تعم الفائدة لقدر اكبر من القراء، فانه لا يبقى من العالم بعد رحيله الا علمه الذى افنى فيه حياته لينتفع به الجميع.

الحوار

كيف ترى موقع اللغة من مفهوم الثقافة؟ في إطار ما يسمي علم اللسانيات المعاصر والذي يعتبر تطور لعلم اللغة التقليدي يمكن التمييز بين ثلاث مكونات هي : ما يسمي اللسان، واللغة، والكلام . فداخل اللسان العربي لهجات كثيرة مثل المصرية والسعودية والشامية، لكل لهجه سمات وخصائص مختلفة. فمثلاً نحن نتبادل الحديث الآن باللهجه المصرية العامية، وهي لهجه داخل اللسان العربي، كما أننا عندما نستخدم اللغة فإننا نعبر عن أفكار بواسطة الكلام الذي يخضع لقوانين اللغة، لكن المتكلم لا يخضع بالضرورة لقوانين اللغة، وهذا يجعلنا نفرق بين ثلاث أشياء، فهناك إطار عام من اللغة يجمع جميع اللهجات يسمي الثقافة العربية، وداخل هذه الثقافة توجد ثقافات أخرى فرعية مثل الثقافة المصرية و أخرى شامية و هكذا، وداخل الثقافات الفرعية توجد تقسيمات أخري، مثل ثقافة الجماعات البشرية وفقا لتواجدها الجغرافي أو طبيعة نشاطها الإنتاجي، من هنا فإن هناك صعوبة بالغة في تعريف الثقافة. لذلك وضع علماء الانثربيولجيا تعريفاً عاماً للثقافة مع اختلاف مدارسهم باعتبارها مجموعة الأعراف والتقاليد والمفاهيم العامة وأنماط السلوك، وأساليب الشعائر والعقائد والأزياء .

ما رأيك فى تعريف الثقافة بشكل مجرد بأنها تلك القناعات التى تنعكس فى طريقة تعبير الفرد عن احتياجاته سواء الذهنية او السلوكية، هذه القناعات تتراكم مع الزمن لتصبح قيم وسلوك عام يتميز به مجتمع عن آخر سواء فى طريقة التفكير او التصرف؟ الثقافة لا تتجلى من خلال التصرفات فقط ولكن من خلال مجمل السلوكيات، طريقة الجلوس والوقوف وطريقة التعبير عن الفرح والغضب، وقد يوجد بعض التناقض أحيانا بين الفكر وبين السلوك، وبذلك فإن الثقافة اعقد من أن توضع في تعريف، ولكن على الباحث في كل مجال أن يضع تعريفاً عاماً يتفق مع مجال دراسته، فإذا كنت تدرسين الفكر السياسي أوالثقافة السياسية للديمقراطية فعليك التركزي على معنى للثقافة في حدود هذا التخصص.

إذن هذا ينقلنا الى الحديث فى التخصص فأنا اود ان اسألك عن رؤيتك لموقع الفكر الديموقراطى فى الثقافة العربية؟ للإجابة على هذا السؤال دعينى ابدأ بتوضيح هام، فالقول بأن التفكير في الديمقراطية في المجتمعات العربية قد بدأ في الفترة الأخيرة ليس صحيحاً، ذلك أن البداية الحقيقية تعود إلى القرن التاسع عشر، كما حدث ممارسة للديمقراطية بين الحربين العالميتين، فمثلاً مصر شهدت فى تلك الفترة انتخابات وتعدد في الأحزاب .

لكن ألست معى يا دكتور أن هذه التجربة المبكرة قد تم اجهضها أيضاً مبكراً؟ الحكم بأنها اجهضت هذا تعبير إنشائي غير علمى، وأنت كباحثه يجب أن تهتمي بنشأة الظاهرة وتطورها ودراسة الأسباب التي أدت إليها، أما الأحكام ذات الطبيعة الخطابية أو الإيديولوجية فعليك أن تنأى عنها فالباحث لا يصدر أحكام، فهذا الكلام قد يصدر من الأخوان المسلمين أوالليبراليون الجدد أوالدعاة، والمقصود بالدعاة ليس فقط الدعاة الدينيين بل الدعاة السياسيين، والباحث العلمي ليس من ضمن الدعاة الذين يصدرون أحكاماً بل هو محلل يستخدم الأسلوب العلمي فى تحليل الواقع. اذن يمكنا رصد بداية التأثر بالغرب وأفكار الحداثة الغربية على مستويات عديدة ومختلفة تبدأ قبل الحملة الفرنسية على مصر، حيث كانت تركيا بوضعها كعاصمة للخلافة الإسلامية وللإمبراطورية العثمانية على علاقة بالغرب قبل وفود الحملة الفرنسية، والبحث العلمي لا يستطيع أن يحدد نقطة فاصلة أو تاريخ محدد باليوم كبداية للعلاقة مع الغرب، حيث كانت لمشايخ الأزهر صلات وزيارات لاسطنبول تعرفوا من خلالها على ملامح الثقافة الغربية التي كانت قد بدأت فيما يسمى بعصر التنظيمات أو عصر الإصلاح، وبالتالى فإن بداية ما يسمى باليقظة أوالنهضة العربية يطرح العديد من الأسئلة من أهمها الأسئلة المتعلقة بالنظام السياسي ، وهذا السؤال لا يتعلق بالديمقراطية بشكل مباشر، حيث أن هذه الكلمة معربة، إنما يتعلق بأسئلة أخرى، فمثلاً هل تعلمين انه خلال القرن التاسع عشر تشكل لأول مرة مجلس شورى النواب في مصر.
تقصد قبل محمد على أم بعده ؟ لا فقبل محمد على كان هناك نظام يعتمد على تشكيلات تقليدية من الطوائف والحرف والمهن الأقرب إلى نظام النقابات المهنية، فهناك شيخ لكل حرفة ، شيخ للتجار وشيخ للصناع وهكذا...، وهذا الشكل من التنظيم السياسي المجتمعي يعد درجة من درجات مفهوم الشورى فى ذلك الوقت، مما يؤكد أن ثمة جذور ما في المجتمع المصري لهذا الشكل من التنظيمات المجتمعية، وهذه الجذور توضح بشكل اكبر قدر الاختلاف بين الثقافة المصرية والثقافة العربية التي كانت تعتمد فى جذورها على نظام القبيلة .

اذن بماذا تفسر اللحظة التاريخية فى حياة مصر التى ثار خلالها المصريين بزعامة شيوخ الأزهر على الوالى العثمانى ثم اختاروا محمد على العسكرى الألبانى القادم مع الجيش العثمانى ليصبح حاكماً عليهم بدلاً من اختيار مصرى مثلهم ليحكمهم؟ بعيدا عن النزعة الشيفونية المصرية فقد كان هؤلاء المشايخ مدركين أنهم رجال دين وليسوا رجال سياسة، بالإضافة إلى ان نظام الدولة في هذا العصر كان يعتمد على تولى حاكم عسكري يفهم في شئون السياسة فكان طبيعياً ان يختاروا محمد على لأنه عسكرى ويفهم فى السياسة .

بعض الآراء تفسر هذا الأختيار في إطار ثقافى، فترى ان وجود الشخصية المصرية لقرون طويلة بعيدة عن كرسى الحكم الذى يشغله دائماً أجنبى عن مصر هو السبب ؟ لم يكن في هذا العصر شيء أسمه الشخصية المصرية، كان السياق العام أقرب إلى النظام الأممي الذي يقوم على أساس الإمبراطورية الإسلامية، فعندما كان الخليفة العباسي يعين وزير لم يكن من المهم أن يكون مصريا أو من أي جنسية أخرى من داخل بلدان الإمبراطورية .

وهل هذا يعنى فى رأيك نجاح الإمبراطورية فى ذلك الوقت فى إذابة الأثنيات العرقية؟ لا ليس الأمر موضوع نجاح أو فشل فنحن لسنا بصدد اصدار احكام الأمر ببساطة كان يعنى أن التركيبة الإمبراطورية في ذلك العصر كانت تقوم عل أساس النسيج الواحد، هكذا كانت الإمبراطوريات الأخرى كالإمبراطورية الرومانية وغيرها، مفهوم الإمبراطوريات نفسه قائم على نسيج معقد جدا من الاثنيات والأعراق والثقافات المختلفة تحت قيادة أثنية معينة، هذا هو نسق كل الإمبراطوريات، حتى الإمبراطوريات التي أنهتها الحرب العالمية الأولي. وبالتالى هذه التركيبة ليست خصيصة تمجيدية للإمبراطورية الإسلامية بل كان هذا هو النسق الإمبراطوري السائد منذ الأسكندر الأكبر الذي كان يريد أن يحكم العالم، والصراع بينه وبين الإمبراطورية الفارسية كان صرعا من أجل السيطرة على العالم، بمعنى التحكم في أسواق العالم وعقائد العالم على اختلافها، فلم تكن الإمبراطوريات مقفلة على أثنية معينة. هذا هو قانون الإمبراطوريات ومنها الإمبراطورية الإسلامية التي جاءت في القرن السابع على أنقاض الإمبراطوريات الأخرى، فقد قضت تماما على الإمبراطورية الفارسية، واستحوذت على أجزاء من أراضي الإمبراطورية البيزنطية، و اصبحت تتركب من عدة أثنيات وعرقيات مختلفة .
لذلك نستطيع القول ان مفهوم القومية المصرية بالمعنى الواضح يعد اول ظهور له مع رفاعة الطهطاوي، فكلمة القومية المصرية وردت في كتاباته بعد عودته من فرنسا حيث شاهد عصر انبثاق القوميات ومفهوم المواطنه يناقشه الفرنسيين، ولكن عندما تحدث عنه في كتاباته كان ذلك بنوع من الحذر، فلم يكن الطهطاوي من دعاة القومية المصرية، وكذلك محمد عبده كانت القومية المصرية عنده مغلفة بالأممية الإسلامية واستمر هذا الحذر مع مصطفى كامل .
بينما القومية المصرية كاتجاه واضح في الفكر المصرى جاءت بعد ثورة 1919، وترسخت بعد الاكتشافات الأثرية في علم المصريات "الإيجبتولوجي" ، وبخاصة بعد حل رموز حجر رشيد، الذى ازال الظلمة عن التاريخ المصري قبل دخول العرب، وعرف المصرى ان له تاريخ بعيد سابق على مجيء عمرو بن العاص، وأقدم من مجيء المسيحية مما خلق لديه شعور قوي بأنه الأقدم تاريخياً.
وهكذا بدأت النزعة المصرية على أيدي الليبراليين مثل أحمد لطفي السيد، وتقابلها النزعة الإسلامية، وفي هذا المناخ تشكل وعى ثقافي جديد وأصبحت مشكلة الثقافة المصرية منذ ذلك الوقت تتمحور حول الهوية، من نحن؟ وبهذا أصبح سؤال الهوية جوهري تتمحور حوله المفاهيم الثقافية وتتغير وتتجدد الصياغات، في نفس الوقت بدأت تظهر فكرة ان الديمقراطية بمعناها الغربى ليست غريبة على الثقافة العربية، و الديمقراطية هنا بمعنى شورى الحكم بمعنى أن الحاكم لابد أن يستشير الناس، وهو ما يعد بدايات الوعي الديمقراطي فى الثقافة العربية. ففى نهاية القرن التاسع عشر أكد محمد رشيد رضا بقوله " أننا قبل أن نعرف الغرب لم نكن نفهم أن كلمة الشورى في القرآن معناها الديمقراطية " وهذا كان نوعاً من التحول الثقافي السياسى، بدأت بعده الشورى تتخذ أبعاداً جديدة. من هنا فعند البحث عن سؤال الديمقراطية في العالم العربي المعاصر لا نستطيع القول بأنه بدأ في السبعينات من القرن الماضي، فقبل عام 52 كانت توجد درجة من الديمقراطية والحياة النيابية فى مصر ممثلة فى أحزاب متعددة وانتخابات ، لكن نتيجة الفساد إلغي كل ذلك لحساب التنظيم السياسي الواحد، الاتحاد القومي فالاتحاد الاشتراكي إلى أن جاء أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي وأحدث التحول من نظام رأسمالية الدولة إلى النظام الاقتصادي المفتوح، ما أدى إلى وجود ثلاث أجنحة سياسية هي اليسار واليمين والوسط والتي كانت موجودة أصلا داخل الاتحاد الاشتراكي ثم أخذت تظهر عل هيئة أحزاب .

أسمح لى يا دكتور ان ابدى ملاحظة بسيطة، فعند المقارنة بين التجربة الغربية والتجربة العربية نجد أن فكرة العقدالاجتماعي كانت مغروزة في التجربة الغربية، كذلك فكرة فصل السلطات، فالنموذج الغربي الذي نقيس عليه الآن كان له أسس فكرية سياسية تمتد فى جذور البنية المجتمعية الغربية منذ أفكار روسو وهوبز ومونتسكو، ورغم أنها كانت تقابل بالهجوم والرفض في أول الأمر ولم ترى النور إلا أنها فى فترات لاحقة، تحولت الى مبادئ، وبالتالى فالديمقراطية الغربية الحالية لها جذور فكرية اجتماعية. فمثلاً عندما أخذت فكرة التمثيل النيابى طريقا للتنفيذ وجدت لها جذور فكرية فأصبحت قوية وأخذت تتطور إلى عديد من الأشكال منها الشكل البرلماني والشكل الرئاسي. هذا النموذج الغربى بهذا القدر من الوضوح لم يتحقق فى الفكر العربي، من هنا لا نستطيع المقارنة بالقياس على فكرة الشورى كجذر للديمقراطية فى الثقافة العربية، فلم يحدث هنا تأصيل فكري لنموذج بسيط ثم تطور أثناء التطبيق والممارسة كما حدث في الغرب، فالتجارب الفرنسية والإنجليزية والأمريكية لم يكن لها مثيل عندنا ؟ لم يكن من الممكن أن يحدث مثل هذا عندنا، فتاريخ أوروبا له محطات أساسية أهمها عصر الإصلاح الديني الذي بدأ مع مارتن لوثر من خلال الوقوف ضد سيطرة الكنيسة. ان إلغاء السلطة الدينية وتأكيد حق الفرد في فهم النص الديني، كلها امور أدت إلى الفصل التام بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، كل هذا تحقق بشكل ناجح بفعل داخلي بعيدا عن أي تدخلات خارجية، فأوروبا لم تتعرض أثناء حركة الإصلاح لهجوم أو تدخلات استعمارية من خارجها سواء سياسياً أو اجتماعياً ، أي ما يسمى " interior mechanism "، وهذا لا يعنى أن الأمر كان خالي من الصراعات والحروب الأهلية التى شهدتها اوروبا فى تلك الفترة. والإصلاح الديني كما قلت، كان بداية انبثاق الليبرالية وذلك بالتركيز على الفرد عند مارتن لوثر وأنه قادر بجهده على فهم النص الديني دون الحاجة إلى سلطة الكنسية لتقوده إلى العقيدة الصحيحة أو لتبعده عن الأخطاء، وهناك دراسات كثيرة حول هذه البداية خاصة في إطار ما يسمي بالاقتصاد الحر الذي يعد بداية للرأسمالية في أوروبا. وهكذا انبثقت الأفكار هنا بشكل تلقائي، وساعد على نضوجها وجود المطبعة ونشأة الصحافة وخلق ما يسمى "public space" فلم يعد هناك الراعى والراعيه, وقد أدي الإصلاح الديني في النهاية إلى تحرير الفرد من السلطة الدينية، ثم تحررت الدولة أيضا من السلطة الدينية، وهو ما ادى الى خلق مناخ مناسب لنمو اليبرالية فى اطار "public space" فبدأت النوادي الاجتماعية والتجمعات الأهلية .

تقصد بال public space (الرأي العام) . نعم الرأى العام بأدواته الصحافة والمطبعة كلها ساهمت في سد الفجوة بين فكر الفلاسفة وبين الرجل العادي أو ما يسمى برجل الشارع، فالصحافة طرحت فكر الفلاسفة للنقاش العام .

وهو ما يعد بمفاهيم اليوم بداية لدرجة من درجات المجتمع المدنى؟ شيء من هذا حدث عندنا ولكن بشكل مبتسر، فقد كان هناك سعى نحو الحداثة في المجتمع المصري والمجتمعات العربية، لكن حداثة مكبلة بقيود.
القيد الأول ، أن هذه الحداثة جاءت من قبل الآخر وأرتبطت به ، لكن الآخر هنا كان المحتل أى انه العدو، الذى يجب محاربته، وبالتالى كانت صورة الآخر مشوهة ومختلطة بعدوانيته على أراضينا واستنزفه لثرواتنا، وهو في نفس الوقت المعلم الذى ينقل لى الحداثة، ومن أجل أن أحاربه فأنا مضطر أن استورد منه السلاح، من هنا كانت هذه الحداثة دوماً مبتسرة ومشوهة .
القيد الثاني فى مجتمعاتنا كان الدين أو الفكر الديني فهو المرجع دائما فلا قبول لأي شيء إلا بعد أن يفتي الشيخ بقبوله، هذا لأن الناس كانت ملتصقة بتراثها ولم تحدث ثورة دينية كالتي حدثت في أوروبا، وبالتالى لم يحدث اصلاح دينى ونقد للتراث وهكذا كان قبول الحداثة عندنا دوما مرهون بشرط عدم تعارضها مع التراث، وعند الإطلاع على كتابات الأفغاني ومحمد عبده نجد هذا التوتر، فالقبول ليس كامل، هذا بالإضافة إلى عدم تحقق عزل السلطة الزمنية عن الدينية، و بالتالى لم تشهد المنطقة العربية ثورات شعبية مثل الثورة الفرنسية التي أعطت للشعوب قوة و ثقة بأنها هي القادرة على صناعة الحاكم. هذا كله تحقق في أوروبا من خلال صراع ونضال ودفعت الشعوب الغربية الثمن، بينما لم يحدث عندنا للأسف .
والقيد الثالث يتمثل في وجود الحاكم الفرد في كل البلدان العربية، فإذا كانت رغبة هذا الحاكم مع الحداثة كما كانت مع الوالى محمد على والخديوى إسماعيل تحقق قدر من الحداثة لكن هذه الحداثة تظل مرتبطة بشخص هذا الحاكم، فالحداثة التي حدثت في عصر إسماعيل والتي يفتخر بها بعض المثقفين من إنشائه للأوبرا والمسرح انتهت بعصره. بل دفع الشعب المصري ثمن هذه الحداثة دون ان يتذوق ثمراتها إلا قلة من المصريين معظمهم من رجال القصر والملتفين حوله، والدليل على ذلك أنك إذا خرجت من القاهرة إلى الريف المصري في ذلك الوقت لن تجد أي أثر لهذه الحداثة، فالحداثة لم تتحول إلى طاقة تسرى في كل أنحاء المجتمع، وبالتالي كانت إراده وهوى الحاكم هي المؤثر والفاعل في مدى تقبل أو رفض مثل هذه الأفكار الحداثية.
وعلى النقيض من التجربة الغربية نجد العالم العربي مر بمحطات معوقة للحداثة بشكل عام بدءاً من مقاومة الاستعمار والتي كانت في حاجة إلى بعث مفهوم الجهاد وهو مفهوم ديني، ايضاً ساهم إلغاء الخلافة في تركيا فى التركيز على مفهوم الهوية، رغم أن الخلافة لم يكن لها مدلول واقعي على الأرض، فلم يكن خليفة المسلمين هو خليفة لكل المسلمين فى اى عصر من العصور.

هل تقصد بذلك حتى العصور المبكرة للخلافة الأموية منذ معاوية؟ نعم فكل هذا وهم وتمجيد للتاريخ، فمعاوية حين أقام الدولة الأموية كانت الثورات ضده لا تتوقف سواء داخل مركز الخلافة في دمشق أو خارج المركز في الأطراف، نحن لم نفهم التاريخ بشكل جيد، وقد تم التركيز على تمجيد التاريخ خلال فترات مقاومة الاستعمار كنوع من تأكيد الهوية. أيضاً عند قراءة التاريخ نجد انه مع قيام الدولة العباسية، أقيمت فورا الدولة الأموية في الأندلس ولم تنتهي الثورات داخل الدولة العباسية، وبعد أقل من خمسين سنة قامت الدولة الشيعية في المغرب والتي جاءت بعد ذلك إلى مصر وأقامت الدولة الفاطمية، وهكذا أصبح لدينا ثلاث خلافات، خلافة عباسية في بغداد، وخلافة أموية في الأندلس، وخلافة فاطمية في مصر، الأطراف كلها استقلت وأصبح منصب الخليفة خاضع للقوى السياسية والعسكر الذين أخذوا يتحكمون في الخليفة، كثير من الخلفاء قتلوا ومنهم من خزقت عيونه ومنهم من أستمر أكثر من 24 عاما ومنهم من خلع بعد 24 ساعة، التاريخ دائما تاريخ بشر وصراعات وحروب واختلافات حول المصالح، لم يسوده السلام كما يصوره البعض فى مؤلفتهم.

إذن الصورة الوردية لم تكن موجودة فى التاريخ العربى للمنطقة؟ نعم لا تكن موجودة لكن تم تمجيد التاريخ كما قلت، لكن هناك فترات سميت بالعصر الذهبي، قد يكون ذلك فيما يختص بالثقافة والعلوم والفلسفة، وهنا نقصد العصر الذهبي الذى نشأ فيه علم الكلام والفقه والتصوف وتحقق خلاله قدر من الحيوية الفكرية، لكن هذه الحيوية أيضا كانت تتم في الأطراف، فالفلاسفة المسلمين انتعشوا في الحمدانية بحلب بعيدا عن مركز الخلافة، حيث كان المركز دوماً مشغولاً بالصراع مع الشيعة، الخلاصة التاريخ تم تمجيده كنوع من الدفاع عن الهوية تحت تهديدات الإستعمار، ولم يشهد تاريخ المنطقة العربية الثورات الشعبية أو الإصلاح الديني كالتى حدثت فى الغرب.

بما إنك ذكرت يا دكتور العصر الذهبى للثقافة والعلوم والفلسفة عند العرب دعنى أسألك، هل طرح فلاسفة هذا العصر ضمن ناقشتهم مسألة فصل السلطات أو حتى مسألة شكل العلاقة بين الحاكم و المحكومين؟ لا أستطيع طرح مثل هذه الأفكار، على طبيعة العصور الوسطي فنحن نتحدث عن القرن التاسع والعاشرالميلادى، لكن قد نجد على سبيل المثال اجتهادات للبعض الفلاسفة لتمييز بين السياسة المدنية والسياسة الشرعية كما عند الفارابي، أيضاً عند ابن خلدون صاحب العمران نجد التمييز أكثر وضوحا، فهو يؤكد على أن نجاح السياسة المدنية يحتاج إلى السياسة الشرعية، وأحيانا يقول أن مصدر التشريع قد يكون إنساني مدني أو قد يكون دينى، والفرق بين النمطين هو ما يطرح دائما في الفرق بين العقل والنقل. فقد كان هناك دائماً وعى بوجود مجالين المدنى و الشرعى، البعض خلالها حاول أن يجعل المدني فوق الشرعي باعتبار الشرعي له مجالات خاصة والمدني أعم، فالمدني مرتبط بالإنسان من حيث هو إنسان بمعني ضرورة العمران البشري، فضرورة العمران ليست مرتبطة بدين معين، ففي أرجاء المعمورة قامت مجتمعات بدون أديان، فاليونان لم يكن لهم دين سماوي ومع ذلك فقد أقاموا عمران وحضارة، مثل هذه الأفكار كان الفلاسفة والمؤرخين العرب على وعي بها .

هل الشرعي هنا مصدره الدين؟ نعم مصدره الدين، وهذا غير التشريعي الذي قد يكون مصدره مدني، كما كانت هناك محاولات للتوفيق بين المدني والشرعي حيث لم يكن الحكام علماء دين، بل كانوا مدنيين أمراء أوعسكر من قادة الجيش.

نعود مرة اخرى يا دكتور، هل الفكرة كانت مطروحة من قبل المفكريين المسلمين فى ذلك الوقت فى ظل نظام الخلافة وسيادة المفهوم الديني، بضرورة الفصل بين السلطة الزمنية والدينية ؟ هذا الطرح ليس صحيح، فلم يحدث أصلاً في تاريخ الدولة الإسلامية توحيد بين السلطة الزمنية والدينية، حدث هذا فقط في كتب الفقهاء، لكن في الواقع السياسى هذا التوحيد لم يكن موجوداً.

إذن كيف تفسر يا دكتور ان الخليفة فى ذلك الوقت كان يستمد سلطته من أنه خليفة الله على الأرض؟
هذا أيضا ليس صحيح، هذه مجرد ادعاءات من صنع الخلفاء، لكن في الواقع رجل الشارع لم يعتبرهم ظل الله على الأرض وإلا لماذا قتل الخلفاء حتى الأوائل منهم مثل الخليفة الصحابى عثمان بن عفان؟

إذن ما هى دلالة البيعة فى رأيك؟ البيعة فى ذلك الوقت كانت شكل أخر غير ما نفهمه الآن، فلابد من التمييز بين مفاهيمنا وبين الواقع التاريخي، لابد من توضيح من كان يبايع ولمن كانت تتم البيعة، على سبيل المثال بيعة أبو بكر في سقيفة بنى سعد كان عليها خلافات لدرجة أن عمر قال عنها " كانت فتنة وقانا الله شرها" وأبو بكر عين عمر، فأين البيعة إذن. البيعة كانت تتم داخل المدينة وتقتصر عل أهل الحل والعقد، ومن كان يحدد أهل الحل والعقد، الخليفة نفسه طبعاً.

يعنى منها فيها؟ طبعا منها فيها، يعنى الآن مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية يعينهم الملك، هذا لا يدخل ضمن أي مفاهيم ديمقراطية أو حداثية و محاولة ربطها بأي مفاهيم حداثية، هو نوع من الخلط التاريخي، وهنا لا يجب توجيه اللوم لهذا النظام، لأنه مجرد نظام قبلي تطور تدريجيا من شكل شيخ القبيلة إلى نظام الحكم الملكي . في عصر الدولة الأموية لم يكن الخليفة في قصره يدعى شيء من هذا، وهذا ما توضحه أسماء الخلفاء الأمويين فكانت مجرد فلان أبن فلان، أما في عهد الدولة العباسية فقد بدأ الادعاء يتضح من خلال ألقاب الخلفاء الرشيد، المؤمن، الأمين، الهادي، المهدي، المنتصر بالله، الناصر بالله، المعتصم بالله ..الخ، هذا لأنهم كانوا يواجهون مشكلة تأكيد الشرعية فى مواجهة شرعيتين، شرعية الدولة الأموية في الأندلس، وشرعية الدولة الفاطمية في مصر .
والسؤال هل الفلاسفة والمؤرخين تعاملوا مع ذلك باعتباره سلطتين؟ لا، ذلك لأنه لم يكن هناك وجود لسلطة دينية منفصلة عن السلطة الزمنية، فالديني كان يمارس من قبل الفقهاء اللذين كان ينظر إليهم باعتبارهم سلطة لإستنباط التشريعات، وقد استقرت أربع مدارس فقهية معروفة في هذا المجال بعد أن كانت أكثر من 11 مدرسة، وهذا ينفي فكرة أن هناك سلطة دينية في الإسلام كما كان في الدين المسيحي الذي كانت الكنيسة تمارس سلطة عليا تحدد للمؤمنين سبل الخلاص وحدود الأيمان الحقيقي .

إذن هل ترى معى أن غياب السلطة الدينية بمعناها الغربى فى العالم العربى حال دون وصول الصراع الى اقصاه مثلما حدث فى الغرب؟ هذا ما نسميه بالقياس الكاذب، فأنتى تقيسين التاريخ الغربى على التاريخ العربى و كلاهما له ظروفه .

انا اريد فقط المقارنة بين الحالتين!!! هناك مفكرين يقولون يرون أنه لم يكن هناك سلطة دينية مركزية في العالم العربي يمكن أن تؤدى لثورة ضدها، وبالتالى اصبحت السلطة الدينية كأنها متشعبة في شرايين المجتمع، ليس باعتبارها سلطة ولكن باعتبارها فكر ديني، نفس الأمر عند الأخوان المسلمين حالياً لا يمكن اعتبارهم سلطة دينية بل مجرد جماعة غير مشروعة بالتعريف الرسمي للدولة، ومع ذلك يسمح لهم بمكاتب وجرائد ينشرون فيها شعاراتهم، ولهم أيضا مواقع على الإنترنت .

بل ولهم قواعدهم الشعبية أيضاً!!!! هذا غير مهم الأن، فنخن نتحدث عن المؤسسات، فعندما تأتى الدولة وتقول أنهم جماعة غير شرعية أستطيع أن أقول لها أنت كذابة، وأنت تدعى واقع وهمي . فإذا كانت الدولة تخلق واقع وهمي الآن . تخيلي كيف كان يتشكل الواقع الوهمي في الأزمان القديمة، والسؤال هنا هل الشرعية مجرد قرار من الدولة أو الحاكم، وإذا كانت كذلك، فكيف نفسر كونها أى الدولة تسهل لهم التكوين المؤسسي، فكأن الدولة تدعى خطاب يخالف طبيعة الواقع الذى تسمح به، نفس الأمر حين ندرس التاريخ، فقراءة كتب التاريخ تحوى شيئ، ولكن وقائع التاريخ لها شأن آخر، فالخطاب المكتوب به الكثير من تزيف الواقع، إذن السؤال هل عدم وجود توحيد بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية، وغياب السلطة الدينية المركزية حال دون حدوث ثورة عليها فى العالم العربى، كما حدث في الغرب؟ الإجابة لم يكن من الممكن حدوث مثل هذه الثورة لأسباب تعود إلى اختلافات جوهرية بين التاريخين، فتاريخ الدولة الرومانية يقول ان الإمبراطورية كانت قائمة بالفعل بكل مؤسساتها ونظمها عندما انتشرت داخلها المسيحية، لذلك لم يكن هناك علاقة عضوية بين السياسة والدين، ولكن عندما قرر قسطنتين أن يجعل المسيحية أحد الأديان المعترف به في الدولة، ثم أصبحت بعد ذلك الديانة الرسمية للدولة، حدث الخلط بين السياسة والدين، وتشكلت المجامع الكنسية والمسكونية وبدأت تضع قواعد، وحدث اختلاف بين هذه القواعد سواء الكنيسة الرومانية أوالكنيسة المصرية القبطية أو البروستانتينية، لكن ظلت قواعد الكنيسة الكاثوليكية هى التى تحكم الإمبراطورية الرومانية. بينما التجربة التاريخية العربية مختلفة، ظهر الإسلام ولم يكن هناك امبراطورية ولا نظام سياسى سوى الشكل القبلي وهو الذي أوجد الإمبراطورية، والمسلمين الأوائل الذين أتبعوا الرسول شكلوا قبيلة جديدة، حقا لم تكن بنفس الأسلوب التقليدى فلم تكن تربطها علاقات الدم أوالنسب، لكن تربطها علاقات أخلاقية وروحية، وقد حدث هذا التغير التاريخى في المدينة حين أصبحوا قبيلة مستقلة وسط قبائل أخرى من اليهود وغيرهم، وثيقة المدينة أقرت أنه لا تدخل في شئون الآخر، وإذا أخطأ فرد فعلى جماعته أن تعاقبه، ومنذ بداية الهجرة إلى وفاة الرسول اتخذت قرارات سياسية كثيرة مسجلة في القرآن مثل الآيات التى تآمر بقتال الأعداء أو الهادنة كلها تعبر عن نوع من القرارات السياسية المنزلة، وهنا تظهر صعوبة الفصل بين الدين والسياسة، وبذلك بدأ ما يسمى جنينية الدولة-المدينة التى تسعى الى تأسيس قيمها الأخلاقية الجديدة بعيداً عن قيم القبيلة التقليدية ،واصبح عندهم الدين بتشريعاته هو مصدر هذه القيم الجديدة.

أذن اصبح الدين هو مصدر الثقافة الجديدة لهذه الدولة الجنينية؟ نعم لذلك، نستطيع القول انه من الصعوبة فى التجربة الإسلامية المبكرة أن نميز بين السياسي والديني، حيث امتزج الأثنين، وأخذ السياسي طابع ديني بل و طابع فوقي، هذا بخلاف السلطة الدينية والسلطة السياسية، بعد ذلك قامت دول الخلافة الأموية والعباسية، ونستطيع القول أن العرب أقاموا نظامهم السياسي وإمبراطوريتهم من داخل هذه القوة الدافعة المحركة وهي الدين الإسلامي، من هنا يصعب الفصل بين السياسي والديني .

هل معنى ذلك أنه لو لم يكن ظهورالاسلام فى شبه الجزيرة لم تكن لتظهر الإمبراطورية العربية ذات الطابع الدينى الإسلامى؟ طبعاً الإسلام يمثل الوقود المحرك والحافز من ضمن حوافز تاريخية كثيرة أدت إلى تكوين هذه الإمبراطورية، وهذا يختلف عن التجربة المسيحية التي لم يكن فيها ظهور مباشر لأسس سياسية, بالعكس فالإنجيل لم يتضمن مبادئ لها طابع سياسي او تشريعى مثل " أعط ما لقيصر لقيصر وأعط ما لله لله" فالمسيحي عليه أن يطيع القيصر باعتباره الدولة، ويطيع الله باعتباره جوهر الأيمان، وهو نظام مرتبط بما هو أخلاقي وروحي أكثر من ارتباطه بما هو تشريعي، يفصل بين طاعة القيصر و طاعة الله، من هنا كانت سهولة الفصل بين الدين والسياسة في أوروبا .

إذن تتفق معى ان هذه الدولة الاسلامية شهدت منذ نشأتها اندماج السياسى والدينى دون فصل! نعم الاندماج كان بين السياسى والدينى ولكن لم يحدث ارتباط بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، وهنا علينا ان نفرق بين وضعين ففى تاريخ االمسيحية لا يوجد سياسى ودينى ولكن حدث ان ظهرت سلطتين بعد قرارات قسطنتين بوجود سلطتين، والتى استمرت حتى نجحت معركة الليبرالية والإصلاح الديني فيما بعد فى فصل السلطتين .

وهو ما لم يحدث فى التاريخ الإسلامى! لانه كما شرحت لم يكن لدينا اصلاً سلطتين .

هل يمكن اعتبار ذلك توضيحا او تفسيراً لإشكالية عدم وجود الأضداد عندنا ؟ وأن الفكر العربي قائم على التوفيق ؟ بالطبع فالتوفيق كان الهم الأكبر للفكر العربي الإسلامي منذ البداية وحتى الآن.

هل تعتقد ان هذا الميل للتوفيق مصدره الاندماج السياسي مع الديني في التجربة الإسلامية ؟ انه جزء معطى ومكون أساسي لما يسمى بالبنية السياسية الحضارية، وهنا يستحسن توضيح ان ذلك الشيء المعطى هو شئ أولى بدونه لم تكن عجلة الحركة للسياسة والثقافة والحضارة لتتحرك فهو الدافع للحضارة العربية الإسلامية.

وفى رأيك أن هذا المعطى الأولى بنيت عليه الثقافة العربية الإسلامية؟ نعم، بينما فى المقابل نجد ان المعطى الأولى في الثقافة اليونانية هو العقل، وهنا يتضح الفرق الكبير بين الثقافتين، فالثقافة اليونانية بنيت عل مجموعة من الأساطير تضمنت وجود آلهة متعددة لا يختلفون كثيرا عن البشر ويقومون بأفعال مثل البشر، لهم علاقات جنسية مع النساء نتج عنها أولاد، فزيوس كبير الآلهة قام بمثل هذه الأفعال، وقد نشأة حول هذه الأساطير أشكال من الفنون والمسرح، ومنها أيضا بدأت حركة التفلسف، وكل ذلك كان على أساس التأمل العقلي، فالعقل معطى أولى في الثقافة اليونانية. أما في الثقافة العربية فالوحي هو المعطى الأولى، وليس معنى ذلك أنه لم يكن هناك وجود للعقل بل هو موجود ايضاً، كما أن الوحي والإلهام موجود عند اليونان، ويمكن مثلا ان نجدهما بوضوح عند أفلاطون، ولكن القياس هنا للقاعدة الغالبة على هذه الثقافة فمن له الأولوية يمثل العجلة المحركة لبناء الحضارتين . هذا يوضح لماذا العقل فى الثقافة العربية هو معطى جديد وهو ما أوجد توهم التناقض لدى الكثيرين بوجود تناقض او تعارض بينه وبين الوحي، وكان لابد من قيام العديد من المحاولات للتوفيق بينهما في كل العصور الإسلامية، ولكن هذه المشكلة أخذت تتضخم بشكل كبير في العصر الحديث بين الحداثة و التراث، بين المفاهيم الحداثية و تلك الدينية.
هل تعتقد أن التوفيق هو الحل الأمثل لهذه الإشكالية أم أن نقد التراث وبناء حداثة على أسس جديدة هو ما تحتاجه الثقافة العربية؟ أنا فعلا قمت بمحاولة في هذا الصدد وذلك بتوجيه النقد للتراث، فلا يمكن أن يكون هنا توفيق خلاق بدون نقد، ليس للتراث فقط بل للحداثة أيضا، فالحداثة تتعرض للنقد والتفنيد بشكل دائم في أوروبا، لكن التناقض المحتدم لدينا سببه أننا مازلنا نتعامل مع التراث كمعطى جاهز من الماضي دون نقد، والحداثه كمعطى جاهز من الغرب دون نقد أيضاً، مما اوجد مشكلة ستظل موجودة ما لم يتم نقد هذه المعطيات وتفنيدها هذا على المستوى الفكرى. أما على مستوى العلاقات المجتمعية، السياسية و الاقتصادية لن يتحقق حل لهذه المشكلة بدون ان تصبح هذه المجتماعات العربية جزء فاعل لا يتجزأ من المجتمعات العالمية و ليس مجرد جزء مستقبل، جزء مشارك و ليس جزء متأثر. بمعنى وجود اقتصاد منتج يمكن أن ينافس في السوق العالمية كي نستطيع الحوار مع كبار الاقتصاديين في العالم.

ألا تعتقد ان النمور الآسيوية أصبحت جزء فاعل فى الاقتصاد العالمى؟ لم يحدث ذلك هذه مجرد أوهام، قد يكون قد حدث بعض النمو الاقتصادي وتحسن على مستوى الدخل العام من خلال بعض الصناعات الاستهلاكية وليس الصناعات الإنتاجية، لذلك فهو معرض للسقوط فى اى وقت كما حدث فعلا فى وقت سابق، إذن بدون أقامة اقتصاد إنتاجي حقيقي يكون الأمر مجرد سمسرة، كما هو حادث في البترول العربي الذي قد يكون قد وفر لبعض البلدان ثروات باهظة ولكن ماذا فعلت بهذه الثروات، وضعتها في البنوك الأجنبية، فإذا حدثت أية هزات في السوق العالمي تهبط عملات هذه البلدان، ولكن لو أن هذه الثروات استثمرت في صناعات إنتاجية لكانت هذه البلدان قد دخلت إلى عالم الدول الصناعية الكبرى.

من أجل تحقيق ذلك لابد من وجود تنمية سياسية تجعل هذه النظم تضع رؤى استراتيجية فما رأيك؟ من هنا تظهر أهمية العلاقة بين التغير الثقافي والتغير السياسي والاقتصادي ومن له الأولوية، فهذه العلاقة لا تتوقف على مجرد البدء بالتغير الثقافي، فليس صحيحا أن الثورة الثقافية لابد ان تحقق الثورة الواقعية او العكس، لكن الأصح أن يتم كل ذلك في وقت واحد.

لكن الحياة هى حالة من الفعل ورد الفعل؟ لا، الحياة تخطيط وليس مجرد فعل ورد فعل، والتخطيط قائم عل وجود ثقافة تؤمن به، وتؤمن بفاعلية الإنسان وأن العلاقة بينه وبين الطبيعة علاقة عمل، من هنا فإن سؤال من أين نبدأ؟ إجابته الوحيدة أن نعمل في كل هذه القضايا معاً دون تأجيل أية قضية منها.

قد يكون تعارض بعض المصالح وراء تأجيل بعض هذه القضايا لصالح أخرى؟ مؤكد أنه في وجود ليبرالية إقتصادية لا حدود لها ولا توازيها ولو بنسبة 1% حرية فكرية فأن ذلك لا يمكن أن يحدث، فمثلاً فى الغرب الليبرالية الفكرية هي التي خلقت الليبرالية الاقتصادية، بينما عندنا لم تستطيع الليبرالية الاقتصادية خلق نفس القدر من الليبرالية الفكرية، ذلك لأنها ليبرالية اقتصادية غير إنتاجية بل استهلاكية، ربما حدث فى مصر بعض محاولات للتصنيع مع أنشاء السد العالي لكنها لم تصل لتحقيق أهدافها .

تجولنا فى حديثنا بين مصر والدول العربية ثم عدنا الى مصر ألا تعتقد معى ان التجربة المصرية أكثر تطورا من مثيلاتها فى المنطقة العربية؟ في البداية كانت التجربة المصرية فعلاً أكثر تطورا وقد تأثرت الدول العربية بالتجربة المصرية بدرجات متفاوتة .

ألا تعتقد أن تأثر دول الخليج العربى تحديداً بالتجربة المصرية كان ضعيفاً لحداً كبير؟ هذا لم يمنع أنها تأثرت بمعطيات الثقافة المصرية فى كل الاحوال، لكن هذا التأثر تراجع فى السبعينيات بعد ارتفاع سعر النفط، و حدث العكس حيث اصبحت مصر هى المتأثرة بتقافة تلك الدول لاسباب نعرفها جميعاً.

لى ملاحظة على التاريخ العربى وهى ان مراكز الخلافة كانت دوماً خارج الجزيرة العربية بعيدة عن شبه الجزيرة و دول الخليج مما ساعد هذه المجتمعات على الاستمرار قبلية تقليدية فما رأيك؟ طبعا كانت الخلافة نقلة نوعية لنمط المجتمع الذى سعى العرب لخلقه فى تلك الفترة المبكرة من دولتهم فلم تكن شبه الجزيرة تصلح لهذه النقلة النوعية الجديدة.

إلى أي حد ترى أن الغزوات الإسلامية استفادت من الحضارات التي استولت عليها؟ وهل حدث تفاعل بين ثقافات هذه الحضارات والثقافة العربية ؟ التفاعل بين العرب وهذه الحضارات كان سابق للإسلام .

لكن حدثت نقلة بعد الإسلام واستطاع العرب بناء القصور ووضع أسس ونظم وعلوم جديدة . طبعا هذه الغزوات أحدثت تفاعل أكثر وأدت لوجود أفكار أخري .

لكن تاريخياً الحضارة المصرية قبل مجيئ العرب اليها كانت لها خصائص اجتماعية وثقافية منفتحة وأكثر تطوراً، ومع ذلك تأثرت بالمفاهيم البدوية بدرجة أكبر بعد دخول العرب، نفس الشيئ الحضارات الأخرى مثل الحضارة الفينيقية فى الشام والعراقية، تأثرت بالقادم أكثر من استمرار تراثها الحضارى الأكتر تطوراً. لا اختلف معك فقد ظل التفاعل الحضاري موجود، ودراسة الفكر الإسلامي في مصر حتى عصر الركود توضح أن الأمر كان مغاير لما حدث في العراق مثلاً.

إذن ايهما فى رأيك كان أكثر تأثيراً فى الآخر، الثقافة الفرعونية أم ثقافة القبلية بعد قدوم العرب والإسلام لمصر؟ الثقافة المصرية كان لها أثر وأحدثت تغيير، ولكن حدث انتصار للدين كعقيدة ومفاهيم وليس كثقافة، حيث أن الدين نفسه يتشكل ثقافيا، فالدين كمعطى يمكن أن يتضمن بعض البذور الثقافية، ولكنها تكون محتاجة للماء والهواء كي تتنفس وتتفتح، والماء والهواء هو الاحتكاك بالثقافات الأخرى . ولكن التحول لما تسميه إنتي بالتراث حدث مع حركة المد الاستعماري، هذا ما أوجد مشكلة الهوية التي سبق لنا الحديث عنها، وأزمة الهوية تؤدى إلى تزايد الاختلاف والتمييز، فأنتي لكي شكل معين وأنا أريد أن أميز نفسي عنك فأقوم بتغيير مظهري كي أحقق الاختلاف، وأزمة الهوية تدخل على ما يسمى بتدرج منحنى الاختلاف وليس منحنى التشابه، فما الذي يحدث الاختلاف، الأساس الديني، وبهذا يتم تلخيص الأساس الديني، وهذا ما حدث مع مشكلة الهوية عندنا.

هل تعتقد ان اللغة العربية و الدين الاسلامى يعدا عاملين كافيين لتشكيل ثقافة عربية و من ثم قومية عربية منفردة بين القوميات الأخرى؟ كما سبق وذكرت فالثقافة العربية تحوى فى داخلها ثقافات اخرى نوعية هى تلك الاسبق تاريخياً والتى دخل عليها الاسلام بالغته العربية، لكن المشكلة انه عندما تشكلت هذه القومية العربية بين دول المنطقة العربية و فى فترة زمنية معينة و لحسابات سياسية تم تجاهل القوميات و الثقافات الاخرى لحساب شعارات ايدولوجية مثل الوحدة العربية و امجاد العرب ومن ثم تجاهلت الاختلافات النوعية داخل الثقافة العربية لدول المنطقة.
بينما فى المقابل نجد ان الوحدة الاوروبية لم تتجاهل هذه الاختلافات النوعية داخل الثقافة الاوربية عندما دعت لتلك الوحدة، فتدرجت فيها من المستوى الاقتصادى الى المستوى السياسى.

هناك من يرى ان القومية العربية كتيار سياسى منذ ظهورها فى العصر الحديث لا تعتمد على عامل الدين بل على العكس فهى تعتبره عامل ثانوى. فى رأيى ان الفكر العربى القومى لم يستبعد الدين، بل يمكن القول انه تم صبغ الاسلام بصبغة قوموية عروبية، بمعنى اخر اعتبار الاسلام دين عربى، فلم يكن لأى مشروع حداثى فى تلك الفترة ان ينجح اذا ما استبعاد التراث الدينى. وعليكى برجوع فى هذا الشأن الى المصادر الاصلية لكتابات ساطع الحصرى.

كيف وفكرة القومية فى ذاتها هى فكرة علمانية؟ العلمانية العربية لم تكن ابدأً فى جوهرها مناقضة للدين، ربما يأتى هذا اللبث لان ثمة احكام تصدر مؤخراً بان كل ما هو عالمانى هو بالضرورة ضد الدين، هذه الاحكام لابد من التعامل معها بحذر. فالعلمانية ببساطة تعنى الاهتمام بشئون العالم وليس الاهتمام بشئون السماء. العلمانية الغربية عنما قامت بفصل الدين عن الدولة كانت تعنى فصل الكنيسة عن الدولة فالكنيسة فى المفهوم الاروربى هى الدين. والكنيسة مهمتها الاهتمام بشئون الاخرة، بينما شئون العالم الارضى الانسان والطبيعة فهى مهمة العلم و العقل و النقد.

الثقافة العربية فى فضاء اسلامى هذه العبارة وردت فى حديثك فماذا تعنى بها تحديداً؟ الفضاء الاسلامى يعنى عندى كل المجتمعات ذات اغلبية اسلامية و بالتالى الفضاء العربى هو جزء من هذا الفضاء الاسلامى. والعلاقة بين الاثنين يحكمها عناصر مشتركة اهمها الدين و ليس اللغة. ورغم ان الفضاء العربى يشكل اقلية داخل الفضاء الاسلامى، حيث تعداد الدول العربية المسلمة جميعاً لا يساوى عدد المسلمين فى اندونسيا مثلاً او فى شبه القارة الهندية، الا ان العربى يتصور بما ان الاسلام لغته عربية وان الرسول عربى العرق اذن فهو اى العربى وحده الاصلح لفهم الاسلام من باقى المجتمعات غير العربية المشتركة معه فى الفضاء الاسلامى، وهو ما يشكل ازمة خطير فى العلاقة بين الفضاء العربى و الفضاء الاسلامى حيث نلاحظ ان المسلم غير العربى حريص على فهم الفكر الاسلامى عند العربى بينما العربى غير مهتم او معنى بفهم الفكر الاسلامى عند غير العربى. وهذا ينعكس بالضرورة فى العلاقة السلبية بين الفضاء العربى و الفضاء الاسلامى. فمثلا مازال العربى ينظر للفارسى باعتباره الأخر و ينظر الى الأندونيسى باعتباره لا يفهم الدين لانه لا يتكلم العربية. رغم ان الخطاب العام يتحدث دوما عن امة اسلامية واحدة، لكن هذا فى الحقيقة غير موجود ولو حتى على المستوى الفكرى. فما بالك على المستوى السياسي فالمسألة اكثر اشتباكاً وسلبية، انظرى مثلاً العلاقة بين حزب الله و حماس الاول لبنانى عربى شيعى فهو ليس دينى اممى والثانى فلسطينى سنى ينتمى الى الأخوان فهو دينى اممى ورغم ان كلاهما ينتمى لطائفة مختلفة والعلاقة بينهم نضالية لكن كلاهما يتحالف مع ايران لاسباب سياسية، ايضاً سوريا العربية تتحالف مع ايران، اما السعودية ومصر فيتحالفوا معاً ضد هؤلاء جميعاً. مما يعنى ان المشهد السياسى دوماً يطغى على المشهد الفكرى والثقافى فى تحديد العلاقة بين الفضاء الاسلامى و الفضاء العربى. و بالتالى فان تصحيح هذه العلاقة يحتاج الى ثورة ثقافية وفكرية.








#آيات_الميهى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - آيات الميهى - نصر حامد أبو زيد - حوار مختلف مع عالم مختلف