طارق عبد الله الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3417 - 2011 / 7 / 5 - 08:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا أردنا استعراض المفاصل التاريخية التي مرت بها المنطقة فإننا سنعرج حتماً بطريقنا لنستعير (نكاشة البابور) التي يستخدمها أساتذة التاريخ في تعليم طلابهم، إذ يكررون القول ها هو ذا التاريخ يعيد نفسه.
ولنترك تنظيف الذاكرة فردياً ليستعير كل واحد (نكاشته) بنفسه وندلف فوراً إلى القول إن اليسار هو من عاد ليكون حطب كل مرحلة كما كان للأسف حطب هذه المرحلة.
من ثورة الخميني وحزب توده، إلى الضباط الأحرار في مصر، إلى سورية المتقدمة على كل التجارب التي يتغنى الكثيرون بالتجربة (الديمقراطية) في الخمسينيات من قرنها المنصرم.
نعم لننعش الذاكرة معاً هذه المرة، فقد عاشت القوى السياسية السورية منذ الاستقلال حياة خاضت فيها تجارب متنوعة، كانت معظم القوى والتيارات تلعب دوراً ما على الساحة، وكانت تبلور تجاربها. لكنها في غمرة نضالها من أجل نجاحها الخاص لم تكن تعي أن استهداف القوى الأخرى التي تختلف عنها فكرياً لكنها كثيراً ما تلتقي معها في الأهداف تحت سقف الوطن، سيكون استهدافاً لها واستهدافاً للتجربة برمتها فيما بعد، ثم هو استهداف الوطن بكامله كما ظهر مؤخراً. ومع ذلك فقد مشى الكثير من اليساريين في مقدمة هذه الحالة، وهم لا يشكلون أكثر من فتيل لبرميل البارود ولا يعرفون من كتلته الكبرى حتى أسماء قياداته الحقيقية أو الفاعلة.
وبمراجعة بسيطة يمكن أن ندرك أن تلك القوى الحقيقية المتوارية والتي تشكل برميل البارود، ولا تملك شرعية إشعاله وتحتاج إلى الفتيل، كانت هي على طول الفترة السابقة أكبر المستفيدين من كل الحالة السائدة، وجمعت الثروات الهائلة من امتيازات هائلة وسياسات اقتصادية انقلابية على كل ما كسب الشعب من خلال نضاله الطويل. ولم يكن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم وحده من طالب بها، لكنه مع غيره من القوى الوطنية عمل وحقق باتجاهها الكثير. ومن الضروري التنبيه إلى أن الكتلة الكبرى التي تدفع بالمحتجين إلى الواجهة، وهم الفقراء المهمشون وهم أساساً ضحية السياسات الليبرالية التي انقلبت على مبادئ الكتلة الحاكمة فعلاً بأدواتها، هي مع الأسف، وهذه من أهم وأخطر خطايا وليس فقط أخطاء المرحلة السابقة. وأريد هنا أن أنبه إلى بعض مؤشرات المكتسبات ليس من باب المديح أو تعداد الإيجابيات، لأن هذا خطاب باهت. ولكن من باب التنبيه إلى معرفة الحقوق التي برأيي ستكون أول الأمور المستهدفة للقوة الليبرالية. ولا أجافي الحقيقة إذ أقول أيضاً إنها هدف للقوى الإمبريالية التي تصفق عالياً لهذه الحالة التي تشهدها سورية ممثلة بدول الناتو وهو ما نراه جميعاً.
فليخبرونا عن أي برنامج وضعوا للمحافظة على خمسة ملايين ونصف مليون طالب تحت التعليم المجاني، وعن رغيف خبز يومي يوزع على ثلاثة وعشرين مليوناً من السكان يتسع ليرات للكيلو، وعن حزمة من الحقوق التي أكرر أني لا أستعرضها في باب كيل المديح، لكني أحذر أني أخاف عليها فعلاً. وبالمناسبة وللتنبيه فإني أخاف عليها فعلاً حتى مع سيناريو (الإصلاح تحـــــــــت الضغط)، وإمكان صعود قوى تشتري المقاعد الانتخابية في همروجــــــــــة انتخابية يصفق لها الغرب ويدعمها الخليج مالياً. ومن أخطر مؤشراتها التي أنبه إليها لمن يقرأ مسودة قانون الانتخابات المعروض، والتي (تعاقب) المرشح الذي يدفع الرشا لشــــــــــــــــــــــــراء الأصوات، أو يحتفظ ببطاقات انتخــــــــــــابية بدفع خمسة وعشرين ألف ليرة ســــــــــــــــورية. مع علمنا أن الغرب رصد فــــــــــــوق مئة وستين مليار دولار للحرب الناعمة وتغيير الحكومات التي تناصره وتعاديه بـ ميكروحكومات ليبرالية متناحرة تتخذه حكماً لنزاعاتها المزمنة، وتعيش على قروض المصرف الدولي وسياساته، بطريقة الحزب الديمقراطي التي أعادت تسويق أمريكا بعد أن كادت نِعال الزيدي تلامس خد جورج بوش.
تعالوا نتفق على أن الإصلاح يبدأ من سماح الدولة بوجود حياة سياسية ناشطة في الوطن تسمح بفتح المنتديات التي يتم فيها صقل الفكر وتثقيف الشباب وتوعيتهم وإتاحة الفرصة أمامهم لاختيار النهج السياسي الذي يريدون اتباعه. وقد يغيروه ولكنهم يأخذون الفرصة للتعبير عن فكرهم، ويتم من خلال ذلك تفعيل عمل الأحزاب ونشاطها بين الأفراد وتأسيس أحزاب جديدة، ثم تظهير كل القوى الفاعلة على مساحة الوطن بكونها قوى ذات برامج تنتخب على أساسها وليس أفراداً ينتخبون على أساس الانتماء الطائفي أو العشائري أو القوة المالية قبل الانتخاب تحت مسميات عديدة، وتسمى في النهاية بعرف الغرب حكم صندوق الاقتراع.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟