أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رشيد بوطيب - التفكير في زمن التحرير















المزيد.....

التفكير في زمن التحرير


رشيد بوطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3415 - 2011 / 7 / 3 - 19:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كيف يمكننا أن نفكر في الثورة؟ طبعا ليس بالطريقة التي فكر بها المثقف العربي المستقيل. وسأقدم في هذا السياق نماذج عن أشكال الاستقالة الفكرية للمثقف العربي اليوم، أجزم أنها تساعدنا على بحث سؤال التفكير في الثورة وهل تحتاج الثورة فعلا إلى تفكير يرافقها، ويوسع من آفاقها ـ و توسع آفاقه ـ ويترجمها أفكارا وقيما ودروسا؟ لكن لنعد إلى المثقفين العرب المعاصرين، الذين لا يمثلون، وعلى مختلف أطيافهم، إلا جزءا من النظام القديم، الذي قامت الثورة الشعبية ضده، والذين يتوجب بالتالي على فكر الثورة أن ينتقدهم ويفكك أوهامهم وينقض منطقهم، فالمثقف المتخلف، يفهم الثقافة ودورها المعرفي والسياسي والمجتمعي، بشكل متخلف، وضد هذا التخلف قامت وتقوم وستقوم الثورة.
دعوني أبدأ بأحد رموز الفكر المستقيل في الثقافة العربية المعاصرة، وليعذرني إن حدث ووقع هذا المقال بين يديه، فجدار الخوف تحطم. إنه مفكر شغل الناس وأقام الدنيا، لكنه لم يفهمها، فقعدت فوق رأسه وهوت بعقله، أو بما تبقى منه، أسفل سافلين، وأعني حسن حنفي. ففي مقال يحمل عنوانا طلسميا ـ ولن أقول عنه أكثر من ذلك ـ : "ّيقظة المارد"، يكتب حسن حنفي قائلا:" ونزل الجيش الذي قاد ثورة يوليو متضامنا مع الشعب وحارسا لمصالحه، ومؤيدا لمطالبه"رب سائل: متى كان الإنقلاب العسكري ثورة؟ أو ليست "ثورة" يوليو هي من فرخت حكاما مثل حسني مبارك وغيره في المنطقة العربية؟ ألم يكن مبارك رجل الجيش؟ وألا نظلم ثورة الشعب المصري حين نقارن ثورته الشعبية العظيمة والجميلة والمبدعة، بانقلاب عسكري رديء؟ أما التضامن الحقيقي للجيش مع الشعب، فيكون في عودته إلى ثكناته وابتعاده عن التدخل في الحياة السياسية، فذاك ما يريده الشعب ليس أكثر. فالثكنات لا تصنع ثورات، والجيوش لحماية البلاد والعباد وليس لحماية الرئيس أو الملك أو شيخ القبيلة، أو للالتفاف على ثورة الشعب وخبزه. إن الشعب بثورته، يقول حسن حنفي، يجدد العهد مع "الناصرية الشعبية التي ما زالت في القلوب، ويحن إليها الناس، عصر العزة والكرامة والعدالة الاجتماعية". كلمات يندى لها الجبين، وقد لا تستحق أن نتوقف عندها، ولكنها مع ذلك كلمات في غاية الخطورة، لأنها تثبت من جهة عقم المفكر العربي وبلادة خياله وضمور حسه التاريخي وغربته عن الواقع وارتباطه المرضي بالأوهام والأوثان والأكفان، فهل كانت الناصرية شعبية أم شعبوية؟ وكيف يمكنها أن تستمر في القلوب إلا كمدية صدئة أو جرح عميق لم يندمل حتى يومنا هذا، وعن أي عزة وهي الهزيمة عينها، وعن أي عدالة وهي الظلم ذاته، وهي التي قمعت كل أشكال الاختلاف السياسي والثقافي وأغلقت الباب أمام الحريات وأمام الأحزاب وأمام التعددية؟ ألم أقل لكم، بأنه مثقف عربي مستقيل؟ ولعمري إن هذا المثقف جزء من المشكلة لا جزءا من الحل، وإنه يجب أن يرحل مع النظام القديم؟ " إنها ثورة يوليو من جديد بعد ستين عاما..." يقول حسن حنفي، وهو يفرغ، من حيث لا يشعر، الثورة من أهم ما قامت من أجله، حرية الشعب ورغبته في أن يعيش ككل الشعوب المتحضرة، بعيدا عن عسف العسكر وعصف الأيديولوجيات القومجية التي تعتبر المسؤول الرئيس وليس غيرها عن الطائفية والعرقية والديكتاتورية والهمجية... حسن حنفي، إرحل.. فالثورة خلفتك خلفها، أنت وغيرك، وأمثالك كثير، مثقفون "كبار"، مثل حكامنا الكبار، لكن أعود وأقول إنه التخلف، وتجاوز التخلف يقتضي تفكيك فكر التخلف أيضا، الذي يمثله في رأيي ثلاثة أنواع من أشباه المثقفين: الأصولي والإستئصالي والوصولي، وإذا حسبنا حسن حنفي على الأصولي، فهو مريض بالعودة إلى الأصول بمختلف أشكالها، الشرعي منها والمافيوزي، فإن أفضل من يمثل نموذج الإستئصالي، هذه العاهة المستديمة في ثقافتنا المستقيلة هو عزيز العظمة وقد نضع إلى جانبه الشاعر ـ سابقا ـ أدونيس، والذي أعلن رفضه لثورة تخرج من الجوامع، كما لو أن الحضارة الإسلامية لم تخرج من الجامع، وكما لو أن الإسلام طاعون قاتل وليس دين ارتقى بالعرب من القبيلة إلى الأمة ومن مجرد قطاع طرق إلى بناة حضارة. شطحات أدونيس نعرفها، مملة وفارغة ومضحكة، بل وتبعث أحيانا على الشفقة، وهي في كل مرة تفضح غطرسته وتضخم أناه، إنه أقرب المثقفين العرب إلى الحاكم العربي، سواء في احتقاره للجماهير أو في أنويته وصممه. ولو أنه اطلع قليلا ـ وأنصحه بذلك ـ على كتابات الفلاسفة اليهود كهرمان كوهين ومارتين بوبر وفرانز روزنتسفايغ أو على كتابات فلاسفة مسيحيين كغابرييل مارسيل أو إمانويل مونييه، ولو أنه قرأ محمد عزيز لحبابي، لأدرك بأن هناك أكثر من قراءة للدين وأنه لا يتوجب بالتالي اختزاله في الأصولية والتخلف. إلا أنه شاعر، والشعراء يهيمون ولا يفكرون. لكن لنتوقف الآن عند بعض ما احتواه مقال استئصالي آخر هو عزيز العظمة، يحمل عنوان:"الآنتفاضات العربية في لحظتها السورية". إنه يدعونا للتنبه لأمرين، الأمر الأول ينعته بالتفاؤل الساذج، أو" التفاؤل الرومانسي، الغنائي الذي يجد في هدير الجماهير علامة على حتمية خلاص له التمام". إسمعوا كيف يتحدث هذا الفيلذوق الصغير عن الجماهير التي خرجت إلى الشوارع تطالب بكرامتها، هو يسمي ثورتها هديرا، وبلغة أخرى إنه يريد أن يقول لنا، إن الجماهير لا تفكر وإنها لا تعرف ما تقوم به ولا تفرق بين الصواب والخطأ، إنها مجرد عواطف بدائية، ساذجة، مجرد زعيق. إن هذا موقف كل مفكر لا يفكر، أو مفكر مستقيل تاريخيا، لأن الثورات لا تصنعها النظريات وإنما الكفاح الجماهيري والخروج إلى الشوارع ومهاجمة رموز القهر، وهذا ما فعلته الجماهير في تونس ومصر وسوريا... لم يكن مجرد زعيق وهدير وإنما علمتنا هذه الجماهير، التي درج الاستئصاليون على ربطها بالرجعية والتخلف والبدائية، بأنها ابنة عصرها وأنها سيدة مصيرها وأنها قادرة، رغم أنف كل النظريات والدبابات وأسلحة القهر، أن تقلب المعادلة التاريخية وأن تجترح تاريخا جديدا لها، تكون هي سيدته وهي مصيره. فبالنسبة لفيلذوقنا الصغير ما يحدث هو مجرد هبات ـ هنات هينات ـ وانتفاضات ولا يرقى لمستوى الثورة، لكن المدهش فيما كتبه هو تشككه بدور الديمقراطية في حل مشاكل المنطقة. ولا أعرف كيف يمكن لمفكر يدعي الحداثة والدفاع عنها، التشكك بأهمية الديمقراطية وقدرتها على وضع اللبنات الأساسية لمجتمع العدالة والحرية. بل إنه يفضح ميولاته الفاشية وهو يعطي الدولة أكثر مما تستحق، ويعتبرها "الجامع الأساسي للمواطن والمواطنة"، فيجعلنا بذلك في خدمة الدولة، وليس الدولة في خدمة المجتمع، متناسيا بأن الدولة بدون ديمقراطية، أشبه بحديقة حيوانات، قد تسع الحيوانات كلها ولكن لن يسمع فيها سوى زئير الأسد وهديره. ولا يخجل العظمة من أن يستعمل الفزاعة نفسها التي استعملها حاكم مثل بن علي أو مبارك، وأعني الإسلام السياسي، ويرى بأن مصير المنطقة تحالف بين العسكر والإسلاميين. وهو بذلك يظلم الجماهير مرتين، فهو في البداية يراها عمياء، بدائية، لا تحسن سوى الهدير وهو هنا يتهمها بالغباء، فهي قامت بالثورة ليخطفها منها الإسلاميون. ويتناسى بأن الإسلاميين شأنهم شأن الإستئصاليين جزء من النظام القديم، وأن الدين وحده لا يكفي لإطعام الجوعى ولم تكن يوما تلك مهمته، لأن الجوعى باتو يطالبون اليوم بما هو أكثر من الخبز، إنهم يطالبون بالحرية، حتى ولو كان الموت سبيلها الوحيد. لقد تحررت الجماهير من الخوف، ومتى يتحرر الإنسان من الخوف لا يحتاج بعدها إلى سلطة. أما الوصوليون فهم نموذج للأعشاب الضارة التي تنبت، كما قال غرامشي، بعد انهيار نظام قديم وقبل ظهور نظام جديد. فكلما أشعلت جهاز تلفزيون أو فتحت صفحات جريدة أو استمعت لبرنامج إذاعي، أجدهم أمامي. وقد تجد أحدهم في أيام الديكتاتورية لا يجرؤ على قول كلمة نقد في حق سفير أو وزير، بل وفي حق زوجة سفير، ليتحول بعد الثورة إلى متحدث بإسم الجماهير، حارس لإنجازاتها، وهي فصيلة تنتشر خصوصا في ميدان الصحافة والإعلام، وفي القنوات التلفزيونية العربية عموما، التي هي جزء من التخلف ومكرس له، فمتى كان لرجل الدين أن يتحدث في السياسة، ومكانه المسجد وكلامه الموعظة الحسنة وليس الصراخ والزعيق وتوزيع شهادات حسن السيرة والسلوك على حكام دون حكام، وكيف يتحدث مفكر، ولا أعرف من أين له هذا اللقب، عن الدستور المغربي الجديد، مستهزءا بتضمنه لكلمة "عبري" ومدعيا بأن المغاربة لا يفهمونها، فهل سألني وهل سألكم وهل قرأ حاييم الزعفراني وألف سنة من حياة اليهود في المغرب.. إنه جزء من الأعشاب الضارة التي طفت بين عشية وضحاها على السطح، إن لم يكن أكثرها فتكا، ولن تكتمل الثورة إلا ضد سمومها التي تنتشر في كل مكان.



#رشيد_بوطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى النطق


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رشيد بوطيب - التفكير في زمن التحرير