أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاء الدين محمد - الثورة والديمقراطية















المزيد.....



الثورة والديمقراطية


بهاء الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3406 - 2011 / 6 / 24 - 21:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورة والديمقراطية
أهتم علماء السياسة والإجتماع بتحليل الثورات، أو بعلم الثورة «Revolutionology» وذلك من أجل شرح مراحل الثورة/ مراحل العملية الثورية. وعلي الرغم من صعوبة التنبؤ بالثورات إلا أن هناك عديد من المؤشرات التي تدل علي إمكانية حدوثها ولكنها غير كافية للتنبؤ بها؛ حيث أن الثورات أحداث إنسانية فريدة وتاريخية تتطلب سياق وظروف ومقدمات فريدة أيضا. وهذا البحث لا يهدف إلي دراسة «الثورة» دراسة شاملة، ولكنه يركز في دراستها علي علاقتها بالديمقراطية. إذن تنطلق المقالة من سؤال رئيس هو ماهي العلاقة بين الثورة والديمقراطية؟ وهل غياب الديمقراطية سبب يؤدي إلي الثورة؟ وهل تؤدي الثورات إلي ديمقراطيات؟ وفي سبيل الإجابة عن تلك التساؤلات البحثية يختبر البحث مفاهيم الثورة والديمقراطية وطبيعة العلاقة بينهما، ويشرح الثورة كنتيجة لغياب الديمقراطية، ويفسر كيف يأتي النظام الديمقراطي كنتيجة للثورة. تلك الإجابة لا تعتمد فقط علي تحليل المقولات والإفتراضات النظرية وإتجاهات العلاقة بين الظاهرتين، ولكن أيضا يعتمد علي الأدلة والأمثلة التجربيبة التطبيقية. وسوف يركز البحث علي إمكانية تحقيق الديمقراطية بعد الثورات كأحد أوجه العلاقة بين الثورة والديمقراطية مع التطبيق علي الحالة المصرية.

الثورة: مقدمة مفاهيمية
الثورة لغوياً مصدرها ثار وجمعها ثورات. ويمكن تعريفها بأنها تغيير جذري مفاجئ وجوهري وعنيف في الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية القائمة. وتعرفها أحد موسوعات المصطلحات السياسية بأنها "الثورة مصطلح يقصد به التحول الجذري في التكوينات الإجتماعية والسياسية والنظام العام وفي العلاقات والخبرات المتبادلة بين الناس، وقد يقصد به التغيير الدائري الذي يكشف عن أنماط جديدة، والثورة مصطلح يقصد به الآن مقاومة نظام الملكية ذاته، وليس مجرد التمرد والعصيان، وهناك الثورة الجماهيرية والثورة الشعبية والثورة الطبقية. "(1).
وتعرفها موسوعة أخري علي أنها"«تغيرات مفاجئة وجذرية، تتم في الظروف الإجتماعية والسياسية، أي عندما يتم تغيير حكم قائم –والنظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له- بصورة فجائية، وأحياناً عنيفة بحكم آخر». أو«تغيرات ذات طابع جذري (راديكالي) غير سياسية، حتي وإن تمت هذه التغيرات ببطء ودون عنف (كما هو الحال عندما نقول ثورة علمية، ثورة فنية، ثورة ثقافية، فإن هذه التغيرات المعاصرة تستخدم لوصف تغيرات شاملة في مجالات متعددة من الحياة)».(2)".
وتاريخ الثورات يؤكد انها تؤدي غالبا الي تغيير تاريخي مثلما حولت الثورة الفرنسية النظام الملكي الي نظام جمهوري، وكذلك فعلت ثورة يوليو 1952 في مصر. وتحدث الثورة غالبا في مجتمعات يسودها الإستبداد والفساد والظلم وتراجع او إنعدام حرية الأفراد.


من أهم التفسيرات الشائعة للثورات(1):
1- هناك تفسير متفائل يري ان الثورات السياسية والاجتماعية الكبري هي أحد أدوات التقدم «الحتمي» للبشرية نحو مجتمع تسوده الحرية والاستقلال الذاتي في الحكم والتناغم والمساواة.وهذا الاتجاه يربط بين الثورة والديمقراطية حيث ان إتجاه «الديمقراطية الليبرالية» في تفسير الثورات تعتبر أن الثورات لا تكون تقدمية إلا اذا كانت موجهة ضد الحكام المستبدين، وهادفة إلي إقامة مجتمع حر ديمقراطي.
2- أما التفسير «التشاؤمي» أصحاب هذا الإتجاه –من أصحاب الذهنية الإقطاعية/الملكية/ اللاهوتية/التقليدية- يرون أن الثورات ما هي إلا إنفجارات بربرية خارجة عن السيطرة، وإنفعالات جماهيرية مدمرة.
3- أما أصحاب التفسير السوسيولوجي يرون أن أي تغيير فجائي وعنيف، في نظام الحكم والمجتمع، يشكل «ثورة» طالما أن الحركة السياسية التي قامت بهذا التغيير كانت تتمتع بتأييد عريض من الشعب.
4- هناك تفسير حديث يعارض التفسيرات السابقة ويري ان الثورة شئ يتسم بالفجائية والتنافض، وينفجر فيه اللاشعور الجمعي لشعب من الشعوب، وبكل ما ينطوي عليه من عوامل تقدمية ورجعية. ويري هذا التفسير أن كل ما في الثورة فوضي.
وبصفة عامة ترتبط الأفكار الثورة بنظريات «المساواة الطبيعية» بين البشر، و«السيادة الشعبية» و«الحقوق الطبيعية» أو ترتبط بضرورات إقتصادية و «الصراع الطبقي» وفق النظرية الماركسية. ومن المعروف أن حتي الماركسية-اللينينية قد ربطت بين ثورة البروليتاريا و «ديمقراطية البروليتاريا» والتي يعتبرها لينين ديمقراطية أكثر مليون مرة من ديمقراطية البرجوازية التي يصفها بأنها «ديمقراطية زائفة» ولكن التطبيق العملي لأفكار لينين أدي إلي «الشمولية»، وكذلك جعلت ثورة 1952 من « إقامة حياة ديمقراطية سليمة» أحد مبادئها ولكنها فشلت في تحقيق حياة ديمقراطية حقيقية.
مراحل الثورة:
1- مرحلة الآمال الطوباوية الكبري التي يدعو فيها الثوريون إلي الكمال، وهي مرحلة لا تدوم طويلاً.
2- مرحلة الإنقسام بين معتدلين ومتطرفين، وتنتهي بهزيمة المعتدلين وصعود المتطرفين وتركيز السلطة بأيديهم، ومن ثم إستخدام العنف.
3- مرحلة بذل الجهود المضنية لتحقيق الأهداف الثورية.
4- فترة نقاهة تخف فيها الحماسة الثورية المفرطة وينتهي الحال الي تنصيب رجل قوي لا يزال به الحماسة الثوية.
5- هي فترة حكم هذا الرجل.
وتدريجيا تعود المشكلات القديمة للظهور.
العلاقة بين الثورة والديمقراطية
يمكن الإشارة إلي بعض الثورات كأمثلة(2):
الثورة الإنجليزية 1688:
جاءت هذه الثورة بعد سنوات من الحرب الأهلية، وأستبدلت سلطة أرستقراطية ملاك الأراضي بسلطة ملكية تحكم بالحق الإلهي. وعليه فإن هذه الثورة لم تكن لها علاقة بالديمقراطية ولكنها علي العكس كانت تؤسس للحكم المطلق.
الثورة الأمريكية 1783:
وقد كانت ثورة تحرر وطني احلت الحكم الرئاسي الوطني المنتخب محل الحكم الإمبريالي الخارجي، وقد قامت بها البرجوازية الوطنية. وقد كانت هذه الثورة خطوة في سبيل وضع الدستور الامريكي الذي اسس للديمقراطية الامريكية.
الثورة الفرنسية 1789:
وهي قد احلت النظام الجمهوري محل النظام الملكي الذي يحكم بالحق الإلهي، وتم فيها إقامة سلطة برجوازية ضد الأرستقراطية الإقطاعية المحلية. وكانت الثورة الفرنسية خطوة كبيرة نحو النظام الجمهوري ليس فقط في فرنسا بل في العالم وقد أسست للحرية التي كانت أحد شعارات الثورة.
الثورة الروسية 1917:
وقد انهت حكم ملكي مطلق يستند الي الحق الإلهي، وأقامت سلطة «ديكتاتورية البروليتاريا» والمتمثلة في حزب ثوري طليعي واحد. وقد كانت ذات مرحلتين حيث كان هناك في البداية ثورة برجوازية ضد الإقطاع والنظام الملكي، ثم جاءت ثورة البروليتاريا ضد البرجوازية.
الثورة الصينية 1949:
جاءت هذه الثورة علي مرحلتين: الأولي كانت الثورة الوطنية البرجوازية التي انهت النظام الإمبراطوري المستند إلي الحق الإلهي والقوي الإمبريالية الخارجية وأرستقراطية بيروقراطية محلية، أما المرحلة الثانية فقد كانت ثورة اشتراكية بقيادة حزب شيوعي ثوري طليعي للقضاء علي البرجوازية وإقامة نظام اشتراكي.

ورغم أن معظم إن لم يكن كافة الثورات تنادي بالحرية، إلا أن تعريف الحرية أختلف من ثورة لأخري ومن موقف لأخر في كل ثورة. فعلي سبيل المثال كانت الثورة الأمريكية قد نادت بالحرية والتحرر، ولكن معظم قادتها كانوا من ملاك العبيد ولم يخطر علي بالهم المناداة بالحرية أيضا لهؤلاء العبيد، بما يزعزع مقولتي الحرية والمساواة التي تنادي بها الثورات. فهذه الثورة البرجوازية كان هدفها القضاء علي الإستغلال البريطاني الإمبريالي الخارجي، لكي تقول الطبقة البرجوازية الأمريكية المحلية هي بالإستغلال؛ فالثورات البرجوازية يكون هدفها الأساسي هو التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي والإجراءات المناهضة للرأسمالية دون أن تغير الطابع العام للمجتمع.

تطور الثورات البرجوازية-الديمقراطية:
"(1) الثورات البرجوازية- الديمقراطية في فترة النضال ضد الإقطاع، التي تمت بقيادة البرجوازية وأكدت سيطرتها الإقتصادية والسياسية (الثورة الفرنسية-1789).
(2)الثورات البرجوازية-الديمقراطية في الفترة الأولي من عصر الإمبريالية، والمرحلة الأولي من الأزمة العامة للرأسمالية. وفي هذا النوع من الثورات تتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين، وتقود الثورة التي تمهد الطريق للتعجيل بتطور الرأسمالية، وتخلق الظروف لتطور الثورة البرجوازية-الديمقراطية إلي ثورة إشتراكية (ثورة روسيا فبراير 1917).
(3) الثورات البرجوازية-الديمقراطية في المستعمرات والبلاد التابعة خلال المرحلة الثالثة من الأزمة العامة للرأسمالية (الثورات في الديمقراطيات الشعبية).
(4) الثورات البرجوازية- الديمقراطية في المستعمرات والبلاد التابعة خلال المرحلة الثالثة من الأزمة العامة للرأسمالية، والتي تعرف بالثورات الوطنية الديمقراطية، والثورات الناجحة من هذا النوع تقضي إلي إقامة ديمقراطيات وطنية مستقلة."(1).
أما الثورات الإشتراكية فهي تهدف إلي التحول الجذري من الرأسمالية إلي الإشتراكية، والسيطرة علي وسائل الإنتاج بالتسط والقهر لتغير علاقات الإنتاج القائمة علي الملكية الخاصة. كل ذلك من أجل القضاء علي إستغلال الإنسان للإنسان. والثورة بهذا المعني هي المهمة التاريخية للبروليتاريا

من الثورة إلي التحول الديمقراطي:
إمكانيات التحول الديمقراطي بعد الثورات
تتوقف إمكانية تحول المجتمعات عقب الثورة إلي الديمقراطية علي عدة معايير ومن بينها:
أولاً: كون الديمقراطية أحد أسباب الثورة وأحد مطالبها:
يتمثل هذا العامل في الإجابة علي سؤال أساسي هو هل غياب الديمقراطية أحد أسباب الثورة؟ وهل الديمقراطية أحد مطالب الثورة ومدي حاجة المجتمع إليها؟
إن غياب الديمقراطية والمتمثل في إنسداد القنوات الشرعية للمشاركة السياسية، عامل مهم في فهم أسباب قيام الثورات. ولكنه متغير غير كاف حيث نجد أن الأنظمة السلطوية التي تستطيع توفير درجة عالية من الرفاهية أو مستويات مرتفعة من التنمية تميل إلي الإستقرار وعدم حدوث ثورة أو إحتجاجات قوية ومثال علي ذلك السعودية أو الصين. غياب الديمقراطية إذن كسبب للثورة يتمثل في المشكلات التي تترتب علي غيابها والتي تؤدي إلي تفاقم المشكلات الإجتماعية والإقتصادية وإحتكار السلطة والفساد وغياب حقوق الإنسان مما يدفع المجتمع إلي الرغبة في تغيير الوضع الراهب status quo من خلال الثورة.
وكون غياب الديمقراطية أحد أسباب الثورات لا يضمن وجود عملية تحول ديمقراطي عقب الثورة، ذلك لأن هناك متغيرات أخري تؤثر علي ذلك؛ فمن الممكن أن تنقض قوي سياسية غير ديمقراطية/ متطرفة علي الثورة وتحاول تسخير مكاسبها لمصلحتها الخاصة.. أو أن يتحول الثوار أنفسهم إلي ديكتاتوريين بعد وصولهم إلي السلطة، فتكون الديمقراطية لمرة واحدة فقط هي لحظة وصولهم إلي السلطة ومن ثم تأبيد بقاءهم هناك.
ففي ثورات المنطقة العربية علي سبيل المثال نجد أن "المنطقة العربيّة دخلتْ سيرورة الانتقال نحو الديمقراطيّة. وهذا يعني أنها لا يمكنها أن تنتمي إلى الموجة الثالثة للديمقراطيّة التي وقعتْ في أميركا الجنوبيّة، ولا إلى الموجة الثانية التي كانت قد وقعتْ في أوروبا الشرقية. فما نعيشه في العالم العربي هو نوعٌ من الانتقال إلى وضع جديد، نتمنّى ألاّ تطول مدّتُه كثيرًا: إنه وضعُ الانتقال نحو الديمقراطيّة، لا وضعُ الانتقال الديمقراطيّ. ونتمنّى أن تتحقّق شروطُ الفعل المتجذّر والمرتبط بالبرامج والأبعاد الحقيقيّة والفعّالة التي تجعل من اختصار الزمن مسألةً ممكنةً وجوهريّةً لصالح ديناميّة التغيير ولتقليص كلفة التغيير."(1).
ثانياً: وصول القوي الثورية المطالبة بالديمقراطية إلي السلطة:
والسؤال هنا هل أستطاعت القوي الثورية المطالبة بالديمقراطية الوصول إلي السلطة؟ أو التأثير الفعال علي السلطة والمشاركة في إدارة المرحلة الإنتقالية بما يؤسس للديمقراطية؟
لا شك في أن وصول القوي الثورية المطالبة بالديمقراطية والحريصة علي تحقيقها، بعد بداية قوية للتحول الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية بإستثناء –كما سبقت الإشارة- تحول هذه القوي إلي دكتاتوريين بعد إستيلاءهم علي السلطة. إذا كانت الثورة لها قيادة تستطيع الإستيلاء علي السلطة والشروع في عملية تحول ديمقراطي من خلال إعادة صياغة الإطار الدستوري والتشريعي والنظام السياسي ككل وتعزيز المجتمع المدني وإطلاق الحريات السياسية كحرية تكوين الاحزاب وحرية التعبير والممارسة السياسية وترسيخ ثقافة الديمقراطية، فإن ذلك كله كفيل بتحقيق الديمقراطية ونجاحها. ولكن في حالة فشل القوي الثورية في الوصول إلي السلطة مع نجاحها فقط في إسقاط النظام، فإن ذلك يفسح المجال لمشاركة قوي آخري مثل الجيش، القوي السياسية القائمة قبل الثورة سواء أحزاب سياسية أو جماعات سياسية بما فيها بقايا النظام السابق. تلك القوي قد لا تكون محبذة للديمقراطية سواء لأسباب أيديولوجية رافضة للديمقراطية مثل الحركات الأصولية والسلفية أو بحكم طبيعة هذه القوي مثل الجيش.
وبالنسبة لإحتفاظ الجيش بدور محوري بعد الثورة وعلاقته بالتحول الديمقراطي بعد الثورات العربية نجد أن "من الجلي أن الإشكالات ذاتها مطروحة كتحديات عصية على الديمقراطيات العربية الوليدة، وفي مقدمتها دور المؤسسة العسكرية في المعادلة الانتقالية وما بعدها، وطريقة التعامل مع تركة العهود الاستبدادية المنهارة.... تجارب الانتقال الديمقراطي الأولى في أميركا اللاتينية لمعرفة أسباب فشلها،التي يلخصها "كلوديو فنتس" في عناصر أربعة: - هشاشة الإعداد الدستوري والقانوني، مما يفسر ظاهرة الاضطراب المؤسسي في غياب الإجماع السياسي الضروري على قواعد الرهان السياسي. ولذا ندرك أن أميركا اللاتينية كانت أكثر مناطق العالم اضطراباً دستورياً خلال السنوات العشرين الأخيرة. ووطأة تركة الحقبة الاستثنائية التي لم يتم حسمها، فشكلت هاجساً قاراً للنظم الجديدة وعامل تأجيج الفتنة وعدم الاستقرار. احتفاظ المؤسسة العسكرية بدور محوري في الحقل السياسي، على الرغم من الواجهة الديمقراطية المعلنة. الفشل في السياسات الاجتماعية الناتجة عن الخيارات الاقتصادية والتنموية الخاطئة، بحيث بدت الديمقراطيات الناشئة عاجزة عن تحقيق تطلعات الناس."(2).


ثالثاً: المعوقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية للتحول الديمقراطي:
وتتمثل الأسئلة الرئيسة في هذا الصدد في: هل هناك قوي سياسية معارضة للتحول الديمقراطي؟ هل تتوافر ثقافة الديمقراطية؟ وما مدي وجود عوائق إقتصادية و إجتماعية لعملية التحول الديمقراطي؟
يمكن القول أن الأصولية والتطرف والتطرف تمثل أحد قوي الشد العكسي ضد إرادة الشعب وتطاعاته نحو الجكم الديمقراطي.
يري أحد الباحثين "أننا نخلص إلي ان تضمين وإستيعاب الحركات الأصولية في السياسات الديمقراطية ليس لديه تأثير هام علي النظم السياسية والإجتماعية مع الأخذ في الإعتبار أن التشريعات التي تخص إهتمامات تلك الحركات لابد أن تتأثر بإستيعابها سياسياً. ولكن هذه النتيجة يجب ألا ينظر إليها علي إنها إجابة نهائية، لأن البحث أجري علي ديمقراطيات متطورة وراسخة وبها أشكال مؤسيسية متوازنة وقوي نشطة مضادة للحركات الأصولية تتمثل في مجتمع مدني متطور. كما أن الحركات الأصولية تعمل وفق أهداف إستراتيجية بعيدة المدي تهدف إلي تغيير النظام الإجتماعي والثقافي لصالحهم وكذلك الإطار المؤسسي والدستوري. هذه المشروعات تنفذ من خلال إحتلالهم وزارات رئيسية مثل العدالة والتعليم وتطبيق برنامج بعيد المدي يتضمن تغيير الكتب المدرسية وتدعيم المدارس والجامعات الدينية."(1).
علي الرغم من هذه الصورة المتفاءلة التي ينقلها لنا الباحث، نجد أن الواقع يشهد سيطرة أو محاولة سيطرة القوي الراديكالية والأصولية والمتطرفة علي الثورات بعد قيامها. فمناخ الحرية الذي يسود بعد الثورة يفتح المجال لمشاركة هذه القوي في العلن بعد تعرضها لقمع الأنظمة السابقة سواء بشكل كامل أو من خلال تحالفات ومساومات وصفقات مع الأنظمة السابقة علي الثورة وأجهزتها الأمنية.
وتلجأ هذه الحركات العنصرية أو المتطرفة أوالراديكالية أوالأصولية إلي الدعاية مستخدمة شعارات دينية أو طبقية أو وطنية. ففي الثورة الروسية مثلاً بدأت بثورة علي النظام الإقطاعي وحكم القيصر الملكي وأسست جمهورية، ولكن البلاشفة الراديكاليين استطاعوا القيام بثورة علي هذه الثورة البرجوازية والإستيلاء علي السلطة وتأسيس نظام شمولي يناقض الديمقراطية. وعقب ثورة 25 يناير نجد أن القوي الأصولية الدينية ومنها جماعات السلفيين والجهاديين والإخوان المسلمين قد تمكنت من إستغلال شعاراتهم الدينية للتأثير علي رأي المواطنين في الإستفتاء علي التعديلات الدستورية. كما يرفض السلفيون الديمقراطية لتعارضها –في إعتقادهم- مع النظرية السياسية في الإسلام فعلي سبيل المثال يرفضون سيادة الشعب وحقه في التشريع من خلال برلمانات منتخبة لأن "التشريع لازم من لوازم العقيدة الإسلامية التي تجعل التشريع والحكم لله تعالى وحده، فبينما المُشرِّع في الديمقراطية هو الشعب، فإن المُشرِّع في الإسلام هو الله، وحيث يقول الله تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ"(1)، تقول الديمقراطية: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الشعب، وهو ما يصفه المفكر الإسلامي الأستاذ أبو الأعلى المودودي، بـ: "حاكمية الجماهير وتأليه الإنسان". "
في كتابه "حقيقة الديمقراطية" يقول محمد شاكر الشريف :إن "العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية هي علاقة الفرع بأصله، أو علاقة الثمرة الخبيثة بالشجرة التي أثمرتها (..) فالديمقراطية إذن هي التعبير السياسي أو الوجه السياسي للعلمانية، كما أن الرأسمالية تعبير اقتصادي عن العلمانية، وهذه العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية نستطيع أن ندركها بكل سهولة ويسر إذا علمنا أن نظرية العقد الاجتماعي التي تمثل الأساس الفلسفي لنظرية السيادة التي تقوم عليها الديمقراطية، كانت في نفس الوقت تمثل الركن الأساس في فكر زعماء الثورة الفرنسية التي أقامت دولة علمانية لأول مرة في تاريخ أوروبا النصرانية"(1).
وعن رفض التعددية يقول أحد الكتاب السلفيين: " أن الإسلام يجعل الأمة كلها حزب واحد وصف واحد {ألا إن حزب الله هم المفلحون} وفي آية وصفهم بأنهم : {هم الغالبون} ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "لا تحدثوا حلفاً في الإسلام".فمع تعدد الأحزاب يحتد الصراع ويتكرر الصدام بين أفراد المجتمع الواحد، وقد يصل إلى حد الاقتتال في بعض الأحيان على السلطة، .. عارضت فقط من أجل المعارضة.. كما تتصارع ... والصراعات التي تنتج عن "التعددية" صراعات مستمرة بلا نهاية لا تتوقف، أما الإسلام فيأبى أن يتحزب أهل القبلة ويكونون مع أحزابهم سواء كانت على الحق أو على الباطل، بل الذي تقتضيه الروح الإسلامية أن يدور أفراد الأمة مع الحق حيثما دار.ثم وأين التعددية من الفرقة الناجية التي قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة"، وقال محذراً أمته من التفرق: " (2).
وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة".هل لا يعلم الكاتب أن السلفيين وأصحاب التيار الديني لهم جماعات وفرق متعددة ومختلفة مع بعضها البعض حول قضايا جوهرية؟!
إن رفض الأصولية الإسلامية/السلفيين لمبادئ الفردية والعلمانية (فصل الدين عن السياسة) يصعب معه تحقيق الديمقراطية؛ لأن "القبول بإمكانية النقد، والنقد الذاتي والمراجعة وإعادة النظر والتراجع والتداول وتغيَر إتجاهات الرأي (إرداة الناخب) من فترة إلي أخري؛ كلها عناصر بنيوية تجعل التعددية الديمقراطية ذات طابع سلمي، وغير قابلة للتحول إلي تعددية إحتراب وإقتتال. والثابت أن مشروعية هذه العناصر تستند إلي مبدأ العلمانية القائل بنسبية النظم والتشريعات، وقابليتها للتغير والتطوير باعتبارها من الاستنبطات البشرية، كما تستند إلي مبدأ الفردية القائل بحرية الفرد في تغيير قناعاته الأيديولوجية وخياراته في السياسة، وفي التصويت لمن يراه أصلح"(3) .
كل هذه أسئلة مسكوت عنها في خطاب الإسلاميين، "وفي غياب معالجة حقيقية لإشكالات التعددية في ظل الديمقراطية اللاعلمانية علي نحو ما بينا، فإن هذه الديمقراطية لن تتجاوز عند الإسلاميين لعبة إنتخابية توصلهم إلي دفة الحكم وتؤبد بقاءهم به في المجتمعات العربية التي يملكون فيها عمقاً جماهيرياً واسعاً "(4).

رابعاً: إدارة المرحلة الإنتقالية عقب الثورة بما يحقق الديمقراطية:
هل إدارة المرحلة الإنتقالية بعد الثورة يميل نحو التحول إلي الديمقراطية وترسيخها؟
تنطلق الإجابة علي هذا التساؤال من إفتراض أنه «كلما زادت قوة وتأثير القوي الثورية وتصميمها علي تحقيق الديمقراطية، زادت قدرة المرحلة الإنتقالية علي تأسيس الديمقراطية ».
إن فهم المرحلة الإنتقالية بعد الثورة وتأثير كيفية إدارتها علي التحول الديمقراطي، يتطلب دراسة القوي المؤثرة في المرحلة الإنتقالية والملفات والقضايا المثارة التي يتم التعامل معها خلال تلك المرحلة. ويمكن في ذلك السياق الإشارة إلي ما يلي:
أ‌- القوي المؤثرة في مرحلة ما بعد الثورة:-
1- القوي التي أسهمت في صنع الثورة وفجرتها:
وهي تمثل جماهير الشعب والمجموعات والتيارات والأحزاب التي دعت إلي الثورة وقامت بها. ويتوقف تأثيرها في المرحلة الإنتقالية علي مدي إستمرار التنسيق والإتحاد بينها وعدم حدوث إنشقاقات في صفوفها أو إستيعاب لبعضها من قبل قوي أخري مضادة للتحول الديمقراطي بعد الثورة، وكذلك إستمرار دعم وتأييد الجماهير لتلك القوي الثورية وثقتهم فيها.
وفي الثورة المصرية نجد أن القوي الشبابية التي فجرت الثورة تتمثل في حركة 6 ابريل وحركة كفاية ومجموعات الفيس بوك (مثل كلنا خالد سعيد) وشباب الإخوان المسلمين. هذه المجموعات، حسب وصف د. محمد صفار، تتميز بأنها شبكات ريزومية تتسم "بالقدرة الهائلة علي التواصل من خلال الإمتداد الشبكي، بما لا يجعل للشكل الريزومي مركزا يمكن شل فعاليته أو كوادر يمكن إستئصالها. ويجد ذلك تجسيدا له في القدرة الهائلة للمجموعات الشبابية علي التنسيق والعمل التنظيمي والحركي المشترك، مثلما اتضح في فكرة التظاهر يوم عيد الشرطة في الميادين الرئيسية في المحافظات. وأخيراً، تتسم الريوةمات بالتعددية الشديدة، بحيث توجد شبكات مختلفة ومتماثلة تؤدي الغرض نفسه، الأمر الذي ساعد علي إجتذاب تلك المجموعات الشبابية لعناصر جديدة لم تكن جزء من دعوة التظاهر الأصلية، ويجعلها حتي هذه اللحظة قادرة علي تجنيد عناصر جديدة تحل محل التي استهلكت أو توقفت عن الحركة."(1).
2- القوات المسلحة:
القوات المسلحة في معظم النظم السياسية ينص علي حيادها سياسياً في الدستور، ولكن الثورات تمثل تمثل بيئة مناسبة لتدخل الجيش في السياسة سواء من خلال إشتراكه في الثورة كقوة ثورية ومن ثم إستياء الجيش علي السلطة، أو من خلال إستخدام النظام السياسي لقواته المسلحة لقمع الثورة، أو يظل محايداً ولكن يكون له دور هام في إدارة المرحلة الإنتقالية بعد الثورة والإلتزام بتحقيق أهدافها.
في حالة إستيلاء الجيش علي السلطة كما هو الحال في ثورة يوليو 1925 أو الحكم العسكري بعد ثورات دول أمريكا اللاتينية، نجد أنه يميل النظام إلي أخذ أحد أشكال الحكم السلطوي وهو حكم الجيش Military rule ، أو قد يكون الجيش له دور في إدارة المرحلة الإنتقالية في حالة عدم مشاركته في الثورة كقوة ثورية، وقد يميل الجيش في هذه الحالة إلي الإلتزام بالحفاظ علي شكل معين للدولة أو الإلتزام بأيديولوجية معينة، مثل حماية الجيش التركي للمبدأ العلماني. وفي حالة مسئولية الجيش عن إدارة المرحلة الإنتقالية يتوقف دور الجيش في الإنتقال نحو الديمقراطية علي مدي تحالفه مع القوي الثورية وعدم تعارض مصالحه معها، وحجم الإغراءات والضغوط التي يتعرض من النظام السابق أملاً في إجهاض الثورة أو حصرها وإفشالها أو أملاً في تسهيل خروج آمن لرموز النظام السابق. وتتوقف فعالية المؤسسة العسكرية في المرحلة الإنتقالية علي مدي إعتمادها علي الخبراء المحايدين والإستماع إلي صوت الشعب من أجل تنفيذ أهداف الثورة.
وفي الثورة المصرية 2011 نجد أن الجيش ممثلاً في المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد أعلن مجموعة إجراءات تحدد معالم المرحلة الإنتقالية التي تستمر حتي إجراء إنتخابات رئاسية في سبتمبر 2011 ومن تلك الإجراءات تعطيل العمل بالدستور وتشكيل لجنة لتعديل بعض مواده والإستفتاء علي المواد المقترحة في 19 مارس 2011، وحل مجلسي الشعب والشوري والشروع في مكافحة الفساد وتعديل القوانين المقيدة للحريات.
3- النظام القديم:
لاشك أن النظام القديم الذي أسقطته الثورة يمثل جزء من المرحلة الإنتقالية ونظام الحكم الإنتقالي، وهو أول جهة تتأثر بأحداث الثورة. والإنتقال الديمقراطي يعتمد علي تطهير النظام السياسي من العناصر الفاسدة التي أفسدت الحياة السياسية ومارست الإستبداد والديكتاتورية. ويتأتي ذلك من خلال وسائل عديدة منها (حل المجلس النيابي و إقالة الحكومة و حل الحزب الحاكم وحرمان قادته من ممارسة حقوقهم السياسية لفترة والقضاء علي الفساد السياسي والفصل بين السياسة والمال الذي ينتج الفساد عن إختلاطهما).
ب‌- القضايا المؤثرة في مرحلة ما بعد الثورة:-
وتتمثل تلك القضايا في المشكلات التي تراكمت خلال الحكم السلطوي، ومنها الفساد وثقافة السلطة الأبوية وثقافة الإستبداد والحاجة إلي إستبدالها بالثقافة السياسية الديمقراطية والصراع الطبقي والتضليل الإعلامي والثورة المضادة و التوترات الطائفية ومشكلات الفقر والجهل والمرض والترتيبات القانونية والسياسية وقوي الثورة ذاتها.
ومن أبرز تلك القضايا من أبرز تلك القضايا في الحالة المصرية :
1- الترتيبات القانونية والسياسية، بما يتضمن وضع دستور ديمقراطي جديد وسن قوانين تحافظ علي الحقوق والحريات العامة.
2- التوتر الديني، وظهور شعارات طائفية، وتصريح قيادات السلفية بأن "الديمقراطية حرام"، وضرورة رفع التمييز عن الأقباط وجعل المواطنة حقيقة معاشة.
3- مشكلات الفقر والعدالة الإجتماعية والصراع الطبقي والهوة المتسعة بين الطبقات.
4- قوي الثورة ذاتها؛ لإن إندافع قوي الثورة في "إزالة المستويات الدنيا من السلطة الأدني فالأدني تجرف في طريقها ميكانيزمات الضبط الإجتماعي التي لا يستطيع مجتمع أن يعيش بدونها"(1). ويمكن لهذه القوي تدعيم الديمقراطية من خلال خلق آليات للمشاركة السياسية والإجتماعية الفعالة، ومن خلال تأطير هذه القوي في شكل حركات إجتماعية مطلبية تستطيع الإلتحام بالجماهير وإمتصاص المطالب الفئوية وزيادة الوعي السياسي وترسيخ ثقافة الديمقراطية.

أدلة علي تطور الديمقراطية عقب الثورات(خلال المرحلة الإنتقالية):
الثورة المصرية 25 يناير 2011
يمكن الإشارة الي الأدلة التالية:
1- أفرزت أحداث الثورة حالة من المشاركة السياسية والإهتمام بالسياسة والإنخراط في نقاشات حولها وهو ما أدي إلي زيارة الوعي السياسي والمشاركة السياسية في الإستفتاء علي التعديلات الدستورية.
2- سعي العديد من التيارات السياسية الي تشكيل احزاب تعبر عن توجهاتها، وتشكيل العديد من الجمعيات التوعوية والتنموية والخدمية والخيرية والتي تهتم بطريقة او بأخري بالسياسة والدعوة الي الديمقراطية، ولا شك في أن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أحد أهم مكونات الديمقراطية.
3- تعطيل العمل بأحكام الدستور/ سقوط الدستور وحل مجلس الشعب ومحاكمة رموز الفساد في النظام السابق وتعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأنه ليست لديه طموحات في المستقبل وانه يريد تسليم السلطة الى الاحزاب المدنية عندما تصبح قوية غير قابلة للانهيار، وكذلك تعهده بالعمل علي تحقيق الديمقراطية والدولة المدنية بإعبارهما أهم مطالب الثورة.
4- تزايد ثقة الناس في التيارات الليبرالية والديمقراطية والتقدمية نتيجة أنشطة التوعية التي تقوم بها تلك التيارات، وتراجع ثقة المواطنين في التيارات المتعصبة التي تثير الفتنة وتدعي التحدث بأسم الدين وتريد الحكم بما أنزل الله.
5- تزيادة الوعي بقيم وثقافة الديمقراطية المتمثلة في الشفافية والمساءلة والمحاسبة وضرورة تداول السلطة والمشاركة السياسية وحرية التعبير عن الرأي وتراجع إمكانيات التضليل الإعلامي والمعلوماتي والسعي لمزيد من المصارحة والإنفتاح والشفافية.

خامسا: دور العامل الخارجي: ديمقراطية ما بعد الثورة ونظرية المؤامرة:
هناك مقولات تؤكد أن القوي الدولية تتعمد وتفعل كل ما في وسعها لمنع التحول الديمقراطي علي سند أن ذلك التحول الديمقراطي سوف يقوض مصالحها الحيوية في تلك المناطق. ويمكن تفسير تلك المقولات والوقائع في إطار نظرية المؤامرة.
المؤامرة تتكون من أربعة عناصر هي : "1- متآمر / متآمرون ... 2- دوافع شريرة تحرك المتآمرون تخرج عن حدود التصرفات الشرعية والأخلاقية. 3- متآمر ضده كطرف آخر يمثل الهدف أو الضحية التي لا تعلم ما يخطط لها في الخفاء، وقد تكون شخص أو جماعة أو حتي أمة بأكمها. 4- وسائل تمكن المتآمرين من إشباع دوافعهم وتحقيق الهدف الذي يتآمرون من أجله."(1).
وفي الواقع نجد أن النظام السياسي قبل الثورة قد يتحالف مع القوي الكبري المؤثرة علي المسرح الدولي، من أجل تبادل المصالح وتتمثل مصالح النظام في الحفاظ علي سلطته والحصول علي معونات إقتصادية يحافظ بها علي درجة من الرضاء العام والشرعية ومعونات فنية تخص أجهزته الإدارية والسياسية ومعونات عسكرية للحفاظ علي الأمن القومي وقمع شعبه. وفي المقابل يحافظ علي مصالح القوي الخارجية سواء في بلده أو في المنطقة. ولا شك –والحال كذلك- أن تغير النظام السياسي للدولة بعد الثورة يؤدي إلي تهديد مصالح القوي الخارجية وإزعاجها وخاصة إذا كان التدخل الخارجي أحد أسباب الثورة. مما يجعل القوي الخارجية تفعل أقصي ما في وسعها للحفاظ علي النظام من الإنهيار بفعل الثورة أو إعادة إنتاجه في شكل جديد أو التحالف مع النخبة الحاكمة الجديدة للحفاظ علي مصالحها. ولكن في ظل تحول الديمقراطية من شأن داخلي بحت إلي قضية دولية، يمكن أن تسعي المنظمات الدولية وبعض الدول الكبري إلي دعم التحول الديمقراطي.
والبيئة الدولية إما أن تدعم عملية التحول الديمقراطي بعد الثورة أو اعرقله. وكمثال علي عرقلة العامل الخارجي لعملية التحول الديمقراطي نحد أن المفكر الأمريكي وعالم اللسانيات المعروف نعوم تشومسكي يقول: أن الولايات المتحدة لن تسمح بوجود ديمقراطية في العالم العربي. إذ أكد ان الولايات المتحدة لن تسمح باقامة ديمقراطية حقيقية في المنطقة ". وأضاف :"ان الغالبية العظمى من سكان الشرق الاوسط يعتبر أمريكا تشكل تهديدا جديا لمصالحه لذلك فان الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يسعون دائما الى منع تحقق الديمقراطية في العالم العربى بسبب الخشية من خسارة نفوذهم في دول شمال افريقيا والشرق الاوسط"، موضحا: أن الولايات المتحدة وحلفاءها فى الغرب يريدون حكومات غير معارضة لهم لانه بغير ذلك فان أمريكا سوف تخسر نفوذها وينتهي بها الامر الى الخروج نهائيا من المنطقة.
ويتشارك في هذا الرأي كل العديد من المفكرين منهم د. أهداف سويف ود. باكينام الشرقاوي .
بينما يمكن أن تكون البيئة الدولية داعمة وراعية لعملية التحول الديمقراطي في بلد ما بعد الثورة، ومثال علي ذلك قيام الحكومة الألمانية بتشكيل لجنة خاصة بمصر تحت عنوان (المشاركة من أجل التحول) هدفها تقديم المعونة الفنية والدعم لمصر لمساعدتها على عبور الفترة الانتقالية وصولا إلى تحقيق الديمقراطية الكاملة، وتعزيز التعاون مع الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام في مرحلة التحول الديمقراطي.
والدليل علي ذلك ما أكده د. عصام شرف رئيس مجلس الوزراء اليوم الجمعة "إن دول مجموعة الثمانى وكافة المؤسسات الدولية المشاركة في قمة دوفيل أكدوا دعمهم للثورة المصرية ووجهوا خطابهم إلى الحكومة المصرية قائلين: "إنكم لا تملكون الحق في إفشال الثورة المصرية"، لافتا إلى أن هذه مشاعر طيبة وأن الشعب المصري أيضا يحمي الثورة ومعه العالم كله الذي يدرك دور مصر المحوري لاستقرار المنطقة."(1)

خاتمة:
تعتبر اوكرانيا وجورجيا وقيرغيزتان من أمثلة الثورات التي تتشابه في بعض الأمور مع ثورتي مصر وتونس 2011(2) ويمكن الإستفادة أيضا من دروس ثورات أمريكا اللاتينية، ويحدد الباحث «عاطف معتمد» أربعة أسباب رئيسية لفشل الثورة البرتقالية وهي تتمثل في أربعة أخطاء قام بها الزعماء وهي : " أولا: عجز الحكومة البرتقالية عن مواجهة الفساد... ثانيا: انهيار ثقة الشعب في حكومته... ثالثا: الإفلاس الأيديولوجي... رابعا: انصراف الرعاة الرسميين عن احتضان "الثورة"(ويقصد العامل الخارجي متمثلا في الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو)."(1). وبصفة عامة أعتمدت الدراسة علي تحليل مفهوم الثورة وعرض التفسيرات الشائعة لحدوث الثورات(2). ومن ثم أقتح الباحث مجموعة من العوامل التي يتوقف عليها –بين عوامل أخري- التحول الديمقراطي بعد الثورة وهي :
أولاً: كون الديمقراطية أحد أسباب الثورة وأحد مطالبها.
ثانياً: وصول القوي الثورية المطالبة بالديمقراطية إلي السلطة.
ثالثاً: المعوقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية للتحول الديمقراطي.
رابعاً: إدارة المرحلة الإنتقالية عقب الثورة بما يحقق الديمقراطية.
خامسا: دور العامل الخارجي: ديمقراطية ما بعد الثورة ونظرية المؤامرة.
وعليه، يمكن القول أن الحفاظ علي الديمقراطية كمطلب رئيس للثورة ووصل القوي الديمقراطية إلي سدة الحكم والتغلب علي المعوقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للتحول الديمقراطي، وإدارة المرحلة الإنتقالية بما يؤسس للديمقراطية من خلال «الإطار الدستوري والقانوني»(3) وتفعيل آليات المشاركة والمحاسبة وإقتلاع جذور الفساد والإستبداد، كل ذلك في ظل وجود بيئة دولية حاضنة وداعمة وراعية لعملية التحول الديمقراطي أو علي الأقل غير معارضة للتحول الديمقراطي، كل ذلك كفيل بالإنتقال من الثورة إلي الديمقراطية.

الحواشي

(1) اسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي،"الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية"،(الأسكندرية: مركز الإسكندرية للكتاب،2005) ص 140.
(2) عبد الوهاب الكيالي،"موسوعة السياسة"،المجلد الأول،(بيروت: دار الهدي،1985)ص 870.

(1) المرجع السابق، ص ص 870-872.
(2) المرجع السابق، ص ص 872-875.
(1) المرجع السابق،ص ص 873-874.

(1) نجية ملاك، وآخرون، "الثورات الديمقراطيّة العربية: تفاعلات الراهن وتحّديات المستقبل"، (مجلة الآداب, ٤-٦ /٢٠١١).
(2) السيد ولد أباه، "من الثورة إلي الديمقراطية"، (جريدة الإتحاد: 18 أبريل 2011).

(1) Luca Ozzano,“ Religious Fundamentalism and Democracy”, (Politics and Religion: Volume III (No. 1) - Spring 2009)pp 145-146.

(1) محمد شاكر الشريف، "حقيقة الديمقراطية"، (دن، دت)، ص 24.
(2) علي عبد العال، " نقد السلفيين للديمقراطية"، (عرب تايمز: 5-3-2010). متاح علي الرابط أدناه:
http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?Action=&Preview=No&ArticleID=6206 تاريخ الدخول : [5/27/2010 6:36 AM].
(3) سهيل الحبيب، "تباين إستراتيجيات التأسيس للديمقراطية وتباين مضامينها في الفكر العربي الراهن"، (المستقبل العربي: العدد 373 مارس 2010) ص 197.
(4) المرجع السابق، ص ص 197-198.
(1) محمد صفار، "إدارة مرحلة ما بعد الثورة .. حالة مصر"، (السياسة الدولية: العدد 184، إبريل 2011)ص 23.

(1) المرجع السابق، ص 26.

(1) إبراهيم عرفات، "نظرية المؤامرة: مراجعة دور الشك في التحليل السياسي"، (مجلة النهضة: المجلد السادس، العدد الثالث، يوليو 2005) ص 6

(1) "شرف: "العالم" يؤيد الثورة ويحميها"، (جريدة الوفد: 27مايو 2011).
(2) أنظر: Anders Aslund, “How Ukraune became a market economy and democracy”,( Washington, D.C.: Peterson Institute for International Economics,2009).
Diana Raby, “Democracy and Revolution: Latin America and Socialism Today”, (London: pluto press, 2006).
CHRISTOPHER WALKER AND ROBERT ORTTUNG, “From Revolution to Democracy”,(The Wall Street journal: MARCH 7, 2011.
(1) عاطف معتمد، " أوكرانيا.. لماذا تفشل الثورة البرتقالية؟"، (مركز الجزيرة للدراسات: 9/2/2010). متاح علي الرابط أدناه:
http://aljazeera.net/NR/exeres/1F12A760-9078-4BB6-B677-FDE36C71B673.htm?wbc_purpose=%2F%2F- , تاريخ الدخول :[ 5/30/2010 6:30 AM].
(2) للتوسع في المعرفة بنظريات الثورة أقرأ :
أ.س. كوهان، "مقدمة في نظريات الثورة"، ترجمة: فاروق عبد القادر، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979) ص ص 137-233.
(3) بهاء الدين محمد،"وثيقة الدستور"، (جريدة الشروق: 17 مايو 2011).متاح علي الرابط أدناه:
http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=457664 ,تاريخ الدخول [5/30/2010 6:49 AM].



#بهاء_الدين_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهاء الدين محمد - الثورة والديمقراطية