أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - ماكيافيللى ... أنى للمديح ان يفى هذا الاسم حقه















المزيد.....


ماكيافيللى ... أنى للمديح ان يفى هذا الاسم حقه


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3403 - 2011 / 6 / 21 - 20:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي (بالإيطالية: Machiavelli )، ولد في فلورنسا 3 مايو 1469، وتوفي في فلورنسا في 21يونيو 1527، كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عصر النهضة... بدأ ماكيافيللى حياته كموظف بسيط في حكومة مدينة فلورنســا ، وحين اجتاحت الجيوش الفرنسية مدينة فلورنسا ، وأطاحت بالحكم فيها-حكم أسرة مديتشي- سارع ماكيافيللى لتأييد النظام الجديد ، وتنقل في وظائف حكومية كثيرة تحت ظل هذا النظام حتى وصل إلى منصب "السكرتير الأول لحكومة فلورنسا"..وقد أوفد في عدة بعثات مهمة نيابة عن الحكومة إلى المدن الإيطالية والدول الأجنبية ، واستطاع ميكافيلي خلال هذه الفترة الإطلاع على خبايا الحياة السياسية وأسرارها عن قرب ... في عام 1512م عادت أسرة مديتشي للحكم بمساعدة من البابا ، وتم القبض على ماكيافيللى ونفيه إلى مزرعته الواقعة على أطراف فلورنسـا ، حيث عاش هناك حتى توفي سنة 1527م.. .... وليس عبثا أن داره الواقعة في قريته القريبة من فلورنسا قد حولت الي متحف وطني... وان الايطاليين احتفوا بمرور400 عام علي مولده كعيد قومي حيث اقيم في ذلك اليوم ضريح فخم في المكان الذي دفن فيه وقد حفرت عليه... وتحت اسمه مباشرة ابلغ عبارة تعوض عن كل ما لاقاه في الحياة وبعد الممات: أنّي للمديح ان يفي هذا الاسم حقه!!! وكان لا بد للكنيسة ان ترضخ للواقع اخيرا، فقد رفعت في العام 1890 اسماء مؤلفات ماكيافيللي من قائمة الكتب الممنوعة.

ولم يكن ذلك سوي تراجع منطقي امام واقع ثابت. ...أصبح ماكيافيللي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلوم السياسية... أشهر كتبه على الإطلاق( كتاب الأمير)والذى كان يهدف منه ان يكون كتيب تعليمات للحكام ... نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيد فيه فكرة أن ماهو مفيد فهو ضروري، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية :" الغاية تبرر الوسيلة " . لايعرف التاريخ الأوروبي اسما تعرض لسوء الفهم والكراهية والهجوم مثلما تعرض نيقولا م‏ا‏كيافيللي‏.‏... ولم يتعرض كتاب من الكتب الذائعة لاستغلال المؤيدين والمعارضين لمؤلفه كما حدث لكتاب مكيافيللي( الأمير‏).....‏ ومع هذا فإن المنصفين من الفلاسفة والمفكرين الذين أحسنوا قراءة حياة وأعمال مكيافيللي لا يقلون عددا وعتادا عن الآخرين الذين لم يقرأ الكثير منهم كلمة واحدة من إنتاجه‏,‏ ولم يعرفوا شيئا عن أفكاره التي تسلطت علي العقل الأوروبي حقبا طويلة منذ عصر النهضة‏... أو يلموا بشخصيته التي اتسمت بالإيمان الشديد واستقامة السلوك ورقة الشمائل‏.‏.. لقد حاول خصومه تشويه صورته‏,‏ وادعي بعضهم أنه خان وطنه بالتحالف مع البابا‏ وتقديم مصالحه علي مصالح الوطن‏.‏ غير أن حياة الكفاف التي عاشها ماكيافيللي تدحض هذا الادعاء‏,‏ لأن هذا التحالف لو كان صحيحا لتدفقت الأموال عليه‏ وعاش حياة الترف‏...‏ وأقل ما يمكن أن يقال عن أعمال مكيافيللي إنها تمثل الفكر السياسي الحديث في أقوي صوره‏.‏...

هذا الفكر الجديد الخارج علي التقاليد المتوارثة التي تؤمن بالقوة الغاشمة وحدها سبيلا لتحقيق الأمن للدولة.... وبالمنهج العلمي سبيلا للبحث والمعرفة‏.‏.. ‏ أما بالنسبة لماكيافيللي فكان فكره يتحرك تحت مظلة الدعوة للقومية التي يعد من أوائل من آمنوا بها وأرسوا دعائمها توحيدا للوطن الذي فرقته الانقسامات الدينية والحكم الاستبدادي ولكن اذا كان هذا التفاوت بين الرفض والقبول قد جري في حياة ماكيافيللي وبعد رحيله فإن ايطاليا‏,‏ بعد أربعة قرون من تاريخ ميلاده‏,‏ اهتدت إلي الموقف الصحيح‏.‏ واعترفت بفضله‏.‏ ففي‏1866‏ احتفلت بذكراه كبطل قومي لم تجد في لغتها ما يكتب علي قبره إلا عبارة‏:‏( لا مديح يليق بقدر هذا الاسم العظيم‏ ) ...‏ من سفاراته في الدول المختلفة التي امتدت من عام‏1498‏ إلي‏1512... أتيح له فيها أن يتعرف في قصور الملوك والأمراء علي رجال الحكم‏ وأن يقف علي رؤيتهم لأحداث العصر‏,‏ وأساليبهم في العمل السياسي‏ ...وأغلب الظن أن أفكاره السياسية في الحكم‏ التي ضمنها كتابه الصغير الحجم الأمير عام‏(1513)‏ تبلورت بشكلها النهائي تحت تأثير هذا كله‏‏ خاصة ما يتصل منها بالدسائس والمؤامرات والغدر علي كل المستويات‏ القومية والدولية‏.....‏ معلية من قانون القوة والمكر والحيطة في ارتقاء كرسي الحكم‏ وفي المحافظة عليه‏ وفي تدعيم الدولة بقوتها الذاتية لا بالقوي الخارجية‏.‏... والموقف الأمثل لرئيس الدولة في نظر ماكيافيللي أن يكون مرهوبا بلا كره‏.‏..وليس ضروريا لهذا الرئيس أن يلتزم في تعامله النزاهة والوفاء‏ لأنه قد يحقق بالمكر والتحايل ما لا يستطيع تحقيقه بالنزاهة والوفاء‏.‏... ومادام الناس ليسوا أخيارا فلا محل لحفظ العهود مع من يستحقون القدح‏ ....

هذه خلاصة النصائح والتدابير التي وجهها ماكيافيللي إلي ملوك وأمراء عصره‏.‏... يري ماكيافيللي بنظرة عملية بعيدة عن العاطفة والمثاليات أن من يريد من الحكام أن يمسك بالحكم‏‏ فعليه أن يلتفت إلي طبيعة الشعب الذي يحكمه‏ وعلي الشعب أيضا إن أراد أن يتعرف بدوره علي طبيعته الخاصة تعين عليه أن ينظر إلي حكامه ليقرأ فيهم هذه الطبيعة‏.‏...وعنده أن حكم الأمير الذي ارتقي القيادة بعون الشعب خير من الذي يصبح أميرا بمساندة النبلاء له‏.‏... وبغض النظر عن أن مثل هذه المساندة تجعل الأمير أسيرا للنبلاء‏.... فإن هدف الشعب في تقديره أشرف دائما من هدف النبلاء‏......... لأن الشعب لا يبغي في حياته إلا العدل والإنصاف‏.... بينما لا يبغي النبلاء إلا العسف‏.‏.. وحب الشعب للأمير بمثابة الحصن الحامي‏.‏...والأمير الذي يفقد هذا الحب لن تنفعه أحكم القلاع والحصون‏.‏.. والواجب المدني يحتم علي الفرد تقديم مصلحة الوطن علي مصلحته الخاصة‏.‏.. ومصلحة الوطن ليست بالكلمات والخطب‏ وإنما بالعمل الجاد الذي لايصدر عن خوف من الحاكم‏...‏ ويبيح ماكيافيللي للحاكم أن ينقض العهود والاتفاقيات والأحلاف الدولية إذا فقدت نفعها للوطن - هل من الممكن ان يلغى رئيس مصر الذى هو فى رحم الغيب الان الاتفاقيات المذلة والمجحفة كما يقول ماكيافيللى - ولأن كل مصلح يغير النظام القديم بنظام جديد‏... فإن كل المستفيدين أوالمنتفعين بالنظام الزائل سرعان ما يتحولون إلي أعداء له‏... وعن موقف ماكيافيللي من الدين يري أن تعاظم وجود الكنيسة‏.... واتساع نطاق سلطانها الزمني‏... لاينبغي أن يكون علي حساب الدولة‏.‏ ويزخر تاريخ البابوية بأمثلة بالغة السوء علي سطوة الدين‏.... أثارت الكثير من الفتن‏...نتيجة التفسيرات الدينية المتزمتة التي يقدمها آباء الكنيسة‏.‏...

ولهذا‏ علي الدولة أن تحد أو تقلص من سلطة الكنيسة‏ حتي يمكنها أن تفرض نظامها المدني‏ .‏... ومن ناحية مقابلة‏: يوصي ماكيافيللي بعدم إلغاء الدين أو الإستهانة به‏... بل العمل علي تقويته في غير تعارض مع الحياة المدنية‏.‏.. ومع أن ماكيافيللي يفصل فصلا تاما بين السياسة والأخلاق‏... ولا يجد حرجا في أن لا تراعي الأولي الثانية تطبيقا لمبدأ :الغاية تبرر الوسيلة‏.... فإنه في مواضع عديدة من كتابه الأمير يوصي الحاكم أو الأمير بعمل الخير‏... لأن الشر لا يحفظ السلطة وليس طريق المجد دون أن يفقد القدرة علي فعل الشر حين تدفعه الظروف إليه‏... كأن يكون هناك خطر داهم من الخارج يقتضي تحطيم كل العقبات لدرئه.. ذلك أن مصلحة الوطن مقدمة علي كل اعتبار آخر... سواء كان هذا الاعتبار خاصا بالفرد أو بالجماعة‏.‏

وعن المفاضلة بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة فإن الأولوية لمصلحة الجماعة‏.‏... ويعيب ماكيافيللي أولئك الذين لايعرفون كيف يتجاوزون واقعهم إلي ما ينبغي أن يكون‏,‏ شرط أن يتجنبوا الفوضي والعشوائية في تجاوزهم للواقع‏.‏.. ويعول ماكيافيللي كثيرا علي الشباب في هذا التجاوز بما يملكون من طاقة وحيوية لاتتوفر لغيرهم‏.‏.. وبذلك خرج ماكيافيللي علي التقاليد والموروثات التي لاتتلاءم مع العصر‏....وخرج في الوقت نفسه علي المبادئ المسيحية التي يصفها بأنها مبادئ الضعف والوهن‏.‏.. وهذه المبادئ غير صالحة لإقامة دولة قوية في هذا العالم‏... أو علي هذه الأرض‏.‏... والنظام الجمهوري أفضل عنده من النظام الملكي‏.... لأنه أكثر رقيا وحرية اذا ما تهيأت له الأجواء الشعبية المناسبة‏.‏.. وترجع هذه الأفضلية إلي أن الحكم في النظام الجمهوري يكون عن طريق الشعب‏.... وليس عن طريق الوراثة الملكية التي يتركز فيها الهدف علي الدفاع عن مصالحها الخاصة بالملك أو الأمير....‏ وعلي تثبيت نفوذه‏...

علي حين أن الشعب‏ في النظام الجمهوري‏ يدافع عن الصالح العام‏ فضلا عن قدرته علي التغيير الذي تفرضه الظروف المتغيرة‏‏.... ولا يملك مثلها الملك أو الأمير‏.‏... تأثر كثير من حكام اوروبا وغيرها بآراء ميكافيلي ولا سيما تلك التي وردت في الامير ... وجاء تأثر هؤلاء في ظروف مختلفة ومن منطلقات متباينة... وفي كل الاحوال اختار معظم الحكام من آراء ميكافيلي ما كان يناسبهم، وهم في العادة كانوا يتجاهلون الشروط والضوابط الكثيرة التي كان يشدد عليها بحماسة وعن ايمان مطلق، وهذه هي الميكافيلية بعينها... من اوائل الحكام الاوروبيين الذين تأثروا به الملك الاسباني شارل الاول (1508 ـ 1558) الذي كان اول حاكم اوروبي قيل عنه ان الشمس لا تغيب عن ممتلكاته ... وبالرغم من تعصبه للكنيسة الكاثوليكية وحمايته لها فقد شجع هو ووزراؤه توزيع كتاب الامير في اسبانيا... وتحمس توماس كرومويل (1485 ـ 1540) السياسي الانجليزي البارز في عهد هنري الثامن، للافكار الواردة في الامير ، فقد حصل علي نسخة مخطوطة منه ومكن ملكه من اقامة حكم مطلق اصبح هو واحدا من ضحاياه فيما بعد... وقد عثر علي الكتاب في جيب كل من هنري الثالث وهنري الرابع ملكي فرنسا عند قتلهما.... كما تأثرت به اليزابيث الاولي (1558ـ 1603) التي كانت اعظم حكام انجلترا في عهد آل تيودور وحققت نجاحات مشهودة علي الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي كانت تحاول الحفاظ علي التوازن في علاقاتها دائما...

اما الوزير الاول الفرنسي ريشيليو الذي يعتبر من انجح ساسة اوروبا في النصف الاول من القرن السابع عشر فقد اعجب بماكيافيللي اعجابا شديدا واعترف في وصيته السياسية بأنه اعتمد علي آراءه الذي دافع عنه وأكد بأنه لم يتجاوز في اعماله حد تسجيل اسلافنا بشكل صادق وأمين... وعرف نابليون بونابرت كتابي الامير و المطارحات وجعلها في مقدمة اجود الف كتاب انتقاها لتؤلف له مكتبة متنقلة، وله تعليقات عن كتاب الامير الذي يعتقد كذلك بأنه قام بترجمته. ولم يقل اعجاب نابليون الثالث بأفكار ماكيافيللى عن اعجاب سلفه ... وكذلك هتلر الذي اعترف بذلك في كتابه المعروف كفاحي ..... وهناك بعض الساسة الكبار الذين جاؤوا بعد ماكيافيللى ولم يطلعو علي آرائه، الا ان كل واحد منهم يصلح ان يكون مثالا مشوها في الغالب للامير الذي اراده ميكافيلي!!!

ومع ان هناك من الكتاب من يعتبر الرئيس الفرنسي السابق ديغول الانموذج الامثل للامير الحديث، الا انه من الصعب في الواقع ان يستطيع حاكم معاصر،مهما كانت الظروف، تقمص الشخصية التي ارادها ماكيافيللى بحذافيرها... وهنا يجدر بنا ان نجلب النظر الي فكرة مهمة طرحها الثوري الايطالي (جرامشي) بهذا الصدد. ففي رأيه ان الفرد في عالمنا المعاصر عاجز عن ان يتحول الي (امير) ماكيافيللى بل يجب ان يغدو الامير الحديث هو الحزب السياسى الثورى ... كل ما سبق يبين، بشكل لا لبس فيه، الموقع البارز الذي كان، ولا يزال يحتله ماكيافيللى في الفكر السياسي العالمي وتطوره. فكان من الطبيعي ان يحتل مهما طال الزمن، المكانة المرموقة الجديرة به في قلوب الناس، ولا سيما الطليان... أهم صفات الأمير -الحاكم- في نظرماكيافيللى :

- من ناحية الأخلاق : عليه التخلص من الأخلاق والتقاليد والبدع والقيم المسيحية وخاصة التواضع والرضوخ للحكام ، واستعمال الدين كوسيلة لكسب الشعب فقط ..!

- من ناحية السياسة الداخلية : عليه أن يجمع بين حب الناس وخوفهم منه ، وإن تعسر ذلك فعليه أن يتأكد من كونه مخيفاً ومهاباً ..

- من ناحية السياسة الاقتصادية : عليه أن يسعى لتحقيق العدالة الاقتصادية وتوزيع الدخل بشكل عادل ،لأن وجود طبقة فقيرة تشكل أغلبية سيكون سبباً فيما بعد لقيام ثورة ضد الحاكم .. - من ناحية السياسة الخارجية : عليه أن يتعلم أن يتخلص من عهوده ووعوده إن كانت عبئاً عليه ، وعدم التردد في استعمال القوة عند الضرورة .

- من ناحية الحروب : ركز ماكيافيللى على وجوب إقامة جيش وطني قوي ، فالمرتزقة لا ولاء لهم الا للنقود ... - يقول ميكافيلي في كتابه : ” وهنا يقوم السؤال عما إذا كان من الأفضل أن تكون محبوبا أكثر من أن تكون مهابا أو أن يخافك الناس أكثر من أن يحبوك .... ويتلخص الرد على هذا السؤال في أن من الواجب أن يخافك الناس وأن يحبوك ولكن لما كان من العسير الجمع بين الأمرين ، فإن من الأفضل أن يخافوك على أن يحبوك ، هذا إذا توجب عليك الاختيار بينهما ... وقد قال عن الناس بصورة عامة : أنهم ناكرون للجميل ، متقلبون ، مراءون ميالون إلى تجنب الأخطار شديدوا الطمع ، وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم فيبذلون لك دمائهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون ، طالما أن الحاجة بعيدة نائية ، و لكنها عندما تدنو يثورون” انتهى كلامه .... والجدير بالذكر أنه لم يتم نشر كتاب "الأمير" إلابعد وفاة ماكيافيللى بخمس سنوات ، وأول من هاجمه هو"الكاردينال بولس" مما أدى لتحريم الإطلاع على كتاب الأمير ونشر أفكاره، وكذلك انتقد "غانتيه" في مؤلفٍ ضخم أفكار ماكيافيللى ، وقد وضعت روما كتابه عام (1559م) ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه . ولكن وعند حلول عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عن ماكيافيللى ويترجم كتبه.... ولم يصل وفكره لما وصل إليه الآن إلا في القرن الثامن عشر عندما مدحه "جان جاك روسو"، و"فيخته"، وشهد له "هيجل" بالعبقرية ، حتى اعتبره أحد الأركان التي قام عليها عصر التنوير في أوروبا... وقد اختار "بنيتو موسيليني" –حاكم إيطاليا الفاشي– كتاب "الأمير" كموضوع لأطروحته التي قدمها للدكتوراة ، كما كان "هتلر" يقرأ هذا الكتاب قبل أن ينام كل ليلة ، ناهيك عن من سبقهم من الملوك والأباطرة "كفريدريك" و"بسمارك" وكل من ينشد السلطة .. لعب الحكام الماكافيلليون دورا لا يقل خطورة عن دور الجزويت في تشويه سمعة ماكيافيللى ... فان هؤلاء كانوا يختارون ما يناسبهم من آراء ماكيافيللى متجاهلين في الغالب ما وضعه من ضوابط لتصرفات الحكام.... فقد كانت الملكة الفرنسية الايطالية الاصل كاترين ميديتشي تعتبر الامير كتابها المقدس دون ان تتمسك بالافكار الواردة فيه مما يبدو واضحا من تصرفاتها الشخصية وسياستها العامة.

الا ان اعجابها به وتشجيعها لنشر الامير كان كافيا لاعتبار ماكيافيللى مسؤولا عن فعلتها النكراء عندما دبرت باسلوب وضيع مذبحة عامة للبروتستانت الفرنسيين في ليلة احتفائهم باحدي المناسبات الدينية (سان برثلوميو) عام 1572، مما ادي الي ان يصب البروتستانت جام غضبهم علي ماكيافيللى ... فبعد ذلك بخمس سنوات فقط اصدر غاتييه كتابه ضد ماكيافيللى الذي لم يحمله فيه مسؤولية المذبحة المذكورة فحسب، بل اعتبره كذلك المسؤول الاول عن كل مساوئ ملوك فرنسا هنري الثاني وشارل التاسع وهنري الثالث.... وربما كان ماكيافيللى الضحية الوحيدة للكاثوليكية الذي لم يدافع عنه البروتستانت، بل اتهموه بكل بساطة بكونه معلم الملوك الكاثوليك .... كان الملك البروسي فردريك الكبير أشهرماكيافيللى حارب ماكيافيللى بحماسة مصطنعة.

فقبل مجيئه الي الحكم تهجم علي ماكيافيللى في رسائله التي كان يبعثها الي المفكر الفرنسي فولتير وذلك جريا علي عادة ملوك وامراء اوروبا الذين كانوا يحاولون اظهار انفسهم في ثوب يتفق مع قيم عصر التنوير. وفي السنة التي تسلم فيها العرش الف فرديرك كتابا سماه ضد ماكيافيللى والذي وصف فيه ماكيافيللى كمدافع عن الجريمة وكأحد خوارق الشيطان Cetavocatcrime Cetoraclede وقد ذكر فردريك في الكتاب نفسه ان ماكيافيللى يستهدف من آرائه اقامة حكومة مستبدة، غادرة، جشعة واثارة حروب غير عادلة .... واذا كان ماكيافيللى لم يدع في اي من مؤلفاته الي مثل هذه الامور، فان فردريك طبق اكثر منها خلال سنوات حكمه الست والاربعين. وكما جاء في تعليق احد المؤرخين فان هذه الامور بالذات هي التي جعلت من فردريك الكبير مشهورا فيما بعد . ومن الجدير بالذكر ان فردريك كان يشبه من اوجه كثيرة سيزار بورجيا، ولا سيما والده البابا الكسندر السادس.... وقد بلغ استبداده في الحكم حد انه رفض ان يكون له وزراء كي لا تتحول رواتبهم، حسب ادعائه، الي عبء علي كاهل الخزينة بينما لم يتوان هو عن الصرف من اجل تشييد افخم قصر له ولحاشيته......

وفي الوقت الذي لا يمكن فيه العثور علي ثناء واحد علي حكم الفرد بين دفتي الامير او اي من مؤلفات ماكيافيللى الاخري، فان فردية فردريك في الحكم بلغت حدا كان فيه يشــــرف بنفسه علي جميع قضايا الدولة يساعده في ذلك سائس خيله الذي كان يقرأ رسائله ومكاتباته خلال ساعات الفجر القليلة ويأتي له في السابعة برزمة كبيرة تضم القضايا التي لا بد من اطلاع الملك عليها حسب رأيه... واذا دعا ماكيافيللى الي الاهتمام بالجيش الوطني فانه لم يوص ابدا بأن يخصص اميره الانموذج حوالي 80% من ميزانية الدولة لقضايا الحرب والدفاع كما فعل ذلك فردريك الكبير. وفي الواقع لا يوجد ابلغ من تعليق فولتير علي كتاب فردريك: لو كان لدي ماكيافيللى امير حواري فانه كان ينصحه بأن يكون اول عمل يأتي به تأليف كتاب ضد ماكيافيللى . وفعلا ان فردريك دشن شهرته بكتابه هذا، وقد يكون بذلك آخر من يسمح له التاريخ بأن يشوه صورة صادقة بهذا الشكل الفظيع ... ولكن لا ينفي ذلك حقيقة ان فردريك كان واحدا من الذين اشتركوا في بلورة تقليد غير واقعي عن مؤرخ النهضة الكبير.

ادت الحملة الواسعة ضد ماكيافيللى في القرن السادس عشر الي تكوين فكر سلبي عنه توارثته الاجيال بشكل موضوعي.... فان معظم الذين يستخدمون مصطلح الميكافيلية لم يقرأوا مؤلفات ماكيافيللى ، او في احسن الاحــــوال اقتصروا علي قراءة سطحية للامير الذي لا يعتبر من اصغر مؤلفاته فحسب، بل انه يشكل نســــــبة ضئيلة جدا مما كتبه. ثم ان الامير بحـــــاجة الي دراسة جدية معمقة كعلم لا كدعاية ، بل ان هنالك من المؤرخين من يؤكد علي ضرورة قــــــراءة الامير اكثر من مرة، الاولي سطحية، تدعو الي كره الكاتب والثانية ادق تكشف نواياه الحقيقية .... لقد حال التقليد الاعمي والتجاهل المطلق لمؤلفات ماكيافيللى دون وقوف الناس بأنفسهم علي ما كان يدعو اليه باخلاص... لا شك في ان العوامل التي عرضناها كانت كافية لتشويه سمعة اي مفكر في العالم ولتحريف آرائه. ومن الجدير بالذكر ان الذين حاولوا النيل من ماكيافيللى لم يضعوا اليد علي النواقص الحقيقية والجوانب الضعيفة في افكاره.... فان الرجل، كأي عالم اخر من اعلام النهضة وكابن عصره، لم يكن مصيبا في كل ما عالج، ولا سيما انه كان رائدا في طرقه لعدد من اشد المواضيع تعقيدا... فقد توسل بما اعتبره شخصيا اسلوبا جديدا للاجابة عن اسئلة لم تثر عمليا من قبل ... ومثلما سلط جاليلو منظاره الي الكواكب، فوجد انها من ذات التربة التي تكونت منها الارض، سلط ماكيافيللى منظاره الي الملوك والسلاطين والحكام والامراء ، فوجد انهم يتصرفون مثل الوحوش في الغابة . كلاهما بدأ تاريخا جديدا في مجاله، وكان من اسباب ظهور نظرة جديدة الي الطبيعة والمجتمع. وكلاهما اسيء فهمه واضطهد...لكن اذا كان جاليلو سرعان ما أعيد اعتباره، فان شيطنة ماكيافيللى بقيت خصوصا في اذهان الشرقيين متجسدة كما كانت في اوروبا القرون الماضية... فهل استعاد ماكيافيللى صورته الحقيقية حتى لانظلمه بدون سند ... اشك فى ذلك



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امنعوا زواج القاصرات لان زواج النبى من عائشة وهى بنت 9 سنين ...


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - ماكيافيللى ... أنى للمديح ان يفى هذا الاسم حقه