أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المهدي الادريسي - المثقف و براديغم النقذ .















المزيد.....

المثقف و براديغم النقذ .


المهدي الادريسي

الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 08:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن وقوف المثقفين في وجه السلطة الظالمة مطالبين بالعدل هي التزام سياسي، وتخليهم عن هذا الالتزام يلغي عنهم صفة المثقفين. وإن النقد السياسي لا يعني المعارضة الآلية ولكنها تساؤل ومواجهة النظام مع خطابه وممارساته من جهة، والقيم الديمقراطية من جهة ثانية؛ فنقد السلطة ضروري لأنه يمكن أن يكون عملا منقذا لها من السقوط في الطغيان. ولقد تطور مفهوم النقد مع العلوم الاجتماعية، وليس من الصدفة أن يتخرج معظم المثقفين الفرنسيين من هذه العلوم، فنقدوا النظام نقدا سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، مما سمح لهم ببناء إستقلاليتم عن السلطة بالاستعمال الحر للعلم، بعد ما فهموا أن السياسة لا تتلخص فقط في كيفية عمل البرلمان، ولا في التسيير الحكومي أو في إيديولوجية الأحزاب، بل السياسة تعني أيضا حماية وتطوير الحقوق والحريات الضرورية التي تُأسس الديمقراطية، وتحفظ التلاحم الاجتماعي بإشاعة الحوار، وقبول الاختلاف باحترام مواقف الآخرين...
نعم إن فوكو قبل أن يدافع عن المفهوم الجديد للسلطة، قدم نفسه كفيلسوف جديد و ملتزم بقضايا عصره، حيث فتح شقته الباريسية أمام كل المدافعين عن الحق في الحق، ولذلك تحولت إلى مقر الاجتماعات المتعلقة بالتحقيق في أوضاع السجون بفرنسا، وفضح الوجه البشع للسلطة التي تحتكر العنف، وتحرض كل تطبيق لأقصى العقوبات على السجناء وتدمير أجسادهم، لأنها لا تكتفي بالمراقبة والعقاب من خلال محاكمة المجرمين وسجنهم أو وضع حد لحياتهم بطريقة إنسانية، ولكنها تحطمهم بعنف وقساوة. ولذلك يتساءل فوكو قائلا: هل هناك من خطاب مقنع تسعى السلطة السياسية إلى تبليغه عندما تقوم بتدمير الجسد ببشاعة أمام الجمهور؟
من العادات السيئة التي ورثتها السلطة السياسية عن الأنظمة المطلقة تلك العادة التي تجعل من التعذيب غاية للترهيب، لأن ما يهم ليس هو تنفيذ حكم الديكتاتور الذي يختمه بخاتمه الشخصي في حق كل مجرم أو معارض لنظامه، بل ترهيب الرعية من أجل أن تعيش الخوف المطلق.
ولذلك نجد ميكيافيلي في كتابه الشهير ينصح الأمير بأن يحافظ على هيبته لكي يكون محبوبا. خاصة وأن الرهبة تولد الطاعة والانصياع. وقد لاحظ فوكو بأن السلطة السياسية تبحث عن شرعيتها من خلال العنف وممارسة التعذيب على الأجساد والأرواح. مما يخول لها الاستحواذ والهيمنة على الكل لأن شعارها الكل أو لا شيء.
هكذا تتحول الفلسفة مع فوكو من مبحث في الحقيقة إلى تعرية حقيقة السلطة السياسية، انطلاقا من تجلياتها في آلة العنف والتعذيب والحجز. فالمحكمة والسجن والمصحة النفسية كلها وجوه بشعة للسلطة القمعية، ولعل هذا بالذات ما جعل الفيلسوف ينخرط في حاضره الواقعي متذوقا مرارة السجن مع السجناء وعنف التعذيب مع المحتجزين وبشاعة الإعدام مع الذين ينفذ فيهم حكم الإعدام، والشوق إلى الحرية مع المتشقين.
ولأن السياسيين ” يضنون أنهم مسؤولون عن كل شيء، ومن واجبهم معرفة كل شيء، وعندهم إجابة لكل شيء“ كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي ميشال كروزيي Michel Crozier، لذا يحاول المثقفون تطوير أنواعا جديدة من السلطة المضادة، مثل الخبرة الاجتماعية والاقتصادية التي تستفيد منها قيادات الأحزاب (في الدول التي بها حياة حزبية فعلية) والشركات الكبرى، لأن انتخاب الممثلين السياسيين لا يلغي تمثيل المجتمع بوسائل وطرق أخرى، واقتراح حلول لمشاكله تأتي من غير السياسيين أيضا بعد ما أصبحت الديمقراطية تقبل بنقد مؤسسات المجتمع المدني، والتي اكتسحها المثقفون، وخاصة الاختصاصيون، والذين يسميهم عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو Michel Foucault ، "المثقفون المهنيين"، فيدلون بآرائهم في كل القضايا التي تهم المجتمع، وضد بعض برامج السياسة العامة المختلفة للدولة، مثل توقيع 19 مؤرخا من كبار المؤرخين الفرنسيين لعريضة بعنوان "الحرية للتاريخ" ضد القوانين التي تحدد عمل ومجال البحث التاريخي أو مثل نداء الأطباء ومساعديهم لأجل رفع العقوبة عن إجراء إنهاء الحياة الاختياري أو ما يعرف بالفرنسية الأتنازي l’euthanasie...الخ
فإن فوكو برهن في كتابه "المراقبة والعقاب" على أن السجن في أفق الحداثة لم يعد يكتفي باحتجاز الخارج عن العقد الاجتماعي، وإنما يتم توظيفه بطرق جديدة في سيرورة الإنتاج. حيث يتحول المحكوم عليه بالسجن إلى ذات منتجة يستفيد منها المجتمع. وبخاصة أن الهدف من العقاب في المجتمعات الحديثة ليس هو الحد من الجريمة ومحاربتها، بل تغيير المجرم وإصلاحه من أجل إعادة إدماجه في حميمية العقد الاجتماعي، وتخليصه من التهميش والحرمان. ليكون مواطنا منتجا عندما يخرج من السجن.
نعم إن الحداثة مرتبطة بالرأسمالية التي تقوم على الإنتاج، والجسد هو محرك الإنتاج، ولذلك فإنه يعتبر وصفة سحرية للازدهار الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن المدهش في ضيافة شقة فوكو أننا نتعلم عدم الاطمئنان للقدر الذي يتم اختياره لنا من قبل السلطة السياسية، لأن غايتها تكون دائما في تضادّ مع غاية الإنسان الذي خلق حرّا وتحوّل إلى عبد يشقى من أجل أن يحيى، ها هنا لا تكمن المفارقة في سوء نية السلطة عندما تدفع أجورا للمساجين مقابل أعمالهم، بل من أجل إخضاعهم لدوران أفلاك النظام الرأسمالي، بيد أن فوكو يلاحظ أن السحر قد ينقلب على الساحر، حيث تتحول السجون إلى مصنع للمجرمين المحترفين الذين سيشكلون خطرا على المجتمع بعد خروجهم من السجن. ولذلك فإنه بالرغم من الزيادة في عدد السجون: "فإن كمية الجرائم والمجرمين تبقى ثابتة أو الأسوأ أنها تزيد". هكذا يغدو السجن إعادة لإنتاج العنف، بل يتحوّل إلى آلة لصناعة الموت، كما لاحظ فرانسوا بولون في كتابه "ميشال فوكو والسجون".
الملاحظ أن فوكو لا يتركنا نتمتع بقلق أسئلته واضطراب خلاصاته، بل إنه يحكم علينا بالتنقل المستمر من زمن إلى زمن، ومن الاطمئنان إلى عدم الاطمئنان، إن كتاباته مضطربة ورائعة كالبحر، هكذا نرغم أنفسنا على الاعتراف بأننا نسافر في عوالمه على ظهر قارب ثمل ، ربما تكون هي نفسها قارب الشاعر رامبو.
ولكن هل سنصل إلى اليابسة كذلك البحّار الذي خاض غمار بحر مرعب، وحين وضع قدميه على اليابسة هتف: آه اليابسة !
المهدي الادريسي. باحث في علم الاجتماع السياسي







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صَدمة وقوالب حلوى والكثير من الأمنيات نانسي عجرم تحتفل بعيد ...
- جمال روبرتس بطل جديد لـ -أمريكان أيدول-
- غـــزة: أي تــداعــيــات لــلــعــمــلـيـة الــبــريـة ؟
- ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات -عقابية- بسبب ...
- قادة بريطانيا وفرنسا وكندا يهددون بمعاقبة إسرائيل إذا لم تُو ...
- نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط في لبنان مجددا ...
- أكثر من 100 دولة تؤكد مشاركتها في مؤتمر الأمن في موسكو
- خبير مصري يحذر من خطر داهم يهدد مصر والسودان بعد تأخير إثيوب ...
- أوشاكوف: ترامب أكد لبوتين أن العلاقات الأمريكية الروسية ستكو ...
- مساعد الرئيس الروسي يحدد مخرجات المحادثة بين بوتين وترامب


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المهدي الادريسي - المثقف و براديغم النقذ .