ثامر قلو
الحوار المتمدن-العدد: 1011 - 2004 / 11 / 8 - 05:55
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
لنعترف بأن الوضع في العراق خطير على أبناء الشعب العراقي عامة , وخطير جدا على المسيحيين خاصة, وهو يتفاقم ويسير نحو الاسوأ يوما بعد أخر , بل أنه يكاد يدنوا من شفا كارثة حقيقية لا يحمد عاقبتها أحد في المنظور من الايام .. فمن يدري ! ؟
لنعترف , ورغم مرارة هذا الاعتراف بأن الكيان العراقي , وهو دولة العراق , وشعب العراق متمثلا بكل فسيفساءه الدينية والعرقية , بات يكتنف مصيره ومستقبله غموض كبير , لم يسبق له مثيل منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وما تلاه أبدا !
لنعترف وهي حقيقة , ان اقامة النظام الديمقراطي الحقيقي في الدولة العراقية المنشودة , الذي يكفل الحقوق الاساسية للمواطن , اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا ودينيا , بات حلما بعيد المنال ان لم يكن ترها من الترهات !
هذا كله وغيره كثير لا يحصى ولا يعد يجري أمام الملأ , كأنه حلم أو حقيقة , فهما سيان , نتلمس حيثيات الحلم , ونتوجس عواقب هذه الحقائق وتبعاتها , على العراق كدولة , وعلى العراقيين كشعب في العين ذاته .
نقولها صراحة , أن العراق سائر نحو أفق مجهول لا يمكن التكهن بتبعاته وهي صراحة مريرة , تولد الغيم والقيظ في قلوب محبيه وعاشقي ترابه والمضحين في سبيل غدا أفضل لشعبه, لكنها الحقيقة عينها التي ينبغي أن لا توارى , فمن يرى خلافها وهم كثيرون وطيبون , لا يستحقون سوى التثمين والاجلال , لتفاءلهم او لتوهمهم وهما صارا سيان أيضا !
أربعة سيناريوهات مرشحة للحدوث والتطبيق في العراق بعد مرحلة الانتخابات , الذي بات زمن اجراءها قريبا جدا, أحلاهما مر بالنسبة للمسيحيين, ولا يجد المراقب المنصف كثير عناء في تلمس واستشفاء بيناتهم .
السيناريو الاول هو أن تفوز القائمة الاسلامية المكونة من الاحزاب الشيعية مدعومة بقطاعات كبيرة من الاصولية السنية , بما فيها الحزب الاسلامي العراقي الذي ينشر فوضاه الاسلامية في مدينة الموصل وتوابعها , بعد تزكية ومباركة من السيستاني طبعا فضلا عن الدول الاقليمية مثل ايران ودول الخلجان ومنظماتهم الخيرية , وهي منظمات كريمة تنعم بالسخاء في هذه الامور, ما يعني أن قطيعة ستحدث بين المسيحيين وبلدهم الاصيل العراق, قطيعة مريرة , يرغم المسيحيون على اجترارها وهي ترك العراق والبحث عن اماكن اخرى أو دول اخرى تمهد سبلا أفضل أمامهم للاستقرار , وخروج المسيحيين هو شفاء زميم بالنسبة لغلبة من مناصري هذا التيار , ولن تنطلي تبجحات مزوقة يطلقها هذا المرجع أو ذاك المتنفذ منهم لطمئنة المسيحيين لان تجربة سنة وبضعة أشهر التي اقبلت على سقوط النظام , تكشف كل شي , هذا ان تجاوزنا الاستشفاء بتجارب دول تنهج ذات الفلسفة العقيمة في الحياة , وهي تجارب عديدة مازالت ماثلة للعيان .
السيناريو الثاني هو ان تنجح القوى الديمقراطية مدعومة بقوى الشعب الكردي والمسيحيون والمرأة والعلمانيون بكل اتجاهاتهم من الذين يتوجسون مخاطر تشكيل حكومة دينية في العراق على مستقبلهم , وعلى مستقبل الدولة العراقية في الوقت نفسه, وهو سيناريو يحتمل حدوثه بقوة ان جرت الانتخابات بشفافية , ورغم مدلولاته الايجابية على المستوى البعيد بالنسبة للشعب العراقي عامة , الا ان المسيحيين سيدفعون ثمنا مضاعفا في حال حدوثه للعديد من الاسباب , من بينها أن استتباب الامن والاستقرار يتطلب وقت طويل وحزم شديد , وهو ما ستفتقر له الحكومة الفتية المشكلة في حينها , أي بمعنى أخر أن الرعاع من المتطرفين مدفوعين بقوى اسلامية عديدة لا يتوانون عن المحاولة في اجهاض بناء التجربة الديمقراطية في العراق , عندما يرون أن حلمهم في اقامة مجتمع ديني خاب , مما سيطال انتقامهم الحلقات الضعيفة في المجتمع وهي المرأة والمسيحيين , ما يعني أيضا أن المسيحيين , لا ياتمنون على حياتهم في ظل وجود عصابات وقوى متطرفة , تنال من حياتهم وطمأنينتهم كل يوم , وهو بالتالي, انهم سيدفعون للنزوح من مناطق عديدة هربا بجلودهم , على الاقل للحفاظ على حياتهم , من شرور هذه العصابات , التي تغذي منابع العنف لديهم ومباركته قوى دينية عليا متنفذة , أو رجال دين لهم سطوتهم ونفوذهم في الشارع العراقي حاليا .
السيناريو الثالث هو أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية , تشارك فيها القوى الرئيسية وهو احتمال وارد جدا لان كثيرين يرون فيه كمبادرة توفيقية تتطلبها المرحلة الانتقالية , وهو تحليل هش لا يستند الى أي حجة عقلانية , لانه سيطيل الفوضى العراقية الى أجل غير مسمى , وما يهمنا الان وضع المسيحيون حياله , وحتى نختصر الكلام في شأنه لكم أن تتخيلوا ساعتها حكومة علاوي , وهي تحكم من جديد , فهل وفرت الحماية للمسيحيين , وهل هي قادرة على توفيرها حقا في ظل وجود قوى متنفذة عديدة مختلفة الاهواء والمطامح في الحكومة , اي بضعة حكومات تزاول الحكم وتقاسمه في نفس الوقت .
السيناريو الرابع , هو أن تتلاشى الدولة العراقية ويعلن الاكراد استقلالهم , ويشرعوا بالهجوم على مدينة كركوك , والشيعة أيضا يسيطرون على الوسط والجنوب , والسنة على المثلث السني , ما معناه أن مجازر جماعية سترتكب بحق المسيحيين , ان لم تكن فرمانا جديدا يعيد للاذهان فرمانات اوائل القرن الماضي . ويجب أن نعترف بأن هذا السيناريو هو أبعد السيناريوهات المتوقع حدوثها في العراق الا أن أمره غير مستبعد أبدا .
لا غير هذه السيناريوهات مرشحة للحدوث في العراق, وهي جميعها لا توفر المأوى الامين للمسيحيين , ولا طمأنتهم على مزاولة حياتهم بشكل طبيعي , أو معقول على الاقل .الامر الذي يعني ان دراسة مستقبل الشعب الكلدوأشوري في العراق وهم مسيحيون صار ضرورة لا تقبل التأجيل , لان المسألة مرتبطة بمصير شعب , وليس بضعة أشخاص يمكن غض النظر عن ملابسات التعرض لهم .
#ثامر_قلو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟