أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مدحت صفوت محفوظ - تفكيك الاستبداد في -الحارس- لعزت القمحاوي















المزيد.....

تفكيك الاستبداد في -الحارس- لعزت القمحاوي


مدحت صفوت محفوظ

الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


من أجل مستويات الأمان الأعلى يجب أن نتصرف على أن الشمس قد تنطفئ فجأة
في المعجم العربي "اسْتَبَدَّ فلان بكذا أَي انفرد به وفي حديث عليّ رضوان الله عليه كنا نُرَى أَن لنا في هذا الأَمر حقًّا فاسْتَبْدَدتم علينا يقال استبَدَّ بالأَمر يستبدُّ به استبدادًا إِذا انفرد به دون غيره واستبدَّ برأْيه انفرد به" وعند الفيروز أبادي "واسْتَأْثَرَ بالشيءِ: اسْتَبَدَّ به، وخَصَّ به نَفْسَهُ" إذن تفيد الدلالات اللغوية للكلمة معاني الانفراد بالرأي والإيثار مما يتتبع وجود عنف لتحقيق هذا الانفراد والاستبداد، والعنف "تعريفيا، هو خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى".
ولقد تناولت الراوية العربية عامة، والمصرية بخاصة، صور الاستبداد والتسلط والعنف السياسي، فخلال العشر سنوات الأخيرة، شهدت الساحة الأدبية ظهور العديد من الروايات التي تخترق التابو السياسي، مصورة العنف السلطوي والاستبدادي. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر روايات: أشجار قليلة "نعمات البحيري، أيام وردية "علاء الديب"، حالة سقوط "محمود الورواري"، بمناسبة الحياة "ياسر عبد الحافظ"، أن تكون عباس العبد "أحمد العايدي، الزعيم يحلق شعره "إدريس علي"، الحب على الطريقة العربية "ريم بسيوني"، أوطان بلون الفراولة "محمد سامي البوهي"، والحارس "لعزت القمحاوي".
تكتسب رواية الحارس خصوصية من تناولها لموضوع يعد جديدًا بالنسبة للسرد العربي من ناحية، ومن ناحية أخرى ابتعدت لغة الرواية عن لغة التهويل والإنشاء والمباشرة، وغدت لغة "فنية" تصور الواقع الاجتماعي والنفسي للشخوص التي مارست القمع أو مورس عليها.
تبدأ الرواية بمشهد يحكي عن ممارسة "المدرب ناجى" لساديته، أو على الأقل عنفوانه/ تجبره، فطالب الكلية الحربية الذي يتأخر في النزول من سريره ثانية واحدة بعد صافرة المدرب ناجي "يتلقى العقوبة التي تخترعها مخيلة المدرب في تلك اللحظة" ص7.. فإما أن يصب دلو ماء مثلج على نفسه، أو يقوم بجمع زلط ساحة الطابور ويفرز الزلطة الذكر من الزلطة الانثى، أو العقاب الأكثر قسوة، والدال على مدى تسلط المدرب وهو قياس مساحة العنبر بإبر متفاوتة الطول، "وكان المدرب يغير إبرة القياس حتى لا يركن أحدهم إلى قياس سابق. وكان بالطبع يعرف القياسات كلها، ومن الصعب خداعه". "الرواية ص7"
ومع اندماج "وحيد" في سلاح الحرس الجمهوري، يكتشف أنه الوحيد الذى يحمل اسمًا، وجميع الباقيين أصبحوا بلا أسماء، ولايعدو الاسم -في نظرنا– مجرد وصف، أو مسمي الشيء كما يقول المعجم العربي؛ بل يتجاوز المسمي ذلك، ولسنا مبالغين إن قلنا: إن المسمى وجود، ولا يوجد الاسم إلا من خلال اللغة، واللغة -كما يقول هايدجر- منزل الوجود، ولها قدرة على الإحالة إلى ..، وهي مناط البحث الأدبى وغايته.
هنا، يبدو احتفاظ وحيد باسمه، في بداية الرواية، نوعًا من الاحتفاظ بالوجود بالمعنى الأنطولوجي، في ظل عملية محو مقصودة للوجود الإنسانى من قبل جهاز السلطة التي لا تكتفي بمحو الاسماء فقط؛ وإنما تعمل على محو الملامح وتمايزها، وصولا إلى اللا ملامح.. هل يمكن أن نقول وصولًا إلى العدم؟ فكما يشير فيصل دراج "ملامح الإنسان وحريته لا بنفصلان".
اللافت للقارئ، أن أحد الضباط يشير إلى أنهم –كضباط- قد تخلوا عن أسمائهم بمحض إرادتهم، بيد أننا نقرأ هذا التصريح ضمن باب التعريض السردى –المنطوق خلاف المقصود- فأي إرادة تلك لمن تحول إلى أداة وجودها في تنفيذ التعليمات حرفيًا، ودون جدال أو مناقشة أو استفسار حتى؟
"فكلمة لماذا أول المفاسد المدينة التى يجب أن تنسوها إلى الأبد.. سعيد الحظ منكم فقط، الذي سيتمكن من استعادتها ذات يوم عندما يصبح قائدًا أعلى، عندها سيستعيد لماذا مع الأشياء الضرورية الأخرى في حفل تسلم المسئولية من القائد السابق" ص85.. هكذا يشرح اللواء عارف لضباط السلاح الذين استبدلوا بلماذا "كلمتين: علم وينفذ". ص85
وبما أنه لا رغبة للفرد في الحالة السابقة، إذ هو يفقد حقًا أو يكتسبه طبقًا لما تفرضه الحاجة السلطوية، وضرورة أمن الحاكم/ القامع. فبالتالي لايمكن أن نصدق أن الضباط تخلوا عن أسمائهم، هكذا، بإرادتهم. ويفضح هذا التعريض بقية الحوار؛ حيث يقول الضابط "الناس يكونون بحاجة إلى الأسماء عندما يعيشون لأنفسهم، أما الحراس الذين يعيشون من أجل الرئيس فلا حاجة بهم للأسماء". ص28.. هنا يتم الكشف عن ممارسة استبدادية للحاكم أو لنظامه؛ حيث يقوم بمحو "الهوية الشخصية والاجتماعية من خلال انتحال المرء لشخصية أخرى، أو حتى عدة شخصيات في آن". "الأنماط الثقافية للعنف.. ص264".. فالملامح التي تفرضها السلطة على ضباط الحرس هي اللاملامح، والسمات التى تطالبهم بالحفاظ عليها هي اللاسمات.. وهنا عودة أخرى إلى العدم.
تؤكد باربرا ويتمر على أن "أنماط العنف هي مجموعة رمزية من أشكال السيطرة الاجتماعية المرئية وغير المرئية تجاه العنف، يتم الإفصاح عن آثارها والفرضيات ورائها في نمط من المعتقدات، والمواقف والتصرفات الثقافية" "الأنماط الثقافية للعنف ص13".. وفي رواية الحارس تأتى الصدفة الروائية على إبراز وكشف السيطرة غير المرئية، ففي أكثر من موضع يطالب وحيد نفسه بالسيطرة على الحلم وفي المرة التي حلم فيها بالمرأة التي شدت انتباهه أثناء موكب الرئيس، وظل يقترب –في الحلم- منها حتى هزته النشوة وتلوثت ملابسه. صباحًا يكتشف أن كلمة السر "كفل" حينذاك (ارتجف بعنف لاحظه الضباط القريبون منه). ص39
وفى موضع آخر يؤنب نفسه على عدم السيطرة على أحلامه، بعدما حلم بإمبراطور "بدل الرئيس" يقوم بتتويجه وتكريمه، وبعدها –في الواقع- يتم استدعاؤه من قبل القيادة فيظل متوهمًا أن القيادة ستسائله على حلمه، بعدماعلمت بكامل تفاصيله. ويظل "وحيد" يعانى الوهم بين صدفتين [هل كانت السلطة في حاجة إلى الصدفة لاكتساب المزيد من أشكال العنف؟].
وكما توهّم معرفة السلطة باللامرئى وبلا وعي الشخوص، توهّم وحيد العقاب على غرار "وهم" موظف تشيكوف الذي ظل يعاني متاهات الوهم، وردود فعل متخيلة، إلى أن قضى الوهم عليه. إلا أن وهم وحيد لم يقض عليه، إذ قصدت الذات الساردة فضح ممارسات السلطة المستبدة، وتبنى المستبدين بهم رؤية الاستبداد وتضخيمها عن طريق الواقع الكائن تارة، وبالوهم المتخيل تارات أخرى. وتكشف الشخوص عن الوهم بداخلها بعد تناول الحشيش، وتغيب عن وعيها، أو بعبارة أدق، تترك العنان لمكبوت اللاوعى في الظهور والإعلان عن نفسه، فيصرح أحد الضباط (صدقوني، نحن جن سليمان، لقد مات الرئيس منذ زمن) ص184... وحين يعترض عليه أحد الضباط، يتساءل، من الممكن أن نقول (يشكك) في الآخرين "قل لي أنت، هل حدث أن رأيته يوماً؟" ص184..
وهو الوهم ذاته، الذي يؤكد عليه "شيخ" المكتبة في حديثه عن ضباط السلاح؛ حيث "يحرسون الوهم، ويموتون في معارك خاسرة" ص177... والوهم ضرورى جدًا، لوجود السلطة "المستبدة" إذ يكسبها بعدًا ميتافيزيقيًا، ويحولها إلى فكرة ثابتة، ساكنة، ومجتثة من أصولها الموضوعية، وبشروطها التاريخية، كما تستحيل السلطة –حينذاك- قدرًا لا مهرب منه ولا مفر. وبيدو "العنف" وديناميكيته "جزءًا من نظام طبيعى متكرر". "الأنماط الثقافية للعنف ص14.."
المعرفة سلطة، والسلطة تستند في جوهرها على نوع ما من المعرفة؛ تعتمد عليه، وتستمد من خلاله شرعيتها، وثمة تداخل وتقاطع عميقان بين المعرفي والسلطوى، فالسلطة "المستبدة" تتحكم في نوع المعرفة التي تتلقاها الرعية، ولا يجب على الرعية تلقي ثقافة إلا ثقافة النظام، والراضي عنها، والمؤيدة لبقاء رؤوس السلطة في كراسيهم. أما المعرفة الحرة، التي تعني البحث والاستقصاء في مظلة "الحرية التامة" بالطبع ترفضها كل سلطة مستبدة؛ بل تحاربها إن لزم الأمر، ومن ثم فإن اختفاء المكتبة أو تجهيل طريقها –في رواية الحارس- لم يكن إلا نوعًا من زيادة التسلط والاستئثار بالحكم؛ فالمكتبة وما تحويه من كتب تحقق المعرفة، والمعرفة نزال ومنازعة للآخر السلطوي.. وعلى شدة قرب المكتبة على شدة وعرة طريقها، فالتخلص من الوهم عملية تحتمل المخاطر التى لا يحمد عقباها.. ووجود المكتبة بداخل القصر أو في اتجاهه يؤكد احتكار السلطة للمعرفة، فهى غير متاحة إلا "للجسورين فقط". ص163..
واستمرارًا لعملية فضح السلطة، تقوم الذات الروائية بكشف احكتار السلطة للفحولة "القدرة الجنسية" بعدما احتكرت المعرفة "العقلية"؛ حيث يتجرع الضباط، ووحيد معهم "مشروب الشجاعة" كل يوم، ليكتشف وحيد بعد ذلك أن هذا المشروب يقضي على فحولته، لتتمكن السلطة من السيطرة على الجسد ورغباته كما سيطرت على "العقل" من قبل، وتربط السلطة بين الإخصاء والإخلاص لها. هنا يمكن القول إن أسس الرؤية السلطوية تعود إلى عصور قديمة؛ حيث كان يتم خصي الغلمان للاطمئنان إلى دخولهم لمخادع "الحريم"، بالمقابل، تقوم السلطة الحديثة بإخصاء حراسها للاطمئنان إليهم ولدخولهم قصور الرؤساء.
أظن أن الإخصاء نتيجة طبيعية للسيطرة الاستبدادية على العقل والجسد معًا من ناحية، ومن ناحية أخرى نتيجة لاستسلام الآخرين لممارسات السلطة واستبدادها، التي حولت الضباط وحراسها إلى "شارات" معبرة عن السلطة ورموزها، فلا عجب أن تتحول وسامة الضابط من خصيصة إنسانية وملمح بشرى إلى "عنوان لسلطان الرئيس".. الوسامة " المحارة الواقية للرجل الذي يجب أن يظل محجوبًا بكل الوسائل الممكنة" ص43..
يستلزم الاستبداد ألا تترك السلطة أي شيء للصدفة، أو أن يصبح شيء ما خارج السيطرة، فالضابط المنتبه لعمله يجب أن يحسب حساب انطفاء الشمس بغتة "من أجل مستويات الأمان الأعلى يجب أن نتصرف على أن الشمس قد تنطفئ فجأة" ص171... فخروج الطبيعة من تحت سيطرة الدولة المستبدة يستوجب توفير "طبيعة" بديلة تخضع للسيطرة والتحكم والإذعان.
تقترب رواية الحارس ومؤلفها عزت القمحاوي من "استراتيجية" الاستبداد اللامرئي وغير الملحوظ لكثير من المتابعين والمهتمين، وتكشف –بثيمات روائية- عن تغلغل الاستبداد وانتشاره في كل صور حياة الشخوص الروائية، ولم يكن ذلك الاقتراب إلا محاولة في طريق تقويض الاستبداد لتأتي النهاية معبرة عن الفراغ/ اللاشيء فـ"لا شيء بالمرة سوى النفايات التي كانت هناك دائما".



#مدحت_صفوت_محفوظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مدحت صفوت محفوظ - تفكيك الاستبداد في -الحارس- لعزت القمحاوي