أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مصطفى مجدي الجمال - حوار مع كريم مروة















المزيد.....

حوار مع كريم مروة


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 09:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(أصدر المناضل العتيد كريم مروة كتابًا مهمًا ضمّنه مشروعًا لنهوض اليسار العربي.. وقد عقدت له بهذه المناسبة ندوة خاصة بمكتبة خالد محيى الدين بالقاهرة.. وقدم مصطفى مجدي الجمال المداخلة النقدية التالية والتي نشرت حديثا في كتاب حرره عبد الغفار شكر وصادر عن مكتبة جزيرة الورد..)
مصطفى مجدي الجمال (كاتب وباحث بمركز البحوث العربية والأفريقية):
الأستاذ كريم مروة قيمة كبيرة في حياتنا الفكرية، بل وحتى الشخصية. أذكر أن كتاباته في السبعينيات كانت ملهمة جدًا لي ولزملائي، خاصة فيما يتصل بنقد الأفكار اليسارية المتطرفة التي ربما كانت تصادف وقتها هوى في نفوس البعض، رغم أننا في الوقت نفسه كنا نشعر بقلق داخلي حقيقي تجاه تلك الأفكار- رغم شدة الانبهار أمامها- على الأقل من زاوية جدواها أو قدرتنا على ترجمتها في الواقع العملي.
وبمناسبة كتاب الأستاذ كريم مروة الجديد فإنني أمتدح قدرته في إطلاق الحوار وإثارة التفكير في وقت عزّت فيه هذه القدرات، وجرأته في طرح آرائه- حتى تلك التي سأختلف معها- بوضوح يُحمد له ودون التفاف أو محاولات للتعمية أو التغليف الخادع. وكذلك أهنئه على هذه القدرة في الإجمال والتعميم، فهو لم يتركنا أمام شذرات فكرية هنا وهناك، إنما أجملها في النهاية فيما رآه مشروعًا لنهضة جديدة لليسار في العالم العربي، وإن لم يزعم بالطبع أنه مشروع نهائي أو مكتمل أو غير قابل للتطوير والإثراء من قبل آخرين.
كم كان كريم مروة موفقًا حينما خصص عددًا كبيرًا من الصفحات لنصوص ماركسية لا تزال بالغة القيمة حتى اليوم، وفي الظروف الرمادية المرتبكة التي نعيشها. ولعلّي أركز بشكل خاص على المغزى الذي تفوح به تلك النصوص أكثر من مضمونها الحرفي. فهي- أي النصوص- تبين لنا بمنتهى الوضوح المنهج الجدلي العلمي الذي اتسم به مؤسسو الماركسية ومطوروها وما امتلكوه من نزعة إنسانية عميقة، ومرونة فائقة إزاء الظروف ومستجدات التاريخ التي لا تنتهي، وتسلحهم بالموضوعية وعدم الانجراف وراء النزعات الإرادية المبالغة، أو الرضوخ البليد للواقع الظالم، وأخيرًا- وليس آخرًا- قدرتهم الفذة على التطبيق الفعال في الزمان والمكان المحددين.
كل هذا يدعونا إلى إعادة التأكيد على "تاريخانية" النصوص، وأن نتعلم منها بالدرجة الأولى قدرة أولئك المفكرين على تطبيق المنهج الجدلي في الظروف والملابسات التي واجهتهم. كما يجب أن نستخلص منها أن إبداعهم النظري المهم جدًا كان إبداع مناضلين متفاعلين إلى أقصى الحدود مع الحركات الجماهيرية والطبقية، وأيضًا مع مستجدات العلوم وإنجازاتها المتراكمة. أي أنه لم يكن إبداع مفكرين عباقرة معزولين أو منعزلين أو حالمين. من ثم أستخلص أن أي إبداع نظري أو حتى سياسي يجب أن يكون ثمرة حوار خصب لعقل الجماعة "الثورية" في الوطن والإقليم والعالم.
بعد هذه المقدمة التي طالت أؤكد أنني لا أنوي مناقشة أسلوب تبويب أو تناول الكتاب لموضوعاته، وإنما سأركز على مناقشة بعضٍ من الأفكار المهمة الكثيرة التي وردت به.
أول ردة فعل تبدت عليّ أثناء القراءة، أنني ساءلت نفسي: تُرى هل تعود الماركسية "غريبة" كما بدأت؟ وهل نحن بصدد إعادة البناء النظري من نقطة الصفر؟ وهو سؤال له علاقة بتفاعلات وتداعيات فكرية خاصة بي، ولا ألصقها عنوة بالأستاذ كريم مروة.
إن الماركسية قد شيدت- ولا شك- "إمبراطورية" فكرية متماسكة في مرحلة متوسطة من عمرها، وبقدر ما كان هذا مظهرًا من مظاهر القوة، فقد كان أيضًا من مظاهر "الطغيان" الذي شلّ القدرات الإبداعية على المستويين الإقليمي والوطني. خاصةً وأن هذه "الإمبراطورية" كان لها في وقت من الأوقات "فاتيكانـ"ـها الخاص، الذي يفرض قوانينها "السرمدية" الأشبه بقوانين الطبيعة، والمتسلحة للأسف بفرمانات "الحرمان الكنسي" في صورة الاتهامات المتعالية بالانحرافات اليمينية واليسارية "الانتهازية"، دون أن تمنح المناضلين في الميادين الصراعية شديدة التنوع حق الاجتهاد أو التفاعل مع سياقاتها الخاصة.
وأرجو ألا أكون شديد القسوة حين أقول إن التقدميين في العالم العربي اضطروا (تحت ضغوط الصراعات الدولية، خاصة في فترة الحرب الباردة، وبفعل قوة الانبهار بالنموذج السوفيتي والصيني بعد ذلك عند البعض ..) اضطروا إلى إدمان الحصول على "المنتجات النظرية وحتى السياسية والتكتيكية الجاهزة"، دون إجراء حساب دقيق لنتائجها على حركتهم في واقعهم المباشر، بل وحتى دون تحليل مادي تاريخي يُعتد به لهذا الواقع.
نتيجةً لهذه الوضعية القاصرة لم ينقطع الحديث عن أزمات في الفكر الماركسي في مراحل تاريخية مختلفة نوعيًا. وإذا نظرنا فقط للنصف الثاني من القرن العشرين، فقد كانت هناك مثلاً أزمات فكرية كبرى حول الموقف السليم من البرجوازيات الوطنية، والموقف من الفلاحين وهل يمكن اعتبارهم قوة ثورية أساسية، وحول إمكانية التطور غير الرأسمالي ودور المثقفين والطلاب والبرجوازية الصغيرة والعسكرتاريا والزعامات الكاريزمية، وحول إمكانية بناء الاشتراكية عن طريق البرلمان والموقف من حرب العصابات الثورية، وحول المسألة اليهودية وإمكانية الاعتراف بقومية يهودية أو دولة صهيونية استيطانية، وحول التعاطي مع المنجزات المتلاحقة للثورة العلمية والتكنولوجية، وحول الانفراج أو الوفاق الدولي، وحول البيروسترويكا... هذا مجرد غيض من فيض.
وفي كل مرة يتداعى حديث الأزمة كانت هناك مشروعات عديدة للخروج من الأزمة. ولكن يؤسفني القول إن معظم المشروعات التي صيغت وطرحت في العالم العربي كانت مشروعات لا تغادر الأوراق، أي مشروعات بلا أجنحة وغير قادرة على الإقلاع من مكانها، أو إلهام الجمهور. لماذا؟
أقول إننا قد دأبنا على الذهاب إلى التجريد قبل أن نكوّن معرفة ضافية بالواقع الملموس. ومن ثم نسارع إلى وضع القواعد ورسم المسارات قبل النظر المليّ في التنوع القائم بالواقع المباشر. وأضيف أن معظم المشروعات التي طُرحت علينا في المراحل المتلاحقة لم تكن نتاجًا لجهد جماعي بقدر ما كانت إعمالاً لقريحة فردية.
يجب أيضًا على مشروعات الخروج من الأزمة- وهذا من نافلة القول- أن تراعي السياقات الإقليمية والدولية (وهو ما حاول كريم مروة القيام به في كتابه، وإن تظل هناك اختلافات بالطبع حول قراءة السياقات ذاتها)، وسياقات التطور المجتمعي المحدد، كما يجب أن تتسم مشروعات الخروج من الأزمة بما أسميه التوازن السيكلوجي (بمعنى عدم الإفراط في جلد الذات أو الدفاع عنها) وعدم التهرب من الأسئلة الكبرى والأسئلة المباشرة على السواء، دون أن تعتبر بالطبع أنها تقدم إجابات نهائية نموذجية.
الأخطر من هذا أنني لا أتصور مشروعًا للخروج من الأزمة- ناهيك عن مشروع للنهضة- لا يبدأ بالنقد الذاتي لليسار في البلد والإقليم المعنيين على الأقل. وهذا للأسف ما لم أعثر على أثر له في كتاب الأستاذ كريم مروة.
وأظن- وأحسبني على حق- أن أي مشروع من النوع الذي نتحدث عنه يجب أن يبدأ من التحليل والتنظير وتقديم الجديد السياسي والتنظيمي على المستوى الوطني، ولا أقول المحلي، وأن يهتم بالعمل على ما أسميه "توطين" الفكر الاشتراكي. ذلك لأن الماركسية مثلاً لا تزال "غريبة" في المجتمعات العربية، حتى على مستوى اللغة والمصطلح، ناهيك عن رؤيتها للعالم ومنظورها التحليلي.. ونحن في البلدان العربية لم نقدم للماركسية ما يمكن أن يُغنيها نظريًا على المستوى العالمي، أو على مستوى واقعنا الوطني والإقليمي من خلال إبداع رؤى جديدة، والسبب كما أسلفنا هو تقديس النصوص وتمجيد النموذج. ومن المتصور أن تكامل وثراء الإبداعات المختلفة في شتى أقاليم العالم هي الذي سيغني الماركسية بحق، ويجعلها "ذات صلة" وقابلة للحياة.
كما ألاحظ على "المشروع" المقدم من الأستاذ كريم مروة أنه لا يربط الأهداف (التي سأفترض أنها محددة موضوعيًا لا ذاتيًا) بالقوى القادرة على القيام بها، ولن أتطرف فأقول إنه لم يربطها بالوسائل اللازمة للتنفيذ.
يرى الكثيرون أن البداية الحقة تتمثل في نقد "اشتراكية القرن العشرين". ولا غبار على هذا، ولكن النقد الذاتي- الذي نؤيده بالطبع- يجب أن ينصب أساسًا وأولاً على ممارسات كل فصيل ماركسي في بلده، ولا يمنع هذا بالطبع من توجيه جهد "ثانٍ" لمراجعة التجربة ككل وفي البلدان الأخرى، بل وحتى مراجعة الاجتهادات النظرية المختلفة بعد وضعها في سياقاتها.
غير أن هناك نقطة خاصة بما يمكن أن يقوم به الماركسيون في العالم العربي في مجال المراجعة النظرية، والتنظير الوطني، وهي أنه ليست لدينا مؤسسات حزبية أو معاهد قادرة على القيام باستخلاص نظري لمجريات الماضي وتطورات العصر، أو تكون قادرة على الأقل على الهضم النقدي لمخرجات الفكر الاشتراكي العالمي في العقدين الماضيين على الأقل. وهذا بطبيعة الحال يصب لمصلحة الأستاذ كريم مروة الذي يحاول بجهده الفردي سد هذه الثغرة، وإن كان هذا يسم مشروعه بالطابع الفردي الذي لا مفر منه حتى الآن, ما لم يكن المشروع المذكور شرارة لعمل جماعي كبير.
إزاء هذا كله، يدعونا التواضع المحمود- في ظل هذا الظرف المفهوم- إلى أن نركز على التجديد السياسي والتنظيمي، وأن نتلقف المبادرات الجماهيرية والمحلية بروح أكثر انفتاحًا، بقصد التعلم والتطوير، وليس برغبة السيطرة والاستيعاب.
عند هذه النقطة أقول إن هناك علامات مهمة على الطريق يجب أن نمر بها قبل المسارعة ببلورة، أو الادعاء ببلورة، مشروع للنهضة، حتى مع الاعتراف بكونه مشروعًا/ عملية قابلة للتجديد المتواصل. وأوجز علامات الطريق هذه فيما يلي:
أولاً: ضرورة تحديد مواقف واضحة من قضايا تاريخية لها أهمية ملحة في نضالنا الحالي، مثل: الموقف من القومية العربية، أرض فلسطين التاريخية، أطروحة "القومية" اليهودية، الستالينية، البيروسترويكا، النموذج السوفيتي والصيني والكوبي..الخ..
ثانيًا: حسم نسبي لمسألة المرجعية، مع مراعاة أن الاشتراكية كانت قائمة قبل ماركس ولينين، وبعدهما. كما يجب حسم العلاقة بين المرجعية والممارسة المحلية، وماذا أيضًا عن مرجعياتنا المحلية؟
ثالثًا: ضرورة أن تتسم اجتهاداتنا بتعدد مستويات التحليل (دولية، إقليمية، محلية) ورصد التفاعلات بينها، وتحديد مركز ثقل هذه المستويات الذي يتغير من مرحلة لأخرى.
رابعًا: حسم أوليّ لقضايا شديدة الأهمية من قبيل: الإصلاح أم الثورة؟، القوى الطبقية التي "نراهن" عليها مع رصد متغيراتها، كُنْه وطبيعة الإطار أو الأطر الحزبية والجبهوية التي نتحرك فيها، ما هي العلاقة بين قضايا النضال المختلفة (الاقتصادية، الديمقراطية، الوطنية، القومية، الأممية،..) وما هي الحلقة الرئيسية في المرحلة المحددة بالبلد المعني، ما طبيعة وحجم الدور الذي يلعبه العامل الثقافي في قضايا ملحة بأوطاننا مثل الطائفية والدين السياسي والتنوير والأبوية..، ثم ما هو الموقف من الحركات الاجتماعية التقليدية والجديدة، وكيف يمكن إدراجها في النضال السياسي العام، وكيف يمكن بناء وعي سياسي جديد قائم على أسس طبقية واضحة في ظل انشغال قيادات يسارية كثير بالنشاط الحقوقي والتنموي في المنظمات الأهلية..
أنتقل إلى ملاحظة قد يراها البعض شكلية، وهي ليست كذلك. فالأستاذ كريم مروة عنون كتابه كالآتي "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي". وقد كان واضحًا في استبعاده لتعبير "اليسار العربي". ومع ذلك فإنه لم يفسر لنا ما الذي يوحد هذا "العالم العربي"، أو يوحد "اليسار" في هذا العالم العربي، وما علاقة هذا بوجود سمات ثقافية ونضالية خاصة باليسار في كل بلد عربي.
والآن، بعد المناقشة المنهجية السابقة، أنتقل إلى مناقشة بعض القضايا التفصيلية في الكتاب/ المشروع.
(1) وردت بالكتاب صفحة 59 فقرة أظن أنها غير موفقة بالمرة، أقتبسها كاملة حتى لا أستخدم منهج "لا تقربوا الصلاة"!!. تتحدث الفقرة عن "الهزائم العسكرية المتتالية التي أسفرت عنها مغامرات قادة هذه النظم وحلفائها هنا وهناك في الحروب مع إسرائيل تحت الشعار الزائف لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ". ويضيف الكاتب: "وهذا هو الوضع بالذات هو الذي أدى إلى أن تستولي الغرائز والمشاعر، بدلاً من العقل والعقلانية، على سلوك كثرة من الناس في تعاملهم مع أحداث حياتهم الخاصة، ومع الأحداث المأساوية التي تشهدها بلداننا"- انتهى الاقتباس.
وفي البداية أسجل اعتراضي الشديد الذي يصور الهزائم التي عرفتها المنطقة العربية بشكل يوحي أنها جاءت نتيجة "مغامرات" القادة فحسب. لو كانت العبارة أن المغامرات والنزعة غير العقلانية قد أسهمت في الهزائم، لما كانت هناك مشكلة مع الصياغة. ترى ألم تكن الهزائم نتيجة حتمية أيضًا للتواطؤ والعدوان الإمبريالي؟. ثم إذا أخذنا مثلاً حرب 1956 التي انتهت بهزيمة عسكرية ونصر سياسي، هل يمكن القول إن تأميم قناة السويس كان مغامرة غير عقلانية؟ ولماذا هذه المبالغة في إدانة شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".. ألم يرفع الحزب الشيوعي السوفيتي شعار "كل شيء من أجل الجبهة.. كل شيء من أجل النصر"؟ وهو الشعار الذي امتدحه كل الشيوعيين والرأسماليين في العالم.
ولا تفوتني الإشارة إلى عبارة "الحلفاء هنا وهناك".. فهل يقصد الأستاذ كريم مروة أن الاتحاد السوفيتي هو الذي ورط عبد الناصر في حروب مصر؟ أم أن العبارة منصرفة حصريًا للإيماء إلى حزب الله وعلاقته بإيران وسوريا. إن كان التفسير الأخير مقبولاً منه فلم لم يكن الكاتب صريحًا في حديثه.
(2) اجتهد الأستاذ كريم مروة اجتهادًا محمودًا في تطوير تعريف "اليسار". ولكن الأمر لا يخلو من خلاف. ففي صفحة 66 يُدخل ضمن تعريف اليساري ما يلي: "يمكن أن يكون اليساري ديمقراطيًا بالمعنى الواسع للمفهوم". فإذا كان يقصد مفهوم "الديمقراطية الاجتماعية" فلا ضرر عندي، ولكن إذا كان هذا النطاق الواسع يضم "ديمقراطيين سياسيين وفقط" (ولو مرحليًا) فهو غير مقنع بالمرة عندي، لأنه يحذف الأساس الطبقي للمفهوم تمامًا.
كما يُدخل الأستاذ كريم مروة في تعريفه لليساري أن يكون المرء "عضوًا في حزب قومي متأثر بالاشتراكية". ولا مانع عندي في هذا أيضًا. ولكن أليست القومية بعدًا وسمة ثقافية بدرجة أولى، ومن ثم أتساءل: "هل يمكن أن يأتي اليساري أيضًا من أرضية دينية"؟ إنه سؤال عويص. ليست لدي أي إجابة عن هذه الاحتمالية حتى الآن، ولكنه من التداعيات المنطقية للتعريف المقدم.
(3) يتحدث الأستاذ كريم مروة في صفحة 78 عن مبدأ الفصل بين السلطات. وكان حريًا به أن يقول إن اجتهاده هذا هو تطوير أو نقض لنظرية الدولة في الماركسية، مع العلم بأنه لا مانع لدي من الأصل للتعاطي الجدلي مع مقولة من هذا القبيل. ولكن ألم يكن من الأفضل وضع هذا المبدأ في إطار النضال الدستوري فحسب، لأنه- علميًا ونظريًا وعمليًا- يصعب تصور هذا النوع من الفصل التام بين السلطات إلا في يوتوبيا ديمقراطية.
ثم يتحدث الكاتب عن ضرورة الشراكة والتكامل بين مؤسسات المجتمع وبين الدولة، ويصنّف بين هذه المؤسسات "جمعيات أرباب المال والعمل" (وأظنه يقصد بـ"العمل" هنا البزنس أو "رواد الأعمال" وليس القوى العاملة، خصوصًا وأنه سبق وأن أفرد فقرة للنقابات). وهو طرح جديد، أتمنى من الأستاذ كريم مروة أن يدعمه بشواهد واقعية، لأنه يصعب على كثيرين المراهنة على شراكة سيكون فيها سعد الحريري وجعجع، أو سلام فياض ودحلان، أو نجيب ساويرس وأحمد عز، أو كبار الماليين في الخليج..الخ.
وحتى إن تحققت هذه الشراكة فهل يتصور أنها كافية لتحقيق تغييرات جذرية، أم لإدخال بعض الإصلاحات الكميّة؟ خاصة وأنه بافتراض أن مؤسسات المجتمع ستكون راديكالية بأكملها، يصعب عليّ تصور أن تكون الدولة نفسها كذلك.
(4) في صفحة 83 يتحدث الكاتب عن ضرورة "سياسة جديدة لاستثمار الثروة في بلداننا". وهو مطلب أؤيده بكل قوة. ولكن يُلاحَظ أن يأتي هذا في مشروع يغالي- إن لم يخنّي التعبير- في تقديس السيادة الوطنية للبلدان العربية (من الواضح أن الشأن اللبناني- السوري يلقي بظلال قوية جدًا هنا).. فما هو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه دعوتنا للخليجيين وبلدان نفطية أخرى في العراق وشمال أفريقيا، إلى تصريف ثرواتهم على النحو المحمود الذي نقترحه؟ لا اعتراض لي بالمرة، ولكن ألم يكن من الأوجب أن تنطلق هذه الدعوة من منظور قومي حتى لا تظل دعوة في الفراغ؟
(5) عندما تعرض الأستاذ كريم مروة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، فصّل تفصيلاً مفيدًا، إلا أن الملاحظة القوية هنا هي تعرضه لتلك القضايا من منظورين لا ثالث لهما: المنظور الحقوقي، والمنظور التنموي. وللأسف لم ينجح في أن يضع معالجاته القيمة هنا في سياق إحداث تغيير حقيقي في علاقات الملكية. وهذا هو بيت القصيد في المشروع الذي بين أيدينا.
الخلاصة هنا أننا أمام برنامج طموح لدولة برجوازية وطنية رشيدة، وليس برنامجًا استراتيجيًا لإجراء تغيير جذري وحقيقي. ولو كان الكاتب قد صرح بأنه يطرح برنامجًا مرحليًا لما كانت هناك مشكلة. وحتى بالنسبة لهذا البرنامج المرحلي، أين هي أدلته الموضوعية/ المادية على وجود هكذا برجوازية وطنية مستنيرة.
والأخطر من هذا كله أنني لم أصادف في التحليل المقدم إضافات نوعية كنت أنتظرها في رصد الدور الوظيفي للصهيونية، أو العولمة المسلحة، أو الإمبريالية الجماعية، أو إمكانية نشوء تجمعات إقليمية أو تحركات عربية مقاومة للإمبريالية.. ونحن جميعًا مشتركون في هذا التقصير مع الكاتب، ولا نخصه به.
ختام حديثي أن المشروع المقدم هو مشروع ديمقراطي. وفي ظني أنه لا يجوز أن ننتظر تحولاً ديمقراطيًا شاملاً في أوطاننا بمعزل عن تغيير اجتماعي جذري، وموقف وطني وقومي صلب.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوهر الديمقراطية الضائع
- صناعة المشاهير في خدمة الثورة المضادة
- المجلس العسكري وحكمة الجنرال -علي زيوار-
- الثورة كأمر واقع .. الحالة المصرية
- إلا السيناريو السلفي


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مصطفى مجدي الجمال - حوار مع كريم مروة