أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد نعمان - حركة النهضة التونسيّة: نزوات العنف















المزيد.....


حركة النهضة التونسيّة: نزوات العنف


محمد نعمان

الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 14:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


«إن أهل الشرائع أخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد، ودفعوا النظر والبحث عن الأصول، وشدّدوا فيه ونهوا عنه، ورووا عن رؤسائهم أخبارا توجب عليهم ترك النظر ديانة، وتوجب الكفر على من خالف الأخبار التي رووها... إن سئل أهل هذه الدعوى عن الدليل على صحّة دعواهم، استطاروا غضبا، وهدروا دم من يطالبهم بذلك، ونهوا عن النظر، وحرضوا على قتل مخالفيهم. فمن أجل ذلك اندفن الحقّ أشدّ اندفان، وانكتم أشدّ انكتام» أبو بكر الرازي


لا ينفكّ السؤال يشغل عقولنا المتأزمة: لم تأخّرنا وتقدّم الآخر؟ تحوّل الواقع إلى مدار للشعور المترسّخ بالخيبة والتعثّر. فشل ثقافي عام، أزمات اقتصاديّة، تفشّي للفساد، وتعطّل للفعل الإبداعيّ... مشهد يعبّر عن بؤس كينونة الإنسان العربي المسلم. إنّنا، في بعض الحالات، نضمر هذا الإحساس المرعب بالسقوط، فنحاول أن نختلق فرارا عبر العنف. فأن أنفي الآخر، تحت ثقل المبررات اليقينيّة، يعني أني تخلّصت من عقدة كوني الأضعف. الواقع العربي الإسلامي بسمته المتأزمة الراهنة، قد يكون منبتا للخطاب العنيف المتستّر تحت رداء الإطلاق: عرقيّا أو دينيّا أو مذهبيّا أو عقائديّا... عليكم أن تتبينوا معادلة بسيطة، عندما أحايث المطلق وأنصهر في فضائه وأغدو خادما لطقسه، فهذا يعني أني أنتسب كليّا إلى المطلق. فما يغرب عنكم، فعلا، هو أنني المطلق المقدّس الذي لا يضاهيه شيء، فكيف أكون الأسوأ والخاسر؟ سيادة سلطان الإطلاق هو الحلّ لإعادة طهارة الواقع من دنسه؛ من الدنس الذي جعلني أتأخّر؟ ينقلب السؤال من استفسار الذات عن سبب تأخّرها عن ركب الآخر، إلى نفي لتقدّم الآخر عبر اكتشاف لتفوّق عنوانه حاكمية المطلق.
سيكون من السهل إذن، كحزب سياسي أن أحوّل السؤال من المقصد التنموي إلى المقصد الإطلاقي: الإسلامي أو العروبي أو السنّي أو غيره... سأوهم الجميع، بأنني أمتلك سيادة المطلق، بل قد أصدّق ذلك، وبالتالي أحضا بالقدرة السحرية على الفعل المكتمل الذي سينقلنا من التأخّر إلى التفوّق. لا تتطلّب المسألة برنامجا أو خطّة تعصير وتنمية أو إبداعا... مجرّد زخرفة لغويّة تتسلّح بمخيال ذات حزينة لاصطناع سعادة موهومة. وما عليّ، كي أحمي حزبي الربّاني، سوى أن أنصّب نفسي حاميا وحيدا للمكتمل المطلق، وأنعت معارضيّ بصفات النقصان المطلق.
عندما ادعى المودودي أن حاكمية اللّه ضدّ حاكمية البشر، وأن ألوهيّة الله في مواجهة ألوهيّة البشر، ثمّ ربانية اللّه في مقابل العبوديّة لغيره من البشر ثم أنّ وحدانية الله في مقابل الاعتماد على أي مصدر آخر في تيسير أمور الحياة(1): هو في الحقيقة يعبّر عن انخراط كلّي في حقل المطلق المقدّس، وبالتالي تحقيق التفوّق الكلّي. يصبح أي حديث، بعدها، عن تأخّر سببه عدم إيمان الذات بالمطلق. لهذا، سينصحك المتعبّد الإطلاقي، بأن تستسلم إلى الإيمان بالمطلق، وتستقيل عن دنس الواقع، كي يتحوّل التأخّر تقدّما. يبقى علينا، كجنود المطلق المقدّس، أن نحمي أنفسنا من شرّ الواقع الناقص بالمطلق: واقع الجاهليّة. والخوف كلّ الخوف، من الشخوص الناقصة كليّا: أولياء الشيطان. هؤلاء هم: أعوان الطاغوت. ليكتمل المشهد، إليك الصورة: «إن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآني هو الحلّ لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت»(2). هو ليس بالسفّاح، فهو لا يسعى إلى قتلك، ما يبتغيه هو توبتك وتحوّلك إلى مدار المطلق. إذا رفضت أن تنحلّ في صفة المطلق، فما على إخوان الرحمان، إلّا نقلك كأضحيّة إلى فضاء المطلق الأزلي: فضاء الموت.

حركة النهضة الإسلامية، بروحها التعبديّة، وبيانها التعبيري الديني، اختارت أسلم الطرق؛ طريق النجاة: سيادة المطلق. يطالعك، شيخهم راشد الغنوشي، ضمن وثيقة نموذجيّة هي مراجعة كان قد قدّمها لعرض حصيلة سياسة الحركة على مدى عقدين(3)، وهو يقسّم مكونات الحراك السياسي في الواقع التونسي المعاصر إلى ثنائية بسيطة، أولها أولياء الرحمان: وهم زمرة الحركة الذين قدّموا « أمثولات نضاليّة ونماذج في الصمود والمبدئيّة من طرف رجالها ونسائها ستمثّل أرصدة عظيمة لمستقبل الجهاد من أجل الإسلام والحريّة»(4). وثانيها أولياء الشيطان: وهم فئة المارقين عن الدين، الذين يعكسون «موجات الإلحاد التي مثلت على حدّ سواء إيديولوجيّة الدولة وإيديولوجيّة المعارضة اليساريّة وهي المعارضة الفاعلة والنافذة في أوساط نخبة الفكر والسياسة ومؤسسات المجتمع المدني»(5). تتجه الحركة في خطابها صوب التماهي المطلق مع الإسلام، وتخرج من دائرته كلّ الفئات السياسيّة المعارضة. ينقلب التعارض من الحقل السياسي إلى الحقل الديني. فتسعى الحركة إلى ترسيخ ثنائيّة مقدسة، بمقتضاها، تسوّق نفسها كرافعة لراية الإسلام، وتحشر معارضيها داخل ظلام العداء للدين. بمعنى ما، أي متعبّد يشعر باغتراب مع الواقع الراهن، باعتباره واقع الكفر والإلحاد والجاهلية المعاصرة، ويرى في المسلك العنيف نهجا نحو تطهير العالم، سيتعرّف من خلال خطاب الحركة على أهدافه، حتى ولو لم يكن منتسبا لتنظيمها. هو تهييج للعنف المقدّس داخل المجتمع.
وحتى لا أذكر إلّا السيئ القميء، أبشركم بالتالي: يعرض لك نصا لراشد الغنوشي، فيذهلك دفاعه المستميت عن كتاب يوسف القرضاوي "فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنّة" معتمدا على طرح يقوم على صوابية نفي مشروعية "جهاد الطلب" راهنا(6)، لن أحاجج في ما ذهب إليه، سأرى من منظار التصديق دون التثبّت والتمحيص. هذا الاستحسان، يجعلنا نعتقد، ربما، بأن الشيخ ومعه زمرته الطيبة قد أعرضوا نهائيّا عن فكرة "جهاد الطلب". لكننا نكتشف بأنه لا ينسخ أحكامه، و إنما يتعامل معها بمبدأ نسخ الحكم (إن صحّ النسخ) دون نسخ التلاوة. هو يعلن موقفا طيّبا في مقال جانبي، لكن نصوصه المركزية تقول العكس تماما، ويترك تلاوة موقفه العنيف بيّنا شاهدا على سوء طويّة الرجل. يصرّح في أحد نصوصه، ضمن مؤلفه الذي يؤرخ للحركة في البلاد التونسية، قائلا: «وعلى اعتبار أن الدولة الإسلاميّة تقوم على رسالة أمميّة كان عليها أن تعمل على نشر الإسلام عن طريق "البلاغ المبين" فإذا قامت في طريق الدعاة قوى طاغوتيّة تستبدّ بشعوبها وتحول بينها وبين ممارسة حريتها، ومنها حريّة المعتقد، كان على دولة الإسلام أن تزيح تلك الكيانات المستبدّة ولو باستعمال القوّة لا لغرض فرض الإسلام على تلك الشعوب وإنّما لتمكينها من فرصة التعرّف على الإسلام فتقبله عن بيّنة أو ترفضه عن بيّنة بدون أيّ إكراه، فهنا ينضاف إلى معنى الجهاد معنى آخر هو القتال من أجل كسر القوى المهيمنة في العالم وتمكين الشعوب من حقّ تقرير مصيرها بما فيه الموقف العقائدي»(7) ولمن لم يستوعب هذا البيان الشديد، أفسّر: لنفترض أن الدولة الفرنسيّة المجاورة، أعلن سكانها ميلهم للإسلام، إلّا أن دولة القهر والجبروت والطاغوت هناك أبت تحقيق كلمة الله تلك، فلنا نحن كتونسيين مسلمين أتقياء أن نحاربهم حتى ندكّ قوة دولتهم العسكرية، نخوض حربا كونيّة مقدّسة، لنفتح للشعوب هناك باب حرية المعتقد، فإن أسلم الجمع فلهم ذلك وإن أبوا تركناهم لديانتهم. وعدنا، والعود أحمد. هي خصال كريمة، تندر في هذا الوقت اللئيم.
لا يُعكّر مدى المطلق المقدس، يبقى الأعلى، وممثله الأوحد على الأرض هم إخواننا حركة النهضة التونسية. معادلة بسيطة، هم جند السماء والآخرون جند الشيطان. قد يتفوّه، بعضهم، لضرورات المقام بما يخلّ من إطلاقيّة المطلق، لكن عليك أن تلتزم بنصوص الحركة المركزية، ففيها من الحكمة والتبصّر والسماحة ما يجعلك تعلن حربا كونيّة لضمان حرية المعتقد.
الحركة تؤمن إيمانا واضحا بيّنا، بما لا جدال فيه، بالوضعيّة السلميّة لاشتغالها السياسي، هي تعلم يقينا أن الوضع الراهن ثقافيا بسمته المتأزمة قد يجعل خطابها السياسي يتمتّع بنصيب وافر نحو الاستحواذ على الحكم. يذكر هذا، فتُشكر الحركة. هو طرح حسن طيب حتى و إن أدى لسيادة المطلق. يبقى أن الحركة ترتاب في نتائج العمل السياسي من ناحيتين: أولها إمكانيّة تجدّد حكم الطاغوت، وثانيها صعوبة مواجهة حيويّة المد الحداثي التونسي؛ لهذا هي تصنفهم جميعا ضمن كتلة واحدة تنعتها بالإلحاد. هذه مقدمة مناسبة، لتطرح الحركة مسألة جوهريّة ومصيريّة في آن واحد، ماذا لو فشلنا في تحقيق الحكم؟ هل نصبر على حكم جائر أم نقوم عليه؟ وهل قيامتنا تكون عنفا أم سلمية؟ يقدم راشد الغنوشي حلّه المتبصّر المتأنّي، فيقول: «إن الإطار الاجتماعي والسياسي الذي تتنزل فيه النصوص المنفرة من استعمال القوّة، هو إطار إسلامي اعترته بعض الانحرافات دون أن يمسّ ذلك حسب المصطلح الدستوري بالنظام العام، أي دون مسّ بهويّة الكيان العقائدي والسياسي للأمّة، ودون نيل من المشروعيّة العليا للدولة... ولا يمكن اعتبار الحكام الدكتاتوريين المفسدين المتمردين على شريعة الرحمان وإرادة شعوبهم... لا يمكن اعتبارهم أمراءنا وأولياء أمورنا وإلّا لزمت لهم الطاعة»(8) فالمجال السلمي طيب عطر ما التزم بتسليم الحكم لحاكم يطبق الشريعة، لكن إن أدى العمل السياسي السلمي إلى تسليم الحكم لتلك الفئة الباغية، فلا طاعة لهم، ويحلّ اعتماد القوّة في شأنهم.
في ظلّ واقع سياسي يتملكه إخوان الشياطين: من الملحدين والعلمانيين... ما هو الحلّ؟ هل من خطّة واضحة في هذا الشأن؟ يقدّم راشد الغنوشي حلّه الثوري، بحماسة ظاهرة، فيقول: «لا يصحّ لنفر أو قلّة من المسلمين أن يعطوا لأنفسهم حقّ استبدال الحاكم من دون الناس، بل الأمر موكول إلى القيادات الشعبيّة التي عليها في هذه الحالة إعلان سقوط الشرعيّة وضرورة النداء إلى العصيان المدني حتى و إن أفضى الأمر إلى ثورة شاملة إذا لزم الأمر، فتكون هي أصل الصدارة و الإمارة، والمسلمون جميعا من خلفها يمتثلون لأمرها حتى لا ينفلت الزمام، ولا يتحوّل الأمر إلى فوضى، ولا يحدث فراغ في السلطة. ومجرد ما يتحقق عزل الحاكم تتولى السلطة الجماعة التي قامت بالخروج وأمسكت بزمام الأمر، ثمّ تعرض الأمر على الشورى ليختار الشعب قيادته ويعقد معها على حراسة الدين وسياسة الدنيا»(9) هي طوباوية تشغل بال الرجل، هو يؤمن بقيامة كيان هو عبارة عن دكتاتورية الجماعة المؤمنة، فيضمن للقيادات الشعبية ذات المنحى الديني سلطان قيادة ثورة باسم الدين، تسوسها، وتقدّم للشعب بعدها حقّ الاختيار داخل إطار عقد يمزج بين الديني والسياسي.

من يريد أن يتصل بالواقع السياسي التونسي ويعمل على خلق رؤية حزبيّة والترويج لها، لا يجب أن يقع في مغالطة الاستسلام لسيادة المطلق. ما أسهل أن توهم الشعب أن رصيده الإطلاقي هو الكفيل وحده بتحقيق التقدّم. سيكتمل المطلق على اكتماله، ويبقى الفراغ يغلّف الكلّ. ثمّ أن المطلق لن يرضى بأن يكون أبدا مجرّد طرف في معادلة تحتفي بالتعدّد. لم تتخلّص حركة النهضة من مناورات شيخها، ولا تفرّده بالرأي، بل اللافت أنه ينطلق في سرد تاريخ الحركة من سيرته الذاتيّة هو(10). يتلخّص تاريخ الحركة، في مراوغات الشيخ، وسبره المتقلّب للنصوص الدينيّة، فتارة يعلن شيئا وتارة يعلن أشياء أخرى، في تناقض صارخ. ما لم تتحوّل الحركة إلى مجموع نصوص اجتهاديّة/ نسبيّة/ إبداعيّة تتداخل في حراك صاخب نحو تعصير الحركة، وإيجاد الحلول العملية المنفتحة على الواقع السياسي بالبلاد التونسية، فستظلّ داخل سيادة المطلق رهينة لوهم العقل الفقهي للشيخ.


ملحق: الجرد التاريخي لأهم جرائم العنف التي اقترفتها حركة النهضة التونسية ما بين سنة 1981 وسنة 1991.

20 فيفري 1981_ «احتجاز عميد كليّة العلوم بتونس علي الحيلي» (11) وقد اعترف راشد الغنوشي بمشاركة الإسلاميين في عملية الاحتجاز، إذ يقول: «بخصوص حدث كليّة العلوم في فيفري كان لأفراد من قيادات الحركة الاتجاه دور ضمن آخرين قد يكون فعّالا في حجز عميد كليّة ومجموعة من الإداريين وتهديدهم المختبر كلّه بالتفجير» (12)

02 أوت 1987_ «تفجير مفرقعات بـ 4 نزل سياحيّة ليلة عيد ميلاد بورقيبة. وقد شارك في هذه العمليّة كل من محرز بودقة وبولبابة دخيل بتحريض من عبد المجيد الميلي المسؤول عن التنظيم (حركة النهضة التونسية) بجهة جمّال بالمنستير» وأسفرت عن بتر ساقي سائحتين أجنبيتين. وقد جاءت الأحكام تبعا لهذه القضيّة وتهم أخرى ذات صبغة سياسيّة بـ« الإعدام شنقا: محرز بودقة- بولبابة دخيل- علي العريض- حمادي الجبالي- صالح كركر- عبد المجيد الميلي- فتحي معتوق. والأشغال الشاقة مدى الحياة: راشد الغنوشي وفاضل البلدي» (13) هذا، وقد تحصن صالح كركر وحمادي الجبالي وعلي العريض وعبد المجيد الميلي وفتحي معتوق بالفرار. وعن هذه الحادثة، يقول راشد الغنوشي: «كما وجهت تهمة القيام بأعمال عنف محدّدة إلى شابين صدر بعد ذلك حكم بإعدامهما ونفّذ فيهما رحمهما اللّه» والمفزع، أنّ الرجل يعلّق في هامش الصفحة، قائلا: «هما الشهيدان: محرز بودقة، وبولبابة دخيل»(14). هو ينكر بشكل متكرّر مسؤوليته عن هذا الجرم، لكن لا يمنعه هذا من اعتبار أصحاب هذا الفعل الشنيع شهداء الدين.

06 نوفمبر 1987_ التحضير لانقلاب يوم 08 نوفمبر 1987 حيث: «انعقدت يوم 06 نوفمبر، جلسة عامة أخيرة في مسكن العسكري أحمد الحجري، حضرها الثالوث المساعد لمحمد شمام والمتألف من المنصف بن سالم وبلقاسم الفرشيشي وشيد الفرجاني وحضرها من العسكريين أحمد الحجري (حركيا عبد الحفيظ) صالح العابدي (حركيا يحي) ابراهيم العموري (سالم) جمعة العوني (سعد) عبد الله الحريزي (عمار) لزهر خليفة (حسين) وكمال الضيف وتغيّب عن هذا الاجتماع لضرورة العمل الضابطان أحمد السلايمي والبشير بن أحمد. بدأ الاجتماع بتقرير رفعه سيّد الفرجاني عن مهمّته وتقديم الفتوى التي حفظها عن صالح كركر ثم عرض مشروع البيان الانقلابي الذي جاء به من لندن وقد تضمن تطمينا للجيران في المغرب العربي وتطمينا للرأي العام الدولي عن طريق التعهّد باحترام العقود والمواثيق الدوليّة، وتطمينا لرؤوس الأموال على ممتلكاتهم. أما التوصية الأخيرة التي أبلغها كركر إلى المجموعة الانقلابية فهي تتعلّق بضرورة الاستفادة من أسلحة وفرها محفوظ نحناح على الحدود الجزائريّة التونسية لتكون عونا للتنظيم التونسي في مشروعه الانقلابي.» (15) « لكن هذه المحاولة الانقلابية رغم أنها استكملت كل مراحل الإعداد والتنفيذ. لم تقع. وهناك احتمالان وراء إلغاء هذه العملية:
الاحتمال الأول: هو افتضاح أمر هذه المجموعة يوم 06 نوفمبر 1987 على الساعة الحادية عشر والنصف صباحا كما يفترض ذلك حسن الغضباني، وافتضاح أمر هذه المجموعة يعني إيقاف أبرز رؤوس المدبرة في ظرف ساعات قليلة مما قضى على حظوظ هذه العمليّة.
الاحتمال الثاني: هو وقوع تغيير في أعلى هرم السلطة بإزاحة الرئيس بورقيبة العدو اللدود للإسلاميين وتولي الوزير الأول زين العابدين بن علي مقاليد السلطة بناء على الفصل 51 من الدستور الذي يضبط طريقة الخلافة عند حالات الشغور. وقد أدى التغيير في نظام الحكم إلى تخلّي المجموعة الأمنية عن محاولتها. وسواء صحّ الاحتمال الأول أو الثاني فإن الثابت أن البلاد كانت ستشهد حماما من الدم لو لم يقع الإسراع بالتغيير في الحكم.»(16)

02 أكتوبر 1989_ أصدر «التنظيم بلاغا حكم فيه بتكفير وزير التربية لأنه عقد ندوة صحفية شرح فيها مثلما اقتضت العادة مع بداية كلّ سنة دراسيّة الظروف المادية المتعلّقة بالمجال التربوي والإصلاحات المزمع إدخالها على القطاع، مع ما يتبع ذلك من نقد للسلبيات وعرض للأخطاء. فاعتبر التنظيم أن عرض الوزير على الرأي العام نماذج مما كان يُدرّس من نصوص موغلة في الانغلاق وحاثة على التباغض والحقد مع تجاهل روح الرحمة والتسامح، ضرب من السخرية بالدين، لأنه ليس من حقّ الإنسان أن يخاطب المسلمين بأن دينهم دين رحمة وإن فعل أصبح مستهترا بالدين مفصحا ضمنيّا عن كفره (جريدة الصباح 03 أكتوبر 1989)» (17)

17 فيفري 1991_ «حادثة باب سويقة... والمتمثلة في قيام عناصر من حركة النهضة باحتلال مقر خلية للحزب الحاكم في قلب العاصمة وشد وثاق حارسي المقرّ ثم سكب مادة حارقة على جسمهما أودت بحياة أحدهما وبقاء الآخر يعاني من عاهة مستديمة. وقد اعترف الغنوشي في بيان أصدره من الخارج بمسؤولية الحركة عن هذه الحادثة واعتبر ذلك ردّ فعل على العنف المسلّط عليها. كما تسببت هذه الحادثة كذلك في تجميد عبد الفتاح مورو لعضويته بالحركة وإدانته لهذه العمليّة.» (18) ويقول راشد الغنوشي، على نحو عجيب، معلّقا على الحادث: «هذا الحادث الأليم الذي ذهب ضحيّته ثلاثة تونسيين على الأقل، حارس أحد مقرات الحزب الحاكم وشابان نفذ فيهما حكم الإعدام رحمهم اللّه جميعا»(19). هو يساوي بين المجرميْن والمقتول، وينعتهم جميعا بالضحايا.


ملاحظة: العنوان مقتطع من عنوان مؤلف هام للأستاذ محمّد الحدّاد عنوانه "الإسلام: نزوات العنف واستراتيجيّات الإصلاح".
1. رفعت سيّد أحمد، الحركات الإسلامية في مصر وإيران، سينا للنشر، الطبعة الأولى 1989، ص 81
2. نفس المرجع، ص82
3. في الذكرى العشرين لتأسيس "حركة الاتجاه الإسلامي" 1981-2001، ضمن: راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، المركز المغاربي للبحوث والترجمة، ص 163-178
4. نفس المرجع، ص 173.
5. نفس المرجع، ص 171.
6. بعد أن منعت السلطات البريطانية يوسف القرضاوي من دخول أراضيها نظرا لفتاويه التحريضية على العمليات الانتحارية، تكفّل راشد الغنوشي في ندوة "تجديد التفكير في الجهاد" التي عقدها "مركز الدراسات المتقدّمة للعالم العربي" بجامعة العاصمة الاسكتلندية في 7-9 سبتمبر 2009، بإلقاء كلمة عن كتاب "فقه الجهاد" ليوسف القرضاوي مدافعا عنه. وقد نشر نص الكلمة معدّلة على ثلاثة أجزاء تحت عنوان "ما الجديد في جهاد القرضاوي؟" و" الجهاد بين الدفع والطلب" في موقع الجزيرة: http://www.aljazeera.net. «أمّا جهاد الطلب وهو الذي ذكر ه الفقهاء فإنه فرض كفاية على الأمّة، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ويُقصد به الجهاد الذي يطلب العدو في أرضه» عبد الرزّاق عيد، يوسف القرضاوي بين التسامح والإرهاب، رابطة العقلانيين العرب ودار الطليعة بيروت، الطبعة الأولى 2005، ص219
7. راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس... ذكر أعلاه، ص 320-321.
8. راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلاميّة، النسخة المعتمدة بموقع: http://www.ghannoushi.net ، القسم الثاني، ص133
9. نفس المرجع، نفس القسم، ص 137-138
10. راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس... ذكر أعلاه، ص 15-55.
11. اعليّة علاني، الحركات الإسلامية بالوطن العربي: تونس نموذجا، دفاتر وجهة نظر، الطبعة الأولى 2008، ص 117.
12. نفس المرجع، ص 283
13. اعلية علاني، الحركات الإسلامية ... ذكر أعلاه، ص 184. عبد الله عمامي، التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي: أنموذج النهضة، الدار التونسية للنشر، 1992، ص 264. في حين، يكتب توفيق المديني: «الشخصان اللذان أعدما في إطار قضية 1987 الكبرى، في 8 تشرين أول أكتوبر هما محرز بودقة وديخيل بولبابة، ينتميان إلى مجموعة صغيرة أطلقت على نفسها اسم »الجهاد الإسلامي«. وكانت هذه المجموعة قد شنت هجوماً على نطاق ضيق (على مكتب بريد ومخفر شرطة) وتم إلقاء القبض على كيلاني الشواشي (الملازم بالجيش التونسي) وحبيب الضاوي (واعظ معروف في منطقة صفاقس) والأزرق (مناضل قومي قديم وعضو سابق في حركة الاتجاه الإسلامي) في صيف سنة 1986، وحكم عليهم بالإعدام في نهاية شهر آب من سنة 1986. وأعلنت المجموعة نفسها مسؤوليتها عن أخطر عملية عنف حدثت في تاريخ تونس، تمثلت بوضع أربع قنابل يدوية في 2 آب 1987 (تاريخ ميلاد بورقيبة) في أربعة فنادق في سوسة والمنستير (مسقط رأس بورقيبة أيضاً)» توفيق المديني، المعارضة التونسية: نشأتها وتطورها، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2001، النسخة الالكترونية، ص 303.
14. راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية في تونس... ذكر أعلاه، ص 123.
15. عبد الله عمامي، التنظيمات الإرهابية... ذكر أعلاه، ص272-273. أنظر أيضا، اعلية علاني، الحركات الإسلامية... ذكر أعلاه، ص224. توفيق المديني، المعارضة التونسية... ذكر أعلاه، ص 305. يقول راشد الغنوشي عن هذا الانقلاب: «لولا أن انقلابا أطاح به (يعني بورقيبة) يوم 7 نوفمبر مستبقا انقلابا آخر خطّط له عدد من الضباط الوطنيين الشبّان» من تجربة الحركة الإسلامية... ذكر أعلاه، ص123. لم يكن ثمّة خيار للتونسيين: إمّا انقلابا يرفع حكما دينيا وإمّا انقلابا يرفع حكما أمنيّا جاء مستعجلا ليردّ على الانقلاب الآخر.
16. اعلية علاني، الحركات الإسلامية... ذكر أعلاه، ص 224-225.
17. عبد الله عمامي، التنظيمات الإرهابية... ذكر أعلاه، ص237. يعرّف راشد الغنوشي محمد الشرفي على النحو التالي: «محمد الشرفي علماني فرنكفوني متطرّف شيوعي، قاد الحرب في مجال التعليم ضدّ الإسلام والإسلاميين والثقافة العربية عامة عندما شغل خطّة وزير التربية وله كتاب تحت عنوان: «الإسلام والحريّة: سوء التفاهم التاريخي» من تجربة الحركة الإسلامية ... ذكر أعلاه، ص 126. ولا يفوتني أن أقدّم، في هذا الإطار، فهم محمد الشرفي للإسلام كدين ينتمي إليه قوامه السلم لا التطرّف والقتل، يقول:«فالإسلام هو عندنا معشر المسلمين دين شعبي هادئ، إذ هو أوّلا وأساسا دين، أي عقيدة وإيمان، بل إجابة عن سؤال مؤرّق يخصّ الحياة والموت، وهو سبيل ناجعة لتهدئة قلق الوجود، وهو الأمل في حياة بعد الموت ملؤها العدل والسعادة، ثمّ هو يعني ببساطة أنّ القوّة العظمى التي خلقت هذا العالم، أي اللّه، قد أوحت إلى محمّد، وهو بشر "يأكل الطعام ويمشي في الأسواق" كبقيّة البشر، رسالة محبة ومساواة، رسالة إخاء وسلام وقد تجرّع ذلكم الرجل الويلات، فسخر منه قومه وطاردوه وكادوا يقتلونه، فدافع عن نفسه وإذا ما استثنينا ذلك الدفاع عن نفسه فإن رسالته إنما هي رسالة سلام ووفاق» الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي، نشر الفنك الدار البيضاء، 2000، ص49.
18. علية علاني، الحركات الاسلامية... ذكر أعلاه، ص 303. عبد الله عمامي، التنظيمات الإرهابيّة... ذكر أعلاه، ص 323-324. توفيق المديني، المعارضة التونسيّة... ذكر أعلاه، ص323.
19. راشد الغنوشي، من تجربة الحركة الإسلامية... ذكر أعلاه، ص 113.



#محمد_نعمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة النهضة التونسيّة والأدب: ذهنية التحريم
- حركة النهضة التونسية: مصادرة الممتلكات تأسيسا على الشريعة
- حركة النهضة التونسية: مؤشرات التمويل الأجنبي
- حركة النهضة التونسية: سفور المعنى


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد نعمان - حركة النهضة التونسيّة: نزوات العنف