أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - ضرغام عبدالله الدباغ - قمر أبوغريب كان حزينا..الجزء الثاني















المزيد.....



قمر أبوغريب كان حزينا..الجزء الثاني


ضرغام عبدالله الدباغ

الحوار المتمدن-العدد: 1007 - 2004 / 11 / 4 - 10:25
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الجزء الثاني
أدن مني واسمع ندائي
يا شعباً روته نفس الصدور
يا شجرة شدتني إليك الجذور
أقف هنا للدفاع عنك …
عنك أدفع كل الشرور
بأقوى سلاحين …
الكلمة والدم الطهور
مايكل هرماندز
من شعر الحرب الأهلية الأسبانية

قاطع الإعدام ـ سجن أبو غريب ـ قسم الأحكام الخاصة ـ النزلاء :
العدد ـ المهن ـ التحصيل الدراسي ـ المحافظات ـ الديانات والقوميات

وصلنا إلى قسم الأحكام الطويلة(أو ما يطلق عليه الثقيلة) في سجن أبو غريب، حيث يكون قسم الإعدام ( ويسمى أحياناً المغلق)، كما هناك دائرة خاصة بالمحكومين بالإعدام يطلق عليها ( القلم السري ) تتولى استلام المحكوم عليه بالإعدام، وتعد أضابير خاصة بهم حمراء اللون، وهناك استمارات تملأ تضم تفاصيل عن هوية الأفراد، تفاصيل غير عادية، العلامات الفارقة، منعاً لأي التباس متعمد أو عفوي. وبعدها يتم استلام كل شيء من المحكوم عليهم، وكل شيء يشمل أي شيء عدا منشفة صغيرة، ودشداشة أو بيجامه، وبطانية واحدة، ومصحف ومسبحة.
وهناك ثلاثة أقسام للمحكومين بالإعدام يكون إشغالها حسب الاكتضاض، والمحكومون بالإعدام في القضايا الجنائية ينتظرون زمناً أطول من السياسيين بسبب إمكانية تميز الأحكام، أما القضايا السياسية وأحكام محكمة الثورة فقد كانت غير خاضعة للتميز. وكل قسم هو عبارة عن قاعة واسعة مؤلفة من طابقين يحتوي كل طابق على حوالي 15 زنزانة في صفين متقابلين يفصل بينهما ممر بعرض 10 متر تقريباً والطابق الأعلى يطل على الطابق الأسفل، وهناك ممر ضيق ربما بمتر واحد في الطابق العلوي أمام زنزانات الطابق العلوي، أما المدخل إلى القسم فهو في وسط القسم تماماً بحيث يفصل صف الغرف إلى شطرين ليشكل مدخلاً إلى القسم بعرض وطول زنزانة له بوابتان. لفتحهما وغلقهما وقع عجيب يصعب وصفه.
أما الزنزانات، فهي صغيرة جداً 2x2,5 متر مخصصة لفرد واحد، أو أثنين، ولكنها كانت تزدحم بما لا يقل عن 10 أفراد في كل زنزانة، إضافة إلى وجود مرافق صحية وحنفية ماء في ركن الزنزانة مكشوفة لا يسترها ساتر، لأجل المراقبة، ولكن النزلاء كانوا يقيمون ساتراً من البطانيات في أوقات محددة من اليوم لقضاء الحاجة والاستحمام.
وزعنا على الغرف، وكنت في الزنزانة رقم 24 ، وقصتي مع الرقم أربعة، مفارقة عجيب، فجميع الغرف والزنزانات التي مكثت فيها كانت تحمل الرقم أربعة أو أربعة عشر، وآخر زنزانة التي مكثت فيها سبعة سنوات متواصلة خرجت بعدها للحرية، كانت تحمل رقم أربعة، ولكن بعد 16 سنة.
أستقبلني الأخوان في الزنزانة أفضل استقبال وكانوا : كريم / جندي في القاعدة البحرية في أم قصر، وشقيق فائز الذي حكم عليه بالإعدام معي بنفس اليوم، طراد نصر الله / وهو من رفاقنا القدماء الرائعين من الناصرية، والرفيق وداد / وهو من رفاقنا أيضاً من سوق الشيوخ، كان لي بمثابة الولد أو الأخ الصغير، كريم / وهو من الأخوان المسلمين، من أهالي الرمادي، أبو مقداد/
معلم مدرسة، إنسان رائع الأخلاق والشهامة من أهالي المدينه قضاء القرنه- بصره، ومعنا شاب كردي من أهالي السليمانية وأخوان آخرون، رحمهم الله جميعاً.
لقد تعرضت مرات كثيرة جداً لأسئلة ملحة، عن أعداد وأوضاع المحكومين بالإعدام، وها أنا أورد الأرقام كما عايشتها بنفسي، لم تؤسس على أحكام الهوى، بل هي مشاهدات ومعايشات شخصية. فعندما دخلت قاطع المحكومين بالإعدام في سجن أبو غريب يوم 1987 – 4 – 6، (وأريد هنا التأكيد، أنه كان المكان الوحيد الذي يتم فيه تنفيذ أحكام الإعدام شنقاً الصادرة من المحاكم السياسية، محكمة الثورة ومحكمة الأمن ومحكمة المخابرات و الأخيرة لم تكن تتعامل إلا مع بعض القضايا وأغلب القضايا كانت تعرض على محكمة الأمن) كان الموقف فيه كما يلي: ـ
كان تنفيذ أحكام الإعدام متوقفاً منذ 1986 – 10 –1 ماعدا وجبات ثلاثة صغيرة وواحدة كبيرة، وعدد المحكومين بالإعدام الذين ينتظرون التنفيذ يناهز ال300 وبدقة، حوالي 280 شخص. أما
الحالات الثلاثة الصغيرة، ثم الكبيرة، فهي كما يلي: ـ
ـ تنفيذ الإعدام بالفريق الركن عمر هزاع وولديه وثلاث آخر بينهم امرأة، بتهمه التهجم على رئيس الجمهورية.
ـ تنفيذ الإعدام بالمهندس عبد الوهاب المفتي أمين العاصمة ومجموعته(حوالي خمسة أفراد) بتهمة الفساد المالي( الرشوة والاختلاس).
ـ تنفيذ الإعدام بشخص واحد من السماوه لمحاولته اغتيال محافظ السماوه .
ـ أما الحالة الكبيرة، فكانت كبيرة بكل المعاني: ففي يوم 1986 – 12 – 29 نودي على مجموعة من شباب الكوفة، وكانوا قد شكلوا مجموعة سياسية / عسكرية لتنفيذ تفجيرات واغتيالات، وعند اقتيادهم إلى قاعة التنفيذ، وتوديع زملائهم، أخذ البعض يردد هتافات معادية ، قام المحكومين بترديدها من بعدهم، وبعد أن اقتيد هؤلاء الشباب، تصاعد الهتاف وفعاليات أخرى مثل سد ثقوب أقفال الزنزانات بالصابون، وقذف الحراس ورجال الأمن بقطع الصابون ومسحوق الغسيل، وقذف بقايا الطعام والماء وما تيسر( وهو قليل بالطبع)بأيدي النزلاء على حراس السجن ورجال الأمن. ومع تصاعد حدة الهتافات، دفع السلطات إلى استخدام عناصر من قوات الطوارئ للتدخل، كما حضرت لجنة من مديرية الأمن العامة، وربما شخصيات حكومية أخرى حاولوا تهدئة الموقف دون جدوى. ثم تدخلت قوات الطوارئ فدخلت إلى القسم وأطلقت النيران فقتلت حوالي 15 فرداً في زنزاناتهم. ساد الهدوء على أثرها، ثم تنظيف ممرات القسم، وأبتدأ التحقيق مع كافة المحكومين فرداً فرداً، جرت بعدها تنفيذ الإعدام بكل من يعتقد أنه ساهم في الأحداث، لاسيما الإسلاميين منهم وعناصر قليلة من كل تشكيلة، حتى بلغ عدد الذين نفذت فيهم أحكام التنفيذ 156 فرداً، وقد جرى تنفيذ الإعدام بأعداد لا أعرفها من السجناء الاعتياديين(الأحكام الجنائية) الذين سمعوا الهتافات في القسم السياسي، وأراد بعضهم المشاركة، لذلك جرى تنفيذ الإعدام بعدد منهم.
لم أكن موجوداً في تلك الفترة في قسم الإعدام، إلا أن الرفيق الشهيد البطل ثجيل عبد الحسين (أبو شاكر) والرفيق طراد نصر الله والرفيق وداد، حدثوني تفصيلاً عن تلك الأحداث بدقة تامة، وهنا لابد أن أذكر بصفة خاصة رفاقنا ومنهم الرفيق ريحان بلط (أبو لؤي) والرفاق خالد وسكران والآخرين كلهم كانوا قمة في الشجاعة والبطولة، بل أنهم كانوا يصافحون الموت بكل رجولة ولم يفقد أي منهم اتزانه، وكانوا يتداولون الأحداث بموضوعية … أنني أقف تحية لهم ولذكراهم التي سوف لن تغيب عن البال … فلن أستطيع أن أنسى لحظة دخولي إلى قسم الإعدام، وكان البعض منهم يعرفني، فهب هؤلاء الرفاق الأبطال لاستقبالي، وكان الشهيد البطل وداد يأبى أن أقوم بأي عمل فكان لي بمثابة الولد أو الأخ الصغير والرفيق في ذلك المكان…
المجد والخلود للأبطال.
كان ورود المحكومين بالإعدام من محكمة الثورة مستمراً، وبمعدلات غير بسيطة، 10 أفراد كمعدل أسبوعياً، وربما أقل من ذلك أو أكثر بقليل بحيث يكون الموقف وفق المعطيات التالية:ـ
ـ كان تنفيذ حكم الإعدام قد توقف ابتداء من 1986 – 10 – 1 (باستثناء الحالات التي ذكرناها) والقادمين الجدد المحكومين بالإعدام يشكلون تراكماً في الأعداد.
ـ في الحالات الثلاث المار ذكرها نفذ الإعدام بحوالي 11 فرداً.
ـ بعد التظاهرة التي حدثت بتاريخ 1986 – 12 – 29 تم تنفيذ الإعدام ب :156 فرداً.
ـ عندما دخلت قاطع الإعدام بتاريخ 1987 – 4 – 6 كان الموجود يناهز 280 فرد .
ـ عندما غادرت قسم الإعدام بعد ثمانية وثلاثين يوماً بالتخفيض إلى السجن المؤبد، كان الموجود الكلي هو 301 فرداً، بما في ذلك نحن الأربعة الذين خفضنا إلى الحبس المؤبد.
ـ في شهر شباط /1988 تم تخفيض أحد الأصدقاء من الإعدام إلى المؤبد، وهو شخص نزيه يعتمد على أقواله، أخبرني عن عمليات التنفيذ التي كانت قد استأنفت بتاريخ 1987 – 6 – 2 ، شملت ربما 250 – 200 فرداً من كافة الاتجاهات السياسية أو ذات الطابع السياسي، فعلى سبيل المثال كان معي في زنزانة الإعدام مدير تربية إحدى المحافظات، بتهمة بيع أسئلة الامتحانات وقبض رشوه، كما تم تنفيذ الإعدام بالمرحوم العقيد الركن المتقاعد رافع الحمامي، وقد عقدت أواصر صداقة بيني وبينه وكان إنساناً رائعاً، حكم عليه بتهمة إقامة دعوة غداء في مطعم فاخر كلفت في حينها 500 دينار ! وبعبارة أخرى فأن جناح المحكومين بالإعدام كان يضم كافة القضايا التي تدخل ضمن باب الحكام الخاصة من قانون العقوبات العراقي من المادة 156 وحتى المادة 198 ، كما كان يضم المحكومين بالإعدام وفق مواد كثيرة المادة الشهيرة 225 وهي مادة التهجم على رئيس الجمهورية، وتصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام، وقد حكم فعلاً على العديد من المواطنين وفق هذه المادة وأشهر تلك الحالات : الفريق الركن عمر هزاع وولديه وكذلك اللواء الركن فالح أكرم فهمي وهو قائد عسكري ورياضي لامع، أعدم للأسف ومثله آخرون لأسباب تافهة لا تستحق الإعدام مطلقاً، ومنهم أيضاً العميد عبد الرسول، وهو ضابط مهندس وهو صانع مدفع الهاون العراقي الفائق الجودة، أعدم لسبب تافه، كلمة قيلت دون قصد.
وقد دققت كثيراً عن اتجاهات المحكومين بالإعدام، والحقيقة أنها كانت موزعة على كافة الفئات السياسية و الدينية والعرقية من الشعب العراقي دون تميز. وكانت على الأغلب كما يلي:ـ
35% أكراد من مختلف الاتجاهات والقضايا.
35% حركات إسلامية وحسب التسلسل ( حزب الدعوة، وحزب العمل، والأخوان المسلمون)
10% شيوعيون وبعث يساري.
10% تهجم، تجاوز حدود، قضايا متفرقه.
10% تجسس، فساد أداري، قبض عمولات.
أما لجهة توزيع الأفراد حسب المستوى الدراسي، لم يكن هناك من حملة الشهادات العليا، ولكن كان هناك أعداد من خريجي الكليات، ولكن بعدد بسيط، بما في ذلك الضباط، والسواد الأعظم من المحكومين كانوا من أفراد الشعب البسطاء وباستثناء المنتمين إلى الأحزاب السياسية المعروفة مثل البعث اليساري والشيوعي، فأن المستوى الثقافي للأفراد كان بسيطاً، وأحياناً بسيط جداً ولكن مقابل عاطفة دينية متأججة.
على أن موجود قاطع الإعدام الذي كان في ذروته عام 1985 بدأ يتراجع تدريجياً ثم أنخفض بشدة بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، ولكنه ما لبث أن بدأ يتصاعد مرة أخرى، مع أحداث الكويت ولكنه لم يصل قط إلى معدلات الثمانينات، وقد علمت من مصادر موثوقة أن معدل الإعدام كان 100 فرد سنوياً حتى1995، ربما تصاعد في 1997 ولكنه أنخفض مرة أخرى، وبقي كذلك طيلة التسعينات.
كانت مواجهة المحكوم عليهم بالإعدام من السياسيين مع ذويهم محظورة تماما، وكميات الطعام التي كانت تقدم بائسة، بالطبع كانت زنزانات مقفلة بصورة مستمرة وكانت حلاقة الذقن غير ممكنة، بل أن أدوات الحلاقة لم تكن متوفرة وكذلك فرشاة ومعجون الأسنان، وبداهة الأقلام والأوراق وأدوات الطعام، وحتى قلامة الأضافر. وفي الواقع فأن الزنزانات لم تحتوي إلا على عدد معين من البطانيات، ولكل نزيل صحن وقدح من البلاستك، ولكن كمية وافرة من الصابون ومسحوق الغسيل الذي يوضع في كيس نايلون، كان هذا هو كل شيء، الذي هو في الواقع لا شيء … لا شيء البتة قي انتظار الموت.
كيف يأتي الموت …؟ كان تنفيذ أحكام الإعدام للسياسيين يتم يومي الأحد والأربعاء، وكان النزلاء يتحايلون لمعرفة فيما إذا كان هناك في ذلك اليوم تنفيذ أو لا، بدفع مبالغ (لا أهمية للنقود إطلاقاً في زنزانات الإعدام، وهي مجرد ورق لا يمكن الحصول بها على أي شيء.. لأنه لا يوجد أي شيء) للعامل الذي كان يجلب الطعام ويوزعه على الزنزانات، وهو نزيل من قسم الأحكام الطويلة( الأحكام الجنائية) الذي كان يقوم بتهيئة قاعة التنفيذ وهي تشتمل على ثمانية زنزانات وستة مشانق يفصل بين كل واحد منها جدار من السلك المشبك B R C ، ويتم تحضير القاعة والحبال منذ الصباح الباكر، وفي حوالي الساعة الثانية ظهراً يحضر المأمورون وبأيديهم القيود الحديدية، ويبدءون بالمناداة على الأسماء التي ورد التصديق على أحكام الصادرة من المحكمة.
يودع المغادرون زملائهم وترتفع الأصوات بالدعاء وكلمات الوداع، وتقيد أياديهم ويغادرون القسم في موكب مؤلم، وإذا أقام المحكوم فترة طويلة هنا، فأن المنظر قد يصبح مألوفاً بعض الشيء، ويتناقل الناس أخبار رجال اقتيدوا من هنا إلى الموت، وكانوا في صورة رائعة من البطولة. فقد روى لي الأخ محمد الجبوري الذي أمضى خمسة سنوات في قسم الإعدام ثم خفض إلى المؤبد، وكان قد شهد تنفيذ الإعدام بحوالي 500 فرد تقريباَ، أي بمعدل 100 سنوياً بين الأعوام 1995 – 1991 ، وكان الأخ محمد قد تقاسم الزنزانة مع الرفيق البطل الشهيد محمد عبد الطائي، إلى لحظة المناداة للتنفيذ. وقال لي أنه لم يشهد رباطة جأش وشجاعة واستخفاف بالموت وبعبارات بليغة، كنت أطلب من الأخ محمد الجبوري أن يعيدها لي مراراً وتكراراً، ربما لعشرات المرات، وكم اشعر بالفخر والاعتزاز بهذا الرفيق والأخ والصديق، شعور بالفخر يغطي على مشاعر الحزن العميق، وكان صديقاً لي منذ 1960 وقد عملنا معاً في منظمات حزبية مرات عديدة، وقد بعث لي الشهيد محمد بتحياته من موقف المخابرات ،الحاكمية) مع الأخ عبد العزيز الكبيسي الذي كان معه في زنزانة واحدة، وحكم عليه بالسجن لمدة 40 سنة. كما روى لي أحد الضباط الذين حضروا تنفيذ الإعدام بالمناضل علي عليان، بأنه كان قمة من قمم البطولة والرجولة الفذة عندما واجه حبل المشنقة، رافضاً تعصيب عيناه، وقال مخاطباً الحاضرين من مكانه المرتفع(منصة الإعدام)، بأنه غير مكترث أبداً لما يحصل له، بل هو يأسف لأجلهم إذ ينفذون بوعي أو بلا وعي أحكاماً بحق عراقيين مخلصين للوطن، ولا بد من القول أيضاً أن البعض(قلة قليلة)كان يصاب بانهيار يتخذ أشكالاً مختلفة، فإما أن يفقد القدرة على الكلام أو السير. كما من المؤسف القول أني شاهدت ثلاث أو أربعة حالات من الجنون في زنزانات الإعدام، وربما هناك من مارس تمثيل الجنون، لاعتقاده أن ذلك قد ينجيه من الموت، كما حصلت حالات محدودة من الوفيات داخل قسم الإعدام، والمتوفين كانوا شباناً وأسباب الوفاة هي على الأرجح سكتة قلبية أو دماغيه.
وقسم الإعدام تجربة رهيبة، ليس فقط بسبب الموت المرتقب مع كل طرقة على الباب، لا سيما يومي الأحد والأربعاء( وتلك أيام التنفيذ للسياسيين، بصفة عامة، ولكنا لم تكن قاعدة نهائية)بل بسبب صرامة النظام والإغلاق المستمر لأبواب الزنزانات، وكانت النوافذ قد أغلقت بصفائح، مثبتة باللحام على الشباك وكان عسيراً معرفة حتى الوقت، ناهيك عما يدور خارج القسم الذي كان يبدو لنا وكأنه في كوكب آخر. وكانت هناك إشاعة تقول أن هناك ثقباً في إحدى نوافذ زنزانات الطابق الأسفل، ومنها كان نزلاء تلك الزنزانة يطلعون على لمحات مما يدور قرب قاعة التنفيذ، ولكن الرؤية والتميز كانت ضعيفة، لذلك لم يكن بالإمكان الحصول على معلومات دقيقة عن الأحداث التي تدور خارج قسم الإعدام، أو في قاعة التنفيذ.
والنزلاء المحكومين بالإعدام، ينطبق عليهم القول (في معظم الحالات) متفائلون إلى أقصى حدود التفاؤل، ويصل هذا إلى حدود محزنة. فأن وقوف عصفور، وأكثر من ذلك إذا كان بلبلاً على الشباك العلوي لقسم الإعدام قد يعني للكثيرين أنه إشارة الفرج ! أما إذا أبتسم أحد الحراس أو المأمورين، فأن الإشارة أكثر قوة، أما رؤية صالحة في المنام، فأنها إشارة قوية للفرج. ولكن ما هو الفرج ..؟
المحكوم بالإعدام كالغريق في بحر متلاطم الأمواج، لا قعر له ولا ضفاف، فهو إذن على استعداد نفسي أولي لتقبل كل إشاعة أو إشارة مهما كانت ضعيفة، والفرج قد يكون صدور قرار عفو لأي سبب من الأسباب، وهو الأكثر رجحاناً، أو تخفيض من حكم الإعدام إلى الحبس المؤبد (لاسيما إذا كانت القضية غير مهمة)، ويذهب البعض أن تغير النظام السياسي في البلاد يؤدي بهم إلى الخروج من هذا المكان.
وقد يبدو حكم الإعدام شيئاً رهيباً، وربما هو كذلك فعلاً، بيد أن المحكوم بالإعدام يعتاد على ذلك، أي أنه يألف فكرة أن حياته قد انتهت ( مع فسحة قليلة أو كثيرة من الأمل كما أسلفنا)، ولكن التفاوت هنا هو في سرعة تقبل فكرة نهاية رحلة العمر على هذه الصورة ( مع أن أي صورة أخرى هي غير مفرحة أيضاً !) فالبعض كان يتقبل الفكرة بسرعة كبيرة، دقائق أو ساعات بعد صدور الحكم، وربما عند آخرين تستغرق أكثر من ذلك، وقد تبقى الفكرة تتصارع في وعي الإنسان حتى اللحظات الأخيرة، والعوامل المهمة التي تؤدي إلى تماسك الفرد هي : شدة إيمانه بالقضية النضالية، والتأهيل الثقافي والنضالي، والأيمان الديني.
وقد سمعت أن الكثيرين من المحكومين بالإعدام الذين يبقون متماسكين حتى اللحظات الأخيرة، ينهار بعضهم لدى رؤيته لحبل المشنقة، وقد ينتاب آخرين ضرب من هستيريا الصياح والهتاف (يسقط ويعيش) أو إطلاق الشتائم أو التوسل، والهتاف بحياة فلان من الناس، وقد يعمد البعض إلى إيهام لجنة التنفيذ (مدير السجن، ضابط الأمن، المدعي العام، المأمورين، الطبيب) بأن لديهم معلومات مهمة أو خطيرة يودون الإدلاء بها، من أجل الإبقاء على حياتهم ولو لبضعة أيام، ولكن مذكرة الإعدام إذا وردت تحمل ختم وإشارة التصديق والتنفيذ، فأن ذلك على الأرجح لم يكن يحتمل التأجيل، فقد سبق السيف العذل .
أما أنا فقد كنت قد استعددت لهذا اليوم أتم الاستعداد، ومنذ زمن بعيد جداً، منذ انتمائي لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1958 . ومن مصادفات القدر، أنني كنت قد قرأت بتأثر شديد وعميق مذكرات العقيد الركن صلاح الدين الصباغ، أحد قادة حركة مايس / 1941 ، وقد نفذ به حكم الإعدام ولكن بعد سنوات من الهروب والاختفاء في إيران وتركيا، حتى وقع بأيدي السلطات البريطانية التي سلمته إلى الحكومة العراقية، فحكمت عليه بالإعدام، فكتب في وصيته مخاطباً أولاده : أنه يعز عليه مفارقتهم دون أن يراهم، ولا بد أن أشكال وجوههم قد تغيرت، وكنت اشعر بالضبط بنفس المشاعر، حيث مضت مدة تقارب تلك المدة التي أمضاها صلاح الدين الصباغ دون رؤيته لأولاده، دون رؤية ولدي فراس وفواز، ولكنني كنت على استعداد لتقبل تلك التضحية، فقد تنازلت عن حياتي منذ زمن بعيد، وكنت مقتنعاً بأني سألقى وجه ربي اغتيالاً أو إعداماً أو شهيداً في معركة وطنية أو قومية، ورغم أني لم أكن قد فعلت شيئاً يستحق هذا الحكم الأخير، إلا أنني أدركت أنني أدفع فواتير ومستحقات قديمة،وقد وجدت السلطات أنها فرصة سانحة للتخلص مني (قبل صدور التخفيض إلى الحبس المؤبد)، وقد علمت فيما بعد من مصادر لا يرقى إليها الشك، أن السلطات كانت تعتقد بأنني غير منتم حالياً إلى تنظيم، مع قناعة بعض الجهات، أنني ما زلت منظماً مع البعث اليساري، وإنني سأنظم عند أول سانحة إلى أي فعالية معادية، ثورة أو انقلاب، أو حركة داخل حزب السلطة كما حدث عام 1979 )، لذلك كنت قد أعددت كلمة قصيرة مرتجلة بالطبع، ولكنها بليغة ساعة التنفيذ.
كان شهر رمضان قد حل علينا، وتنفيذ أحكام الإعدام تتوقف عادة خلال هذا الشهر، إلى ما بعد العيد، وبعد مرور مناسبة الثامن من شباط، وعيد تأسيس الجيش، و28 نيسان، مولد الرئيس صدام، مرور هذه المناسبات دون صدور العفو المنشود، أيقن النزلاء لاسيما العقلاء منهم، أن تنفيذ أحكام الإعدام سوف تتواصل حال انقضاء أيام عيد الفطر.
ومع إيقاف التنفيذ في شهر رمضان إلا أنها لم تكن قاعدة نهائية، وكل شيء ممكن. وفي قسم الإعدام يطلق على من يمضي على قدومه21 يوماً فأكثر، مرشحاً للتنفيذ في الوجبة القادمة، وباللهجة البغدادية ( طابك على السرة)، أي أنه في الدور.
كانت الساعة قد قاربت الثانية من يوم 13 أيار 1987 ، الأربعاء، أي أن كافة المؤشرات المشؤومة متوفرة : الأربعاء (وهو يوم مشؤوم في عائلتنا) اليوم 13 الساعة الثانية، عندما سمع صوت المفتاح يدور في باب قسم الإعدام ، الباب الأول، يترك النزلاء كل شيء، وآذانهم تستعد لالتقاط أي شيء حتى همس الذباب، وبعد فتح الباب الثاني، كان يسود الصمت المطبق ، وآذان وأنظار المحكومين بالإعدام تتطلع إلى المأمور الذي يتوسط ممر القاعة في الطابق الأسفل، بيده ورقة بيضاء، رفعها وشرع بقراءة الأسماء.
كانت الأسماء أربعة: هي أسمي و من معي في القضية. وبعد أن أتم قراءة الأسماء أستدرك قائلاً وبسرعة : إنها … إنها مرسوم تخفيض. وبالطبع يحق للكثيرين عدم تصديق قصة التخفيض، إلا إنني كنت لا أفكر بشيء، ولم يصدق ذلك الكثير من النزلاء، بما فيهم أخي وسام المشمول بالتخفيض طبعاً.
وقفنا في الردهة بين البابين، وقرأ علينا أحدهم مرسوم التخفيض من الإعدام إلى الحبس المؤبد … ومن لم يصدق منا نحن الأربعة(لأن نزلاء القسم لا يسمعون ولا يشاهدون شيئاً)، أيقن الآن أن شبح الموت أبتعد … نعم أن سيف الموت الحاد قد أبتعد ولكن دون أن يختفي نهائياً. فبيننا وبين الموت ورقه !!
والغريب أن الكثير من حراس قاطع الإعدام كانوا متعاطفين معنا، بل أن أحدهم أنخرط في نوبة بكاء، وكاد أن ينهار على الأرض، فجلس متكئاً إلى الجدار، وطفق يبكي كالأطفال !!
نقلنا إلى قسم الأحكام الخاصة، وقد أخذتنا إلى هناك سيارة لاند كروزر، وها نحن أمام قلم التسجيل في قسم الأحكام الخاصة (السجن السياسي) بلحى طويلة، حفاة،مرضى، وقد اصفرت وجوهنا من جراء سوء تغذية طويلة الأمد، وعدم التعرض لأشعة الشمس، وبالنسبة لي كانت الأورام تملأ كافة أجزاء الجسم من قمة الرأس وحتى أخمص القدمين. ولكننا نستعيد أنفاسنا وأنفسنا بعد حلولنا فيما يسمى بزنزانات قسم الاستقبال، التي يودع فيها النزلاء ريثما يتم توزيعهم على قاعات وأقسام السجن الكثيرة الغاصة بالسجناء، الذين يطلق عليهم رسمياً، بالنزلاء.

* * *
قسم الأحكام الخاصة
يجهل الكثير من العراقيين وغيرهم أكثر،ما تنطوي عليه كلمة سجن أبو غريب، وهي تسمية غير رسمية ولكنها شائعة جداَ .
يتألف هذا السجن وأسمه الرسمي : المديرية العامة لصلاح الكبار، يتألف من مستطيل ضخم له واجهة أمامية مطلة على الطريق القديم بغداد ـ الفلوجة ـ الرمادي ، (الطريق الزراعي) طولها 700 –600 متراً، وعمق يمثل الضلع الطويل لهذا المستطيل يمتد إلى الداخل بحوالي 2000 – 1500 مترا هذه الأرقام، ليست دقيقة ولكنها أقرب إلى الواقع، وهكذا ينشأ مستطيل هائل فسيح بسور شاهق، يرتفع إلى ثمانية أمتار من الأسمنت البلوك الشديد المتانة. والسور والمتانة، لا يدع مجالاً للتفكير بمحاولة اجتيازه، وداخل هذا المستطيل الهائل يقع مجمع أبو غريب للإصلاح الاجتماعي، وهو مكون من : ـ
ـ خمسة أقسام (سجون) موزعة بانتظام وبأحجام متفاوتة داخل هذه المساحة.
ـ دائرة أمن أبو غريب.
ـ مخازن الأرزاق.
ـ دائرة المدعي العام ( وقد أنشأت مؤخراً ).
ـ المديرية العامة للإصلاح الاجتماعي.
يتوزع القسمان الرئيسيان :الأحكام القصيرة (الخفيفة)، والأحكام الطويلة(الثقيلة)في أقصى زوايا المستطيل العليا والقصيرة إلى الزاوية اليمنى، والطويلة إلى الزاوية اليسرى.
• قسم الأحكام القصيرة يعني أنه يختص بالمحكومين بين أكثر من سنه حتى خمسة سنوات، وهي أحكام الجنح في القانون، وهذا القسم هو أكبر أقسام(سجون) أبو غريب.
• قسم الأحكام الطويلة، ويعني أنه يختص بالمحكومين بين أكثر من خمس سنوات حتى الإعدام، وهي أحكام الجنايات في القانون ، وهو يلي قسم الأحكام القصيرة في الحجم.
• قسم الإفراج، وهو يختص بالمحكومين بالمخالفات في القانون، للمحكومين سنة واحدة، وهو قسم صغير لا يتسع إلا لبضعة عشرات من النزلاء، ربما 120 – 100 فرد. وبناية هذا القسم تقع بين الأحكام القصيرة والطويلة.
• المديرية العامة للإصلاح الاجتماعي، وهذه تقع في الزاوية السفلى اليمنى للمستطيل وهي بناية ليست كبيرة الحجم ولكن يليها مباشرة جدار فاصل عن سائر أقسام المجتمع، ولكنه لا يضاهي في ارتفاعه وسماكته جدار السجن الخارجي.
• ومقابل قسم الأحكام القصيرة، كان الأجانب ويطلق عليه( قسم غير العراقيين) متوسط الحجم إلا أنه الأكثر بين الأقسام نظافة وترتيباً ( هكذا كنا نسمع) وهناك تسهيلات في الإدارة. وهذا السجن كان يضم كل محكوم غير عراقي بصرف النظر عن جريمته والمدة التي حكم بها وإدارة هذا القسم خاضعة إلى رئاسة المخابرات.
• ومقابل سجن الأحكام الطويلة، هناك هذا القسم الشهير، قسم الأحكام الخاصة، وهو السجن المخصص للمحكومين بمواد الأحكام الخاصة.
• مخازن الأرزاق، كانت بالقرب من الأحكام الطويلة، وليس بعيداً عن ذات المكان، كانت دائرة المدعي العام.

الآن لنعد إلى قسم الأحكام الخاصة، ماذا تعني تلك اللفظة :
القانون العراقي يعتبر، أن ليست هناك جريمة سياسية، حتى لو كان الباعث عليها سياسي ولكنها ليست جرائم سياسية، لذلك أطلق عليها المشرع لفظة خاصة. وقد وردت في نص أحكام القانون العراقي هكذا : الأحكام الخاصة. وهي تبدأ من المادة156 حتى المادة 198 ، وبعدها تبدأ مواد الأمن الداخلي وهي حوالي 40مادة، منها أحكام اغتيال رئيس الجمهورية والتهجم والمنشورات والكتب الممنوعة وتوزيعها وما شابه ذلك. ونزلاء هذا القسم هم الذين حكموا في محكمة الثورة، أو ما تلاها من المحاكم الخاصة بعد إنهاء أعمال تلك المحكمة السيئة الصيت، والمحكومين بمواد الأمن الخارجي محرومون من الإفراج الشرطي(25% من مدة الحكم) أما المحكومين بمواد الأمن الداخلي، فيتمتعون بهذا الحق، ولكن بعد أخذ موافقة جهات الإحالة، الأمن، المخابرات، الاستخبارات !!
وكان قسم الأحكام الخاصة قد صمم بالأساس لأن يكون موقفاً للمتهمين المحالين إلى المحاكم، وربما أستخدم لفترة وجيزة كسجن للنساء قبل أن يرحلن بصفة نهائية إلى سجن خاص بهن في الرصافة،وفي النصف الأول من السبعينات تحول إلى سجن سياسي، على أن سجن أبو غريب نفسه وضع قيد الاستخدام في مطلع السبعينات 1971 ، بعد أن أستغرق بناؤه أكثر من 6 سنوات، أي منذ أن كان سكان العراق 6 مليون نسمه وقد اعتمدت خرائط متقدمة في تشيده. ويضم كافة المرافق الخدمية الممتازة، بما في ذلك التدفئة والمياه الساخنة. ولكن تباطوء الصيانة والاكتظاظ والاستخدام الكثيف وسوء الإدارة والفساد، أوصله إلى حالة مزرية.
الجزء الأساسي في القسم هو جزء الإدارة، ثم ممر طويل، تقع الردهات والأقسام على جانبيه، وربما يبلغ طول الممر حوالي 250 متراً، والأقسام على شكلين، إما أن تسمى (ق)، والقاف الواحد هو عبارة عن قاعة طويلة تضم 20 غرفة ، 10 غرف في كل طابق، وكل غرفة (زنزانة) هي بحجم 4,5 × 5 وهناك مرافق صحية يمكن استخدامها كحمام للاغتسال أيضاً وهو ما كان غالباً يستخدم لهذا الغرض حصراً، ويضم القسم أيضاً حمام عمومي ومرافق صحية عامه ومخازن تحولت إلى غرف، وغدت امتيازاً يمنح لمن تريد السلطات أن تعطيه وضعاً مميزاً، وهكذا كان على الأغلب.
والصنف الثاني من الأقسام يدعى (م) وهو عبارة عن بناء ذو طابقين لا يطل فيه الأعلى على الأسفل، بل هو عبارة عن ردهتين مستقلتين لا يحتوي على غرف، بل ردهة مفتوحة يشاهد من كان في آخرها من هو في أولها.
ثم أن هناك عدداً من المرافق تحولت أقسام مثل : المطعم والمسرح والمدرسة، كما حاولت إدارة الإصلاحية(حسب تسميتها الرسمية) تدارك الاكتظاظ ببناء قسمان ضخمان سميت بالجملون الأول والثاني، ذو سقف من الألمنيوم وسقف ثانوي من الفلين الصناعي(ستايربور)، وفي فصل الصيف كانت الحياة فيه تتحول إلى فرن بشري أو ربما أسوء، وكان هناك مستشفى لا بأس بحجمه وقدراته، كانت خدماته تفوق إمكاناته، بسبب تفاني الأطباء، سواء الموظفين منهم أو النزلاء، في خدمة المرضى. كما أن هناك مكتبة كانت تضم قدراً لا بأس به من الكتب كماً ونوعاً، إلا أنها تعرضت لموجات من السرقة على يد النزلاء والموظفين، وهناك مطبخاً ومخازن للأرزاق، كانت مرتعاً للجرذان البشرية وبنسبة اقل للجرذان الحقيقية، وهناك حقائق مذهلة عن السرقات وقد مارسها حشد من الشخصيات الرسمية، بل كذلك عدد من النزلاء سواء بسواء.
وكان السجن يدار رسمياً من قبل المأمورين التابعين إلى المديرية العامة للإصلاح الاجتماعي، التابعة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وهناك مأمورين يرتدون بدله رسمية، ويضعون رتب وعلامات على أكتافهم، إلا أنها ليست عسكرية، كما يحضر عليهم ارتدائها خارج السجن، والأقل منهم يسمى حارس إصلاحية، ومنهم من يسمى حرس مفاتيح، وهؤلاء يتولون فتح وغلق أبواب الأقسام. أو حرس برج، كناية إلى واجبه في الأبراج التي تراقب أسوار السجن.
وقسم الأحكام الخاصة، وكذلك سائر الأقسام، محاط بسياج شاهق قد يصل إلى ارتفاع 8 أمتار بما يجعله في عزلة تامة عن سائر الأقسام، وهو بمثابة الجزر في مساحة مجمع أبو غريب إن جاز التعبير … ولكن أي جزر ..!
كان مجمع سجن أبو غريب قد ورث سجن بغداد المركزي ( وكان موقعه في باب المعظم )، وقد بوشر بتشييد سجن أبو غريب الحديث والذي يقع في منطقة أبو غريب، غربي بغداد باتجاه الفلوجة، ومن هنا أكتسب أسمه الشهير، بوشر بتشييده، ربما في 1964 ، وقد جلبت أحدث الخرائط لتشييد سجن حديث، حيث كان السجن القديم بغداد المركزي، قد تقادم به الزمن، وأبنيته متهالكة ولا يلبي المتطلبات الحديثة. وهكذا فقد تعاقدت الحكومة مع شركات أجنبية بالتعاون مع مقاولين عراقيين لتشييد السجن، كما تبدل أسم مديرية السجون العامة إلى مديرية الإصلاح الاجتماعي. وقد أستغرق إنشاؤه سنوات طويلة، ويشاع أن عدة مقاولين تتابعوا عليه، ودارت عمليات رشاوى وعمولات، رغم أن الشائعات لا يعول عليها في العراق مطلقاً. وكان سكان العراق آنذاك 7 – 6 مليون نسمه.
وقد تم إلغاء السجن القديم في مطلع السبعينات،(ثم هدم وشيد بدلاً عنه وزارة الصحة، ومنشئات صحية تابعة لمدينة الطب وجامعة بغداد) وأغلب الضن أن الانتقال إلى السجن الجديد قد جرى على عجل وحتى قبيل إكمال اللمسات الأخيرة فيه،(والعجلة والفوضى وكثرة المتدخلين هي عادة سائدة للأسف) ، ولكن لابد من ذكر أن البناء كان ممتازاً والمواد المستخدمة فيه كانت من الدرجة الأولى، ومن أحدث الطرز (في وقته)، ولكن للأسف كانت نظم مجاري المياه الثقيلة غير منجزة بعد ( ولم تنجز إلى حد الآن)، ومثلت مصدر إزعاج للنزلاء والإدارة على حد السواء، وكذلك تمديدات المياه النقية والكهرباء كانت ممتازة، ولكنها غير مصممة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من النزلاء، بالإضافة إلى سوء استخدام المعدات، أدى إلى استهلاك متسارع الوتيرة، مقابل تباطوء في الصيانة، لذلك كان مجمع أبو غريب في حالته النهائية بوضع يرثى له، وقد جرت عمليات صيانة في أواخر التسعينات أعادت إليه شيئاً من الجاهزية.
وفي ظروف الضخ المستمر للنزلاء إلى السجن (وسوف أتناول هنا قسم الأحكام الخاصة بصفة رئيسية) ، تعرض السجن ومرافقه إلى التآكل المستمر والتدهور في مستوى مرافقه الخدمية، وفي المراحل اللاحقة بعد الحصار الشامل على البلاد، وقلة الموارد المخصصة للسجن، حدث تسارع في تدهور الموقف، لولا جهود كبيرة، كان المصدر الرئيسي فيها عمل النزلاء وتبرعاتهم ومواردهم، أمكن إيقاف التدهور السريع.
وكان الموقف الغذائي والصحي وأوضاع السجن بصفة عامة معقولة وتحت السيطرة حتى وقوع الحصار الذي قلص إلى درجة كبيرة من مستوى الإمكانات الغذائية بدرجة رئيسية، ولا أريد أن أذكر أرقاماً وإحصائيات لست متأكداً من دقتها، ولكن على سبيل المثال الاعتماد على ما يقدم من غذاء ، والكمية كانت جيدة جداً والنوعية جيدة، وفي بعض الأحيان جيدة جداَ، ولكن في مرحلة بعد الحصار، أنحسر هذا المستوى إلى درجة لم يعد فيها بالإمكان الاعتماد على الطعام الذي تقدمه الإدارة لذلك فقد تم مضاعفة عدد مواجهات النزلاء إلى أسبوعية، بدلاً من مرتان في الشهر، وذلك من أجل تغطية حاجة النزلاء من الطعام والمواد المعيشية.
والطعام الذي قلت كميته وتراجعت جودته، والآن دخلت عناصر جديدة على الخط، فحراس السجن صاروا بعد الحصار يتناولون وجباتهم من كمية طعام النزلاء، هذا ناهيك عن طول يد مأموري السجن الذين صاروا ربما يمونون بيوتهم من طعام النزلاء، وهكذا فأن القليل المتبقي، لم يكن سوى نزر يسير لا يسمن ولا يغني عن جوع. لذلك كان هناك اتفاقاً غير مبرم، (كالعرف الدستوري …!) بل لم يجر حتى اتفاق عليه، أن النزيل الذي يتمتع بأوضاع مالية جيدة يتركون طعام الدولة لغيرهم من النزلاء، بل وأن النزلاء الذين كانت أحوال ذويهم تسمح لهم بجلب أطعمة لأبنائهم، كانوا يشركون معهم زملاء آخرين، وهكذا يمكن القول آن تكافلاً وتضامناً على مستوى طيب بين النزلاء على اختلاف قدراتهم الاقتصادية والمالية أمكن معه تجاوز محنة قلة الطعام .
على أن مستوى الخدمات الطبية، بقي على درجة جيدة، بل جيدة جداً، رغم أن هناك أعداد من النزلاء ومعظمهم من غير السياسيين،( وكانت إدارة السجن قد وضعت في أعوام التسعينات مئات من العاديين في قسم الأحكام الخاصة تداركاً للزحام الشديد في قسمي الأحكام الطويلة والقصيرة)، وكان من جملة المتاعب التي أوجدوها، المراجعات الكثيفة للمستشفى التي كانت تصيب الكادر الطبي بالإرهاق، وربما بالانهيار بسبب شيوع ظاهرة التمارض والمشاجرات التي كانت تنتهي دموية في معظم الحالات، وكذلك استخدام أصناف عديدة من الأدوية كمهدئات، أو بالأحرى كوسائل مخدرة أو منومة بما يؤدي إلى الإدمان، بالإضافة إلى عمليات التهريب المنظمة بدقة شديدة، التي كان يشارك في معظمها إن لم أقل جلها، موظفي الدائرة، لاسيما من حراس (الإصلاحية)، فالأمر ينطوي على أرباح طائلة.
وهناك أصناف من الحبوب شاع ذكرها مثل : آرتين، وأعتقد أنه يستخدم كعلاج للحالات العقلية والعصبية أو الكآبة أو الانفصام في الشخصية (الشيزوفينيا)، ولست متأكداً بالضبط من هذه المعطيات، إلا أنني أعلم أنها كانت توصف كعلاج لمرضى الحالات النفسية، وغيرها من الأصناف الممنوعة أو تلك المقيد استخدامها إلا بمعرفة الطبيب المختص، كانت تهرب إلى السجن ويتناولها النزلاء إلى درجة الإدمان الذي يستنزف صحتهم وقواهم العقلية بالإضافة إلى إمكاناتهم المادية. وكان من المؤسف أن تشيع مثل هذه الظواهر في السجن السياسي، التي لم تكن تلك موجودة في الستينات حيث كانت السجون مدارس للمناضلين.
وكانت السلطات قد درجت على إصدار قرارات عفو في مناسبات مختلفة، وبذلك كان من المعروف أن النزيل لن يمكث في السجن لفترات طويلة، وليس مألوفاً أن يمضي النزيل أكثر من خمسة سنوات، ونادرا ما تطول لأكثر من ثلاثة سنوات، ومن النادر أن أمضى نزيل مدة أكثر من عشرة سنوات، وسوف آتي على ذكر ذلك تفصيلاً، أما العدد القليل الذي كان يستثنى من قرارات العفو كان حصراً : ـ
ـ المحكومين بقضايا التجسس : وهذه قضية معقدة أختلط فيها الحابل بالنابل، بحيث لم يعد ممكناً معرفة (بدقة تامة) المتهمين بقضايا تجسس حقيقية من الذين اتهموا بهذه التهمة دون دلائل واضحة تكفي لإلحاق هذه التهمة الخطيرة، وعدد هذه الفئة لم يكن يتجاوز العشرات.
ـ المخفضين من عقوبة الإعدام: وهذه بدورها قضية لا تخلو من التعقيد، فالمخفض من الإعدام إلى السجن المؤبد قد أصبح سجيناً عادياً، ولكن المشرع يريد من ذلك إبقاء من يريد إبقاءه في السجن وإخراج من يرتأؤن بقرار… ولم يكن نزلاء هذه الفئة يزيد عن 40 – 30 فرداً.

هذا بالنسبة للسجن السياسي، أما بالنسبة لنزلاء الأقسام الأخرى، فقد كانت قوائم الاستثناء من العفو متباينة، ولكن وفق أحكام القانون، كانت الجرائم الثابتة في الاستثناء هي :
-1 جرائم المخدرات .
-2 جرائم اللواطة والاغتصاب.
-3 جرائم الزنا بالمحارم.
كانت هذه الجرائم الثلاثة ثابتة في قوائم الاستثناء، ولكن كان يمكن أن يضاف إليها جرائم أخرى مثل :ـ
-1 القتل العمد (الذي لم يتنازل فيه ذوي المجني عليه)
-2 اختلاس أموال الدولة.
-3 التزوير .
ولا أستطيع أن أتبين بدقة ما هي الحكمة من جلب أعداد كبيرة من الناس إلى السجن وإطلاق سراحهم بعد فترة يذوقون فيها الأمرين، لربما أن فلسفة الدولة، وربما دول أخرى على هذه الشاكلة تعتقد، أن المرارة التي كابدها السجين سوف تردع الكثيرين منهم عن مسارات العمل المعادي للنظام، ولكن بالمقابل فأن أعداد أخرى سيتضاعف حقدها على النظام .
ووفق هذه النظرية ( التي أفترضها)، فأن مكوث النزلاء في السجن كان يتوقف على درجة أو فداحة 0الذنب) المقترف، لذلك كانت الفئة المحرومة دائما من المراحم والعفو، هم المحكومين بجرائم التجسس، وحتى عناصر هذه الفئة غير ثابتة تقريباً، فقد أعتبر لسنوات طويلة، أكثر من عشرة أو خمسة عشر مادة من مواد الأمن الخارجي من مواد التجسس، والأمر لا يتعدى الاجتهاد، وربما حتى المزاج ..وقد يتدخل في تعزيز هذا الأمر بدرجات متفاوتة في الحسم، موقف ورأي رئيس اللجنة وأعضاؤها، ولكم من المؤكد، أن كانت هناك مواد شهيرة مستثناة من المراحم والعفو، المواد : 158- 159 – 164 Aوهي مواد تنص صراحة على التعاون مع مخابرات دولة أجنبية .
ولا أريد بذلك القول أن كل من وجهت له هذه المادة وحكم بموجبها كان يستحقها فعلاً, فقد :أن هناك أبرياء بصورة تامة. بمعنى لم تكن لديهم أي شكل من أشكال الاتصال بجهات أجنبية. وكان هناك من كانت لديهم اتصالات حزبية مع منظماتهم المهاجرة إلى خارج الوطن، أو تلك الأحزاب المتعاونة مع دول وأنظمة أجنبية، عربية أوغيرعربية، وكان هناك من أجرى دون قصد، أو علم دقيق منها اتصالاً بجهات أجنبية استغلت بساطتها أو سذاجتها، أو اندفاعها، فوظفت هذا الحماس أو السخط لأغراضها، ولا تستحق هذه العقوبة القاسية(الحبس المؤبد).
كانت مراسيم العفو تصدر في مناسبات غير ثابتة، وفترات غير محسوبة، ولكن أقصى مدة مضت دون إصدار عفو، كان قي تموز / 1995، حتى تموز/ 2002 ولكن في المرحلة بين 1986 ـ 2002 (وكان قد صدر في عام1986 عفو كبير)، كانت قد صدرت مراسيم العفو التالية: ـ
• نيسان / 1988 : عفو عجيب حافل بالاستثناءات، بحيث لم يشمل من السجن السياسي سوى نزيل واحد فقط أسمه سعد عليوي شيبان، فسمي العفو بأسمه .
• آب / 1988 : بعد نهاية الحرب، صدر عفو عام وشامل للأكراد فقط، شمل حوالي 1500 نزيل كردي.
• آب /1988 : بعد يوم واحد، صدر عفو عام عن العراقيين مع استثناء التجسس والمخفضين من الإعدام، وبعض المحكومين من المادة 175 خرج بموجبه أكثر من 1000 نزيل، وبقي 601 نزيل في السجن.
• أيلول/1990: عفو خاص شمل حوالي 550 نزيل من القضايا السياسية البسيطة.
• تموز/1991 :عفو شامل كبير شمل حوالي6000 نزيل ولم يستثني من السجن السياسي سوى مواد التجسس وبعض المخفضين من الإعدام، وبقي في السجن حوالي 120 فرد.
• نيسان/1995: عفو خاص يخفض محكومية بعض القضايا البسيطة، أطلق بموجبه عدد بسيط من النزلاء.
• تموز/1995 :عفو خاص يشمل حوالي 75% من مدة المحكومية، عدا التجسس والمخفضين من الإعدام.
• تموز/1995: عفو عام أطلق بموجبه سراح جميع السجناء السياسيين عدا قضايا التجسس والمخفضين من الإعدام، أبقى على 98 نزيل فقط.
• تموز/2002 :عفو، هو عبارة عن مرحمة شملت أكثر من 50% من مدة المحكومية، أطلق سراح حوالي 1000 –800 نزيل فيما أبقى على حوالي 1200 منهم.
• تشرين الأول/2002: عفو عام شامل أطلق سراح كافة السجناء والموقوفين في العراق دون أي استثناء.

إذن فهناك عشرة مراسيم عفو، منها من أطلقت سراح نزيل واحد فقط (1988)، ومنها من لم يبقي نزيل واحد ! وحتى المحكومين بالإعدام أطلق سراحهم إلى الشارع !
كنت على الصعيد الشخصي لا أعلق آمالاً كبيرة على الخروج من السجن، وكانت تجربة عفو 1991 ، حيث أطلق سراح مئات المخفضين من الإعدام (حوالي 450)، ثم علمت بصورة مؤكدة تماما، أن أسمي قد شطب من قوائم العفو. أما في عفو عام 1995 فقد كان أعضاء اللجنة المكلفة بتنفيذ قرار العفو من أصدقاء ومعارف، كانوا يؤكدون لي يومياً بأن إطلاق سراحي مؤكد ضمن قرار العفو، إلا أن ذلك تغير فجأة، وأنهت اللجنة أعمالها، ولم تبقي في السجن سوى 98 نزيل، من أصل حوالي 2500 نزيل قبل العفو.
بل وإني أدركت بعد محاولات عديدة بذلها أصدقاء ومعارف من أجل إطلاق سراحي لم تسفر عن نتيجة، أدركت أن الأمر سيطول، وسيطول جداً، لاسيما بعد إطلاق سراح أخي وسام، وكانت دوائر الأمن والمخابرات قد أجرت مرات عديدة، ربما أكثر من عشرة مرات، في زيارات ومقابلات معي في السجن، وأجراء استطلاعات، تحقيقات عن أوضاعي داخل السجن، بالإضافة إلى أني كنت أعلم بدقة أنني تحت المراقبة الدقيقة جداَ طيلة فترة سجني. ولا أدري ماهية التقارير التي رفعت عني، هل هي إيجابية أم سلبية، وكان بعض المكلفين بأجراء تلك المقابلات والتحقيقات كانوا يظهرون التعاطف معي، والاحترام في كل الأحوال، لكن دون أن تسفر تلك المقابلات عن شيء. وإذا كان لي أن أتحدث عن تلك المقابلات، فأقول: أنها كانت تتركز بصفة رئيسية على الموضوعات التالية:
ـ ما هي أخبار عائلتك في ألمانيا ؟ وفي الواقع فأن السلطات كان يؤرقها وجود عائلتي في الخارج كثيراً، لمعرفتهم أنهم يشكلون قاعدة ثابتة لي في الخارج، كما يطرح وجودهم هناك مبرراً للالتحاق بهم وهو ما لم تكن السلطات تريده بصفة مطلقة لجهتين:
آ/أن وجودي في الخارج يطرح احتمالاً شبه مؤكد، أن أنظم إلى قوى المعارضة، وهذا ما لم تكن السلطة تريده .
ب/السلطة بصفة عامة ، لم تكن ترحب بأن تعتمد أي شخصية سياسية على نفسها، مستقلة، بعيداً عن مؤثراتها، وكنت قد أظهرت بصورة مؤكدة رفض امتثالي لطلب السلطة بالعمل في الدوائر العراقية، لذلك حجب عني راتبي التقاعدي مع رفض الموافقة على السفر من أجل إرغامي على الرضوخ, ولكني كنت أعتقد أن ذلك شكلاً من أعمال السخرة، يغدو فضيعاً إذا كان في مجال العمل الفكري والثقافي أو السياسي.
ـ يقال أنك تكتب كثيراً، فماذا تكتب ؟ وكنت قد أبقيت في السجن على بعض الأعمال، أو بالأحرى مسودات لها، من تلك التي لا تشكل هاجساً، مثل تراجم لروايات لروايات وكتب لتعليم اللغة الألمانية.
ـ ماذا تفعل لو أطلق سراحك ؟ وكان هذا السؤال ينطوي على احتمالات عديدة، وكانت إجابتي عنها حيادية: كنت مريضاً والعلاج بالنسبة لي هو الموضوع الأكثر أهمية، وإجابات عامة لا يفهم منها شيء.
بين هذه الأسئلة الجدية المهمة، عشرات الأسئلة غير المهمة، بل كانت للاستدراج، وتدور حول موضوعات كثيرة، منها سياسية ومنها ثقافية. وغيرها.

كانت أوضاع السجن من ناحية الاكتضاض، قضية قابلة للتفاوت بصورة مذهلة، فبعد كل عفو يتقلص أعداد النزلاء، بل ويكاد أن يفرغ السجن بعد ما كان يضج حتى الأمس القريب بضجيج أعداد هائلة من الرجال. فعلى سبيل المثال، فأن عفو عام 1988 الذي شمل حوالي 2600 منهم 1500 من الأكراد، لم يبقي إلا على 601 سجين، بالإضافة إلى حوالي 1400 نزيل في الأقسام المغلقة، وهؤلاء كانوا جلهم من التيارات الدينية، حزب الدعوة في الغالب، كانوا يعيشون في ظروف بائسة، ومعزولين عن سائر السجن حتى عام 1991.
ومرة أخرى حدث مثل هذا الأمر في عفو 1991 حيث أطلق سراح حوالي 6000 نزيل، ولم يبق في قسم الأحكام الخاصة بالذات إلا حوالي 120 نزيلاً، والأكثر من ذلك كان في عام1995، فبعد أن كانت الأقسام تضيق بالنزلاء، لم يبقى سوى 98 منهم، ترى أي وحشة وكآبة تفرض نفسها على من استثناهم العفو، تلك مشاعر رهيبة لا يمكن وصفها بسهولة، كما لا يمكن التعبير عنها، وفيما كانت الأقسام تضيق بالنزلاء، وإذا بعد ساعات تصبح فارغة إلا من بعض الرجال الذين يتعين عليهم تحمل مثل هذه التجربة النادرة. فقد حدث عام 1988 أن أفرغت القاعة التي كنت فيها ولم يبقى فيها سوى ثلاثة أفراد، وتكرر الأمر عام 1991 وعام 1995 حيث أفرغ السجن تقريباً، وبينما كانت القاعات والساحات لا توفر حتى إمكانية المشي فيها، قد أصبحت فارغة وقد غادرها الجميع ولم يبقى إلا القليل من الرجال الذين يتحتم عليهم مواجهة هذا الثقل النفسي الهائل، وبعضهم لعدة مرات!
ترى مالذي يعين الرجل احتمال ثقل تجربة كهذه، أو عدة تجارب منها؟
ابتداء، فإن ذلك يحدث لدى الكثيرين ضرباً من الاهتزاز، ولآخرين استسلام هادئ للقدر، وهناك من تنهض فيه، في تلك الساعات العصيبة الصعبة، مقومات الرجولة، وإظهار أقصى قدر من ضبط النفس في احتمال ذلك الألم، ولابد من الاعتراف أن القلة القليلة كانت على هذا المستوى، بسبب ارتفاع في مستوى الوعي السياسي، أو الأيمان التام بالدور الذي يقوم به مكرهاً أو مختاراً.
كنت أحدث الكثير من الشباب ممن لا انتماء حزبي له، وليست هناك قضية واضحة يناضل من أجلها، وهو في الحقيقة يدفع ثمن باهض لخطأ لا يستحق هذه العقوبة، كنت أقول لهم، أنها تضحية للوطن … قد تبدو هذه الكلمة مثالية جداً، في ظروف واقعية جداً، وقاسية جداً. نعم أنها تضحية غالية لكننا بوجودنا في هذا المكان ولابد من إيقاف اعتبار أن المواطن وسلطات الدولة، يناصب كل منهما الآخر العداء والكراهية والشكوك. ولابد من الإصلاح السياسي. والأمر يتعدى السلطة التي زالت في 9 نيسان /2003 وإنما أساساً في تعاطي الدولة في الشرق، كل الشرق مع مواطنيها !
نعم، أنا أدرك أيما أدراك، أن هذه الدرجة من الوعي القانوني / الدستوري، والسياسي / الثقافي لدى المواطن، أمراً ليس من السهولة إدراكه، وبالمقابل فأن تطور أنظمة الحكم باتجاه الرقي والتسامي هو الآخر أمراً معقداً، ولا يصار اختياره أو الوصول إليه أمراً مزاجياً، وإن وقتاً طويلاً سوف يمضي قبل الوصول إلى آمالنا المنشودة في أنظمة ومواطنين، ليس في العراق فحسب، بل في عموم الشرق .
فالقمع والقهر والاستبداد والاستعباد والظلم، شأن يعيش معنا ونحن نمارسه بوعي أو بدون وعي، ألم يقل شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي :
الظلم من شيم النفوس وإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
والظلم والظالمون وحكم الطغيان والاستبداد قضية لها جذورها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي دواخل كل شرقي (بهذه النسبة أو تلك) ترقد كوامن الاستبداد، لن تجد حدوداً لها حتى يحدها سلطان أعلى … فالشرقي يولد وعليه أن يقدم آيات : الاحترام ـ الطاعة ـ الولاء ـ الخوف والاستسلام، من الوالد، من العم، من الأخ الأكبر،من شيخ العشيرة، من اختيارية المحلة، أو المنطقة، ُ من الشرطة والأمن والمخابرات والدولة ورئيس الدولة، وأقارب رئيس الدولة، من القوانين المكتوبة وغير المكتوبة ومن تلك الخاضعة للتأويل، وبعبارة أخيرة عليه أن يخاف وأن يخاف كثيراً و إلا فأنه سيكون من الضائعين.
إن هذه التقاليد داخلة في النسيج العام للمجتمع والفرد. أما مسألة نظريات الدولة والحكم فهي مسألة في غاية التعقيد، طالما أن ليست هناك نظريات حكم متفق عليها وأسئلة لها إجابات واضحة، أو شبه واضحة : من هو الرئيس، وما هو الدستور، وكيف تمثل سلطة الشعب وكيفية تداول السلطة. فطالما أن الأمر على هذا الحال، فأن من يمسك بيده القوة، سوف يملي على الآخرين الشرعية والسلطة والسلطان.
هذه الإشكالية، وسوف نتعرض لها بإيجاز شديد، فقط من أجل المزيد من إيضاح للصورة الدرامية الدائرة ليس في بلادنا فحسب، بل أقطار الشرق عامة، منها أقطارنا العربية والإسلامية بصفة خاصة، حيث لما يتبلور بعد الموقف الاجتماعي بصور تامة، بالإضافة إلى تدخلات خارجية مؤذية ومعوقة لعملية التطور الذاتي التي تدور بشروط تاريخية متفاوتة، هذه كعناصر موضوعية خارجية، أما على صعيد العناصر الذاتية الداخلية فهي كثيرة، أبرزها: ـ
أولاً ـ دور العسكريين في الحياة السياسية بوصف الجيش الأداة الأكثر تنظيماً وقوة، وسيكون قوة مؤثرة إذا أقحم في الحياة السياسية، ولكن دور الجيش في السياسة قد شهد تراجعاً بسبب تصاعد الوعي السياسي وأتساع حجم الجيوش وتراجع دور المؤامرة / الانقلاب.
ثانياً ـ دور المؤسسة الدينية التي مازالت تحتفظ بقواها المعنوية فصاعداً وصولاً إلى امتلاكها أحزاب وقوى سياسية بحسب الموقف الثقافي والاجتماعي والسياسي وهي وإن كانت تفتقر إلى القدرات الديناميكية والفلسفية والمرونة السياسية كشرط من شروط العمل السياسي والموقف الاجتماعي / الطبقي، وهو العنصر الأهم، ولكنها وبسبب عوامل لا مجال لذكرها هنا، استطاعت أن تؤسس حركات وأحزاب أحدثت الكثير، ولكن النتائج كانت متباينة.
وإذا كانت حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين قد نجحت أن تمثل التيار العاصف، فلأنها تواجه عدواً، لا توجد شبهات وطنية أو دينية أو قومية في مقاومته، وهو مستعمر استيطاني، لذلك نجحت هذه الحركات من خلال صلابة موقفها، وفي التفاف الجماهير من حولها باعتبارها تتبنى خطاباً وطنياً وقومياً مقبولاً، كذلك كان الأمر في الجنوب اللبناني، ولكن من المستبعد أن تتمكن تلك القوى (في حال زوال الظرف الخارجي)، من التقدم ببرامج ومشاريع اجتماعية / ثقافية / سياسية ، تمتلك المرونة والأفق العريض، وتقدم على إقامة تحالفات وائتلافات سياسية وطبقية، إلا إذا حدث تحول في استراتيجية العمل السياسي الإسلامي.
والحركات والأحزاب القومية والاجتماعية، فهذه تمتلك نفوذاً غير بسيط بين الجماهير، ورصيداً لا تفقده بسهولة، ويقف بوجه هذه الحركات، تحالف من الرجعية المحلية وقوى الغرب الاستعماري تاريخياً وأدواته، وقد طرحت برامج طموحة تفوق قدراتها الواقعية على تحقيقها، أو تطرفاً في الموقف النظري والسياسي.
وبرغم ذلك، فإذا اعتبرنا أن الأنظمة العربية بمجملها أنظمة قومية( رغم أن هذا الموقف يفتقر إلى الدقة والاتساق في التقييم)، بيد أن نظرة بسيطة على واقع البلدان العربية خاصة والشرقية منها خاصة، نلاحظ أن تقدماً غير بسيط على واقع البلدان العربية خاصة، نلاحظ أن تقدماً غير بسيط قد تم إحرازه في جميع الميادين، وفي مراجعة سريعة للإحصائيات، تؤشر الأرقام على ذلك التقدم. ولكن في ذات الوقت توجه الاتهامات إلى الأنظمة بأنها عجزت عن تحقيق أغلى الأهداف القومية: الوحدة العربية، وتحرير فلسطين. والتقدم في فلسفة نظم الحكم والسياسة وتداول السلطة، ولكن لا ينبغي تجاهل القوى الدولية العظمى التي واجهت بشراسة هذا المشروع بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري.
وبسبب من عوامل تاريخية، وثقافية، اقتصادية عديدة، فأن الفكر الإسلامي لم يتمكن من بلورة أو تطوير نظريات حكم سياسية واضحة المعالم، تمتلك الإمكانات على مواجه العصر ومشكلاته المعقدة،حيث مازالت مصادر السلطة بكافة أشكالها تمارس في بلادنا: ـ
أولاً ـ نظرية الحلول الإلهي : وهذه نظرية تطرحها بعناوين وآليات مختلفة، أنظمة ملكية عربية، أو أنظمة تمثل عناوين دينية.
ثانياُ ـ نظرية القوة والغلبة : وهذه نظرية شائعة، مفادها أن القوة حق، وإن من يمتلك القوة له الحق في فرض السلطان تحت شعارات مختلفة.
ثالثاً ـ نظرية العقد الاجتماعي : وهي الأشكال الحديثة من أنظمة الحكم في العالم تدار تحت عناوين وآليات مختلفة، وبالطبع فأن الكثير من الأنظمة تدعي أنها مقبولة أو منتخبة شرعياً من الشعب، ولكن الواقع يشير إلى غير ذلك في كثير من الأحيان. فتداول السلطة بين أطراف مختلفة في برامجها السياسية والاجتماعية، وهي واحدة من أوجه نظرية العقد الاجتماعي، ناهيك عن قيام دولة القانون والدستور واحترامه، والمساواة في الحقوق والواجبات، وحرية الرأي والتفكير والتعبير.
ومما لا ريب فيه، أن هذه الأفكار النظرية تواجه في تطبيقاتها العملية صعوبات وتعقيدات لا حصر لها. والواقع أن التعقيدات تكتنف الموقف السياسي والاجتماعي برمته حيث تتداخل العناصر والمكونات القومية والدينية والطائفية من جهة، بالإضافة إلى ما يستحقه تناقض المصالح الطبقية من تعقيدات، فهنا (أقصد العراق بصفة خاصة)، ما زال الإقطاع وظلاله وتأثيراته حاضرة (لا ينبغي أن ننسى أن العراق قد شهد أولى المجتمعات العبودية الجماعية، والإقطاع الآسيوي)بالإضافة إلى بورجوازية متوسطة وعليا متنامية النفوذ الاقتصادي أولاً ثم السياسي والاجتماعي، والبورجوازية الصغيرة المكونة من الكسبة والموظفين والعسكريين. ولا نستبعد قيام تحالفات وائتلافات طبقية قد تكون عفوية تمليها المصالح والمواقف الآنية. ثم هناك الفئات الكادحة التي تتركز بدرجة رئيسية في المدن الكبرى حيث تجد العمل في الصناعة وأعمال البناء وقطاعات أخرى، قد تكون تافهة وغير منتجة، تعمل على تشويه أوضاع ومواقف الفئات الكادحة في النضال السياسي أو المطلبي سواء عبر الأحزاب أو النقابات ناهيك عن تخريبات غير بسيطة تحدثها جهات وتيارات داخل هذه الفئات بسبب من ضعفها الاقتصادي والثقافي، تتوجه إليها ماكنة دعائية عملاقة تعمل على تفتيت صلابة مواقفها.
ولا بد من الإشارة إلى الأوضاع الزراعية وتحسين شروط الري والبذور المحسنة وراثياً والاستخدام الواسع للأسمدة ومبيدات الحشرات، وشيوع استخدام المكائن في الزراعة على نحو غير مسبوق، قد أحدث تطوراً مهماً في هذا المجال و ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية وبالتالي ارتفاع من مداخيل الفلاحين، بيد أن المجتمعات الريفية ما زالت ترزح تحت مؤثرات كثيرة، تمثل عوائق وموانع في سبيل أحداث تطور اجتماعي / ثقافي في حياة سكان الأرياف وتلعب بالطبع العلاقات الإقطاعية / العشائرية، بالإضافة إلى نفوذ ملموس لرجال الدين وتقاليد راسخة في القدم. ومثل هذه العناصر المتداخلة في موزائيك فريد من نوعه يعقد العمل السياسي على كافة المستويات، زد على ذلك أن الحدود بين هذه العناصر المتداخلة والمواقف الاجتماعية غير متبلورة وتفتقر إلى الوضوح.

* * *

وتوزيع النزلاء على الفئات العمرية كان أكثر وضوحاً. ومع أن السجن قد شهد حالات نادرة لنزلاء تقل أعمارهم عن 18 سنة. (أطلعت شخصياً على ثلاث أو أربع حالات)، لكني علمت أن محكمة الثورة كانت تحكم على أحداث (في قضايا سياسية) ويودعون في قسم إصلاحية الأحداث، وكذلك على نسوة يودعن في سجن النساء، كما أطلعت على وجود أحداث في قسم الإعدام(حالتان أو ثلاثة، قدر الطب العدلي أعمارهم على أنهم بالغين)، كما تأكدت من تنفيذ أحكام الإعدام بنساء (في قضايا سياسية)، بتهمة الانتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي ومن التيار الديني.
مثلت الفئات العمرية بين 40 – 20 عاماً الأكثر شيوعاً بين النزلاء، وما بعد هذا الحد، يبدأ الخط البياني بالهبوط حتى يصل إلى حد 60 عاماً، لتصبح النسبة أقل فيما هو بعد 60 عاماَ. وكان هناك شيوخ ومسنين، ولكن أعدادهم ضئيلة قياساً إلى أعمار الشباب.

* * *

أما لجهة توزيع النزلاء على المهن : مثل الكسبة والفلاحون، الفئة الأكثر شيوعاً بين النزلاء، يليهم الطلبة والموظفون والعسكريون، أما جرد المستويات الدراسية، فقد كنت على إطلاع شخصي بهذا الموضوع، حيث كنت ضمن المساعي التي يبذلها مجموعة من النزلاء في تحسين ظروف السجن، كنا نركز على موضوع إتاحة المجال للنزلاء بمتابعة دراستهم، الابتدائية والمتوسطة والثانوية على الأقل، وقد بذلنا جهداً كبيراً بإقناع الإدارة بإتاحة هذه الفرصة، إلى جانب فتح دورات محو الأمية. ومن الغرابة، أن يتواجد عدد لا بأس به من الأميين بين النزلاء. بيد أن العدد الأكبر كان من فئة الدراسة الابتدائية، والقليل في المتوسطة، ثم الأقل في الثانوية، أما على مستوى التعليم الجامعي، فقد كان العدد ضئيلاً. وبهذا المعنى كانت نسبة خريجي الجامعات والمعاهد بسيطة جداً، وإذا أضيف إليهم خريجي الكليات العسكرية ( العسكرية ـ الطيران ـ الشرطة ـ البحرية)، فربما يصبح العدد بنسبة 8 - 6 %، أما خريجي الدراسات العليا، سجلت أسماء 20 ممن يحملون شهادة الدكتوراه خلال مدة 16 عاماً بما في ذلك من مكث لفترة قصيرة جداً ( حوالي السنة الواحدة ) ولربما نفس العدد من خريجي الماجستير، بما في ذلك حملة شهادة الأركان العسكرية التي تمت معادلتها رسمياً بالماجستير، ولا يتجاوز عددهم العشرة ضباط.
من الطريف وما يشيع المرح، الإشارة إليه في بحر المرارة هذه، ذلك أن السجن قد شهد العديد من الحالات ، يدعي فيها بعض النزلاء حصولهم على شهادات جامعية أو حتى على درجة الماجستير، وقد شهدت بنفسي نزيلاً يدعي أنه خريج كلية الطب في جامعة الإسكندرية ! ثم تبين انه سائق سيارة إسعاف ليس إلا ! وقد يتحول المرح إلى ترح عندما تعلم أن الرجل كان يحفظ أسماء الكثير من الأدوية والأمراض باللغة الإنكليزية ويجهد نفسه في تلفظها بإنكليزية صحيحة!
ثم تعرفت على شخص، لعب دور الأستاذ ببراعة، وأعترف بأسف أنه استطاع أن يغشني لفترة، ربما للأشهر، مع أني كنت أشك في الأمر، فقد ادعى أنه قد أنهى الماجستير في الاقتصاد، ولكن لعبته لم تستغرق وقتاً طويلاً(معي على الأقل)فاكتشفت أنه يجهل بصورة تامة تقنيات العمل الأكاديمي العلمي والبحثي، وأخيراً هتك سره أحد أصدقاءه المقربين، والمدهش حقاً أنني شاهدته مرة على شاشة إحدى الفضائيات يقدم نفسه على أنه دكتور ! وآخر يدعي بأنه مدرسً في كلية الزراعة بشهادة الماجستير، ويتقن دور الأستاذ ويتحدث برفع الكلفة عن زملاءه الأساتذة ! حتى اكتشفنا أنه سائق لوري في كلية الزراعة وآخر يدعي حصوله على الماجستير في القانون، ولكن معارفه يؤكدون أن ليس أكثر من طالب في كلية القانون في أفضل الحالات.
بالطبع كان السجن يضم أصنافاً عديدة من الرجال، كما كان هناك أصنافاً يمكن أن توضع على قائمة المحتالين، ولكن كان هناك بالمقابل شخصيات رائعة، وليس مهماً على الإطلاق المستوى الدراسي والثقافي، وبعضهم صار لنا كالأخ والصديق الصدوق، رغم ظروف السجن القاهرة التي كانت تهشم شخصية الفرد واستصغره، فكان لابد أن تكون هناك شخصيات تتهشم، وتنساق في الانحطاط بصفة عامة، ولكن وبكل أسف لابد من الإقرار أن الرجال الذين كانوا يتجاوزون أوضاعهم، ويواصلون بناء أنفسهم ويساعدون غيرهم، كان ضئيلاً.

* * *

كانت الغالبية العظمى من السجناء من المسلمين، ولكن مع وجود عناصر من الديانات الأخرى، في المقدمة منهم أبناء الطائفة اليزيدية حيث كان متوسط تواجدهم في السجن 50 –25 نزيل، ثم أبناء الديانة المسيحية، ولم يكن يتجاوز عددهم 10 –5 نزيل، وربما في أقصى الحالات أكثر من ذلك بقليل، والصابئة 2-1 نزيل.

* * *

أما توزيع النزلاء بحسب القوميات، العربية بأغلـبية تبلغ ربـما نسـبة 75 –65% والأكـراد
25-20%، والتركمان بنسبة قد تصل إلى 5%، أما توزيع النزلاء على المحافظات، فقد كان السجن يضم نزلاء من كافة المحافظات، ولكن كثافة التواجد من كل محتفظة كان يخضع لعدة عوامل منها:
ـ سعة المحافظة سكانياً.
ـ طابع الموقف السياسي في تلك المحافظة.
ومن الضروري هنا الإشارة ، إلى أن الموقف السياسي في المحافظات الشمالية الكردية كان يؤدي إلى تواجد مستمر من النزلاء، وكذلك المحافظات الأخرى سواء في الشمال أو الوسط أو الجنوب بمستويات متفاوتة، البصرة، ثم الناصرية في المقدمة وكذلك محافظات، الموصل وكركوك وصلاح الدين، وبعقوبة والرمادي .

* * *

كنت قد مررت بظروف توقيف واعتقال وسجن لمرات عديدة، منها حالتان أستغرق فيها الاعتقال حوالي السنة: الأولى، عام 1962، وذلك بتهمة إقامة تنظيم سري تابع لحزب البعث العربي الاشتراكي، كنت خلالها طالباً في كلية الشرطة، أحلنا على أثرها إلى المحكمة العسكرية العرفية الثانية. والمرة الثانية كانت عام 1964 وكنت ضابطاً في قوات الحدود برتبة ملازم، وذلك بتهمة مقاومة السلطات، وحكمت علي المحكمة العسكرية العرفية الأولى بالحبس لمدة عامين، ثم عدل الحكم إلى الإفراج.
وكنت قد أحلت غيابياً إلى محكمة الشرطة الدائمية التي حكمت علي غيابياً بالحبس لمدة سنتين لهروبي من الخدمة، وأحلت كذلك إلى محكمة الثورة عام 1972 التي حكمت علي بالإعدام غيابياً بتهمة الاشتراك بإقامة تنظيمات مسلحة، مع أني في الواقع لم أكن على صلة بهذه التنظيمات أو عناصرها.
أنني آسف للقول، إن مستوى السجين السياسي قد شهد تراجعاً ملحوظاً في مستوى الوعي السياسي. وكان يؤدي إلى خروق أمنية مستمرة للتنظيمات, ولحياتنا في السجن، بسبب الكسب السهل لسلطات الأمن لعناصر تعمل لصالحها. بينما كانت السجون في الستينات عبارة عن مدرسة للمناضلين، حيث كان السجين أو المعتقل السياسي يتمتع بمستوى عال من الوعي السياسي والثقافة العامة. وقد تشكل الوعي السياسي والثقافة الحزبية لدى العشرات من المناضلين في السجون. بل أن بعض مشاهير القيادات الحزبية العراقية، كانوا من خريجي السجون، في حين يؤسفني القول أن السجون في العراق خلال الثمانينات والتسعينات قد شهدت تراجعاً في هذا المجال.
ولربما هناك بضعة ملاحظات عيانية، أو تلك التي أطلعنا بحكم مكوثنا زمناً طويلاً في السجن، وفي مختلف الوظائف التي اضطلعنا بها، والنشاطات الوظيفية والسياسية، الحزبية والمهنية، تجعلني على إطلاع بتلكم الملاحظات :
شاع الكثير في العراق، عن تعدد السجون، وفي الواقع فأن أعداد تلك السجون معروفة للرأي العام، فهناك ما يطلق عليه"المديرية العامة للإصلاح الاجتماعي" ، وهي مديرية السجون العامة سابقاً، ويتبع هذه المؤسسة التي تتخذ من بغداد ـ أبو غريب مقراً لها، عدداً من السجون في بغداد ، وفي بعض المحافظات :
سجن بغداد المركزي، الذي أنتقل إلى أبو غريب فصار يعرف باسم سجن أبو غريب الذي هو مجموعة من الأقسام (السجون) كما نوهنا في مطلع الكتاب، وعدا هذا المجمع، هناك :
*سجن النساء / بغداد ، منطقة الرشاد.
*سجن الأحداث (للمحكومين أعمارهم أقل من 18 سنه)، بغداد / منطقة الرشاد.
*مديرية سجن الموصل، وهو ثاني أكبر سجن في العراق، وهو السجن الوحيد الذي يماثل سجن أبو غريب بأقسامه المتنوعة.
*سجن بعقوبة،في محافظة ديالى، وهو سجن قديم وصغير ولا يتسع إلا لإعداد بسيطة من القضايا الجنائية.
*سجن الحله، وهو سجن صغير للقضايا الجنائية.
*سجن البصرة، وهو سجن قديم للقضايا الجنائية.
*سجن كركوك، سجن قديم ألغي مؤخراً لتقادمه ورداءة أوضاعه وصغر حجمه.
لم يطرق سمعي وجود سجون رسمية غير هذه السجون، وحتى قسم الأحكام الخاصة في الموصل، لم يودع فيه سجناء سياسيين إلا لفترة وجيزة(سنة ونصف) بين 1992 – 1990 وبالتالي فأن السجناء السياسيين كانوا حصراً في سجن أبو غريب (قسم الأحكام الخاصة).
هناك من النزلاء من يتداول الأخبار والشائعات، ولا يفرقون بين الموقف والمعتقل أو السجن.ولكن من يعرف القانون، يعرف طبعاً الفرق بين هذه المسميات. فالموقف هو مكان إيداع المتهمين خلال التحقيق وحتى المحاكمة، والسجين هو من يصدر بحقه قرار بالحبس من محكمة، سواء كانت مدنية أو عسكرية أو جنائية، أو محكمة خاصة. أما المعتقل، فهو مكان إيداع من يعتقل بموجب أوامر اعتقال لآجال محددة أو غير محددة دون الإحالة إلى المحاكم.
وعلى هذا الأساس، فأن كافة الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام، نفذت شنقاً في سجن أبو غريب(قسم الأحكام الطويلة)، عدا ثلاث حالات تحديداً :
ـ مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري ومن قطعات الجيش، وعددهم 15 ضابطاً يقودهم الرائد سطم الجبوري، أعدموا رمياُ بالرصاص في إحدى أرجاء سجن أبو غريب.
ـ الشاب عودة ديوان والي، من محافظة العمارة، وكان هذا الشاب رحمه الله، قد تناول أقطاب النظام بالشتائم، وقد تم تنفيذ الإعدام رمياً بالرصاص بعد محكمة صورية في ساحة قسم الأحكام الخاصة أمام أنظار الكثير من النزلاء.
ـ إعدام الفريق الركن كامل ساجت، وهو من خيرة ضباط الجيش العراقي وأبطاله. والغريب في إعدام هذا الضابط، أنه جاء إلى السجن يحمل مظروفاً إلى مدير سجن أبو غريب ، وكان ما يزال بإمرة العقيد حسن العامري، الذي فوجئ عندما فتح المظروف أنه يحتم على مدير سجن أبو غريب إعدام هذا الضابط شنقاً وعلى الفور، فحاول المدير وهو ربما يعلم أن لا جدوى من محاولته، الاتصال بالجهات العليا، بأن الوقت متأخر(حوالي السادسة) وأن الموظف المكلف بالإعدام غير موجود، فقيل له ألا يحمل أحدكم مسدساً ؟ فلما رد بالإيجاب طبعا، فقالوا له : إذن أطلق رصاصة على رأس هذا الضابط وأغلقوا الهاتف بوجهه.
وفيما عدا ذلك، فأن المحاكم العسكرية كانت تصدر أحكاماً بالسجن ويودع المحكومين في السجون الأنفة الذكر، جنائية منها على وجه الدقة أو في قضايا الهروب أو الإعدام رمياً بالرصاص، فكانوا يودعون في سجن عسكري ثم ينفذ فيهم الحكم في ميادين الرمي. وكان هناك ميدان الرمي الشهير بسمايه (جنوب بغداد باتجاه الكوت) وأحياناً كان يتم التنفيذ أمام الجماهير للحد من ظاهرة الهروب، وكذلك في المحافظات، جرت مثل هذه العروض المؤسفة.
وقد تم تنفيذ أحكام الإعدام شنقاً في سجن أبو غريب، بحق الكثير وفق الاتجاهات التي نوهت عنها، وأركز في الآن على قسم الأحكام الخاصة، وكان المحكومين لا يقابلون عوائلهم مطلقاً بما في ذلك يوم التنفيذ، على عكس ما كان يجري مع المحكومين بالإعدام في القضايا الجنائية الذين يقابلون ذويهم أسبوعياً، وكذلك يوم تنفيذ حكم الإعدام.
وقد شهدت قاعة الإعدام، تنفيذ الحكم في شخصيات سياسية من التيارات المختلفة، ومنهم مناضلين وقادة عسكريين وقادة إداريين، فهنا أعدم عشرات من مناضلي حزب البعث العربي الاشتراكي(اليساري) وشيوعيين وأكراد وتيارات دينية من الطائفتين، ومن أدين بقضايا التجسس ظلما وعدلاً. ومن هؤلاء الجاسوس البريطاني الشهير بازوفت. وكان فرزاد بازوفت وهذا أسمه الكامل على ما أذكر، إيرانياً هجر وطنه حالماً بالأمان والسعادة والمال الوفير، لكنه تورط في قضية سرقة أو احتيال، فألقت الشرطة البريطانية القبض عليه. وهنا، وكما يعتقد، تورط في الدخول في عالم الأسرار، وربما أراد إنقاذ نفسه، فحق عليه القول : احتمى من الرمضاء بالنار، ثم عمل لصالح الموساد الصهيوني، وتحول بين ليلة وضحاها إلى صحفي يجوب أقطار عديدة يبحث عن طرائد، يكتب عنها أو يعمل على اصطيادها، وبهذا ذهب إلى تونس وحام حول مقرات القيادات الفلسطينية، أثار شكوك الأمن التونسي، فأبعدوه. وقال له أحد ضباط الأمن التونسيين : لا أملك دليلاً ضدك، ولكنك تلعب بالنار.
وحقا وقع بازوفت في الحفرة، وتفاصيل قضيته معروفة، وكان في قاطع الإعدام هادئاً وعلى ثقة أكيدة أن بريطانيا ستعمل على إنقاذه، حتى بعد أن صدر حكم الإعدام، ثم قيض لهذا الرجل وهو المقدم الطيار "دزءي" أن يخفض إلى المؤبد، حدثني قائلاً: أن بازوفت كان واثقاً من نجاته، وعندما شاهد من ثقب صغير في الشباك(كانت الشبابيك في قسم الإعدام مغطاة بألواح من الصفيح)، شاهد سيارة القنصل البريطاني تقترب من قسم الإعدام، ابتسم ابتسامة عريضة، وتفوه ببعض العبارات التي تدل على معنى : ها هم أخيراً جاءوا، وعندما حضر المأمور لاقتياده للتنفيذ خرج ضاحكاً، ولكنه علم بعد لحظات أنه ذاهب للموت، بدت عليه علامات الانهيار.
وهنا أيضاً أستشهد البطل القائد محمد عبد الطائي، الذي حدثني من كان معه في زنزانة الإعدام، وقيض له البقاء حتى عفو 1995، وخفض إلى الحبس المؤبد، أن الشهيد البطل مضى إلى الشهادة بشجاعة ليست غريبة عنه، متحدياً المشنقة والجلاد، وهنا أيضاً أستشهد رفيقي وأخي الرائد الطيار عبد الحسين عبد الأمير، وأخوان وأصدقاء وقادة بواسل وعراقيون شرفاء …. يا للأسف … يا للأسف !
واليوم …وبعد كل ما حدث وجرى، وما تحملناه من الخسائر في الأرواح والممتلكات والأصدقاء والرفاق، ومل ما جرى لبلادنا من تخريب سواء على أيدينا أو على أيدي أعدائنا، نريد أن يكف مسلسل الرعب، كل ربح هو مزعوم وكل خسارة لا تعوض، وكل ذلك مؤلم، مؤلم حتى العظم، وليس بوسعي صياغة جملة تصف هذا الألم … لست في وارد أن أتهجم على جهة، ولست غاضباً إلى درجة الجنون … إني أحاول أن ألملم الجراح !… أداويها فحسب، أقبل ببعض الربح عوضاً عن الخسارة التامة.
وعندما أستعرض اليوم وجوه العشرات بل المئات من الذين اعدموا، أو اغتيلوا، أو الذين أمضوا زهرة شبابهم في السجون وخسروا أعمارهم ، ومنهم أنا … ترى ألم تكن هناك وسيلة نقيم فيها تفاهماً عوضاً عن الصراع الدامي الوحشي؟ ترى لماذا نحن قادرون على التفاهم حتى مع الأعداء ؟ ولكننا غير قادرون على التفاهم فيما بيننا ؟ لماذا نضع خطوطاً دموية سوداء بين بعضنا في حين لا نقيم إلا خطوطاً وردية أو فستقية، أو ربما وهمية، وأحياناً ليست هناك خطوطاً البتة مع أجانب نعلم علم اليقين، أنهم لا يريدون الخير لنا كعراقيين ..؟إنني أريد أن أقول، إنني أفهم وأتفهم تماماً، أن الألم قد يدفع الإنسان إلى الجنون وأن يأتي ما لا يأتيه صاحياً، نعم أنا أعلم أننا قد تعرضنا إلى آلام مبرحة، ولكن :
بلادي وإن جارت على عزيزة وأهلي وإن شحوا على كرام
أريد في هذا السياق البسيط أن أعرض بكل عفوية، وأسأل شعبنا العراقي العزيز، وأقطارنا العربية، والشعوب الإسلامية : هل صادفنا يوماً غازياً( وما أكثر الغزاة في تاريخنا القديم والحديث) ، أو عدواً واضحاً في عداءه أو مستتراً، ترى هل كان أحدهم ناصحاً لنا يناشدنا أن نتحد في قوانا، أم كانوا مسعرين وملقين الفتنة، والفرقة بين صفوفنا، جاعلين الجوهري أمراً عارضاَ، والثانوي والسطحي جوهرياً ومهماً .
إلا إنني أعتقد ، ويا للأسف، أن هذه الثغرة الخطيرة التي عبر منها الغزاة والطامعين من كافة الأصناف والألوان، هي الثغرة ذاتها ، والغرابة كل الغرابة، أننا نعلم جميعاً أمر هذه الثغرة، ولكننا نتركها دون إغلاق محكم، ولا نقيم حراساً يقظين عليها، وأكثر من ذلك، من المؤلم إذ يعتقد البعض أمكان الحصول على مكاسب مزعومة من الثغرة باستثمارها سياسياً، والنتائج كانت كارثية دوماً, بل أن هناك من يمارس تثقيفاً وتحريضاً وإثارة، ويقوم بكافة الحركات البهلوانية والهزلية أو المبكية في نتائجها، ولكن الهدف دائماً لا يتغير وهو :
إبقاء الأنظار متجهة على مسرحهم، واللعب في منطقة الثغرة أو محيطها، فيما تدور في الجوانب الأخرى عمليات وفعاليات تصيب استقلالنا السياسي والاقتصادي وكياننا الوطني والقومي بأفدح الأضرار.
من الواضح أن المطلوب هو توسيع الثغرة، ومطلوب أن تبقى، وستبقى لأمد معين تمارس هذه الوظيفة إلى أن تقيض الأقدار يوماً يدرك فيه العراقيون جميعاً في آن واحد أخطار هذه الثغرة، وسيعملون على أحكام غلقها، وإن بعد خسائر فادحة غير ضرورية وأخشى ما أخشاه أن نتعلم متأخرين، فقد كتبت يوماً في صدر إحدى أعمالي :
أن نعلم و نتعلم هو أمر جيد وضروري ولكن ليس متأخراً !

مع تحياتي والى اللقاء غدا في الجزء الثالث



#ضرغام_عبدالله_الدباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمر ابو غريب كان حزينا - الجزء الاول


المزيد.....




- اليونيسف تُطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان: طفل واحد ع ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائي ...
- الأمم المتحدة: إسرائيل قصفت الإمدادات الطبية إلى مستشفى كمال ...
- برلين تغلق القنصليات الإيرانية على أراضيها بعد إعدام طهران م ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ...
- الأونروا تحذر: حظرنا يعني الحكم بإعدام غزة.. ولم نتلق إخطارا ...
- الجامعة العربية تدين قرار حظر الأونروا: إسرائيل تعمل على إلغ ...
- شاهد بماذا إتهمت منظمة العفو الدولية قوات الدعم السريع؟
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحيثي ...
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحديثي ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - ضرغام عبدالله الدباغ - قمر أبوغريب كان حزينا..الجزء الثاني