أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال النجار - في منطق التضحية














المزيد.....

في منطق التضحية


طلال النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 22:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ماذا نقول إزاء الدماء ال تتدفق كل يوم، في سوريا وفي غيرها من البلدان العربية التي استيقظت شعوبها اليوم على معنى الحرية؟ كيف نجد المعنى وسط موت يبدو عبثياً إذ لا يوجد ضامن أنه سيقود إلى أي هدف؟ كيف نتعايش مع حقيقة أن إنساناً بكل بآماله وأحلامه، ينتهي لمجرد كلمة، ولمجرد أن يتابع اللصوص استبدادهم ونهبهم؟
وماذا يمكن أن نقدم لمن يقدمون أرواحهم كل يوم؟ ماذا لدينا نعطيه لمن يقدمون حياتهم دون طلب من أحد، ودون انتظار للتخليد والتمجيد. من الصعب أن نصدق أن التضحية تضيع هباء، أن طفلاً يقتل دون أن تهتز أركان السماء. ولكن أركان السماء ثابتة لا تهتز. لا تحركها مصرع ملايين الأطفال. كم من الأرواح إذن يجب أن تزهق، وكم من الشهداء يجب أن يقدم أي شعب قبل أن يصير للتضحية معنى؟ هل هناك حد للإكتفاء؟ وهل هناك عدد محدد من الأرواح التي قبل أن يتحقق ذلك العهد؟ ذلك أننا نعرف أن هناك منطقاً في مكان ما، قانوناً غير مكتوب يقول أنه لابد أن يكون للتضحية من مقابل؟
ما أسهل أن نقول "يمهل ولا يهمل". وما أبسط أن نعلن أن التضحيات لن تذهب هباء، وأن الدماء التي تسيل اليوم تشكل تياراً يغير مجرى التاريخ. نعم، رأينا الكثير ممن ضحوا وانتصروا. رأينا دماء لم تضع هدراً، سفكت في سبيل إسقاط ظالم أو طرد محتل. ولكن لماذا لا نختار من دروس التاريخ إلا ما يعجبنا؟ لقد رأينا ملايين تباد دون نتيجة أو عقوبة أو انتقام، ورأينا أراضٍ تنهب ويباد سكانها الأصليون. من يصدق أنه في أميركا الجنوبية أبيد في بضعة عقود 80% من أصل ثلاثين مليوناً هم سكانها الأصليون، رغم أنهم آمنوا بحقهم ولم يبخلوا بالتضحية؟ كما قاوم الكثيرون في أميركا الشمالية، أصحاب الأرض الذين دافعوا عن وجودهم المهدد. كانوا شجعان ونبلاء. آمنوا وقاوموا واستشهدوا. دافعوا عن أرض أجدادهم التي استلبت منهم، فكان مصيرهم الإبادة إزاء صمت العالم، وتحولوا إلى معروضات في صالات المتاحف، وأفلاماً للتشويق والتسلية. هل من منطق وراء ذلك؟ هل وقف الله بجانب أهل الكتاب ضد الوثنيين الكفرة؟ ربما تكون هناك حكمة ما. ربما له أسبابه التي لا نعرفها، والتي تفوق مستوى تفكير البشر. ربما نرى حل اللغز في النهاية كما يحدث في الروايات البوليسية. ولكن إلى أن يأتي ذلك اليوم، ليس لنا هذا العالم، الذي لا نستطيع أن نفهم شيئاً إلا في حدوده.
وفي عالمنا هذا قد نقول لأنفسنا أننا اليوم في عصر أفضل، أكثر عدلاً وحضارة، عصر ترن فيه كلمات سحرية لم تسمعها الملايين التي سحقت على مدار التاريخ. حقوق الإنسان. الديمقراطية. المجتمع الدولي. هل صارت الهمجية حقاً من مخلفات الماضي؟ يصعب أن نقنع أنفسنا بذلك. منذ زمن غير بعيد قتل في مذابح رواندا أكثر من 800 ألف شخص في ثلاثة أشهر. لا أدري إن كان البشر أقل همجية من الماضي، ولكنهم بدون شك أكثر تدميراً. يقول البعض أننا قد تعلمنا من هذه التجارب، وأن العالم يصير أفضل بعد كل مأساة، أن بربرية الماضي لن تتكرر، وأن تغيير التاريخ لا بد أن يسير خطوة خطوة.
وربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن يبقى السؤال. ماذا نفعل حيال من يقتلون أمامنا كل يوم؟ ماذا نقول لأهلهم، لأولادهم وزوجاتهم؟ أنتم خطوة في مشوار الألف ميل؟ برغي صغير في آلة جبارة؟ تضحياتكم ستؤتي ثمارها دون شك، ولو بعد سنوات طويلة، ولو على شكل عبرة وموعظة نتعلم منه أن لا نكرر أخطاء الماضي؟ أم نقول لهم أن أحباؤكم في جنات النعيم؟ ولكن ماذا عن الأرض؟ لقد ذهب أحبائهم إلى السماء لأنهم أرادوا أن يجعلوا الأرض مكاناً أفضل.
الحقيقة التي لابد أن نواجهها مهما حاولنا الإنكار، ومهما ابتكرنا من الحلول والمخارج، أنه لا ضمان في التضحية. ليس إلا المنافق أو خادع نفسه من يقف أمام من يبذل روحه في سبيل قضية ويؤكد له إن تضحيته لابد أن تحقق أهدافها، أو أن دمه سيثأر له ذات يوم. ومن قال أن الدماء لا تضيع هدراً؟ أسألوا التاريخ كم من الدماء سالت دون حساب. ربما بقيت معنا عبرة نعتبر بها، ولكن ذلك لم يكن هو الهدف. ليس هناك يضحي بنفسه ليصير درساً في التاريخ.
ولكن هل يبالي الشهداء بما نقوله لهم؟ أتراهم لا يقدمون حياتهم إلا إذا عرفوا النتيجة مسبقاً؟ لو أمكن حساب عاقبة التضحية لما كانت تضحية حقاً. والتاريخ يعلمنا أنه لا ضمان في التضحية، أنها، رغم كل ما تقوله الأناشيد الوطنية، قد لا تحقق التحرر وتبني الغد الأفضل. ولكن التاريخ يعلمنا أيضاً أن التضحية هي السبيل الوحيد. فليس من استبداد أو استعباد أزال نفسه من تلقاء نفسه، والظالم لا يغادر إلا مدحوراً. الدماء قد لا ترفع الظلم دائماً، ولكن الظلم لا يرتفع إلا بالدماء.



#طلال_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال النجار - في منطق التضحية