علي الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 19:56
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لعب حساب المصالح الدور الأبرز في تحديد المواقف تجاه الثورات العربية..
فقناة المنار التي أشبعتنا شعارات وأتخمتنا تشدقاً بنصرة المضطهدين في أرجاء العالم وطنطنت بحرصها على الدم العربي من أن يراق وحشدت آلتها الإعلامية برمتها لنصرة الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية وتقرير المصير .. نجدها اليوم تنحاز وبشكل سافر إلى النظام السوري البعثي وتغمض عينيها عن كل مايرتكبه من قمع وإبادة لشعبه الذي خرج هاتفاً بحقه في الحرية والعيش الكريم ..بل وأكثر من ذلك حيث تتبنى هذه القناة الخطاب المؤامراتي الذي ما انفك الإعلام الرسمي للأنظمة العربية يصك سمعنا به آناء الليل وأطراف النهار مُرجعاً كل الانتفاضات الشعبية إلى مؤامرة خارجية تستهدف أمن البلد واستقراره !
والحجة الجاهزة لقناة المنار وقناة العالم - وإن كان خطاب الأخيرة أقل حدة وأكثر اعتدالاً نسبياً - هي أن سوريا من دول الممانعة في وجه إسرائيل وحامية البوابة الشرقية! ومن الغرابة بمكان أن تكون أسباب وذرائع القبول بتكريس الظلم هو ممانعتها الزائفة ضد إسرائيل .. وهل النظام السوري أحرص على الدم الفلسطيني من دماء شعبه ؟ فالأحداث التي تجتاح سوريا كشفت مدى الزيف وعرَّت النظام البعثي الشوفيني من أسمال "الممانعة" البالية التي كان يتزيا بها وخلعت عنه إهاب المقاومة الذي لطالما خدع به السذج والبسطاء ليضفي الشرعية على نظامه ويحافظ على ديمومة عرشه بهذه الورقة المهترئة التي لعب بها صدام من قبل وطبلت لها أبواقه الإعلامية وعزفت لها الأقلام الطفيلية التي يطربها رنين الدرهم والدينار .. ولو أن النظام السوري كان ممانعاً حقاً لحرر الجولان المحتلة فمنذ أن ضمتها إسرائيل لأراضيها عام 1981 لم تُطلق رصاصة واحدة !
وإذا كنا ندعم الممانعة من منطلق دعمنا لحقوق الشعوب العربية ومن باب الحرص على هذه الدماء, أو بتعبير آخر إذا كانت الشعوب العربية هي الثيمة الأساسية ومركز الاهتمام وقطب الرحى لتبني المواقف المهادنة أو الممانعة .. لِمَ نظل على مواقفنا بعد أن قال الشعب كلمته في رغبته بإسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي تعددي يحتضن شتى الأطياف في خيمته السياسية؟!
النظام السوري نظام شمولي احتكر البلد في لون واحد وطيف واحد لا تعددية فيه ولا أحزاب ولا برلمانات منتخبة,فهو لازال يدير البلد بعقلية عتيقة قد ولت منذ قرون ولا تستقيم مع عصر العولمة الذي يشهد انفجاراً معلوماتياً وثقافياً وتقنياً هائلاً, وشبابه يتطلع نحو المستقبل المشرق الذي يتواءم مع جيله وثقافته ..
نعم ثمة بعض المندسين في المظاهرات وهنالك بعض الدول المجاورة التي يطيب لها الإجهاز على النظام السوري لكن هذا لا يعني أن نطبع صبغة المؤامرة على شعب انتفض بمعظمه عن بكرة أبيه من أقصى البلاد إلى أدناها حتى طورد وروع من سدنة القتل وجلاوزة الإجرام وجزر لحمه في القرى والدساكر.. لا لشيء سوى أنه تظاهر مطالباً بحقوقه الأصيلة والمشروعة التي تكفلها له كافة الشرائع وسائر منظمات حقوق الإنسان الدولية .. ولكنها شهوة السيادة والسيطرة اللتين توقظان عند المستبدين النزوعات الشرسة إلى الفتك والتدمير متى ما هُدِدت عروشهم .. أما منطق المؤامرة والحديث حول أن الولايات المتحدة تقود مؤامرة لإسقاط النظام السوري "الممانع" أو أن إسرائيل تلعب تحت الطاولة لتمرر أجنداتها الخفية والجهنمية في هجيع الليل المظلم من بين ثغرات وجحور الحدود السورية , فهذا كلام باطل إذ صرَّح الرئيس الصهيوني نتنياهو عن الخشية التي تساوره متى ما حدث وسقط النظام السوري قائلاً: إن شيطان نعرفه خير من شيطان لا نعرفه .
ولا تصح نسبة الانتفاضة لمؤامرة يحيك فصولها بندر بن سلطان فهو أيضاً كلام واهٍ ولا يصمد عند التأمل والتحليل ولا يعدو كونه صناعة وإنتاج "عبد الله بن سبأ" جديد في هذا العصر ليكون شماعة يعلق عليها النظام السوري سوءاته ومثالبه !
ولشديد الأسف أن ذاكرتنا نحن العرب ضعيفة جداً وأحياناً معدومة لأن هذا المنطق الموتور كان يتبعه نظام البحرين ومن ضلع في ركابه من أنظمة الخليج التي جيَّرت ثورة الشعب البحريني المشروعة والعادلة ضد البغي والطغيان إلى مؤامرة خارجية بتخطيط إيراني ونظَّرت لذلك ودلست وما فتئت تحيك خيوط التلفيقات والفبركات لدعم موقفها,وكانت قناتا المنار والعالم تفضحان هذه الأكاذيب والدسائس وتشنعان بقناة الجزيرة لتغطيتها الباهتة لثورة البحرين وتصفانها بأنها تكيل بمكيالين , ولكن مالي أراهما وقعتا في نفس المطب وغرقتا في ذات المستنقع وجاء موقفهما متساوقاً مع إعلام الاستبداد عندما تعلق الأمر بسوريا وجاءت مفرداتهما متماهية مع مفردات قنوات الأنظمة الرسمية كـ"الإرهابيين والمخربين والمشاغبين" وأحايين أخرى تغطيان الحدث السوري من زاوية أن لاشيء يحدث والبلد بخير والشعب في رغد من العيش والحمد لله !
إن من أوضح الواضحات التي لا مراء فيها أنه لو حدث وسقط النظام السوري سوف يستبدله الشعب بنظام يعبر عن نبضه ويتحرك بباعث من ضمير الأمة ذلك أن غالبية الشعب السوري عروبي ممانع ضد إسرائيل وضد الهيمنة الغربية, فلذا أتعجب من هذا الذعر الذي يقض مضجع دول وأحزاب الممانعة كحزب الله وإيران من إسقاط النظام البعثي الديكتاتوري!
إن جل ما نخشاه والأمر الذي ينبغي على حزب الله أخذه بالحسبان أنه لو ظل على مواقفه السلبية إزاء ثورة الشعب السوري سيخسر الكثير من رصيده وسيجر عليه النقمة من السوريين ومن كل المنصفين والموضوعيين في العالم,لا العاطفيين الذين يستقبلون كل تحليل يأتي به حزب الله بدون فلترة ولا نقد أو تحقيق ويسلمون به تسليماً مطلقاً وكأنه قول لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحق لا يُعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق "واعرف الحق تعرف أهله" ..
حزب الله حركة شعبية تستمد شرعيتها وقوتها من تأييد الشعوب لها والشعب السوري واحد من تلك الشعوب التي وقفت موقفا شريفاً مع المقاومة إبان حربها مع اسرائيل في تموز 2006, فمن الإجحاف والنكران والجحود الوقوف ضده في يوم شدته والحؤول دون حصوله على حقوقه كاملة غير منقوصة مثله مثل أي شعب أبي كريم يرنو للعزة والعنفوان ..
من المظنون أن الرئيس بشار الأسد ليس متورطاً بشكل مباشر بسفك دماء شعبه وهو رجل مثقف ويملك رؤية سياسية عميقة ولكنه - في تصوري- ضعيف الشخصية ولا يملك القدرة في القبض على مفاصل المؤسسات الأمنية لمنع الانتهاكات والتجاوزات ومحاربة الفساد المستشري والمُنبث في كل قطاع,ولا يتمتع بالشخصية الكاريزمية الضرورية في القيادة,وهذا بالتأكيد ليس على سبيل العذر أو التسويغ ولا يعفيه من المحاسبة ..
لا جدال في أن منبع الثورة السورية من الداخل وإنها ولدت من رحم معاناة الشعب الذي عانى الأمرين تحت طائلة القمع وآلته الوحشية وليس منبعها من الخارج كما يحاول أن يروج له البعض.. فناقوس الخطر دق بصخب على الأرض السورية ولا أحسب أن النظام سينجو من هزاته المدوية رغم أنه يلهذ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن ساعة الصفر قد حانت حيث لا يمكن ترميم خراب مضى عليه أكثر من أربعين عاماً في أيام قلائل ..
وختاماً:أعلم أنني أقترف إثما كبيراً في نظر البعض لأنني أوجه نَبلاً جارحاً إلى حزب الله ولكن والله يعلم أن رائدي هو قول كلمة حق أرضي بها ضميري وليس رائدي ركوب متن الشطط أو التعدي والإساءة لأحد, فأرجو من حزب الله مراجعة مواقفه وأن يربأ بنفسه من جرائم هذا النظام البعثي البشعة كي لا يكون شريكاً معه في جريمته وأن يغسل يده - التي لطالما عرفناها بيضاء نقية - من هذا النظام الملوثة يداه بدماء شعبه وأن يسجل موقفا لله وللتاريخ لأن التاريخ لا يرحم .
#علي_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
