أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود حمدى ابوالقاسم - سوريا .. انتفاضة الشعب وشرعية النظام















المزيد.....


سوريا .. انتفاضة الشعب وشرعية النظام


محمود حمدى ابوالقاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 19:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


باحث بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية
انطلقت انتفاضة الشعب السورى من اجل إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالدعوة على صفحات التواصل الاجتماعى لمظاهرات سلمية يوم 15 مارس 2011 فى كل المدن السورية وفى الخارج، ومع مرور الوقت اكتسبت التظاهرات زخما وانتقلت من مدن الجنوب إلى كثير من المدن السورية لتأخذ طابعا شعبيا تحت شعار " الإصلاح" الذى تحول إلى شعار "إسقاط النظام" تحت وقع المواجهة الأمنية الشرسة وحملات الاعتقال واسعة النطاق واتهامات بالتآمر بالإضافة إلى وعود باهته وغير مقنعة بالإصلاح، وهو الأمر الذى يضع نظام الرئيس بشار الأسد فى مأزق ويطرح تساؤلات حول أسباب الاحتجاجات ومحاولات احتوائها ومستقبل النظام فى سوريا.
وقد خلف الرئيس بشار الأسد والده فى حكم سوريا عام 2000 فى عملية تجاوز تام لتقاليد النظم الجمهورية، وصاحب عملية نقل السلطة إلى الأسد الابن آمال عريضة فى أحداث نقلة نوعية فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسى والحزبى وإطلاق الحريات وتحقيق العدالة والانفتاح الاقتصادى والسياسى، ورغم أن قدوم الرئيس بشار الأسد لموقع القيادة صاحبه ظهور حراك على الساحة السياسية السورية فيما أطلق عليه "ربيع دمشق" فإنه قد تم الانقضاض على التجربة فى فبراير 2001 بقيام أجهزة الأمن بتجميد نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية بعد سبعة اشهر من تولى الأسد الابن ليتم إعادة إنتاج الواقع القديم بكل صوره الاستبدادية.
ويعود ذلك إلى تعارض مسار الإصلاح مع توجهات ومصالح الحرس القديم فى النظام، وعدم قدرة الرئيس على إدارة الصراع الداخلى نتيجة اصطدامه بالميراث الثقيل لبيروقراطية النظام، بالإضافة إلى توغل دور الجيش فى الحياة السياسية، وكذلك توغل دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية، علاوة على شبكة المصالح التى فرضها الحزب على الواقع السياسى السورى، وغموض موقف الرئيس بشار نفسه من قضية الإصلاح، هذا بالإضافة إلى استغلال نجاح الرئيس بشار الأسد فى تجاوز الضغوط الدولية والعزلة التى فرضتها الولايات المتحدة على النظام السورى بعد الحرب على العراق فى 2003 فى إضفاء شرعية شعبية للنظام والرئيس لدى قطاع ما على المستوى الداخلى والاقليمى خففت من حدة الانتقادات التى وجهت لممارسات النظام حتى إن جماعة الإخوان المسلمين علقت معارضتها للنظام بسبب دعم النظام السورى للمقاومة فى الحرب الإسرائيلية على غزة مطلع عام 2009.
وتحت تأثير الحالة الثورية التى يعيشها العالم العربى خرج الشعب السورى عن ولم يكن صوت انتفاضة الشعب السورى نشازا وسط هذا الخضم الثورى الاقليمى الذى فجرته ثورة الشعب التونسى بمبادرته، والذى تميز فى عمومياته: بأن مفجروه هم فئة الشباب ما بين 15 إلى 35 عاما حيث بدأوا الحشد عبر مواقع التواصل الاجتماعى لتجاوز محدودية الحركة فى الواقع الفعلى المتشابه بين دول المنطقة، كما تميز بالانحياز للطابع السلمى الشعبى فى التعبير عن المطالب العابرة للاختلافات التى تمحورت حول ركائز أساسية هى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى تجاوز الانقسامات العمودية التقليدية فى التركيبة الداخلية للمجتمعات خصوصا وأن الأنظمة التسلطية خلقت انقسامات جديدة على أسس زبائنية وانتقائية فى توزيع السلطة والثروة أحدثت بدورها تفاوتا اجتماعيا وسخطا شعبيا ساهم فى تفجر الثورة، علاوة على التركيز على قضايا الداخل دون الالتفات إلى العوامل الخارجية التى صادرت الأنظمة باسمها حقوق الشعوب فى الحرية والمشاركة بكافة أنواعها باعتبارها الوحيدة التى تحتكر الحقيقة المطلقة، كما تميزت بالتصعيد التدريجى لحركة الاحتجاجات سواء على مستوى التمدد الجغرافى والزخم البشرى أو على مستوى تصاعد المطالب حيث تبدو العلاقة طردية بين المستوى الأول والثانى.
لكن فى مواجهة هذه البيئة المتشابهة بدت أيضا الأنظمة متشابهة فى طرائق التفاعل مع هذه الثورات من حيث انحيازها بدرجات متفاوتة إلى المعالجات الأمنية والى كيل الاتهامات إلى المتظاهرين بالتعاون مع أطراف خارجية، وبمحاولات إعلامية بائسة بالحديث عن إصلاحات ما أو فتح حوار مع أطراف معارضة، والتهديد بالفوضى وعدم الاستقرار أو الاقتتال الداخلى، ومحاولة تفجير الانقسامات المتضادة سواء المذهبية أو الدينية. وبدت الأنظمة غير قادرة على فهم إرهاصات اللحظات الفارقة الحالية التى تصنعها الشعوب وغير قادرة على قراءة الواقع بما يحمله من وضوح وما يتطلبه من تفاعل بصورة أكثر عَملية وعِلمية، وقد كان هذا تعبيرا عن مدى تحجر هذه الأنظمة واستحالة بقائها على ركائز أمنية بحتة لا تعبأ بحركة الشعوب وتحولات البيئات المحيطة فى الداخل والخارج.
إذا فالانتفاضة السورية لا يمكن فصلها عن اللحظة التاريخية التى تمر بها المنطقة العربية التى يبدو فيها أولا أن هناك عملية تحول ثورى قد بدأت فى الانتقال بصورة فيروسية بين دول المنطقة. ثانيا أن الشعوب قد خرجت عن صمتها وكسرت حاجز الخوف وذلك فى ظل تصميم على إحداث تغييرات جذرية فى هيكل البناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى الداخلى الذى اتسم بالاستبداد والفساد والجمود والتجاهل.....الخ. ثالثا أن قضايا الخارج فى لحظات الوهج الثورى لم تستحوذ على اهتمامات هذه الانتفاضات الشعبية وهو أمر له دلالاته فى الحالة السورية التى يستمد فيها النظام شرعية ما من دوره الاقليمى ومواقفه الخارجية إلى جانب اعتماده على الأداة الأمنية فى الداخل. رابعا أن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة قد وفرت سوق يتم فيه تداول الأفكار والأحداث والصور كسلع بسرعة مذهلة، وكانت الحرية والكرامة هى السلعة الرائجة التى يرتفع طلب شعوب المنطقة عليها وتحقيقها يتطلب "إسقاط الأنظمة" وفيما يخص سوريا فتعتبر هى الدولة العربية الأسوأ فى مجال حقوق الإنسان والمؤشرات المرتبطة بالحريات.
ورغم محاولات النظام السورى للحد من تفاعل السوريين مع إيقاع الثورات العربية مبكرا عبر حزمة من الإجراءات الأمنية وبعض الحوافز الاقتصادية - فقد أزالت الاستخبارات الصحون اللاقطة للاقمار الصناعية كما عقد الرئيس بشار الاسد اجتماعا مع رؤساء الاجهزة الامنية فى 16 يناير لوضع اجندة لضمان عدم تمدد موجة المعارضة التى تشهدها تونس والجزائر، كما اصدر اوامر بالاطاحة بالمسئولين الفاسدين وتم نشر العناصر الامنية فى الاسواق والمدن والاستعداد بسرعة للتعامل مع المظاهرات وزيادة الوحدات المسئولة عن مراقبة الهواتف فى مراكز الاتصالات والاستعداد بعزل شبكة الاتصال الثابت والخلوى فى اى منطقة ما عن باقى المناطق - فإن المظاهرات انطلقت فى عدة مدن سورية يوم 15 مارس للمناداة بالحرية والديمقراطية وإجراء إصلاحات سياسية، واتجهت إلى وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتعاملت قوات الأمن بقسوة مع المتظاهرين واعتقلت بعضهم، وقد كانت مدينة درعا التى تقع على بعد 120 كيلو متر جنوب العاصمة السورية دمشق هى التى كسرت حاجز الخوف، وهى التى حافظت على زخم واستمرار التظاهرات حتى اتسعت رقعتها ببطء ووصلت إلى قلب جامعة دمشق ومدن سورية أخرى أهمها دوما واللاذقية وبنياس ودمشق وحمص وحماة ....الخ.
وقد كان رد الفعل السورى على خروج التظاهرات فى سوريا متوقعا إلى حد بعيد فى ضوء المعطيات التى يفرضها الواقع السورى الداخلى والخبرات السابقة للنظام والحالات المشابهة فى المنطقة، لكن ما لم يكن متوقعا هو صمود السوريين وإصرارهم على التغيير وتصاعد الاحتجاجات ويلاحظ ما يلى:
• إصرار النظام السورى على أحادية المعالجات الأمنية فى مواجهة المطالب الشعبية السلمية، وتبدو خطورة هذا الخيار فى الخبرة االسابقة للنظام السورى فى التعامل مع المعارضة السياسية، حيث أعادت تحركات وحدات الجيش والقوات الأمنية واستخدام البلطجية( الشبيحة) لتطويق مدن درعا وبنياس واللاذقية وحمص وغيرها من المدن التى شهدت احتجاجات واسعة النطاق للذاكرة العمليات العسكرية الواسعة تجاه حلب وحماة وحمص فى ثمانينيات القرن الماضى ومذبحة سجن صيدنايا في 2008، وكأنها رسالة تذكير من النظام ومحاولة لبث الرعب فى نفوس المواطنين وإرغامهم على التراجع عن الاستمرار فى توسيع دائرة الاحتجاج.
ولا شك أن الخبرة السابقة والممارسات الحالية قد ساهمت إلى حد بعيد فى طبيعة المظاهرات فى سوريا من حيث حجم ومناطق المشاركة الشعبية، حيث ظهرت الاحتجاجات فى الأطراف وبدت متقطعة غير قادرة على التواصل بصورة شبه يومية كما اختفت فيها ظاهرة "الميدان" الذى كان أيقونة هامة فى عملية الحشد والزخم الجماهيرى فى الثورات العربية، وعاملا مؤثرا فى الاصطفاف وتجسيد الصراع فى صورة أقرب إلى مواجهة بين طرفين تحسم من خلال تجميع النقاط.
• تناقض المعالجات الامنية مع سياسة القمع على الأرض، وكان ذلك تعبيرا عن مدى الفجوة بين المتظاهرين الذين يزداد زخمهم بمرور الوقت مما يعطيهم شرعية وقوة ترفع من سقف مطالبهم وبين نظام يرى أن اى رضوخ لمطالب المتظاهرين سيكون بداية التنازل فى مسلسل سقوط النظام.
لذا سيتوقف نجاح حركة الاحتجاج على استمرار وزيادة الزخم الشعبى لحركة الاحتجاج ومشاركة قطاعات واسعة من كافة فئات الشعب خاصة من الطائفة السنية فى المدن الكبرى خاصة دمشق وحلب.
• اتسمت حركة النظام بالبطء فعندما قرر الرئيس إقرار مشاريع مراسيم تشريعية تقضي بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد وإلغاء محكمة امن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي بصورة قانونية، فإن هذه الخطوات بدت متأخرة عن حركة المتظاهرين فى الشارع التى بطبيعتها تجاوزت هذه المطالب فعليا على الأرض. لأنها كسرت حاجز الصمت وشرعنت لنفسها حق التظاهر عبر الممارسة الفعلية، كما أن هذه الإجراءات تم النظر إليها باعتبارها عملية تهدئة حيث لا يمكن أن تُفعل دون إجراءات متعلقة بإصلاحات قضائية وسياسية أخرى، هذا بالإضافة إلى أن ممارسات الحصار والقتل والاعتقال مازالت واقع يعيشه المتظاهرين على الأرض كل يوم.
• محاولة النظام تحويل مسار الصراع من شكله السياسى إلى وجه طائفى بغرض تفجير المجتمع السورى من الداخل، وبالتالى تعطيل مسار الإصلاح والالتفاف حول مطالب الشعب أو تفريغها من مضمونها، وقد تكررت فى خطاب الرئيس الأسد فى 30 مارس كلمات الفتنة والمؤامرة والفوضى فى إشارة أشبه بالتهديد إلى تصوراته لمستقبل الأزمة دون الإشارة إلى عملية الإصلاح أو الضحايا أو تجاوزات الأمن، وتبرز خطورة هذا الطرح باعتبار سوريا بها أكثر من 18 مكونا طائفيا وعرقيا، لكن الملاحظ أن الانتفاضة شعبية يتجاوز موقفها الانقسامات الداخلية وتلتف حول مطلب الإصلاح.
• اعتماد النظام على توصيفات عدة للانتفاضة الشعبية فتارة هى مؤامرة خارجية تستهدف القضاء على النظام أو أنها تمرد سلفى أو اتهام عصابات مسلحة بممارسة القتل، ويعكس هذا التوصيف مدى الارتباك السورى، كما يعتبر جزء من فزاعة سياسية لإجهاض الانتفاضة، بالإضافة إلى أنها اتهامات سبق وان واجهت المتظاهرين فى اليمن والقاهرة والبحرين وليبيا وتونس والأردن ولم تكن سوى حملات إعلامية لتبرير استخدام العنف ضد المتظاهرين.
• حاول النظام حصر تمدد الانتفاضة عبر سياسة الترضية لبعض مكونات المجتمع السورى، وذلك كما لوحظ من خلال بعض القرارات الاقتصادية التى استهدفت موظفى القطاع العام أو فى مغازلته لبعض القوى الإسلامية من خلال قرارات متعلقة بالسماح بعودة المدرسات المنقبات لعملهن وإغلاق كازينو للقمار بدمشق وإطلاق فضائية دينية، أو محاولة فك ارتباط الأكراد بحركة الاحتجاج من إصدار مرسوم بمنح الأكراد الذين حرموا من الجنسية بموجب الإحصاء السكاني سنة 1962 وهو الإحصاء الذي سيعيد حق الجنسية لنحو 250 ألف مواطن سوري كردي، لكن هذه الإجراءات لم تفلح فى وقف تمدد الانتفاضة.
• افتقدت التغطية الإعلامية الرسمية للأحداث إلى الموضوعية والمصداقية وتعتبر سوريا من أسوا عشر دول بين 187 دولة على مستوى العالم تتميز "باضطهاد الصحافة والافتقار الكامل للإعلام" وتأتى فى المستوى قبل الأخير على المستوى العربى بحسب تقرير منظمة مراسلين بلا حدود لعام 2010، ورغم أن سوريا تمنع وسائل الإعلام الأجنبية والعربية تماما من تغطية الأحداث فإن وسائل الإعلام الحديثة ووسائطها المتعددة ساهمت فى فضح تجاوزات النظام السورى.
• أن النظام السورى استفاد من الموقف الدولى وكذلك العربى الذى تعامل مع الأزمة فى سوريا بمعايير مختلفة عن المعايير التى تعامل بها مع الأزمة فى مصر وتونس وليبيا، فرغم القرارات الأوربية والأمريكية على بعض المسئولين السوريين أو المتعلقة بوقف تصدير السلاح إلى سوريا. فإنها بدت بلا أهمية أولا لان سوريا لا تعتمد فى تسليحها على الغرب، ثانيا لأن عقوبات مماثلة على شخصيات سورية موجودة بالفعل منذ 2004 ولم تجبر سوريا على الانصياع للرغبات الأمريكية، بالإضافة إلى أن قرارات العقوبات لم تشمل الرئيس السورى ولا وزير دفاعه وهو ما يعطى انطباعا برغبة غربية فى ترك المجال مفتوح أمام الرئيس للقيام بدور ما فى عملية الإصلاح، والتغاضى عن ممارسات الجيش الذى يحاصر المدن ويقطع عنها الماء والكهرباء ويقيم الاعتقالات الجماعية ويمارس القتل والتعذيب.
• وجود حالة من عدم الثقة فى النظام وهى حالة على أية حال موجودة منذ زمن وقد ساهم فى تكريسها النظام من خلال ممارساته ومراوغاته ووعوده السابقة فيما يخص قضية الإصلاح، فهناك قناعات راسخة وقديمة بان النظام لا يملك القدرة على إصلاح ذاته، وهو الأمر الذى يستوجب سقوطه وتفاعل النظام مع الانتفاضة اثبت انه لا يملك سوى خيار وحيد هو الأمن، فالشعب لديه أمل وتصور مختلف عن المسار الذى اختاره النظام.
• ضياع فرصة اللحظة الأخيرة فى قيام الرئيس بقيادة عملية الإصلاح بعد أن فشل فى قراءة مشهدين الأول القبول الشعبي الداخلي فى بداية الانتفاضة عن قيام الرئيس بالمبادرة وإدخال إصلاحات جوهرية تجنبا لمواجهات تبدو حساباتها غاية فى الصعوبة، والثانى التمهل الغربى فى الضغط على النظام من اجل الولوج فى مسار الإصلاح، بالإضافة إلى التأييد الاقليمى للنظام بصرف النظر عن تقاطعات المصالح بين بعض دوله فيما بينها، وبين بعض هذه الدول وبين النظام السورى فى الوقت نفسه.
لكن هل ستنجح الانتفاضة السورية كما نجحت فى مصر وتونس؟
مع استمرار التظاهرات تبدو كل الاحتمالات مفتوحة.
فعلى المستوى الداخلى تبدو الحلول الأمنية غير ناجزة وهى لم تجهض الثورات العربية، وان إجراء تعديلات جزئية من داخل النظام مع إعادة إنتاج نفس السياسات القديمة لم تقنع الشعوب، وان محاولة بث الخلاف الداخلي عبر الضغط على نقاط الضعف فى بنية التركيبة الدينية أو الإثنية داخل المجتمع لإحداث خلل فى حركة الاحتجاج وتطويقها هو فى النهاية إما أن يتسبب فى انهيار السلام الاجتماعى الداخلى، أو الانخراط فى حرب أهلية طائفية وهو فى النهاية لا يعنى سوى سقوط النظام برمته. ولا شك أن النظام السورى قد فرط فى فرصة تاريخية بالمبادرة برعاية إصلاحات تنهى الأزمة خاصة فى ظل المواقف الداخلية والإقليمية والدولية التى ظلت حتى أخر لحظة تدعم هذا الاتجاه، فالشعوب فى لحظة تاريخية هامة ترى أن مستقبلها مرهون بخلق واقع جديد ولن يتحقق هذا الواقع إلا برحيل هذه الأنظمة.
لكن سقوط النظام السورى عملية تبدو شديدة التعقيد أولا فى ضوء دور الجيش البارز فى تحديد مسار الثورات، والجيش السورى بتركيبته البنيوية خاصة على مستوى القيادات الوسطى والعليا يعطى سيطرة شبه كاملة للطائفة العلوية التى ينتمى إليها الرئيس، وبالتالى فهو غير مرشح للعب دور مماثل للدور الذى لعبه الجيش المصرى أو الجيش التونسى فى الثورة، لكن ربما يقود استمرار حركة التظاهر فى مرحلة ما إلى حدوث انقلاب عسكرى لتجاوز الأزمة ويعيد إنتاج الأسلوب القديم تحت عباءة إصلاحية.
كما أن التدخل المباشر للجيش فى قمع التظاهرات يطرح معضلة عميقة متعلقة بطبيعة العقيدة العسكرية للجيش السورى الذى يفترض به انه جيش وطنى فى حالة صراع مع إسرائيل التى تحتل الجولان، فتدخله ينسف هذه العقيدة وربما يطرح فى المستقبل إشكالات متعلقة بضرورة إعادة بناء هذا الكيان على أسس جديدة.
وعلى المستوى الاقليمى فقد بدت رغبة جمعت دول وقوى عربية وإقليمية ذات أهداف وسياسات متناقضة تمثلت فى أهمية الحفاظ على بقاء نظام الرئيس الأسد كالسعودية ودول الخليج وحزب الله وإيران وتركيا وحتى إسرائيل، ويرجع ذلك إلى تعقيدات الموقف الاقليمى على مستويين الأول موقف بعض الأنظمة الإقليمية من الثورات العربية بشكل عام وتخوف هذه الأنظمة خاصة دول الخليج وإيران من أن تكون سوريا بوابة التحول الديمقراطى فى المشرق العربى والمنطقة، والثانى هو أهمية دور سوريا فى الإقليم باعتبارها احد أضلاع محور الممانعة واضطلاعها بدور هام فى دعم فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبالإضافة إلى تحالفها الاستراتيجى مع إيران، ودورها البارز فى لبنان، وطبيعة موقفها فى الصراع العربى الاسرائيلى.
ولإسرائيل موقف خاص بما يدور فى سوريا فهناك خوف من أية تحولات كبرى فى سوريا قد تنهى بدورها حالة السكون فى الجولان المحتل، حيث تعتبر سوريا اكبر دولة عربية لديها ترسانة عسكرية معتبرة ولم توقع بعد على اتفاقية سلام مع سوريا، خاصة وان اى عملية تحول ديمقراطى ربما تطرح بدائل راديكالية قد تفجر الأوضاع فى المنطقة ككل عبر تحالفات مع تحولات أخرى قد تشهدها مصر ودول المنطقة، بما يحد من مكاسب إسرائيل وقدرتها على لعب دورها السابق.
وعلى جانب أخر فان القوى الخارجية وخصوصا الأمريكية رغم أنها لازالت تضغط على النظام السورى لإجراء إصلاحات تجنبا لتأثيرات سلبية قد تشمل المنطقة ككل، فأنها عند مرحلة ما ربما تجد النظام السورى من الضعف بمكان يسمح لهذه القوى بالضغط عليه، بما قد ينتج فى النهاية إما تنازلات كانت غير مقبولة لديه فى السابق فيما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة علاقتها بإيران ومن ثم حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية ومستقبل علاقتها بإسرائيل، أو تبنى خيار أكثر خطورة عبر تدخل عسكرى على الطريقة الليبية تحت حجة حماية المدنيين من بطش النظام، وهو ما سيمهد الطريق أمام إعادة هندسة الخريطة السياسية وخلخلة البنى الاستراتيجية لعلاقات سوريا فى الإقليم وهو ما سيمتد تأثيره الهدام فى كامل الإقليم.
وفى النهاية لا شك أن شرعية نظام عائلة الأسد قد تآكلت تماما وان هناك فجوة عميقة وهوة شاسعة بين هذا النظام وشعبه، وان هذا النظام فى حالة بقائه لم يعد قادرا على إعادة تكييف شرعية جديدة خاصة أنه لم يبد اى تجاوب تجاه التفاعل الايجابى مع متطلبات المرحلة فى صورة أشبه بعجز كلى عن قراءة الواقع الاقليمى والداخلى. لذا فمسألة رحيله تبدو ضرورية لمصلحة سوريا أولا ولمصلحة القضايا الإقليمية ثانيا، فهذا النظام لم يعد يملك ما يقدمه لسوريا سوى الخلاف والمذهبية والطائفية وهيمنة الأمن والعسكر، ولم يعد يملك ما يقدمه لقضايا الإقليم سوى مزيد من التأزم والدخول فى نفق العبث الامريكى والاسرائيلى بمقدرات ومستقبل شعوب المنطقة، وذلك بعكس ما يظن بعض الحريصين على النظام السورى، لأن الحرية هى معيار قوة الدول وتقدمها وتطورها.



#محمود_حمدى_ابوالقاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود حمدى ابوالقاسم - سوريا .. انتفاضة الشعب وشرعية النظام