|
قراءة في كتاب ( في مرايا حانة)
سعد توما عليبك
الحوار المتمدن-العدد: 3365 - 2011 / 5 / 14 - 13:36
المحور:
الادب والفن
" في مرايا حانة " ، عنوان لكتاب أنهيت من قرائته قبل أيام ، وهو من تاليف الأخ و الصديق الأستاذ القدير حسن ناصر. الكتاب عبارة عن مجموعة قصص قصيرة مستلهمة من الواقع العراقي خلال العقدين الأخيرين، يتناول هموم و شجون و خصوصيات العراق و العراقيين و معاناتهم خلال الاحداث العصيبة التي عصفت بالبلاد خلال تلك الفترة. جزالة الكلمات وسلاسة التعابير التي يغلب عليها الطابع الرمزي الشاعري في تصور أحداثها و مجرياتها ، يضيف اليها متعة و جمالية تفتح مجالاَ اوسع في خيال القاريء و تزيده تشوقاً لمتابعة تفاصيلها الدقيقة بتركيز و إمّعان . .كما ان الكاتب تمكن بإسلوبه الرصين و امكانياته اللغوية من ان يبعد القصة عن الجمود و الرتابة التي تسود القصص في معظم الحالات عند سرد احداثها و مضامينها.
في هذا الكتاب يستنهض الكاتب الحدث من واقعه ليستنطقه ، ليثير حوله التكهنات و الشبهات، فيضعه إمّا في قفص الإتهام أو الإنعام. فلا شمس عنده تحجب بالغربال ، ولا أمرٌ عنده يزيغ عن المكيال، فالأيام أسيرة أحداثها، فتحمد أو تدان بأفعال حارثيها. إنه ليس حاكماً أو قاضياً ، ولكن الحق و الحقيقة عنده منها الشيء الكثير ، و في الضمير لها ثقلٌ كبير.
من خلال هذا الكتاب يلمس القاريء مدى اعتزاز و اهتمام الكاتب بحضارة و تاريخ بلده الذي يمتد الى اكثر من 7000 عام ، حين يطعم مقدمة بعض قصصه بعبارات مستمدة من ملحمة كلكامش و يغوص في احداث الملحمة مع كلكامش وأنكيدو. يسير بخياله و أفكاره صوب أوروك و أكد ، و يكاد يلمس اوتار قيثارة سومر التي لم تداعبها الأصابع منذ آلاف الأعوام، حتى مردوخ ( كبير آلهة اجداد العراقيين) كان له حضوراً في هذا الكتاب عندما يحدثنا عن الفراغ الذي خلّفه مردوخ ، بعد أن انسحبت أرديته الخالدة عن مياه الزمن.
في بيت الألواح ، هناك ارتباك و حيرة في كيفية رسم خارطة العراق. فإن كانت له حدود جغرافية قابلة للرسم اليوم ، فأين حدوده في قلوب ابناءه؟ و كيف يمنحهم القدرة على رسمه بتفنن؟. العراق نجده في كل المتاحف المشهورة في العالم ، فمن يحمل في قلبه الحنين اليه و الى مطر السياب، ليذهب الى تلك المتاحف لعله يجد فيها ظالته. و لو كان هناك (متحفأً للحنين) لملأت قلوب المهاجرين العراقيين قاعاته.
وصف رائع للحرية في تأثيرها على الإنسان و سائر المخلوقات حينما يقول الكاتب في عبارة غاية في الروعة و الشاعرية" لا سبيل لتدجين البلابل محترفة الحرية". و هل كان في العراق شيء ما يشبه الحرية؟ حتى بلابله لم تستطع التغريد الاّ بالحان الطاغوط. نهري دجلة و الفرات لم ينجوا من سيف السلطان. اما الحرية نفسها فربما لها سجلها الأحمر في نقرة السلمان او في ابوغريب.
الحروف لها جمالية و ايقاعها الموسيقي و مكانة خاصة عنده ،ولكل منها لها قصة ، و لم لا وهي التي تشكل الكلام من أوله الى أقاصيه.
الجنون أنواع ، و له مسبباته . قد يكون العثور على جثة صاحب في الحرب سبباً مقنعاً و معقولاً للجنون و قابلاً للتصديق بدل البوح بالسبب الحقيقي الذي قد يسبب احراجاً للبعض! ، ولم لا وان كانت الحرب و اسلحتها و قادتها كلهم من صنف المجانين.
خيال و أحلام الانسان لا يحدها اية حدود ، و كم كان غزل العشاق يبني قصوراً على القمر، او كوخاً على قمة جبل ، هروباً من صخب العواذل و زخم الكلام و تعب الحياة . ولكن من يفكر في أن تكون له داراً في الماء ، هناك في قاع البحر ، لا أحد يعرف مكانها هروباُ من غربة دار التراب. و اذا كانت شريعة الغاب هي السائدة على التراب ، ربما سيكتشف الهارب منها بأن شريعة قاع البحار اقسى و أكثر وحشية.
" في مرايا حانة" لوحة ادبية و ثقافية رائعة أبدع فيها الكاتب حسن ناصر ، ولا ندري هل سيفاجئنا كاتبنا العزيز بعطاءٍ جديد يستسقي بنان أفكاره من جلسات الثقافة و موائد الأدب الثري، ليكون هذا الإنتاج القادم خاصاً بشجون العراقيين الأستراليين ؟.... . ربما.
#سعد_توما_عليبك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤتر الكلداني العام آمالٌ و مهام
-
أكيتو، راس السنة الكلدانية العراقية 7310
-
ذكرى مذبحة صوريا ، استذكار لشهداء الأمة الكلدانية
المزيد.....
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|