أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الخزرجي - اسفار في اسرار الوجود ج3 - ح5















المزيد.....


اسفار في اسرار الوجود ج3 - ح5


عزيز الخزرجي

الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 20:27
المحور: الادب والفن
    



أسفارٌ في أسرار ألوجود ج3 – ح5



فوارق و أساليب آلأستثمار ألأمثل للعقل:



تصوّر قبطاناً و هو يقود سفينته و سط أمواج آلبحر, آخذاً بنظر آلأعتبار تجاربه و علمه و حالة آلبحر و آلرياح و آلوضع الجوي, فتارةً يُصدّر أوامره إلى آلعاملين و تارةً يُتابع آلمراقبين في آلأقسام آلمختلفة, و آلجميع تحت قيادته يُؤدّون أدوارهم بإنتظام, و لو أنّ هؤلاء آلعاملين و الموظفين لم يؤدّوا دورهم كما هو آلمطلوب.. فأن آلسفينة ستواجه آلمشاكل و قد تتعرض إلى آلغرق!



ألقبطان هو آلقائد و آلبقية كالجُند يُنفّذون أوامره .. ألضمير آليقظ في وجود آلأنسان هو بمثابة آلقبطان, و ألجسم و ما يتعلّق به يشبه آلسفينة, و قائدهُ هو آلعقل, و بناءاً على ما يتقبّله ضميرنا آليقظ (ألعقل) و ما إكتنزهُ من آلعلم و آلتجارب لتكون كحقائق و مُعتقدات و مُسلّمات؛ يتمّ آلتعامل من خلال تلك المُعطيات كمناهج و أصول, لتلقي بضلالها و تأثيراتها بقوةٍ على آلضمير أللاواعي(ألباطن), كمُستَقْبلٍ و مُنفّذ, بدون ترديدٍ أو سؤآلٍ أو تمحيصٍ .. عن ظروف و حيثيّات و نتائج ذلك آلتلقي ألطوعي! لـتتحوّل إلى سلوكٍ و إسلوبٍ للتعامل مع آلأحداث و آلوقائع ألتي تواجه الأنسان.



هناك حالة رادعة و خطيرة واحدة في تحديد مصير آلأنسان؛ و هي أنّك لو قلتَ من أعماق قلبك .. "أنا لا أريد ..." أو "لا أستطيع فعل و تنفيذ هذا أو ذاك آلعمل", فأنّ ضميرنا آلنصف أليقظ(ألّلاواعي), سيعمل طبقاً لتلك آلأوامر و آلبيانات بكلّ طاقتهِ و بلا تردد.



مُعظم آلناس, لا يعلمونَ هذا آلسرّ, و مدى تأثيرهُ في آلحياة و في مجرى آلأقدار, كونهم يُلقّنونَ أنفسهم على إعتبار أنهم غير قادرين على آلأبداع أو فعلٍ معينٍ, أو آلتأثير ألأيجابي في مجرى آلأمور؛ فلو إعتقدّتَ مثلاً بعدم قدرتك على آلنجاح في آلمدرسة .. أو في عملٍ أو مشروع مُعيّنٍ أو بناءِ عمارةٍ أو بيتٍ, أو شراء سيّارة أو قيادة دولةٍ؛ فإطمئن بأنّ ضميرك آلّلاواعي سينفذ تلك آلأوامر و آلأستبيانات بكل تفصيل, لتكون قد حرّمت نفسك من خير كثير, و من أمورٍ و حقوقٍ طبيعية مُمكنة أكرمك بها آلله تعالى, و هي من حقّك فيما لو كنت عالماً بكيفية آلتعامل مع آلضمير أللاواعي(ألباطن), لتستمرّ في حياتك .. و أنت مُصدّقٌ لنفسكِ بأنّكَ عاجزٌ و ذاكَ هو واقعكَ و لا غير! من دون آلأنتباه و آليقظة إلى أنّ ذلك آلواقع هو من صُنعِ نفسكِ و قراركِ .. بسبب ألأفكار ألسلبية و آلناقصة ألّتي سيطرتْ عليكَ أو تعوّدتَ عليها منْ قبل!



"مُحمّد" في ألعام ألماضي كان بحاجةٍ ماسّةٍ إلى جهاز حاسوب(كومبيوتر) للأستعانة به على دروسه و تمارينه في ألجامعة, و رغم إطلاعهِ على قيمة أحد ألأنواع ألمعروضة في آلسوق و آلذي أعجبهُ أثناء طريق عودته من آلجامعة, فبينما كان مُتحيّراً في كيفية شرائه بين "لا" و " نعم"! لعدم قدرته ألمالية على آلشراء, تذكّر فجأةً إحدى آلجمل ألّتي كان قد سمعها في إحدى آلمحاضرات مفادها: "قبل أنْ تُكمِلَ مقولتِكَ آلسلبيّة .. عليك بحذفها من آلأساس من تفكيرك و وجودك, و ما عليكَ إلّا إنتظار ألنتائج"!



تأمّل "مُحمّد" في ألمعرض مليّاً و قالَ في نفسهِ: "سأشتري هذا آلحاسوب", و أوعز لهُ ضميره آللاواعي بآلأيجاب .. و تَعَهّدَ للقيام بدورهِ في تمهيدِ ألمقدمات آللازمة لتحقيق آلأمر.



و عند طرحهِ للموضوع مع جدّهِ ألرّحيم, إستلم بعد أيامٍ, رسالةً .. معها جهاز ألحاسوب, تضمّ خبراً مفادهُ: "يُمكنُكَ تسديد آلمبلغ لنا خلال سنة من آلآن".



من هنا يأتي أهميّة ألدّعاء و قراءة ألقرآن و دوره في بناء ألثقة بآلنّفس و إنجاز آلأعمال ألصالحة و كشف آلعلوم و آلأسرار, حيث أكّد آلباري تعالى بقوله:"إنّ آلله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم"(1), و قال تعالى: "قُوُا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها آلناس و آلحجارة ..."(2), لأنها تُسبب نهضة ألضمير و يقظتهِ و إستشعارهِ, و توطينه على حقائق آلحياة و آلعلم ألأيجابية ألمثمرة في عمليّة ألبناء ألحضاري لتحقيق السعادة, و من هنا نعتقد بأنّ آلمؤمن لو لم يُقوّم نفسهُ (أي باطنه) على آلغيب و حبّ آلله سبحانهُ و آلرّسول(ص) و آلأئمة ألمعصومين(ع) و عباد الله, فأنّه يبقى ضعيفاً خائراً مُتململاً و مُتردداً بين آلحق و آلباطل, بين آلسلب و آلأيجاب, و بآلتالي ألتخلف و عدم ألقدرة على تحقيق ألكثير من آلتقدم في آلحياة, و هنا ملاحظة جديرة بآلذكر, و هي؛ إن آلبعض قد يعترض بعدم صحّة ما توصلنا إليه بالأستدلال على ما توصل إليه آلآخرين خصوصاً في آلغرب ألراسمالي من آلتقدم ألعلمي و آلتكنولوجي و هم لا يُؤمنون بالغيب أساساً .. أو إنّ إيمانهم ضعيف و مُنفصلٌ عن حياتهم آلعملية!؟



ألجواب على ذلك هو: ألغربيون ليس فقط يؤمنون بآلغيب بل إن معظم علماؤهم خصوصاً ألمُتميزين منهم لهم علاقة و إرادة خاصة بالله تعالى, حسب دينهم, كما إنّ حالة إستيقاظ آلضمير أللاواعي(ألباطن) إنما يتحقّق في وجودهم و بأساليب عديدة منها؛ ألـ "ميديتيشين"- أي ألعلاج و آلترويض آلنفسي- و كذلك بفعل ألنمط ألتربوي ألأحادي ألجانب .. ألذي يتلقاهُ منذ آلصغر بشفافية عالية و بصدق و أمانة أثناء مراحل التعليم طبقاً لمناهج علمية تجريبية, إلّا أنّ آلذي يُحدث للأسف هو إن آلقسم آلأعظم من تلك آلجهود و آلمساعي و عوائد آلتنمية العلمية تذهب في جيوب آلمستثمرين و أصحاب آلمصالح و آلبنوك و آلشركات, حيث لا يهمّها سوى منافعها و أرصدتها بالدرجة آلأولى! هذا بآلأضافة إلى تأكيد مناهجهم على آلصدق و آلتعاون و آلعمل ألمشترك, حيث نفتقد نحنُ ذلك في آلشرق أيضاً, بالأضافة إلى إعتمادنا على آلأيمان ألشكلي الذي نَتَعَوّد عليه منذ آلصغر كحالة متوارثة من آلآباء و آلمُربين و ألمُدّعين للأسلام, حيث يُؤكّدون كثيراً على آلمظاهر و آلشكليات و آلقشور, فتضيع مساعيهم, و يُصابون بآلكفر و آلغرور و آلنفاق من حيث لا يعلمون, و من هنا قلّما تجد مؤمناً صادقاً مخلصاً مُضحّياً يهتم بآلباطن أكثر من إهتمامه بآلظاهر في أوساطنا, فنرى آلمسلمون تقوم قيامتهم لمُجرّد أنْ يرى أحدهم إمرأة تتحدّث إلى رجل غريب على سبيل آلمثال, أو إمرأةً تقود سيارة, أو غيرها من الأمور آلظاهرية, بينما لا يلتفتون لأصل و أهداف آلرسالة ألأسلامية و غايتها! و آلتي تبدأ .. أول ما تبدأ بآلتأمل و آلوعي و آلتواضع و آلسعي و آلأيثار قبل آلتوجه و آلبحث عن آلحقوق و آلمصالح و تدويل آلأحكام بما يتناسب مع آلمصالح و الشهوات, و لهذا كثيراً ما نرى حالة عدم آلأستقرار و آلتثبت في آلقول و آلفعل و العمل الصالح و كثرة آلتناقضات و آلفوضى و آلخبث في دواخل أؤلئك آلمُدّعين, حيث يُحاول آلمسلم في بلادنا جاهداً إخفاء ذلك ليقضي معظم عمرهِ و هو يَحرصُ على عدم كشف حقيقة تلك آلسلبيات و آلأنحرافات بداخله, و آلفارق آلكبير بين ما يدّعيه و بين حقيقة ما تصبوا إليه نفسه آلأمارة بالسوء, لذلك يحاول جاهداً ألحفاظ على آلظواهر و آلشعارات من دون آلألتفات إلى آلباطن و آلقلب ألذي هو آلأساس و آلمعيار, و هذا ما لاحظته شخصياً في مُعظم - إنْ لم أقل - كلّ المدّعين لِلتديّن للأسف آلشديد!



قبل عام إستلمتُ رسالة أليكترونية من أحد آلمشاركات أللواتي كُنّ يحضرن لسماع محاضراتي, ضمّت ما يلي:



كنتُ أشعر بآليأس و آلتردّد و آلخنوع, حين إستقرّت آلأمور بعد ترك زوجي للبيتْ على حياةٍ رتيبةٍ مع أولادي ألذين باتوا لا يهتمون كثيراً لما أعاني مع نفسي في غربتي .. من آلكآبة و آلهموم؛ لكنّ مُحاضراتك و بُحوثك أرجعتْ لي آلثقة و آلأمل مُجدّداً كي أحيا من جديد! لطالما أتذكّر مقولاتك بشأن آلضمير أللاواعي و آلوجدان ألّلذان عبّرت عنهما بـ "القلب", حتى إنتهيتُ إلى تصنيف آلناس إلى أهل "العقول ألميكانيكية" .. و أهل "ألقلوب ألأنسانية", أنتَ قلتَ؛ إنّهُ بتكرارنا للأفكار و آلطروحات و آلأمال و ... نكون قد نقلنا تلك آلافكار ألأيجابيّة إلى ضميرنا آلّلاواعي, خصوصاً لو تمّ ذلك بيقينٍ و ثباتٍ راسخ, أ ليس كذلك؟ لهذا صمّمتُ أنْ أُنَفّذَ تلكَ آلوصايا عمليّاً, لأنّي إفْتَرَضّتُ أنّ هذا آلعمل, حتى و إنْ لم يكن واقعياً فأنني سوف لن أخسر شيئاً أملكه! لذلك شَرَعتُ .. بكلّ إحساسي و قلبي و وجودي و أنا أقولُ لنفسي: "أنا جذّابةٌ, و عاشقةٌ", حتّى تزوّجتُ مع رجلٍ عطوفٍ ذو روحٍ شفافة, و آلآن أنا سعيدةٌ في حياتي ومطمئنةٌ على مُستقبلي.



لقد كنتُ لأسبوعين مُتتاليين ليلاً مع آلنهار أُردّد تلك آلأحاديث .. و كنتُ أدعو آلله مُخلصةً .. و إذا في يوم من آلأيام تعرّفتُ على شخصٍ مُتقاعد .. كان طيّباً و مُتفهماً و عطوفاً و مُتديناً, و كان هو نفسهُ آلرّجُل ألذي تمنيتهُ في دعواتي لله تعالى, حتى جاءني مُخاطباً يطلبُ يدي للزواج, و آلآن نقضي معاً شهر العسل.



مع إرادة الله تعالى حقّق ضميري آللاواعي ذلك عندما تعلّقّ به ليَتَحقَق هذا آلوصال.



إنّ تلك المرأة تنبّهت لكنزها آلمكنون بداخلها, فقد نفذتْ أدعيتها آلصادقة ألمنبعثة من أعماقها إلى ضميرها آللاواعي, و بعد تهيئة آلأجواء إستطاعت بقوّة ألجاذبية, و آلعقل ألمبدع مع آلعقل ألباطن, بجانب إرادة الله تعالى من تحقيق ذلك آلتلاقي مع ذلك الرجل ألذي تأملتهُ في قلبي.



ألأخلاص آلمنبعث من محبّتنا للخير و للحسنات و آلمُقدسات .. في أجواء آلتذرع و آلدّعاء يكون صانعاً و مُنتجاً للمعجزات في واقعنا!



و يُمكِنُنا تلخيصَ ما وَرَدَ في آلحلقات آلسابقة في آلجزء ألثالث .. ضمن آلمحاور ألتالية:



1 - ألكنز آلكبير مستقرٌ بداخلنا, و لأجل نيل مطالبنا آلقلبيّة, لا بُدّ من آلتركيز على ما بذاك آلداخل.



2 - على مرّ آلقرون, كان آلرجال و آلنساء ألعظماء و آلمعروفين, هم آلقادرين وحدهم على تحكيم ألاتصال مع آلضمير آلباطن (ألّلاواعي) لتحرير قواهُ و تحسين فاعليته لتحقيق ألمعجزات.



3 - ألضمير أللاواعي هو آلمجيب على جميع مشاكلنا, و يكفي آلتحقّق من ذلك من خلال تصميمنا قبل آلنوم بالأستيقاظ صباحاً في آلسادسة مثلاً, و سنرى تحقّق هذا آلأمر بشكلٍ إنسيابي و طبيعي كتجربةٍ عمليةٍ.



4 - ضميرنا آللاواعي هو آلمُسيّر لنا في واقع ألحياة و آلمنعطفات, و هو آلمُوجّه لأفعالنا و حركة بَدَنِنا, و يُمكنهُ أنْ يشفينا كلّ ليلة, علينا تطمين أنفسنا, لِنَغُصّ في نومٍ هادئ و عميقٍ .. آملين آلسعادة و آلفرج معه, فضميرنا آلّلاواعي هو خادمنا, و مُطيعنا آلأمين, و سَيُنَفّذُ ما نأمرهُ بكلّ أمانة و دقّة.



5 - كل فكرٍ بمثابة آلعلة, و كل موقف عملي هو معلول لتلك آلعلة.



6 - لو كُنّا نهدف إلى تأليف كتاب أو مسرحية, أو كتابة مقال أو إلقاء محاضرة, يكفينا أن نُحَوّل و نعطي آلمعلومات آللازمة إلى ضميرنا آلّلاواعي مع آلعشق و آلأحساس و آلتقرب عبرها لله, عندها سنحصل على آلجواب و آلمراد بدقة و تفصيل.



7 - علينا أنْ نُعطي آلأوامر ألصحيحة و آلواضحة للقبطان, لأنه بغير ذلك ستتعرّض آلسفينة إلى آلمخاطر, و رُبّما آلغرق, من حيث أن تصوراتنا و أفكارنا هي في حقيقتها أوامر لضميرنا آلّلاواعي, و آلذي عملهُ يشبهُ تماماً عمل آلقبطان .. فهو يضبط و يُدير تجاربنا بدقّة عالية.



8 - لا تسمح أبداً لنفسك بإستخدام عباراتٍ من قبيل؛ "لا أستطيع توفير ..."؛ "لا أستطيع تنفيذ ..."؛ لأنّ ضميرنا ألنصف آليقظ(ألّلاواعي) سَيَتْبَعُ و يُنفّذُ تلك آلعبارات, و سيُعَبّر عن تلك ألألقاآت بـ ؛ " أنتَ غير قادرٍ في آلواقع من تنفيذ ذلك آلعمل .." أو " إنّكَ لا تملك آلمال ألكافي ...", بل بالعكس من ذلك قلْ: " أنا قادرٌ مع ضميري أللّاواعي أنْ أُنفّذ أيّ عملٍ و أحقّق آلكثير"!



9 - قانون آلحياة هو: قانون آلإعتقاد و آلقبول؛ ألإعتقاد و آلقبول؛ هو فكرٌ في ذهننا؛ يجب أنْ لا نعتقد بأشياءٍ تُسبّب لنا آلأذى, علينا أنْ نعتقد بضميرنا آللاواعي لكونه شافياً .. مُلهماً .. مصدراً للقوة .. و آلنجاح.



10 - يجب أنْ نُغيّير أفكارنا .. لنُغيّير أقدارنا (مصيرنا)(3).



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة ألرعد / 11.

(2) سورة ألتحريم / 6.

(3) بإختصار شديد؛ هناك نظريتان في مسألة (آلأقدار) و (آلمصائر) في آلوجود:

ألأولى: و هي إنّ آلبعض يعتقد خصوصاً "ألمعتزلة" بكون آلأمور و آلأحداث و آلأفعال, و ما يحصل للبشر كلّها مُقدّرة من آلله تعالى, و لا حول و لا قوّة للعبد فيها.

ألثانية: و يعتقد به قسماً آخر من آلناس, و خلاصتها أنّ آلأنسان هو آلمسؤول و آلصانع للأحداث و آلوقائع و آلأفعال و لا دخل أو مشيئة لله فيها.

و هناك تداخل عجيب في حقيقة آلحوادث و آلأفعال و تقاطعاتها و إمتداداتها و تأثيراتها في آلكون و آلأنسان, و آلنظريتان آلآنفتان غير صحيحة تماماً و غير خاطئة تماماً, بل هناك إرتباط و تشابك بينهما, و "آلحقيقة آلكبرى" تنحصر بين آلمقولتين(ألنظريتين) حسب رأي آلأمام الصادق(ع), لأننا لو أخذنا بآلنظر آلأول؛ فمعنى ذلك حذف آلمشيئة آلالهية في آلوجود, و هذا من غير ألممكن بدليل آلأشارات آلقرآنية الواضحة, و منها قوله تعالى؛"قل من بيدهِ ملكوت كل شيئ و هو يُجير و لا يُجارُ عليهِ"(ألمؤمنون / 88). و كذلك؛ "فسبحان آلذي بيدهِ ملكوت كل شيئ و إليه تُرجعون"(يس / 88), و كذلك؛ "ما أصاب من مصيبةٍ في آلأرض و لا في أنفسكم إلّا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسيرٌ"(ألحديد / 22), و كذلك قوله تعالى؛"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله"(ألتغابن / 11).

أما آلنظرية ألثانية؛ فهي أيضاً غير صحيحة و غير خاطئة تماماً في نفس آلوقت و دعى له "ألأشاعرة"؛ بدليل عقلي و نقلي أيضاً, فآلدليل ألعقلي هو؛إن الله تعالى مُنزّهٌ عن آلخطأ, و لا يفعل آلقبيح مُطلقاً, إستناداً إلى صفاته و أفعاله, كونه آلحكيم آلخبير ألعادل ألرؤوف ألرحيم و غيرها, فكيف يُمكن لخالقٍ عظيمٍ أوجَدَ كلّ هذا آلجمال و آلوجود و آلخير أن يفعلَ آلقبيح أو ما هو خلاف صفاته و أفعاله!؟ لذلك فأن ما يقع في آلكون من أخطاءٍ و جرائمٍ؛ هو من فعلِ آلأنسان ألّذي خيّرهُ الله تعالى.

أما الدليل النقلي فهو ما جاء في القرآن ألكريم كقولهِ تعالى:"إنّا هديناهُ آلسبيل إمّا شاكراً و إمّا كفوراً"(ألأنسان / 3) ), و قوله تعالى؛ "و لقد صرّفنا بينهم ليذّكروا فأبى أكثر آلناس إلّا كفوراً"(ألفرقان / 50).

نستَنتج أنّ آلأمر ينحصر بين آلأمرين؛ أيّ إنّ آلأحداث و آلوقائع و آلأمور تشترك في أصل حدوثها إرادتين؛ ألأولى؛ إرادة آلأنسان, و آلثانية؛ إرادة الله تعالى, هذا مضافاً له مجموعة كبيرة من آلإرادات ألصغيرة آلتي تتداخل عرضياً و طولياً لتُشكّل و تُحدّد خاتمة آلأفعال و آلوقائع, بتأثير و سلطة تلك آلأرادتين, و لا ننسى بأنّ جميع أفعال الخير و ما ينفع الأنسان يُبارك فيها الله تعالى و يُثيب أصحابها, أما أفعال السوء عموماً فالأنسان هو آلمسؤول آلرئيس عنها, حسب قوله تعالى:"و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبتْ أيديكم و يعفوا عن كثير"(ألشورى / 30), و جميع الظلامات التي تقع في آلأرض إنّما هي من صنع آلأنسان, حسب قولهِ تعالى: " و ما ظلمهم الله و لكن كانوا أنفسهم يظلمون"(ألنحل / 33).

أما العلاقة بين آلقوتين(ألأرادتين) ألرئيسيتين و تأثيراتهما في مجارى آلأمور و آلأفعال و حتى آلأفكار فتعتمد على إعتبارات عديدة نجهل آلقسم آلأعظم من تفاصيل قوانينها و آلية عملها! و لا نقف دائماً سوى على كلياتها و بعض ملامحها, لأن آلعلوم آلتي تُحَدّد هذا آلموضوع ليس في متناول ألأنسان كما هو حال ألعلوم الأخرى, حيث يحتاج إلى الكثير من آلتخصصات و آلبحوث لكشف نظرياتها و آفاقها و تشعباتها, كلّ ما أمكنني ألتّوصل إليه هو أن الطريق لهذه ألمعرفة له بابان؛ ألأول: "ألبحث آلعلمي", ألثاني: "ألأشراق آلألهي", و آلأخير محدود آلتناول و آلتداول و آلفهم من قبل ألعوام, لكونه باب الله و سرّه يقذفه في قلب من يشاء و يُحب, و لعلّنا لا نملك خياراً سوى الأستفادة من آلمنهجين على أمل معرفة تلك الحقيقة و آلسّر آلكبير.

و مهما يكن علمنا فأنّهُ من آلصعب – إنْ لم يكن من آلمستحيل معرفة آلعلاقة ألدقيقة بين آلعلة و آلمعلول و قوانينها آلثابتة و آلمعروفة سواءاً في آلفيزياء و آلعلوم ألمادية و هي قابلة للفهم إلى حدٍ معبن, أو بين قدرة الله تعالى و نفوذه و تدخله في تغيير مجارى تلك ألقوانين ألعلمية و كنهها لأسباب مٌعينة و ظروف خاصة خارجة عن معارفنا, بسبب طلب ألعبد و آلتذرع و آلعبادة و آلدعاء لإثباب موقف معين! بل آلسؤآل أساساً هو: هل آلباري تعالى يُغيير في تقنيّة و ديناميكية ألقوانين ألطبيعية .. كقوانين آلعلة و آلمعلول, أو آلفعل و ردّ آلفعل و غيرها؟ و إذا كان يفعل ذلك فهل يعني ذلك وقوع ألمعجزة؟ ثمّ ما علاقة و تأثير آلدّعاء على تلك آلقوانين ألعلمية آلثابتة؟

و لعلّ تَحَقّق آلسرّ آلأكبر من "آلأسفار في آلأسرار" في حياة و مسير آلأنسان, و في أهم مواضعه يتجلّى في هذا آلأمر بأروع صورة! فكلّما كانَ آلأنسان قادراً على آلغوص في أعماق آلعلم و آلأيمان – من حيث كونهما تَوْأمان – لا ينتهيان, إنْ إفترقا إحترقا .. إلّا عند حدوث ألفناء, بمعنى فناء آلأنسان في واجب آلوجود.

و تلك لعمري مرحلة لا يبلغها في آلأنسانية سوى آلأنبياء و آلأئمة و آلأوصياء و آلأتقياء و آلعلماء ألصالحين, كما إنّ آلمسألة ليستْ مستحيلة كما قد يتصوّر ألبعض – من كونها صعبةٌ ومعقدة و لا يمكن حصولها! بل يُمكن أنْ تتحقّق في وجود أيّ كانْ, لو تمكّن من وعي و إدراك تلك آلحقائق, و تنظيف قلبه من آلشرك و آلأحقاد و آلتوجّه ألخالص لله تعالى في أفعاله و حركته في آلحياة.

و مصداق ذلك يتجلّى من خلال قصص و روايات كثيرة للأنبياء و آلمرسلين و آلأئمة آلمعصومين و معجزاتهم آلخالدة, و كذلك قصص ألأولياء و آلعلماء و حتى آلأتقياء ألصالحين .. كقصة آلخضر(ع), و أبا ذرّ آلغفاري, و بابا طاهر ألعريان, و آلسلطان ألشاه آبادي أستاذ آلأمام ألخميني(قدس), و إبراهيم آلأدهم(رض) ألذي كان إبناً لسلطان نيشابور, لكنه ترك آلسلطة و آلرئاسة و ولاية العهد طوعاً, في حادثة له معروفه أثناء خروجه للصيد, حيث سمع هاتفاً يقول له: "و آلله ما لهذا خُلقتَ يا إبراهيم .. و لا بهذا أُمرت"! فنزل عن دابتهِ, و صادف راعياً لأبيه, فأخذ جُبتهُ و لبسها, و أعطاهُ ثيابهُ و قماشه و فرسهُ و ترك طريقتهُ في آلملك و آلتزيّن للدنيا .. ليقضى بقية عمره باحثاً عن ذلك آلسر آلكبير في هذا الوجود بين مكة و آلشام و آلعراق, و كان لهُ ما أراد .. حين إلتقاهُ بعد مُضيّ آلأزمان أحدَ رعايا والدهُ ألسلطان أدهم, فعرفه في آلحال, قائلاً له: " يا مولاي آلمُعظم إبراهيم بن أدهم؛ لِمَ فعلتَ هذا بنفسك؟ لمَ تركتَ كرسي آلعرش و آلسلطان؟ و بينما كان إبراهيم يُخيط ثوبهُ سقط من يدهِ ألأبرة في آلماء, فنادى أسماك آلبحر .. أنْ إجلبوا إبرتي! فخرجتْ أسماك آلبحر و في فم كل واحدةٍ منها أبرة ذهبية, لكن إبراهيم زجرها بآلقول: "أنا ما أردتُ سوى إبرتي, و لا شغل لي بتلك الأبر آلذهبية, و في آلأثناء نظر إبراهيم آلأدهم لذلك آلراعي و قالَ لهُ؛ "أيكفي هذا جواباً على سؤآلك, أم تُريد آلمزيد من آلتوضيح"؟ و هذه آلقصة تشبه إلى حدٍّ بعيد قصّة نبي آلله ألخضر عليه و على نبينا محمد أفضل الصلاة و السلام!

و لعلّ هناك مَنْ يُحيط بنا و قد شارف نيل تلك آلدرجة لكنه يُخفيها لتقواه, أو آلخوف من آلرّياء و آلعُجبْ, و آلله أعلم بعباده!؟



#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبلنا بين الدين و الديمقراطية(7)


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الخزرجي - اسفار في اسرار الوجود ج3 - ح5