أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - دنيا الأمل إسماعيل - الحاجة أم عصام: لا نبكي المنازل، ولكن نبكي العمر الذي قضيناه فيها















المزيد.....

الحاجة أم عصام: لا نبكي المنازل، ولكن نبكي العمر الذي قضيناه فيها


دنيا الأمل إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 997 - 2004 / 10 / 25 - 08:30
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


في منزلها المؤقت، الذي استأجرته بديلاً عن منزلها، الذي قضت فيه جل عمرها، وأنجبت فيه الأبناء، واستقبلت فيه صرخات الأحفاد الأولى، هذا المنزل الذي حوّلته آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية إلى كومة تراب، لا توحي بحياة سابقة، سيظل الخروج منه تحت إثم إطلاق النار والقذائف، محفوراً في ذاكرة أم عصام. حكت لي قصة منزلها، المكررة مع قصص مئات المنازل الفلسطينية بتفاصيل وذكريات مختلفة، ومعاناة واحدة.
هنا بعيداً قليلاً عن مخيم جباليا، وتحديداً في منطقة جباليا البلد، حيث استقر المقام بأم عصام وزوجها وأبنائهما. تنسج أم عصام حياة جديدة مليئة بالصبر والحزن المشروع على أيام العمر والذكريات وحميمية الأشياء والأدوات والأمسيات، بعد أن اغتال العدو سنوات العمر في لحظة، لم تتمكن خلالها من أن تجمع في حنايا القلب واليدين ما يمكن أن يشكل لها معيناً على أيام سوداء ستأتي.
حين ارتعشت كلمات الصبر في لساني مواساة لها، كان حمدها الله، بصوت هاديء، يكاد يبين يأسر ضعفي، وحين قالت أننا مثل غيرنا لا نزيد ولا ننقص، زاد تقديري لها.
سألتها بداية: هل توقعت أن يهدم منزلك، فأجابت بلا، وأضافت: اعتقدت أن الأمر لن يتجاوز تجريف البيارات المحيطة، لكن الاحتلال هكذا دائماً يأتي بعكس أمانينا وتوقعاتنا.
الحاجة نظمية أبو عون(66 عاماً)، أم عصام، واحدة من سيدات فلسطين العظيمات، اللواتي يقاومن بصمت وصبر وعزيمة وإصرار على مواصلة الحياة بمرّها وحلوها، على قليل هذا الحلو للفلسطيني، أم لعدد من الأبناء أحدهم معتقل منذ عام في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وجدة لعدد من الأحفاد تحلم لهم بزمن فلسطيني أقل حزناً وأكثر أمناً... قبل رمضان العام الماضي بعشرة أيام اعتقل الجيش الإسرائيلي ابنها حمودة، عند حاجز أبو هولي جنوب قطاع غزة، وهذا العام وقبل رمضان بعشرة أيام أيضاً، هدم جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلها، وفوق ذلك، هي شاهدة على حروب العام 48، والعام 56، والعام 67، وانتفاضة 89، وانتفاضة الأقصى الحالية، ولها في رصيد الزمن والأحزان ما يفيض عن طاقة العمر الآتي.
شهدت أم سعيد قيامة الأيام الأولى من الاجتياح، تلك الحشود العاتية بحقدها وعتادها الغاشم، وهي تجوس خراباً في المزارع والبيوت والشوارع، وتحصد الأرواح كأنما تتلهى بلعبة في مهرجان دموي... تقول: الدبابات كانت تحيط بمنزلنا من جميع الجهات تقريباً، تطلق قذائفها بشكل عشوائي، على كل شيء، متحركاً وساكناً، والجرافات تمارس سطوتها في اغتصاب المنازل على مشهد من أحزان وآلام أصحابها وأحياناً وهم نائمين أو متواجدين في بيوتهم التي فقدت أمانها من زمن.

أول الألم
كنت في المنزل أنا و زوجي وبناتي الثلاثة واثنان من أبنائي الشباب.. مع بداية الاجتياح كنا نمارس حياتنا بشكل عادي، مع تخوف من توسيع العدوان، لكننا لم نكن نملك سوى التسليم بقضاء الله ونحن عزّل إلاّ من إيماننا، غير أنّ تزايد إطلاق النيران والقذائف بشكل مكثف، و عشوائي جعل منزلنا في مرمى النيران، فاضطررت أنا والبنات الثلاثة أن نختار المكان الأكثر أمناً في المنزل، وكان الحمّام، فهو المكان الوحيد الذي كان بعيداً نسبياً عن عين الدبابات، بينما الشباب ظلوا يتحركون حول المنزل والنار فوق رؤوسهم... في النهار كان الوضع أخف حدّة، ولكن الليل كان غولاً يفتح فمه ليلتهم البشر والحجر والأمن والسلام.
كان يوم 29/9، يوماً لتجريف الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، محاطاً بحماية من الطائرات وإطلاق القذائف من الدبابات، وفي اليوم التالي مباشرة، ومع ساعات الفجر الأولى بدأوا في هدم المنازل، بلا سابق إنذار، أو تحذير. منزلنا لم يكن قد هٌدم بعد، لكن الأمور بدأت تتصاعد والمكان كله تحوّل إلى قطعة من جهنم، ولا أحد يعرف شيئاً عن أحد، الكل مشغول بخرابه الخاص وموته الوحيد، نجحت الطائرات والدبابات والجرافات في عزلنا بعضنا عن بعض، ولم نكن نعرف ماذا حدث للآخرين سوى من الإذاعات المحلية أو ممن يغامر من الشباب بالخروج أو من خلال رجال المقاومة.

مصير واحد
عند الساعة الثامنة من صباح اليوم نفسه، طلب منا رجال المقاومة الخروج من المنزل، لخطورة الوضع واقتراب الدبابات بشكل كبير، وحتى يتمكنوا من العمل بشكل لا يخافون فيه على إصابة أحد من الفلسطينيين. ابنتي أماني رفضت الخروج، وصممت على البقاء في المنزل حتى لو هدموه فوق رأسها، وظلت تقول: (يا بنموت مع البيت، يا بنحيا مع البيت..)، وأخذنا وقتاً طويلاً ونحن نقنعها بالخروج المؤقت، حتى يتمكن رجال المقاومة من الحركة بحرية، فقد كان المنزل محاطاً بالألغام...، ولكنها أيضاً رفضت، فأخرجناها رغماً، المهم أننا خرجنا كما نحن، لم نأخذ معنا شيئاً بالمطلق، وتسللنا من الجهة الغربية للمنزل إذ كانت خالية من الألغام، والقذائف تتطاير فوق رؤوسنا، وظللنا نتصّيد خطواتنا حتى وصلنا إلى طريق أخف تعرضاً لإطلاق النيران والقذائف، ومن ثم ذهبنا إلى بيت ابنتي القريب في شارع المدارس حيث قضينا الليلة عندها، وفي صباح اليوم التالي انتقلنا إلى بيت ابني، حتى استطعنا إيجاد منزل للإقامة فيه مؤقتاً. أما ابناي فقد ظلا في المنزل بعدنا.

وقاحة الاحتلال
وهنا يتدخل غسان أحد أبناء أم عصام الذي كان متواجداً في المنزل أثناء الاجتياح وآخر من خرج من المنزل قبل هدمه، قائلاً: ظللت أنا وأخي بعد خروج أمي وأخواتي الثلاثة حتى سمعنا صوت أحد الجنود الإسرائيليين بشكل خافت، بالكاد استطعنا سماعه، وآخرون كثيرون لم يسمعوه، يقول:" وين زعران جباليا... نحن جيش الدفاع، وين قبضايات جباليا"، فيما رأيت الجندي الآخر، يوزع منشورات حول الدبابة التي كانت تقترب... كنت أنا وأخي نزحف على بطننا حتى نتحاشى الرصاص الثقيل الذي كان مكثفاً بشكل لا يسمح بالنجاة من الموت، حتى استطعنا الخروج، وفي الليل بدأوا باغتصاب البيت، والبيوت المجاورة له.
تكمل أم عصام حديث ابنها غسان: هنا اضطرت الناس إلى ترك البيوت بعد أن دخلت الجرافات إلى غرف النوم والحمّامات، حتى أن جيراننا من منزل السحّار، ظلت تزعق أمهم :" أسّتر بناتي يارب" فقد كانت ابنتها داخل الحمّام تغتسل، ولم يبق في المنطقة سوى رجال المقاومة وبعض الأسر في الصف التالي للمنازل التي تم هدمها، بينما لم يتوقف إطلاق النار والقذائف لحظة واحدة، والطائرات تملاْ السماء والأرض رعباً

نكبات تتجدد
علمنا بهدم المنزل من الناس ومن الأخبار، حين تلقيت الخبر احترق قلبي، وتذكرت خروجنا في العام 1948، من قريتنا يبنى، التفاصيل نفسها والخراب والدمار والموت هو... هو، وهنا بكت أم سعيداً بكاءً هادئاً وحزيناً كحزن أيامها وأيام هذا الوطن المنكوب دوماً...
طوال عمرنا ملاحقون، ومطاردون ومهددون، أيام فرحنا قليلة وحزننا هو الأكثر، وفي كل مرة نخرج بجملة الحمد لله، حمداً على المكاره التي طالت فصارت قانوناً وعلى موت الأبناء والأخوة والجيران... بعد الهدم ذهبت مرة واحدة فقط، لرؤية ما حدث، لم أجد أثراً للبيت، وكأن حياة لم تكن هنا، أين أثاثنا، وأغراضنا وملابسنا وأغطيتنا، أين وأين وأين.... لاشيء يوجد سوى التراب معجوناً بهمنا وحزننا ووجعنا وبقايا أعمار ولت من عمري وعمر زوجي وأبنائي وبناتي، لا شيء يصلح للاستعمال، الجرافات والدبابات" العظيمة" هرست كل شيء لتصنع سراباً فاقعاً كوحدتنا بين العرب العالم.

مونولوج
يالله أين تلك الوسادات التي خبأت بكائي على ابني الأسير، وأين تلك الشالات (الإيشاربات) التي دارت عين الفراق وهي تودع الأبناء إلى سفر، أين صور أفراح البنات ومناسبات أعياد ميلاد الأحفاد، أين الأثواب التي طرزناها من نور العين، أين ألعاب الصغار... ولجن العجين وخوابي الزيت، أين العمر الشاق، دفنوه في التراب ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
لو تعرف البيوت أي مصير تنتظر في فلسطين لاكتفت بالخيمة وطنا ولو يعرف السلام أي قاتل يتربص به لاكتفى بالأحلام.



#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال بيت... اغتيال أسرة
- السكن الجماعي وأوضاع النساء في قطاع غزة
- صمت المقهورات / صوت
- التغطية الإعلامية لدور المرأة في الانتفاضة
- الأسيرات الفلسطينيات
- الإصلاح... الإصلاح... فليحيا الإصلاح
- الشباب الفلسطيني والقيم والثقافة
- فتحية التي هدموا منزلها للمرة الثالثة:
- سعاد وجيش الاحتلال
- هامشية المرأة/هامشية الصحافة
- المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الشكل والمضمون
- أثر العنف ضد المرأة على الحق في الصحة الإنجابية
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية


المزيد.....




- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - دنيا الأمل إسماعيل - الحاجة أم عصام: لا نبكي المنازل، ولكن نبكي العمر الذي قضيناه فيها