أكرم سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3340 - 2011 / 4 / 18 - 21:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنالك إجماع تاريخي من قبل احزاب اليمين والوسط واليسار على أهمية السلطة وأدواتها الحاكمة في الاصلاح والتطوير او التغيير الثوري ، إذ ان افكار اليمين المحافظ تتركز في استخدام السلطة لاغراض محدّدة في حماية الأمن والعدالة والدفاع عن الحدود ، لكنها تطورت سيّما بعد الحرب العالمية الثانية الى ما اطلق عليه بدولة الرفاهية التي تتحمل خلاله السلطة بعض المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية لئلا يسحب البساط من تحت أرجلها من قبل النقابات والمد العمالي والشعبي .. فيما توجهت ايديولوجيات اليسار في سعيها المحموم للسلطة بكونها المفتاح الرئيس لعملية التحويل الجذري او الراديكالي لمقاليد الحكم والثروة وعلاقات الانتاج الى يد المحرومين والكادحين منهم بشكل خاص .
ومهما يكن من أمر فان السلطة إزاء اي كان ، لها مفاتنها ومغرياتها ومباهجها وشروطها الظاهرة المعلنة والخفيّة العصيّة على فهمنا نحن البسطاء !! .. بالرغم من عدم ديمومتها لحاكم بعينه او حزب معين او جماعة خاصة مهما كانت او كان يتحلى ويتمتع بصفات او خصائص او جبروت او طغيان ، إذ " لو دامت لغيرك لما وصلت اليك " .. وأمثلة التاريخ في ذلك لا تعد ، فأين الملوك والاباطرة والزعماء ، و اين الامبراطوريات الغابرة وأين النازية الالمانية والفاشية الايطالية واين العصملّي و الاتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية القطب العالمي العملاق بكل جهجهونه وترسانته التي لاتغيب عنها الشمس؟؟ .. بل اين الشاه والسادات وشاوشيسكو وصدام حسين ؟؟ ومبارك وزين العابدين بن علي وأين وأين ؟؟ .. فالسلطة كرسي ما ان يجلس عليه احدهم ويؤدي دوره المرسوم او في الواقع دورته التي تدور عقارب ساعتها فتكتمل بلا تقصير او تأجيل حتى تأزف اجراسها المنذرة عاليا و التي لاتحيد ولا تميد بالرحيل وجلوس امبراطور آخر او قيصر من سلالة قياصرة او ملك وريث شجرة ملكية تجري في عروقه الدماء الزرقاء او فرعون من الفراعين او زعيم من الزعماء او .. وهكذا دواليك لاتتوقف العجلة عن الدوران منذ الابد الى الابد .. و من يدري لربما تتحقق نبوءة مجتمع الكفاية بعد " قرون " فتقبر السلطة البوليسية مشيّعة باللعنات وتوضع جثتها في متحف التاريخ الطبيعي الى جانب المتحجرات الديناصورية المنقرضة!!
المفكر المغدور في بداية تسعينات القرن الماضي عزيز السيد جاسم من قبل السلطة الحاكمة آنذاك ، كان يؤكد ان ما يقرر معنى سلطة الحاكم وقيمتها هو النتائج الواقعية الموضوعية التي يسطرها سجل التاريخ ولا يهم جنوح بعض المؤرخين والكتّاب الى تفصيل الخصائص الشخصية للحاكم وإبراز وتفخيم الاقوال والاعمال الصغيرة كمآثر مجيدة على انها انجازات للحاكم .. وأكد في كتابه الرائع " علي بن ابي طالب سلطة الحق " ان سلطة علي بن ابي طالب تعتبر إنموذجا للسلطة المتميّزة في اطار التقويم التاريخي وكأنها " سلطة اللاسلطة " من خلال عدم اقراره بالمركزية المتعجرفة الارستقراطية للسلطة " اية سلطة ".. مع ان المركزية والارستقراطية هما قوام السلطة تاريخيا فقد كان يسعى لتكوين سلطة متحررة من ادواتها التراتبية " اي الهرمية البيروقراطية في مفهومنا المعاصر " والتي تبنى على ادوات القمع والاستعلاء .
وهنا يسوق لنا هذا المفكر المغدور الخالد الذكر مزاوجة خصبة ورؤية رومانسية أخّاذة ليوتوبيا "المدينة الفاضلة " التي صوّرها دعاة الاشتراكية وفلاسفة الشغيلة والفقراء .. وذلك يعكس قناعاته التي لم تكن تتزحزح في رفض القمع والعسف السلطوي بكل اشكاله وفنونه وتعاليه وعزلته في اي زمان وكل مكان .. ذلك القمع الذي لم تتمكن ماكنته الساحقة مطلقا من احتوائه و اسكات كلماته الصادقة و صوته الحر المجلجل ومن طمس فكره الساطع المنير .. ولم ولن تتمكن من اسكات اصوات وافكار المثقف المبدئي وضميره الحي الذي يأبى الضيم والخنوع للظلم ، وإن كانت جولة الظلم البشعة قد غيّبت جسد عزيز السيد جاسم الذي استذكره مثقفو العراق وادباؤه يوم الخميس الماضي 14 من نيسان الجاري ببغداد في الذكرى العشرين لاستشهاده .. فإن قامته الشامخة و كلماته المضيئة السامية باقية خالدة في العقول والصدور تتناقلها الاجيال الحرة من جيل الى جيل .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟