أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - طارق علي الصالح - العلاقة بين الاخلاق والجريمة















المزيد.....

العلاقة بين الاخلاق والجريمة


طارق علي الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3340 - 2011 / 4 / 18 - 17:11
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


أية محاولة للتعرف على مفهوم الجريمة ومدى علاقتها بالاخلاق يستوجب البحث والتوغل في طبيعتها وتعريفها. وتعريف مفهوم الجريمة يختلف تبعا لوجهات النظر المختلفة التي تعتمد هذا المفهوم. فعلى سبيل المثال، ان مفهوم الجريمة لدى علماء القانون هو غيره لدى فقهاء الاجتماع، ويختلف كذلك مع المفهوم المعتمد من قبل علماء النفس.
ان المشكلة الرئيسية التي تواجه دقة اي تعريف للجريمة من الناحية القانونية وكما سنرى، هو مدى احتواء التعريف لجميع عناصر الجريمة التي من شأنها ان تصف الفعل او الأمتناع عن الفعل بالدقة اللأزمة لمفهوم الجريمة. وبعبارة اخرى فان تعريف الجريمة يقتضي ان يكون جامع ومانع من اي لبس في اعتبار اي فعل او امتناع عن فعل يكون جريمة يحرمها القانون الجنائي.
ورغم اهمية تعريف الجريمة، لكونها تحتل حيز مهم للغاية في مجال القانون والسياسة والأجتماع والأخلاق وعلم النفس والصحة العقلية، الا انها تشكل صعوبة بالغة امام المختصين.
ولكي نوضح المفهوم القانوني للجريمة، الذي هو مدار اهتمامنا، لابد من تشخيص الفروقات الجوهرية بين الافعال التي تعد من الجرائم ويعاقب عليه القانون الجنائي، وغيرها من الأفعال التي تترتب عليها مسؤولية مدنية، وبالتالي تقع تحت طائلة القانون المدني.
لا توجد فروقات واضحة بين الأفعال الجنائية والمدنية في القوانين القديمة. وبالرغم من ان بعض فقهاء وخبراء القانون مازالوا يرون عدم وجود فرق جوهري بين الأفعال الجنائية والمدنية، باعتبار ان كليهما يؤدي الى نفس النتيجة وهي ايذاء الافراد، الا انه يمكن تشخيص فروقات واضحة بينهما.
لا يقتصر ايذاء الجريمة لفرد معين او الحقوق الشخصية للأفراد، كما هو حال الفعل المدني، بل تتخطى ذلك الى ايذاء المجتمع. فالجريمة تهديد خطير للأمن الأجتماعي بحكم ما تحققه من ايذاء مباشر للمجتمع، ولا يمكن تحقيق الأمن والطمأنينة للمجتمع بمجرد فرض التعويض للضحايا دون فرض العقوبات الجزائية على مرتكبيها.
واستنادا لذلك، فان الجريمة تستلزم اجراءات تحقيق ومحاكمة ونتائج عن تلك المحاكمة تختلف متطلباتها عن الأفعال المدنية، التي تقتضي التعويض فقط. ويمكن القول، بان الجريمة هي فعل جنائي محرم قانونا، لما يسببه من ايذاء خطير ومباشر للمجتمع، يستحق مرتكبها العقوبة المناسبة، نتيجة لمحاكمة جنائية عادلة، وقد تستوجب التعويض عن الاضرار الناتجة عن تلك الجريمة.

لقد اختلف فقهاء القانون في تحديد مدى اعتبار الجريمة فعل لا أخلاقي. هناك من اعتبر الجريمة فعل لاأخلاقي ومؤذي للمجتمع بشكل مطلق كالفقيه Fitzgerald. وهناك من فرق بين الجرائم اللاأخلاقية وتلك التي حرمها القانون والتي لا علاقة لها بالاخلاق. فجرائم المرور مثلا لايمكن اعتبارها افعال لاأخلاقية كجرائم القتل والاغتصاب والسرقة والاحتيال.
وهناك العديد من الافعال التي تعتبر لاأخلاقية في نظر المجتمع كالكذب والزنا، ولكن الكثير من القوانين الوضعية لا تعتبرها جرائم يعاقب عليها القانون. وبعبارة اخرى فان اعتبار اي فعل او امتناع عن فعل جريمة، لا يعتمد بالضرورة على درجة خرقه لقواعد الاخلاق، وهناك العديد من الافعال اعتبرت جرائم من قبل البرلمانات بعد تشريعها، من دون ان تكون افعال لاأخلاقية او انحرافات سلوكية.
ولكن لابد من التأكيد بان هناك افعال او امتناعات لاأخلاقية عرفتها المجتمعات الانسانية منذ نشوئها، والتي أكدتها الشرائع السماوية، وهي افعال لايمكن تجاهلها من قبل اي قانون وضعي، لان في تجاهلها ضرر جسيم بامن وسلامة المجتمعات، مما يدفع افراد المجتمع اللجوء الى الوسائل الخاصة او الوقاية الذاتية من تلك الافعال، وبالتالي فان المجتمع سيتحول الى شريعة غاب، كالقتل والسرقة.
يقتضي من القانون الجنائي حماية المجتمع من ارتكاب الكثير من الافعال اللاأخلاقية التي عرفتها المجتمعات منذ نشوئها. وان التطور الهائل لنشاطات المجتمع في جميع شؤون الحياة، تتطلب من القانون حماية المجتمع من الاستغلال والفساد ووضع الضوابط لتنظيم الشؤون الحياتية لضمان السلامة والامان والحقوق التي قد تستغل بشتى الطرق.
لقد اوضحت الجهة القضائية العليا في بريطانيا House of Lords في القضية Knuller Ltd V. D.P.P. in 1973 بانها مع التوجه الذي يرى بان القانون الجنائي لايمكن ان يفرض او يجعل من القواعد الاخلاقية جزءا منه، لاسيما وان قواعد الاخلاق نسبية بين المجتمعات والافراد، مما يتناقض اقرارها، مع مبدأ قانونية الجريمة (لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون)، وبالتالي لا يوجد اجماع دولي او محلي على قبول قواعد موحدة للاخلاق.
وهذا لايعني بان القانون الجنائي لم يحرم بعض الافعال التي تتمتع باجماع على عدم اخلاقيتها كما هو شأن جرائم القتل والسرقة والاغتصاب وغيرها والتي تدعى Mala in se اي انها شر بحد ذاتها (لاأخلاقية).
وان الفرق واضح بين هذه الجرائم، وتلك التي حرمت بموجب القانون الجنائي، لغرض وضع قواعد جزائية لبعض الافعال، التي يفرضها التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي، وغيرها كقوانين المرور والضرائب والانترنيت...الخ. وتدعى مثل هذه الافعال Mala prohibita، وهي افعال، قد تعتبر في نظر المجتمع لا علاقة لها بالاخلاق.
وذهب بعض الفقهاء الى تقسيم الجرائم الى "جرائم حقيقة" المتفق عليها في جميع القوانيين الجنائية في العالم، بما في ذلك القانون الجنائي الدولي، وهي التي تدخل بنفس التصنيف اللاأخلاقي المشار اليه اعلاه، وجرائم اخرى تتعلق بالراحة والسلامة وحماية الحقوق العامة للمواطنيين، وهي تدخل في القواعد الجزائية التي يفرضها التطور وحركة المجتمع كما اشرنا.
ويرى البعض الاخر، ان التقسيم غير علمي ولا ينسجم مع الواقع، ويعود الى نظرية القانون الطبيعي، الذي يصنف بعض الجرائم كونها مخالفة لقواعد القانون الطبيعي. ويؤكد الفقيه Hume بان القانون الجنائي هو وليد ظروف مكانية وزمانية معينة، وتتغير قواعده تبعا لتلك الظروف.
وتبعا لذلك فان الجرائم لا يمكن اعتبارها دائما وفي كل مكان بانها لاأخلالاقية، فهي تختلف من دولة الى اخرى ومن وقت لآخر. فمثلا بعض جرائم القتل واللواط والقذف والتشهير والمتاجرة بالرقيق والزنا لاتعتبر منافية لقواعد الاخلاق في بعض الدول.
من الواضح ان هذا الوصف لا ينطبق على جميع الجرائم بشكل مطلق، اي لابد من تصنيف بعض الجرائم كونها لاأخلاقية باتفاق جميع المجتمعات في العالم، فجريمة القتل خير مثال للجريمة اللاأخلاقية، ولكنها اذا ما اقترنت بظروف معينة، قد تغير من وصفها اللاأخلاقي الى فعل غير مستنكر اجتماعيا في بعض الدول على الاقل. فمثلا ان جريمة القتل غسلا للعار في بعض البلدان العربية والاسلامية لا تعتبر فعلا لاأخلاقيا، كما هو حال القتل مع سبق الاصرار لاسباب الاخذ بالثأر او الانتقام.

وكنتيجة لما تقدم، يمكننا القول، بان هناك افعال اذا كانت مباحة في اي مجتمع من المجتمعات، فان ذلك المجتمع يتحول الى شريعة غاب، يفتقد لابسط مقومات المجتمعات المنظمة الآمنه والمستقرة، حيث يكون الافراد في حالة اضطرار لحماية انفسهم، واموالهم واعراضهم وحقوقهم الاخرى بطرقهم الخاصة، مما يؤدي ذلك الى حالة الفوضى، كما في حالات الاحتلال وانهيار الدولة وتعطيل القوانين، مثل ما حصل في العراق.
هذه الجرائم المستنكرة والممقوتة بسبب بشاعتها واضرارها الفادحة، هي التي يمكن وصفها بالجرائم اللاأخلاقية، وهي التي دفعت الافراد والمجتمعات الى ايجاد صيغة "العقد الاجتماعي" واستحداث الدولة بمفهومها الحديث، والتنازل عن بعض حقوقهم، لقاء ضمان حمايتهم من تلك الجرائم.



#طارق_علي_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساسة العراق
- نزعة الانتقام في اعدام صدام
- متطلبات دولة القانون
- قانون ارهاب الشعب العراقي..!؟ رقم 13 لسنة 2005
- نزعة الأنتقام في عقوبة الأعدام
- حول عقوبة الاعدام


المزيد.....




- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون
- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - طارق علي الصالح - العلاقة بين الاخلاق والجريمة