أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاة زعيتر - قطعة الموسلين الخضراء














المزيد.....

قطعة الموسلين الخضراء


نجاة زعيتر

الحوار المتمدن-العدد: 3331 - 2011 / 4 / 9 - 23:29
المحور: الادب والفن
    


يتكاثر الفراغ على مقربة مني،يحاول إختراقي أشعر به ذاتا مسيجة صمتا و خضوعا،يغافلني و يتخذ أشكالا مختلفة،كثيرة،بعضها يشبهني،بعضها يشبهك،بعضها الآخر يشبه أمي و الكثير منها يشبه وجوها لم أستطع تحديد ملامحها

لماذا أشعر الليلة أنني قابلة للإختراق حتى أن هذا الفراغ الهش بإمكانه الإستيلاء عليه؟

يصر على حصاري،يرفعني إلى أعلى،يجعلني أطير معه إلى حيث لا أعلم،يتسلل إلى داخلي،يقفز فيه،يعبث بمبانيه،يهدم و يشيد،يتحد،يصير فراغا ضخما يحتويني،ماذا حدث؟

لا شيئ،لقد تمنيت منذ لحظات أن لا يقول شيئا،كلمة واحدة و تنهار الأبنية،تتداعى الجبال و قد تنبت أشواك على صدري.ماذا أيضا؟

ماذا لو تتخلى السماء عن قطعة من الأرض فتسحب عنها غطاءها.

ترى كيف هي الأرض العارية من سمائها؟

و دون أن أخطط لأية جملة أو موضوع،قلت الكثير،تلفظت برقيق الكلام و تافهه،كيف أوقف هذياني؟

لم أعرف ،و لم يطلب هو مني ذلك و لا قطعة الموسلين الخضراء أوحت لي بما أفعل.إنتصب صمته وقحا كالموت،و أنا ألاحق جملا استهلكتها فتهرب مني ضجرا.

أحاول أن أختبئ،أنشغل بمسح غبار إحدى الطاولات،أعيد ترتيب كتبي،أتلهى بغسل جواربه،أمسك بها طويلا أدعكها بالصابون،أعيد العملية مرات و مرات،أحاول أن أقيم معها حديثا مشتركا ،صامتة هي و طيعة،تشبهني في بعض حالاتي،تستجيب للمسات أصابعي،لكنها تملأني خوفا كأن إلتصاقها الدائم بقدميه ملأها ثقة وغرورا.

أرمي بها في الحوض و أعود إليه متربصا بشفتي كمن ينتظر حكما.

ضيق،ضيق،أفتح النافذة،أتذكر أنه لا يحب النوافذ المشرعة،لكنه الآن لا يحتج.

لماذا لا يقول شيئا؟

تذكرت أنني تمنيت منذ لحظات أن لا ينطق أبدا،و أنه لو يفعل قد تختل كل الموازين.

حاولت اللجوء مرة أخرى إلى حوض الماء،إنعكست فيه ملامح وجهي صامتة.شيئ ما أمسك بي من ياقة ثوبي،جمع قبضته حول عنقي،حاولت التخلص،راح يهزني بعنف،رمى بي ،دحرجني،صرت فتاتا متباعد الحدود،مد يده مرة أخرى محاولا إعادة بنائي من جديد،كنت أتفرج عليه،شكل بناءا جميلا ،طبع قبلة على جبيني ثم حرر عنقي،و إستمر يربت على كتفي واثقا كأنه أنهى مهمة صعبة.

خفت أن يعو ليمسك مرة أخرى بعنقي،إبتعدت،كان يبتسم كأنه لم يكن منذ قليل قاسي اليد متحجر القلب،صامت الملامح،فجأة تلاشى،جريت لألحق به،كنت واثقة أنني قادرة على صفعه أو ربما قتله.لكنه عاد فراغا هشا كما بدأ،عجزت أصابعي عن القبض عليه،عدت إلى البناء المهشم،كان لا يزال معلقا من أعلى عنقه إلى حيث لا أدري،أردت أن أن أرى هذه اليد المتحركة بثبات ماكر،الممسكة بطرف الحبل،لكنني تعثرت.يقولون أن النهر كثيرا ما يعود ليشرب من نبعه يتعرى من أحجاره،يبكي متاعب الدرب و خيانة الأصحاب،ثم يعود يجمع مياهه،يحضن أحجاره،ليواصل الرحلة قويا،قاسيا و ممتدا،أرفع رأسي فأرى الحبل يتأرجح،كأن أطراف أصابع تمسك به أو هكذا خيل لي...المتحرك عنيف،يحوم حولي بثقة،يغمرني،يجمع شعري في قبضته،ثابتة في مكاني أعي جيدا منتهاه،أترصد حركاته،أنتظرها،و قد أسببها ثم أعود أبررها و قد أقاومها و أبكي قدومها في غير أوانها.لكن لماذا أشعر اليوم أنني لا أجرؤ على إقتحام صمته وحدي؟

أمشي ببطئ،أتعامل مع الأبواب بكثير من الحذر،أتفرج على الصور المتلفزة و أتسلى بقراءة ما لا تقوله الشفاه

إمتدت يدي إلى قطعة الموسلين الخضراء تعبث بها،كثيرا ما كنت أواجه الصمت بتعمد إصدار أصوات و جلبة،لكنني اليوم لا أجرؤ،بدا لي خانقا و مهيبا،كأنه جدار يهيئ صلبي عليه،بالغت في إتقائه،عاد الحبل يتدلى،،قطعة الموسلين الخضراء تضيق على صدري،بينما جواربه في الحوض شبه راضية تضحك من ثباتي و صبري.

إبتسمت و أنا أتذكر هفواته الصغيرة،إبتسامته الماكرة،أرميها بقطعة الصابون،تتشكل حولها دوائر و فراغات،تولد كثيرة الأحجام مختلفة الأشكال،لكنها لا تخترقها.ليتها تتحد في شكل أضخم فتطيرها و تريحني منها،كان يعرف أن قلبي الضعيف لا يحتمل إعطاء الحياة لروح أخرى ،لكنه أصر أن لا مكان للآخر في حياتنا العامرة.فلماذا يعاقبني و يترك الحبل؟!قطعة الموسلين الخضراء تترصدني،تتعقب غنج خطواتي،بعنف أزيحها و أحرر ما تحتها،لكنها ما زالت ترقبني أتخيل نظرتها الخضراء تتربص بصدري،لم أنم ربما هي عين الشر و الحسد،كما كانت ستجزم جارتي العجوز "عايشة":غريمتك قريبة و بعيدة،تمكنت من أحد أثوابك،مزقته و دفنته في أرض لم تطأها قدم.هو يحبك و هي تحبه.تغلبك بالسحر و الأولاد، تغلبينها بالحب و....و ماذا ؟!

الحبل يتدلى،قطعة الموسلين الخضراء تطيرها نسائم الليل و أقدامي المتسرعة.

لماذا لا يقول شيئا؟

لماذا يختبئ من الحبل و يخشى قطعة الموسلين الخضراء؟

رفعت رأسي أبحث عنه ،و عندما حاولت الإمساك به،إبتعد ،تراقص،إحتضن قطعة الموسلين الخضراء و إشتعلا فتيل نار....خفت منه،هربت إلى الخلف ثم إلى الأمام ثم لا أدري ربما تطايرت قطعا متفرقة .







#نجاة_زعيتر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الجواب
- رحلة إنسانية
- المفقود


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاة زعيتر - قطعة الموسلين الخضراء