|
أخلاق إسلامية بلا إسلام
صالح حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2 - 09:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" عشرة أشياء نتعلمها من اليابانيين في محنتهم " وصلني هذا الايميل من ضمن ما يصلني من الايميلات يوميا من الأصدقاء و قد قمت بدوري بتقديمه لأصدقائي الآخرين، وهو يتحدث عن مجموعة من القيم الإنسانية والحضارية التي يتحلى بها اليابانيون و تحلوا بها أيام أزمتهم الحالية مثل الاحترام والهدوء و النظام و الرحمة والتضحية والرفق و غيرها ولكن بعد أيام وصلني نفس الايميل من صديق لي ولكن مع عبارة تصدرته أضيفت له لغاية واضحة و العبارة تقول : " أخلاق إسلامية بلا إسلام " ترى لماذا عندما نكتشف تصرفات وأخلاق سامية عند أمة من الأمم يجب أن نقول هذه أخلاق إسلامية و هذه أخلاق الإسلام يتعامل بها الشعب الفلاني ؟ و كأن الأفكار والأخلاق السامية والعظيمة هي حكر على دين الإسلام وكانت المجتمعات السابقة و الأديان عبارة عن مجتمعات دعارة ولواط و قتل و استعباد و سرقة و طغيان فقط ولم تكن هناك مثل و أخلاق على الإطلاق. ولا أعرف لماذا يعتبر المسلمون بان هذه المفردات الأخلاقية و التهذيبية هي دينية فحسب بل و إسلامية حصرا. صحيح أن الدين الإسلامي ينادي بها ويحث المسلمين عليها ولكن الذي يثير التساؤل هنا هو لماذا يتعجب المسلمون من الأخلاق السامية لبقية الشعوب ويستكثرونها عليهم ؟ سواء كانوا من اليابانيين البوذيين أو الصينيين أو الهندوس او الأوربيين الصليبيين كما يحلوا للبعض أن يسميهم. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، هل الأديان هي التي علمت الجنس البشري القيم و الفضيلة والمثل العليا ؟ منذ فجر التأريخ وقبل أن يظهر الإيمان بزيوس و جوبتير و مردوخ و اللات و العزى وهبل و غيرهم كآلهة ثم ظهور ديانات التوحيد و الإيمان بالله ، فهل كان الجنس البشري مجرد قطعان من الحيوانات الهائمة على وجهها تأكل بعضها بعضا و يغدر أحدها بالآخر؟ ولم يكن هناك وجود لأشياء مثل الرحمة و المسامحة و العطف و الصدق و التضحية و فعل الخير و الفضيلة حتى ظهرت الأديان فعلمتهم كل ذلك إضافة إلى الصفات الإنسانية الغريزية مثل الحب و الوفاء و الشجاعة و رفض العبودية؟ أنا لا أنفي هنا فضل الديانات و دورها في تهذيب المجتمعات و بلورة الفكر الإنساني و توجيهه توجيها بناء من خلال رسم حدود واضحة للفكر الإنساني تفصل ما بين الخير والشر و الصالح و الطالح في وقت كان التعليم والتعلم شيآن بدائيان مازالا يحبوان ولكنهما أصل الحضارة في الحقيقة ولكن الديانات قننتهما وقادتهما فيما بعد ، نعم كان للأديان تأثيرا كبيرا في نشأة المجتمع وبلورة قوانينه الاجتماعية و النفسية بغض النظر عن نوع ذلك التأثير إيجابيا كان أم سلبيا. فاذا كانت الأديان هي التي تعلم الأخلاق و الفضيلة فهل هذا يعني أن تعاليم الإسلام كانت أضعف في جعل المسلمين يلتزمون بتعاليمهم مما كانت عليه تعاليم اليهودية و المسيحية والبوذية و الكونفوشيوسية ؟ ففي الوقت الذي يندب المسلمون حظهم لأنه لم يبق من المثل والتعاليم الأخلاقية ( الخلاقة منها !) التي جاء بها الإسلام وفقدت في غضون 1400 عام و لم يبق منها إلا الذكر في القرآن والسنة و الأمثال و القصص في بطون الكتب فأن التعاليم المسيحية مر عليها اكثر من ألفي عام و اليهودية أكثر من أربعة آلاف عام و البوذية آلافا أخرى من السنين و الكونفوشيوسية كذلك ناهيك عن أديان أخرى أكثر قدما وفيها من التعاليم الأخلاقية مما يعتبر به المسلمون و أتباعها ما زالوا متمسكين بها يطبقونها بما يتلاءم و خدمة مجتمعاتهم رغم قدم ظهور تلك التعاليم بحيث صاروا مثلا يقتدى به للمسلمين. لقد سمعت احد الأصدقاء في أيام بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عندما كان العراقيون يتعاملون مع الجنود الأمريكان بلا حرج أو خوف من الاغتيال او القتل وهو يقول نفس العبارة التي كتبت فوق الأيميل: " أنهم مسلمون ولكن من غير إسلام " ، لماذا قال صديقي ذلك ؟ لأن الجنود الأمريكيون كانوا قبل أن تبدأ ذراع ((المجاهدين)) بنصب الكمائن لهم و تفجيرهم يتعاملون مع العراقيين بنفس الطريقة الحضارية التي يتعاملون بها في بلادهم مع مواطنيهم ولكن مع عطف أكثر على اعتبار أن هذا الشعب كان يرزح تحت نير الطغيان والظلم. أنا أقول هذا لأنني كثيرا ما كنت اقرأ و أسمع مثل هذه الطروحات الضيقة الأفق التي تعتبر أن الأديان هي وحدها التي تعلم الأخلاق و تعلم القوانين الحياتية العامة مثل الحق ضد الباطل و الخير ضد الشر و الجيد ضد السيئ و حتى قيم لا يتصف بها الأنسان وحسب بل وحتى الحيوان الذي ليس لا يفقه بان هناك شئ اسمه إله أو دين يعلمه قيم مثل الحب و الوفاء و الولاء و حتى التضحية ، أما القيم الإنسانية فقد وجدت منذ ظهر الأنسان على وجه الكرة الأرضية و حتى قبل أن تظهر الأديان ، قيم مثل الحب و الصدق و الفضيلة و النزاهة و العفة والضمير و الاحترام و الكرامة و العدالة والشهامة و عمل الخير و غيرها الكثير من القيم الرائعة التي لولاها لما استمر بقاء الجنس البشري على هذا الكوكب. فلا اعتقد أن هناك من له فضل في رسوخ مثل هذه القيم في بني البشر فلا فضل لدين من الأديان أو لنبي من الأنبياء أو لمفكر من المفكرين أو لشعب من الشعوب بل هي عصارة الفكر الانساني كله منذ ظهور الجنس البشي و بدأ في تكوين الأسر و المجتمعات والكل يعلم بأن هناك ملحدون و بوذيون و وثنيين و سيخ و تاميل و يهود و مسيحيون و صابئة ممن يتحلون بصفات و أخلاق لا يتمتع بها الكثير من المسلمين ، بل هم أمثولات يقتدي بها البشر. لماذا لا نتعلم من بقية الشعوب بكل تواضع؟ فهل يجب أن نتبجح حتى ونحن نتعلم من الأخرين.
#صالح_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم ميناء حيفا بالمسيرات
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوافق على إرسال 7 آلاف إشعار تجنيد لل
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تستهدف للمرة الثالثة هدفا حيويا
...
-
المسلمون يحسمون نتيجة الانتخابات في 7 ولايات
-
المرشحان يعدان بإحلال السلام في المنطقة .. ومسلمون: لا ترامب
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق: هاجمنا اليوم الثلاثاء هدفا حيو
...
-
إضراب مفتوح للمحامين المغاربة احتجاجا على -الردة التشريعية-
...
-
فرحي أطفالك نزلي تردد قناة طيور الجنة بيبي بأعلى جودة بعد ال
...
-
“أغاني ممتعة طول اليوم” بجودة HD استقبل تردد قناة طيور الجنة
...
-
إشارة قوية ومحتوى جديد .. خطوات استقبال قناة طيور الجنة بيبي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|