أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن العطار - قصة قصيرة : شرفة في القمر















المزيد.....

قصة قصيرة : شرفة في القمر


سوسن العطار

الحوار المتمدن-العدد: 992 - 2004 / 10 / 20 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


خرجت اليوم من البيت لأول مرة منذ الحصار، مشيت في الشارع بلا هدف، لا اعرف كيف احتمل البيت، احتاج هزة بقوة تكة رماد سيجارة كي أنهار، لولا كابل الإنترنت و هاتفي الجوال، رئتاي التي أتنفس منها لأصبت فعلا بانهيار عصبي
اصل إلى الشارع الذي تحولت أرصفته الضيقة إلى سوق و المؤدي إلى شارع عمر المختار البعيد نسبيا عن بيتي،

شبح يقترب مني يوشك على الاصطدام بي، وينادي اسمي مع ابتسامة كبيرة ويقول: أخيرا أراك وحدك، سلمت عليه وكعادته أبقى يدي لفترة في يده وتحسسها بقوة جعلتني ابتسم طويلا واضحك اضحك، ضغط بإبهامه تلك الضغطة القوية التي عودني عليها في سلامه ودغدغ باطن يدي بأصابعه طويلا وأنا اضحك، هكذا يسلم علي سواء رايته في الشارع ،في بيتنا، في بيت احد الأقارب عادة لا أكون وحدي،
في الحقيقة تعمدت أن اترك يدي في يده، أردت اختبار شيئا ما، هل تدب الروح في البلاستيك؟ ليس بعد وهذا ما جعلني اضحك وأنسى أنني في الشارع، أما هو فلا سبب لديه سوى سعادتي لرؤيته.

قال لي:كيفك مشتاق لك، ألن تغيري رأيك، أجبت عن كل أسئلته بابتسامة وهزة من راسي تعني لا.ا
قال أنا هجرتها منذ فترة طويلة، آخر طفلة ولدت قبل 4 سنوات أليست فترة كافية لتثبت لك شيئا ما.
وأنا لا أجيب،
إن أردت طلاقا رسميا يحدث غدا صباحا، الآن الوقت متأخر عن أي إجراء رسمي، ما يبقيني في البيت هو أولادي وعدم وجود بيت آخر.
أجبت لا أريد شيئا تعرف رأيي في الموضوع من أصله.
أراد أن يتحدث، لو اتحت له الفرصة ستشرق شمس الغد ونحن واقفين مكاننا على سور المدرسة الابتدائية، وسيفتح السوق مرة أخرى ويبدأ ضجيج الباعة والسيارات وهو لم يكمل حديثه بعد،
قلت نحن في الشارع ويجب أن اذهب، قال أريد أن امشي معك أين تذهبين على كلا رقم جوالي لم يتغير انتظر منك مكالمة تسعدني.

اعلم انه لن ينتظر إلى الأبد، ويعلم أنني لن اتصل،
لا يتطفل علي بمكالماته، ولا يفرض نفسه علينا بالزيارات كما كان يفعل وهو مراهق حتى لا يفتضح أمره وامنع من رؤيته والجلوس معه كما حدث سابقا.
هو إجمالا رجل محترم، وسيم الشكل لا باس به، يحب بصمت ويتألم بصمت، ويعرف موقعه عندي،
نشانا معا، تربط والدته بوالدتي صلة قرابة غير بعيدة و لا يبعد بيت أهله عن بيتنا إلا عشرات الأمتار، ذهبنا إلى المدرسة الابتدائية معا شقيقي الصغير وشقيقه الذي كان بمثل سني وهو الذي يكبرني بسنتين، نمر من أمام مدرستهم أولا، يوصلونني إلى مدرستي ثم يعودوا إلى مدرستهم، ونلتقي في منتصف المسافة بين المدرستين في طريق العودة، الشقيق الأكبر لسبع أولاد ذكور، ترك المدرسة والتحق بسوق العمل لإعالة أسرته المسحوقة ومساعدة والدته على العيش في ظل رجل كسول، يتباهى بفحولته وإنجابه الذكور والذكور فقط، كل يوم جمعة يأتي إلى بيتنا ويشاهد معنا فيلم الجمعة، لم يلفت نظري في شيء إلى أن منعتني والدتي و أخواتي من الجلوس معه مبررة ذلك انه كبر و أن نظراته غير مؤدبة، استمر ذلك لعدة أسابيع كف عن الزيارة بعدما شعر انه غير مرحب به ولا تتاح له رؤيتي، شخص يحترم كبرياؤه.
، كنت في المدرسة الثانوية، أقرا كتب ماركسية، ويا خدني كلام فانون عن العنف ومفتونة بأحلام جيفارا التي لا تعرف حدود، وغارقة حتى أذني في غرام شقيق صديقتي الوسيم الجامعي المقيم في زنازين الاحتلال أكثر من إقامته في بيته، كنا نحبه معا صديقتاي الأختان وأنا وغريمة رابعة لنا كنا نظن انه يحبها.

بكينا سويا يوم استشهاد شقيقه مطلع الانتفاضة الأولى، يشاركني همومي كلها، يسعده جدا أن يؤدي أية خدمة اطلبها، لم اشعر أنني استغله أو أثقل عليه لم أكن ادري بأمره!.
انتهت المدرسة الثانوية ونجحت بمعدل عالي، رغم أن الرسوب المدوي الذي لن يفاجأ احد كان الأكثر احتمالا لكل من أحصى عدد الحجارة التي رشقتها في شارع عمر المختار، وعدد إطارات الكاوتشوك التي أشعلتها في ذلك الشارع وعند تقاطعه مع شارع الجلاء،
بدأت استعد لدخول الجامعة عندما أتت والدته لتطلب يدي له، وبدون تفكير رفضت والدتي وكان الموضوع بمثابة نكتة لي ضحكت عليها طويلا، وضحكن علي بسببها أخواتي اللائي كن يرينه ثقيل الدم،
رايته بعدها مباشرة في حفل زفاف احد الأقارب، تربص بي الى أن ضبطني وحدي واقترب الوجه العابس وتفاجأت به يقول بنزق وغضب: لماذا ترفضينني؟! أخذتني المفاجأة، شعرت بذعر وتراجعت إلى الخلف قليلا و قلت: أريد أن أكمل دراستي، قال: آه فهمت أنا غير المتعلم لا أصلح لك حتى لو استعديت للانتظار.
خطف وجهه العابس وأدار ظهره لي وتركني وسط ذهولي وتساؤلاتي التي لم أجد لها جوابا في تلك الفترة سوى شعوره بالإهانة نتيجة الرفض.
افهم الآن انه رجل يحترم كبرياؤه وانه تلقى طعنة غير متوقعة إن لم يكن أكثر.
والدته كانت تزورنا شبه يوميا، وعندما يضربها والده تأتي إلى أمي في محاولة لاحتواء الموضوع قبل أن يصل أسماع والدتها التي ترسل المليشيا - أولادها- ليردوا له الصاع صاعين، وكان يقبل الصلح لأكثر من سبب منها الخوف من المليشيا، احترام لوالدتي التي يقدرها ويزورها حتى الآن و حتى بعد طلاقه من قريبتها ووفاتها فيما بعد، حياته معها كانت عبارة عن معارك أشبه بالحرب الأهلية في لبنان، والسبب الثالث انه بحاجة لزوجة تؤدي واجبها في النهار والليل وتنفق عليه صدقات أقاربها وعطاياهم، كان يسمي حماته باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي في سدة الحكم شامير، بيرس وغيرهم، بعد الطلاق تزوج ثلاث مرات كانت الأولى بكماء، برر ذلك انه ليس بحاجة لزوجة ترد شتائمه وتبلغ أهلها عن صفعاته عندما يكون لطيفا، وكم قطعة أصبحت مغرفة الخشب وكرسي القش الذين كسرهما عليها عندما يستفز قليلا، و كم قطعة أصبحت يدها عندما يغضب قليلا و... ، ليس بحاجة لزوجة إخوتها مليشيا ووالدتها رئيس مافيا كما يسمي حماته في وجود أمي التي تعرف طبع قريبتها جيدا ولا تستطيع أن تبرر لها.

هو تزوج وأنا دخلت الجامعة، أنا تخرجت من الجامعة وهو دخل السجن، ضبط في معبر رفح ليحاكم على تهم في عهد الاحتلال، سجن 5 سنوات، حصل خلالها على التوجيهي وانتسب للجامعة العبرية، وأفرج عنه قبل أن يكمل دراسته التي أتمها في الجامعة المفتوحة، وحصل على هوية مناضل وبالتالي صفة مثقف ووظيفة في احد أجهزة السلطة بدرجة مدير ! ، ولم تعد الزوجة الوفية الصابرة كما اقر لها بذلك تلائمه، ويقول في أكثر من مناسبة على الملأ: لم أكن يوما سعيدا معها، لا يربطني بها سوى الأولاد، أفكر بالا استمر معها يئست من تغييرها....
بعد خروجه من السجن لم اذهب لأسلم عليه، لم يخطر ذلك ببالي، أتى هو لزيارتنا، وسلمت عليه، وتفاجات بحركات يديه، لا اذكر انه سلم علي هكذا من قبل، وتحدثنا طويلا عن السجن والسلطة، تبدو آثار السجن واضحة في كلامه، كان أكثر هدوءا وأكثر ثقة وأكثر تعاسة ، فكرت أنها ربما تكون ناتجة عن الصدمة بالعودة للبيت ، والشعور بالغربة وسط محيط لم يعد منسجما معه.

قال لي يوما بامكاني أن أوصلك إلى عملك يوميا فهو نفس طريقي، رحب أهلي فذلك أفضل من البهدلة في سيارات الأجرة، غالبا لم نكن وحدنا، كنت انتظره يوما خارج المكتب مع زميلة واتي بحركة استعراضية وكاد يدهمنا بالسيارة التي فاجأني بها، في اليوم التالي قالت لي زميلتي هذا الرجل يحبك، قلت لها هو مجرد قريب لي، قالت يحبك قلت هو متزوج، قالت يحبك وكلها أسباب لكي يحبك،
لم اقل لها أنني سمعتها صراحة منه بالأمس وانه لم يكف طوال عمره، وأنني في مهلة للتفكير بأمر الزواج بالشروط التي أمليها, وان جدار التعليم الذي بيننا قد انهار وإنني لن احصل على من يحبني مثله ويحرص علي مثله ويعيش همومي مثله وانه لن ينتظرني طويلا.
ماذا تنتظرين؟! من تنتظرين؟! هكذا يتساءل
حتى الآن أربع سنوات... ليست انتظارا طويلا بالنسبة له،
رايته معها مرة في السوق توقفت قليلا، وقال لها بابتسامة سأتزوجها قالت بسخرية وماذا يمنعك ؟ لتلطيف الموقف قلت: هنيئا لها من لها ضرة مثلها .... وانسحبت.
اتصل بي في اليوم التالي وقال أترين هي تعلم كل شيء
قلت له كيف تجرؤ على إهانتها وإحراجي لا بد انك نمت بالأمس على الكنبة،
قال هل رأيت امرأة مهانة ثم لم تكوني محرجة؟! ، ثم من قال إنني أنام على غير الكنبة ؟!

ليس ما يمنعني هو زواجه الذي اعلم تفاصيله من شروخ وتصدعات وتشققات، وليس بيته الآيل للسقوط رسميا أجلا أم عاجلا بسببي وبدوني، اعلم تماما أن البيت مدمر من أصله ولا يحتاج مصادقتي كي ينهار رسميا،
وليس التعليم هو ما منعني سابقا،
قد يكون ما يمنعني هو الثقافة أو الحب أو كلاهما، قد يكون هناك خطبا ما في ردود أفعالي واستجاباتي ، لا اعرف ،
اعرف أنني لا أتخيل نفسي في غرفة مغلقة معه، ليس هو من احلم بقبلاته وهمسه والقشعريرة التي ستسري في جسدي من لمس يديه، ليس هو من أفيق على قبلاته وأفضلها على عصير البرتقال، ليس هو من أصحو واجد إنني أنام طوال الليل على صدره
هو ليس من استعد له في المساء وأرجو الشمس أن تبكر بالنوم قليلا لنتسلق شرفة في القمر، ليس هو..



#سوسن_العطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوتا النسائية تمييز ضد المجتمع
- طفلة في العائلة


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن العطار - قصة قصيرة : شرفة في القمر