سعاد محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 04:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ترى ماذا يحدث في الوطن العربي بالضبط؟ و هل من حقنا أن نفرح بهذه الثورات التي تجتاح العالم العربي فتبشر بالتغيير و التحرر أخيرا من وطأة الحكم الدكتاتوري و الأبوي حيثما كان أم علينا أن نحزن لأننا مكنا أمريكا و الدول الغربية من النجاح في ما كانت تأمل أن تحققه منذ زمن بعيد و زادت إصرارا عليه منذ أحداث 11 سبتمبر؟
الثورة، التغيير ، الحرية، الديمقراطية، كلها كانت مفاهيم ندرسها و ندرسها دون أن ندرك معناها الحقيقي، أي دون أن نعايشها و نعرفها على ارض الواقع، و ها أن العالم العربي، و منذ أحداث 14 جانفي بتونس مرورا بأحداث مصر ينتبه اخيرا الى امكانية تحققها في الواقع، لم لا و الشعب التونسي المنظور إلية سابقا كشعب مسالم و خاضع إلى ابعد الحدود قد سعى في طريقه إليها و هو يرفع صوته عاليا بالرفض و يهدد و يتوعد، فيسري الرعب في أوصال رئيسه الدكتاتور فيتسلل هاربا خارج البلاد خائفا على حياته دون عرشه. العدوى سرت إلى البلدان العربية الأخرى التي بدا شعبها أكثر ثورة و أشد توحشا و بدا قادتها أكثر حذرا و أشد تمسكا بالعرش دونا عن الحياة و ما أمثال القذافي و عبد الله صالح إلا خير دليل، فالأول يفضل أن يموت شعبه و يبقى هو على عرشه، و الثاني يريد أن يبقى على عرشه و يذل شعبه من جديد. و بقية الدول تسير في طريق الثورة.
المهم في كل هذا أن الشعوب قد إستفاقت أخيرا بوعي منها أو بدون وعي على حقيقة، و هي أنها كانت تعامل كالأطفال القصر هذا إن لم نقل الأطفال المتخلفين ذهنيا، و إني أستحضر هنا قولة ل ج.ج. روسو في نقده للجمهورية التي تصورها الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس و الذي شرع فيها للحكم الاستبدادي: " إن شعبا يرضى بخضوع للحكم الاستبدادي هو شعب مجنون أو أحمق". الشعوب العربية استفاقت و عرفت إلى أي درجة كانت حمقاء، ذليلة و خاضعة، علمت كم كانت كبش فداء لرغبات وميول حكام هم في حقيقتهم مرضى نفسانيين، أو بلهاء.
لكن لنتأمل الوجه الآخر من الحقيقة، حقيقة الدول الغربية و ما تسعى إليه، و خاصة الغول المسمى امريكا و الذي لا دين له سوى المصلحة. ألم ينتبه هذا الغول مع أحداث 11 سبتمبر، سواء كانت أحداثا حقيقية أم كاذبه إخترعتها أمريكا لتوجه بها انظار العالم الغربي الى العالم العربي و الإسلامي الذي بدأ خطره يتنامى. لقد تفطنت أمريكا إلى وجود قوة تشكل أخطر المخاطر التي يمكن أن تتصدى لها و تكسر شوكتها ، إسمها العالم الإسلامي، الإسلام منظورا إليه لا كديانه فقط و إنما كإيديولوجيا. إنتبهت أمريكا، إلى أن خطر هذا الوحش يفوق بكثير خطر الوحش الذي تصدت له ذات يوم و افلحت في تدميره، أقصد الوحش الشيوعي. هذا الأخير كان على الأقل منحصرا ضمن حدود مكانية معينة، حددتها امريكا في الإتحاد السوفييتي فعملت على تدميره ، بتشتيته و تفريقه و بسط رداء الثقافة الغربية علية، بمعنى أخر، جرته جرا الى ثقافة العولمة.
لكن لنتعمعن النظر في هذا الغول الجديد، الذي لا يمكن حصر مكان تواجده لا بإعتباره دينا و لا بإعتباره إيديولوجيا. فهو كدين يوجد في كل مكان على الكرة الأرضية.و كإيديولوجيا يجتاح العالم باسره. صحيح أن الدول العربية هي الموطن المصدّر له، و لكن، أفغانستان و ايران واندونيسيا، و غيرها ليست بلدانا عربية لكنها مسلمة، بقي أن هذا الوحش الجديد له ما يقوية في البلدان الأصلية التي نشأ و ترعرع فيها، إنها الثروات الطبيعية، فالبلدان العربية تملك في يدها ما يسيل لعاب كل الدول الأوروبية حتى و إن كانت تجلس على مناجم من الثروات الطبيعية كما هو الحال مع أمريكا.
هناك إذن عاملان يزيدان من قوة هذا الوحش الذي يسمى الإسلام، الإيدويوجيا الدينية التي تسري في العالم سريان النار في الهشيم، و القوة الإقتصادية التي تجعل الدول الإسلامية مصدر خطر متزايد. لأجل ذلك كان لابد من تشتيت هذه القوة و العمل على إضعافها، و ليس أسهل على أمركا من فعل ذلك، فقد علمت منذ بداية القرن العشرين بمساعدة النتائج التي قدمها لها علم النفس السلوكين أن الفعل الإنساني قائم على الإثارة و الإستجابة، و كم إستخدمت المخابرات الأمريكية نتائج أبحاث علم النفس السلوكي في الكثير من الميادين. ألم تقم بزرع الفتن بين القبائل و الأعراق و تسببت في الثورات و الحروب الأهلية في البلدان التي كانت تسعى إلى الدخول إليها ثم تعرض مساعدتها على قادة تلك البلدان الحمقى لمساعدتهم على الدخول لإخماد ثوراتهم؟ لم لا إذن لا تستعمل نفس الأسلوب لتدخل الى ليبيا و تنعم بثرواتها، و تحولها الى سوق لبضائعها و خاصة الأسلحة، وتدخل الى سوريا بعد أن إستعصت عليها و لم تفلح معها مناوراتها؟ و سوف تفعل ذلك مع كل الدول العربية التي تحيط بإيران و تساندها حتى تنتهي إليها و تكسر شوكتها و تخربها من الداخل كما تعودت مع كل الدول التي ازعجتها في الماضي. و بعد أن تنهي كل شيء ستخرج معلنه انتصارها على الغول الذي سمته الإرهاب.
إذن هل من حقنا أن نفرح و نحن نرى بلداننا تتخلص من ضيمها أو نحزن لأن هناك من يدفعنا إلى طريق نحن نريده لكن هو يريد من ورائه تحقيق اغراضه، و إني لأخشى أن نصل بعد كل هذا إلى وضع نكون فيه في علاقتنا بالحرية و الديمقراطية التي نطلبها الآن كوضع ذلك العبد الذي أعطيت له الحرية..... في أن يختار سيده.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟