مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 07:41
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
ثمة َ واجب اخلاقي وعلمي وانساني جعلني ان اكتب عن حال الامة التي انتمي لها وادافع عنها , بكل صدق واخلاص متفاني في البحث عن ايجاد بقع بشرية حقيقية لتمثل هذه الامة الكبيرة الممتدة طولا ً وعرضا ً والمنتشرة كغثاء السيل و القابعة في ظلام الليل . ليس هناك اشكال في البحث عن اناس صادقين متعلمين وان استتبع ذلك البحث نقدا ً جريئا ً او طرحا ً غير مألوفا ً لدى العوام من الناس , لكننا لسنا كغيرنا من اصحاب الذقون الممتدة على قدر الذنوب المنتفعون اللاهثون وراء الدولار والمتغيرون كأجواء مشغن , اننا معاشر المثقفين والمفكرين والكتاب و الحالمين بغد ٍ افضل لا ننظر للقضايا من خلال الزوايا التي رسمها لنا المحتالون او نكتب من الخنادق التي حفرها لنا المعتاشون على مصائب الناس وعدم استقرارهم , اننا نكتب عن السيء لانه فعلا ً سيء دون الالتفات الى تفرعات واجزاء تمتص انسانيتنا وتجعلنا نتخلى عن عقولنا لنحكم كما يحكم السفهاء .
يتنطع الكثير من المسلمين على ان الاسلام هو دين العدل , المساواة , الاخوة والمحبة , يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , وهو دين لكل زمان ومكان ؟ ولا شك ان هذا كلام جميل وسليم , فالرسالات النبوية اتت للناس كل الناس وعمدت على توطيد العلاقات البشرية أفراداً ومجتمعات . وكما يقول المفكر الاوربي برنادشو ( الاديان واحدة لكنها بنسخ متعددة ) . اي انها تحمل روح الانسانية السمحة . اننا نحاول ان نبحث اليوم عن هذه السماحة التي اتى بها الاسلام وضيعها علماء المسلمين بفتاواهم الهادمة للانسانية , وحقدهم على بعضهم , وتحجرهم على نهجهم . احاول ان اقدح زناد الفكرة هنا كي يرى غيري ومضة الامل , ليتسنى لنا ان نخلق ومضة نور في عتمة ظلام المسلمين .
لن اتراجع عن قولي استحمار المسلمين , لكني استدرك فاقول ان هناك عقول اسلامية لو فسح لها المجال وترك لها العيش في مناخها الخاص , اجزم لما وصلنا الى ماوصلنا له اليوم , من التصحّر الفكري و الهدم الانساني الفتاك بمعاول التكفير و التطبير على السواء .
سبب مهم سأتطرق له بصدق دون الالتفاف عليه لمحاباة بعض الناس على بعض . السبب الرئيس الذي مزق الامة الاسلامية هو ابتعاد علماء المسلمين عن الاسلام . علماء المسلمين الذين تحركهم شهواتهم وملذاتهم وطائفيتهم لا ينظرون الى قضايا الامة من بابها الواسع بل من باب المذهب والحزب والقومية والانتفاع المادي والانتفاخ الدولاراتي . اننا تركنا الله وركنا قرآنه وهجرنا المبدأ الاساس للرسالة التي اتى بها الرسول آمنا بالموروث الخرافي والطقوس الدخيلة .
وكما قال سيد قطب
نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الاسلام أواظلم . كل ما حولنا جاهلية تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم و آدابهم شرائعهم وقوانينهم , حتى الكثير مما نحسبه ثقافة اسلامية , ومراجع اسلامية وفلسفة اسلامية وتفكيرا ً اسلاميا ً .. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .
الذي اخر المسلمين ووضعهم بهذه الجاهلية هم اشباه العلماء, صعدوا على مناص الفتوى والرأي والامر والنهي , وعاظ سلاطين لا يهمهم ان احترق العالم باسره . وأخطر مهمة قام بها هؤلاء الوعاظ , عمدوا على تسطيح الرأي العام وتجهيله وتسخيفه واستحماره , وتأسيس مؤسسات استحماراتية خاصة مهمتها تفشي الجهل بين الناس والخوض بالنزاعات التاريخية والقضايا الغيبية , وبتلك الحيلة الشيطانية قد أمّنوا على مناصبهم الكرتونية , وممتلكاتهم المادية , وحساباتهم المالية . واياك ان تنتقد احدهم لانه منظور من قبل الله والصالحين , والعوام اجمعين .
اكتب مقالي هذا وقلبي يحترق على حال الامة الاسلامية التي لاتحترم انسانية الانسان ولا ترى ذلك المشترك الادمي الذي خلقه الله , وحينما تغيب تلك الانسانية المشبعة بحب الله والناس يصبح الانسان اخطر مخلوق لانه لا يرى الا ما يراه الشيطان .
كنت قد حاولت في مقالات سابقة للفت النظر الى المشترك الاهم الذي يربط الناس جميعا ً دون النظر الى دينهم او مذهبهم اوما يؤمنون به الا وهو الحس الانساني السليم , وايجاد المشترك بين ما نؤمن به وما يؤمن به غيرنا , على ان لا ادعي اني على الحق المطلق وغيري على الباطل المطلق النظرية التي تمسكنا بها منذ امد بعيد . ومن هذا المنطلق الذي لا ارى فيه اني على الحق المطلق كان الواجب علي ّ تعيين الخطأ و تقويمه دون مواربه او تمويه .
كتبت في مقال سابق دفاعا ًعن فضيلة الشيخ القرضاوي حينما تناوله البعض من غير حرفية او دراية , واكتب اليوم ناقدا ً لاحد اهم رجال الدين المسلمين شهرة وهو نفس الشيخ القرضاوي , الذي كنت احسبه احد اعلام التقارب الاسلامي والمنطلق الاساسي نحو العالم المتنور المنفتح . خطب الشيخ معقبا ً على احداث الثورة في البحرين فقال فيما قال : ( حاولوا ان تقتربوا بعضكم من البعض بدل القطيعة , المصلح هو من يبني ولا يهدم ومن يجمع ولا يفرق ومن يحيي ولا يميت ومن ينشر الخير والالفة بين الناس لا من ينشر الشر و الفرقة )
والحق انه كلام جميل هادف وتربوي واخلاقي , لكن هذا الكلام اقتطفته من اخر الخطبة وليس من أولها لذلك اتمنى ان نرى حجم المأساة فيما سيورده ( ثورة البحرين طائفية . الثورات التي قامت ثورات شعب باكمله , الشعب المصري قام بكل فئاته وطوائفه رجال ونساء تقدميون ورجعيون , ثم لوح بيديه وقال , الشعب المصري كله , وكذلك الشعب التونسي , والليبي , واليمني ) على الرغم من ان الشعوب التي ذكرها الشيخ لم تخرج بكلها كما قال لكنه والظاهر توهم انها خرجت جميعا ً ولو خرج الشعب المصري كله لما كان هناك مكان سيتسع لهم .
الامر المحزن حينما قال الشيخ القرضاوي ( الشيعة جميعا َ ضد السنة جميعا ً ) ثم اكمل وربما بحسن نية ربما ؟ حاول ايقاظ الفتنة التي لم تنم اصلاً في بلاد اللاوعي والاستحمار فقال بعد ان اخبروه الاخوة ؟ ولا نعرف اي اخوة ربما كاخوة يوسف ( ان الشيعة حينما كانوا في دوار اللؤلؤة لم يكونوا سلميين كما كنت اظن , بل اعتدوا على كثير من اهل السنة واستولوا على مساجد ليست لهم , واستعملوا الاسلحة كما يفعل البلطجيون في اليمن وفي مصر , ضد كثير من المستضعفين من اهل السنة )
الغريب في فضيلة الشيخ بعد كل هذا التصريح العنيف والمحرض على الفتنة والملقي باللوم كله على الشيعة يقول ( من اجل هذا لم اتحدث لاني لم اجد نفسي حرا ً تماما ً _ ولااعرف ماذا يقصد الشيخ حراً هل يعني ان فضيلته مضغوط ٌ عليه _ ولا اجد عندي المعلومات الكافية عما يحدث )
بعد كل هذا التصريح الذي ليس فيه سمة من سمات الانسانية النبيلة والمتحامل على طائفة دون طائفة والمتناغم مع الحاكم لقهر المحكوم والنيل من شرف الثورة واخلاق الثوار البحرينيين على انهم بلطجية , وبلغة التحريض الجاهلي كل الشيعة ضد كل السنة , وبمعلومات تجعل من العربي يهتز شاربه يقول الشيخ في اخر كلامه .
( من اجل هذا لم اتحدث لاني لم اجد نفسي حرا ً تماما ً ولا اجد عندي المعلومات الكافية عما يحدث )
سوف اترك النص دون التعليق عليه اكثر لكني ارى بصيص من ذلك الامل المنشود من اولئك الافذاد الاحرار في الفكر العربي او الاسلامي عامة لكي يتعاملوا مع هذه الحالة وغيرها والارشاد على مواقع الخلل التي جرّت الامة الى ويلات .
لا تختلف ثورة البحرين عن سواها فهي ثورة شعب يريد التخلص من جلاده وله الحق في ذلك لانه يرغب في حياة عصرية متطورة بقانون عصري متطور , اما لانهم شيعة فهذا غير مسموح به , فذلك الذي حذرنا منه من اختلاط رجل الدين اللاهث وراء طمعه ومصالحه في قضايا امة عريقة تريد ان تنهض لتجد لنفسها مكاناً بين الامم المتقدمة . النهوض الانساني والثورة الحرة لا يحتاجا الى جواز سفر الطائفة للعبور الى الضفة الاخرى , بل هما ارقى واعلى واشمل من كل هذه السخافات الدخيلة .
إن وظيفة العقل الأساسية هي وظيفة معرفية استكشافية حرة خالصة من الأحكام والقيود المسبقة .
( محمد اركون )
#مصطفى_العمري (هاشتاغ)
Mustafa_Alaumari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
