أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ناصر جبر العبادي - يوميات السؤال الدائم















المزيد.....

يوميات السؤال الدائم


حسين ناصر جبر العبادي

الحوار المتمدن-العدد: 3307 - 2011 / 3 / 16 - 22:45
المحور: الادب والفن
    


الصورة واللغة: قراءة في قصيدة يوميات السؤال الدائم للشاعر الراحل عبد الرزاق حسن الأميري

حسين ناصر جبر
27-06-2010
قراءات: 144
هل يمكن فصل الصورة عن اللغة؟ بل هل يمكن فصل المكونات الفنية للقصيدة عن بعضها البعض؟
من البديهي أن يجاب أن مثل هذا الفصل للمكونات البنائية للقصيدة يهدم العمل الفني ويشوه وحدته البنائية، لكنه مفيد لغرض الدراسة والنقد الأدبي، إذ أن الصورة نتاج تشكيل جامع من الاستعارة والتشبيه (والمجاز عموما) ومن الصياغة الشعرية والصوتية والنحوية المتميزة وهي كلها خاضعة في نسيجها للإيقاع الظاهر والباطن للقصيدة.
لم تعد الصورة ذات أبعاد حسية فقط وإنما أضيف لها الرمز، مثلما نجد في قصائد السياب وغيره من رواد الحداثة، والأبعاد الذهنية التي تعمل على تكوين ذهنية مقابلة لدى المتلقي ، مثلما نجد في القصيدة المعاصرة ومنها القصيدة التي نحن بصدد قراءتها هذا المساء، حيث تصبح الصورة مشحونة بالمعاني والدلالات المتعددة تتشكل بحسب انعكاساتها في ذهن القارئ.
هي وجه أمي في الظلامِ
وصوتها يتزّلقان مع الرؤى حتى أنامْ
وهي النخيل أخاف منه إذا أدلهمّ مع الغروبْ
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوبُ
من الدروبْ؟
وهي المفلّية العجوز وما توشوشُ عن حزام.

فالشاعر هنا لا يكتب جملة تقريرية تفيد أن أمه هي نخيل وقت الغروب بل صورة قائمة على تشبيه بين طرفين يشتركان بمفهوم تولد في ذهنه ويروم إيصاله إلى القاري بتداعياته المتنوعة.
ويقول أيضا:
غنيت تربتك الحبيبةْ
وحملتُها فأنا المسيح يجر في المنفى صلبيه
فسمعت وقع خطى الجياع تسير، تدمى من عثارْ
فتذّرفي عينيّ منك ومن مناسمها غبار
(لاحظ أن المتحدث في القصيدة يصور نفسه مغنيا التربة ثم حاملها مثل المسيح الذي يحمل صليبه مضحيا بنفسه بشجاعة فهو غير محمول على الصليب مثلما ورد في أخبار المسيحية).
هنا يظهر الخيال بوصفه طاقة إيحائية كامنة تنطلق مع كل قراءة على امتداد الفضاءات الذهنية للقارئ فيكون (أي الخيال) بذلك بمثابة شبكة التواصل بين الكاتب والقارئ تضفي شيئا من الضبابية الساحرة على مكونات الصورة لتجعلها تبدو على تشظياتها وكأنها كل واحد فتكون تلك الضبابية دليل كشف لدى المتلفي عن الدلالات المختلفة.
إذن للصورة أن تتشظى وتتجزأ وتنتشر في كامل جسد القصيدة في نسيج من الخيال الخلاق، او بعبارة أخرى، للصورة أن تتراءى بمظاهر متنوعة مع كل سطر في القصيدة وتؤجل حضورها الكامل حتى السطر الأخير، وللقارئ أن يتلمّـس بوساطة طاقته التخيلية تلك الصورة المتشظية ، وكلما اشتط في الخيال كان أكبر قدرة على جمع شظايا الصورة وربط مراحل ظهورها المؤجل.
هكذا تبدو الصورة عنصرا عضويا من عناصر القصيدة مثلما اللغة ومثلما هو القصد الشعري لتشكل رؤوس المثلث الآتي:


هكذا نفترض أن التقنيات الفنية المختلفة الموظفة في القصيدة كالتشبيه والاستعارة والتناقض والتفخيم وغيرها هي ضرب من التصوير مادام هناك طرف تلقّى صفات إضافية غير موجودة فيه أو وضع في إطار زماني- مكاني معين ليظهر مختلفا عن ما هو في واقعه أصلا إذ تتشكل الصورة في ذهن المتلقي شيئا فشيئا في انعكاس متفاعل مع ما يظهر منها بالتدريج في أسطر القصيدة، فالصورة لا تنتهي إلا في السطر الأخير من القصيدة.
لا يستبعد من ذلك التشكيل الصوتي للخطاب الشعري فهو الآخر نوع من التصوير لكن بآليات مختلفة وهي مجموعة من الموجات الصوتية تتآلف كما يريدها الشاعر لتصل إلى الأذن محدثة أثرا ما بالتوافق مع الصورة الحسية والذهنية فتكون الصورة الشعرية بذلك ذات أبعاد ثلاثة مثلما يظهر في المثلث الآتي:



الصورة الحسية هي التي تتراءى للحواس الخارجية ويمكن التظاهر بلمسها أو شمها أو سماعها أو رؤيتها أو الاستجابة لها فيزياويا أما الذهنية فتدرك بالعقل وتكون عبارة عن مفاهيم ومعان؛ مع ذلك، ففي كل الأحوال يرسم الشاعر صوره الحسية والذهنية في ذهن المتلقي وليس في فمه أو أنفه أو يده وغيرها، وذلك لأنه رسم بالكلمات واللغة هي قابلية إنسانية ذهنية محضة.
لنبدأ الآن رحلتنا مع يوميات السؤال الدائم لنجمع شظايا الصورة التي يبدؤها الشاعر من السطر الأول في (زمن مكسور) وينتهي بجزئها الأخير في صورة (أفكار مرتحلة في الغربة) ليظل المتحدث الشعري نفسه (سؤالا دائما).
في صورة الزمن المكسور يوصف الزمن، وهو مفهوم مجرد، بكلمة ذات دلالة مادية (مكسور) في تجاوز واضح للعلاقة المجازية التقليدية التي تعتمد الدلالة المعجمية للكلمات أساسا عند عقد مقارنات التشبيه والاختلاف بين الأشياء، وهذا ليس جديدا بل صار سائدا في شعر الحداثة العربي تحت عناوين متعددة منها تفجير الكلمة والانزياح الدلالي وغير ذلك؛ إلا أن الجديد هو ذلك التعاقب للصور من سطر لآخر وكأنها أوجه متعددة لحالة نفسية ووضع مزاجي معين للشاعر.
هكذا نجد في السطر الثاني صورة (امرأة من طين) تغازل إصبعا غائرا في تفكير عميق منهمكا في قصة حب، ثم تتحول الصورة إلى جسد تلك المرأة المتورم بالعشق فليس هذا تورما عاديا خاصا بالجسد بل مصحوبا بألم روحي أو بشهوة مكبوتة لأن العشق والإحساس بالكبت في الروح والتورم في الجسد؛ هكذا اختصر الشاعر صورة الم ضاغط سببه عشق لم يجلب سوى الآلام.
لنتوقف قليلا عند هذا التشبيه القائم على توليف العلائق بين المادي والمعنوي منبهرين أمام الصياغة المحكمة للجملة وسبك العبارة واكتنازها بالمعاني والإيحاءات.
ربما يود الشاعر ببساطة إيضاح المعنى باستعمال الأوصاف المادية الملموسة في المحيط، أو أنه تداخلت لديه الموجودات حتى بات المحسوس متماهيا بالمجرد من المفاهيم، بعبارة أخرى، تصبح جميع الموجودات مكونات وماهيات ذهنية محضة تعمل على الإثارة العاطفية والوجدانية و تتلاعب بالمشاعر والمواقف النفسية عبر تداعيات الصورة والتشكيلات اللغوية غير المتوقعة والتي لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق.
لنعد إلى القصيدة ونرى وجها آخر للصورة متمثلا بلحظة ممتلئة بالحزن تجعل الخوف ينتصر ثم هناك صورة ممتلئة لإنسان يجلس بين أنامله طريدا.
في المقطع الثاني من القصيدة تتراءى لنا صورة حلم يجمع أجزاء المتكلم ( بعد أن كان مبعثرا بالواقع مثلما يبدو من الصورة: أتجمع حلما) ثم يتكشف بقعة ضوء تستطلع المدن الملفوفة بالأسرار وتتصفح خارطة الأجساد، ولعل المدن هذه ليست سوى كائنات بشرية مشحونة بالأسرار أو أحلام لا تكشف عن نفسها بسهولة بل تحتاج لحلم مضيء 0 من جنسها) يمر عليها ويتفحصها في أجساد توحي بمعان متعددة: 0 فهي قد تكون إشارة إلى الآلام عل غرار الجسد المتورم بالعشق أو إشارة إلى الشهوة الكامنة في الأجساد، وهذا لن يتضح حتى يتكشف لنا جزء آخر من الصورة في السطر السادس من هذا المقطع حن يتحدث عن اشتعال الأطراف وفي السطر العاشر عندما يذكر سيدة الليل ( والغواية) التي تعج بهاء في لغة الألوان وكذلك في السطر الثالث عشر عندما يتحدث عن الجسد العريان.
بهذه الطريقة يطلق الشاعر صورته الشعرية عبر القصيدة في توالي أجزائها بالتدريج من أجل خلق الاستجابات المتنوعة لدى القارئ ولإبقائه في ترقب دائم حتى تنتهي يوميات السؤال الدائم.



#حسين_ناصر_جبر_العبادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ناصر جبر العبادي - يوميات السؤال الدائم