عبد الحميد العيد الموساوي.
الحوار المتمدن-العدد: 3307 - 2011 / 3 / 16 - 13:34
المحور:
القضية الفلسطينية
تثير التحوّلات الإستراتيجية التي استجدّت في المنطقة بدون أدنى شك العديد من الكوابيس المرعبة بالنسبة إلى إسرائيل منذ قيامها في العام1948م، إذ بعدما كان الإسرائيليون يزهون بانجازاتهم السياسية بعد أن فرضوا أجندتهم على إدارة الرئيس (باراك اوباما)،فإنهم يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة انتصار ثورات عربية في تونس، ومصر، ودول عديدة أخرى، وآثارها الكارثية على مستقبل إسرائيل، إذ يخشون من أن تؤدّي هذه التحولات السياسية الكبرى إلى ولادة خريطة سياسية جديدة في المنطقة، تعيد النظر في الكثير من التوازنات الإستراتيجية، وقد استجدّ هذا التحوّل في الوقت الذي ما تزال فيه إسرائيل لم تستوعب بعد التبدّل الذي حصل في تركيا التي تتقدم بهدوء لتعزيز مكانتها الإقليمية، مستعينة بثقلها التاريخي، وقدرتها الاقتصادية، ونمط نظامها الديمقراطي الإسلامي المعتدل،وانفتاحها على الغرب، وما تشهده من حضور بارز في الملفات الساخنة في المنطقة، وصعود الجمهورية الإسلامية في إيران كقوّة إقليمية بقوتها النفطية والعسكرية، ومناوراتها لامتلاك قوة نووية وهي تسعى لتعزيز دورها الإقليمي، وانهيار حكومة الحريري في لبنان، وعجز إسرائيل في محاولتها منع إعادة تسليح حركة حماس على الرغم من الحصار المفروض على قطاع غزة، هذا الحصار الذي أصبح بدوره مهددا بالانهيار بعد أن نزل المصريون إلى الشارع بالملايين من اجل التأكيد على مطالبهم التي كانت من بينها: فك الحصار عن غزة، وفك العزلة عن الحكومة الفلسطينية في غزة، وإلغاء اتفاقية (كامب ديفيد)، وهو الأمر الذي ترجم على ارض الواقع بعد أن سمح المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس، والتوجّه إلى ميناء اللاذقية السوري.
وفي الحقيقة إن هذه التحوّلات هي ثمرة لعملية طويلة، ومن ابرز مراحلها الرئيسة:
1- إن انتصارات المقاومة اللبنانية في العام 2006م، والفلسطينية في العام 2009م، وصعود إيران كقوة إقليمية، فضلا عن تعثّر الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، هي كلّها أحداث أسهمت بشكل كبير في هذه التبدّلات الجذرية في الإطار الاستراتيجي الإقليمي وأصبح المحللون والخبراء الإسرائيليون يخشون من أن تمثّل هذه التحوّلات خطرا على وجود دولة إسرائيل، لاسيما وان هذه الإخفاقات قد حصلت في ظل وجود عشرات الآلاف من جنود الجيش الأمريكي المنتشر في المنطقة، وممارسة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كل أشكال الضغط عن طريق مجلس الأمن، وتعاون بعض الأنظمة العربية المعتدلة، ولعل مصدر القلق الكبير عند الإسرائيليين يكمن في أن كل خصومها قد استطاعوا تشكيل كتلة إقليمية متجانسة(إيران- سوريا- حركة حماس- حزب الله) استطاعت أن تنجح في كسر الحصار المفروض على حركات المقاومة ومنع عزل أي منهم، وفيما تشير التقارير الإسرائيلية إلى تحسّن ملحوظ في قدرات الردع لدى حركات المقاومة في غزة ولبنان على الرغم من الحصار البحري والبري المفروض على الأراضي الفلسطينية، ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية جعل لبنان يعيش تحت المطرقة منذ التصويت على القرار 1701.
2- من الواضح أن انتصار الثورة الشبابية في مصر سوف تلعب دورا رئيسيا في توصيف الإطار الجديد الإقليمي. وقد فشلت إلى حد الآن جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الالتفاف على آثار الثورة في مصر وكذلك في تونس ، ولاسيّما فيما يتعلق بانعكاساتها على النزاع الإسرائيلي-العربي بسبب تصميم الشعب في مصر على أن تلعب مصر وتؤدي دورا إقليمياَ رئيسياَ.والأمر المهم هنا الذي لا يحتاج إلى التأكيد هو أن المساحة السياسية الهائلة التي انتزعها الرأي العام العربي من خلال ثوراته ونضاله السلمي، هنا وهناك ستمنع حكوماته في المستقبل من الانخراط في تسويات تضر بالمصالح العليا له، كما إن إسرائيل التي تعزف دائما على وتر انصياعها لرأيها العام المتطرف،ستواجه حقيقة جديدة مؤداها كذلك إن الطرف العربي أضحى يملك هو الأخر رأياَ عاماَ مؤثراَ، ومجتمعاَ مدنياَ قوياَ وقادراَ على محاسبة نخبه السياسية في حال إقدامها على تخطي الخطوط الحمر التي يضعها الشارع العربي.
3- إن تقارير مراكز الأبحاث والاستراتيجيين الإسرائيليين لا تستبعد انهياراَ محتملاَ للنظام في الأردن، وللسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على اثر نجاح الثورة الشعبية في مصر.وإذا كان التغيير الحالي في مصر.يشكّل خطراَ حقيقياَ على توازن القوى القائم منذ اتفاقية (كامب ديفيد) في أعين الإسرائيليين، فان التهديد بشن حرب شاملة ضد إيران، وسوريا، ولبنان، وغزة الذي تلوّح به إسرائيل، قد أصبح مهزلة وضرباً من الخيال.
4- لقد أعلن زعيم المقاومة اللبنانية السيّد (حسن نصر الله) في خطابه الأخير عن قرارين جديدين استراتيجيين:- إذ أعلن عن القرار النهائي والمحتوم للمقاومة بالرد على اغتيال القائد العسكري(عماد مغنية) في اللحظة والمكان اللذان تختارهما المقاومة من ناحية، ومن ناحية أخرى أعلن انه في حالة اجتياح بري لإسرائيل على لبنان، فان مقاتلي حزب الله يمكن أن يتلقوا الأوامر باحتلال الجليل وتحرير شمال فلسطين.ولمعرفتهم بالمصداقية التي يتمتع بها زعيم حزب الله فإنهم يعرفون بان كلماته يجب أن تؤخذ على محمل الجد لاسيما وان القدرات العسكرية للمقاومة اللبنانية قد تحسنت بشكل كبير كميا ونوعيا.
وهكذا وكما يبدو لنا فان إسرائيل عاجزة ومشلولة اليوم لأنها قد تواجه تحديات جدّية بعد أن استكمل التطويق الاستراتيجي بشكل كامل حولها.
فالشارع العربي الذي تظاهر في تونس ومصر وفي العديد من الدول الأخرى في اليمن، والبحرين، وليبيا، والجزائر، ينتمي بشكل كامل إلى ثقافة ترفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من ستين عاماَ،وهو ينتمي كذلك إلى ثقافة دعم ومساعدة القضية الفلسطينية،وطالما أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعتبران إسرائيل بؤبؤ العين الذي يجب حمايته بكل ثمن وان على الدول العربية الامتثال لإرادتهم ورغباتهم،فان كل ثورة جديدة تندلع في البلاد العربية ستتخذ من التأثير السياسي الغربي هدفاَ لها، وستعبر عن مساندتها الفورية لحركات المقاومة التي نجحت إلى حد الآن في طرح أنموذج مقنع(حزب الله- حركة حماس) في الوقت الذي لم تجلب عقود عديدة من المفاوضات أي شيء يذكر للفلسطينيين. إن الثورات هي الصورة المشرقة للشعوب صاحبة الإرادة القوية القادرة على صنع التغيير في كل المناطق، ومنها فلسطين.
لقد طفت الآن العديد من التساؤلات لدى الخبراء والمحللين عن مستقبل القضية الفلسطينية في ظل رياح التغيير الاستراتيجي الكبير التي تعصف اليوم بالأنظمة العربية:
0- إذ سيكون لهذا التغيير آثاره الايجابية فلسطينياَ من خلال تعزيز المقاومة بكل أشكالها ضد الاحتلال الإسرائيلي،وكذلك على عملية السلام بشكل كبير، فقد كان النظام المصري داعماََ لعملية السلام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وفي حالة وجود قيادة مصرية جديدة ممثلة لإرادة الشعب المصري الداعم للقضية الفلسطينية، فان ذلك سيشكّل حلقة دعم سياسية جديدة للفلسطينيين.
0- وفضلا عن ذلك ربّما قد يتعزز دور فصائل المقاومة الفلسطينية عند تراجع مكانة سلطة الرئيس محمود عباس(أبو مازن) التي فقدت الحليف المصري برحيل الرئيس (حسني مبارك)، لان الفلسطينيين يتوحّدون في أجواء المواجهة مع إسرائيل، ويتمزّقون في أجواء المهادنة.
0- إن الانتصار التاريخي للثورات العربية الحالية هو انتصار للقضية الفلسطينية التي تعود من جديد إلى عمقها العربي والإسلامي، وهو في الوقت نفسه ارتكاس لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة،التي بدأت تعيد حساباتها وهي بلا شك تحاول أن تسابق الزمن بتعديل إستراتيجيتها حيال هذه المنطقة لتكون حاضرة في المشهد الجديد للمنطقة بما يخدم مصالحها.
0 وكذلك الحال إن ما حصل ويحصل في الدول العربية من ثورات هو في حد ذاته دعوة إلى حركة فتح والسلطة الفلسطينية لان تتخذ منها الموعظة والدرس إذ أنها باتت في حاجة ماسة لان تترجم قراراتها ومواقفها السياسية نبض الشارع الفلسطيني ونخبه، لاسيما وان الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت حق النقض في مجلس الأمن لإحباط مشروع قرار يدين بناء المستوطنات اليهودية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهددت السلطة الفلسطينية في حال اللجوء من جديد إلى المجلس للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية.
#عبد_الحميد_العيد_الموساوي. (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟