أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حيدر السعدي - روسيا و اطياف ماض جميل














المزيد.....

روسيا و اطياف ماض جميل


حيدر السعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 01:36
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


روسيا و اطياف ماض جميل
روسيا الجميلة القاسية , و انا اسير في احد شوارعها و انظر الى مقياس الحرارة عند موقف الباص الذي يعرض "سالب 27 مئوية" اشعر بأنني شديد البعد عن ارض النخيل و شمس حزيران و طرق بغداد الملتهبة تحت الاقدام الحافية لاطفال يلهثون خلف "دنبر الغاز" معينين سائق الدنبر بالصياح بدلا عنه "غاز غاز" , اسير و الشارع خالي الا من عجوز هنا مع كلبها و حبيبين هناك لا يملكان الا بعضهما البعض و اكوام من الثلوج الناصعة البياض و كأنها تواسي عيني علهما تنسيان حمرة الدم العراقي الذي غطى كل شبر بين الرافدين.
قدماي تقودانني بخطى حذرة على الرصيف المتجلد الى ساحة "لينين" في مركز المدينة النائمة على كتف الفولغا حيث يقف هناك تمثال لرجل يرتدي معطفا و له لحية صغيرة مدببة و عيناه تنظران الى الشمال و خلف التمثال لوحة جدارية ضخمة لوجه جندي بارز الوجنات و يبرز رأس بندقية من خلف كتفه , امام الساحة بناء يبدو و كأنه بني في تاريخ اقدم مما كتب على واجهته و عند الباب الرئيسي كتب على لوح برونزي مثبت على الحائط "نادي الضباط" اترك الساحة و اتجه نازلا باتجاه النهر حيث تنتصب بقايا بناء من الطابوق الاحمر لما كان يوما ما مطحنة للحبوب و هو البناء الوحيد الذي بقي على حاله منذ الحرب العالمية الثانية (يسميها الروس الحرب العظمى) ليذكر ببشاعة الحرب و مقدار الدمار الذي لحق بالمدينة و امام الانقاض تصطف قطع عسكرية من التي شاركت في تلك الحرب لتعطي صورة اكثر وضوحا عما جرى على الضفة الغربية للفولغا.
اتابع سيري بمحاذات النهر في الشارع الهادئ المسمى باسم بطل الاتحاد السوفيتي "جويكوف فاسيلي ايفانوفج" و على حائط المبنى السكني الاول في الشارع توجد لوحة برونزية قد تأكسد لونها مما زادها جمالية و قد كتب اسم اديب سوفيتي من ابناء المدينة الذي قد عاش في هذا المبنى و هذا حال كل مباني الشارع فعلى اغلبها توجد لوحات برونزية مشابهة تخلد اسماء اناس عاشوا في تلك المباني و ابدعوا بين جدرانها اعمالا فنية و لوحات تكاد تنطق بخواطر راسميها , احلى ما في هذه الابنية انها ليست مجرد باطون و اسمنت و نوافذ بل يكاد المرء يشعر بشعاع يخرج منها ليترك في نفسه اثرا , و كأن هالة تلفها و ترسم حولها بالوان باهتة صورا لاسلوب حياة ساد لقرن من الزمن , لايام عصر لم يعد يتذكره احد.
اغادر الشارع لادخل اخر و اركب حافلة كهربائية تعمل منذ خمسين عاما عندما صممها مهندسوها كانوا يحلمون بشوارع المدينة و هي خالية من الدخان و روائح الوقود الا انها تسير ببطئ بسبب اختناق الشارع بسيارات تنفث سحبا من الغازات , تسير وسطها كأنها غريبة عن المدينة و كأن الحافلة تسمعك انينا و هي تحن الى ايام كان جميع من في المدينة يركبونها و لم تقتصر على المهمشين و العجائز كما هو الحال الان , تسير الحافلة و انا اراقب الصور التي تتغير تباعا عبر زجاج النافذة , ملعب مهجور ينتصب بجانبه مبنى جديد كبير الحجم مكتوب عليه "مركز تجاري" و كالحلم مرت امامي صورة المبنى الاستهلاكي الضخم و هو يسرق الاطفال من الملعب و من مرافقه الرياضية ليثبت ان الوقت قد ولى لبناء الانسان الرياضي الحامل للذهب في كل دورة اولومبياد ليبدأ عصر الانسان الاستهلاكي البدين و التائه بين اكوام من السلع لا يكاد يحدد ما يريد منها حتى تنهمر اكوام اخرى من كل حدب و صوب ليضيع وسط هذه المتاهة.
و تتسارع المشاهد بعد الخروج من مركز المدينة...معامل مهجورة , مداخن مصانع باتت ملاذا للغربان و هي تنعق حول اطلال المباني , سكك حديد و قد نما العشب حتى كاد يغطيها , يكاد المرء يشعر و كأن غبارا ذريا او اشعاعا مميتا انتشر في المكان... في الحقيقة لا غبار ذري و لا اشعاع و انما السبب هو الشركات متعددة الجنسيات و المستثمرون الغربيون و ثقافة الاستهلاك المستوردة من الغرب و رأسماليو العصر الجديد , حيث سادت ثقافة الربح المادي السريع و محت كل القيم الجميلة و كل الروابط الانسانية التي كانت تربط بين ابناء المجتمع لتحيلهم الى كائنات مستهلكة و مستوردة لكل شيء عاجزة عن الابداع و التقدم لتزداد الفجوة يوما بعد يوم بين الماضي الجميل و بين الحاضر القاسي بطوابيره من الفقراء و العجائز المحرومين و المغيبين و متعاطي المخدرات و الرقيق الابيض .... و تدور الحافلة عند اخر محطة لتعود بي الى حيث اسكن و بعد ان اخذ البرد مني كل مأخذ اعود ادراجي الى البيت و انظر مرة اخرى الى مقياس الحرارة لأجده قد انخفض الى "سالب 29 ".



#حيدر_السعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات مدرسية
- قواعد اللعبة
- متى سيقف العراق على قدميه؟


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حيدر السعدي - روسيا و اطياف ماض جميل