شاكر النابلسي في حوار مفتوح حول: انفجار البراكين العربية


شاكر النابلسي
الحوار المتمدن - العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 17:37
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: حميد كشكولي

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 35 - سيكون مع الاستاذ شاكر النابلسي حول:  انفجار البراكين العربية.


1- بعد مرور أكثر من سبع سنوات على احتلال العراق، وإسقاط النظام الدكتاتوري، أين يتجه الوضع العراقي، وهل ثمة أمل في نظام حكم ديمقراطي علماني مدني يستند إلى المواطنة والمساواة، بغض النظر عن القومية، والطائفة، والجنس؟


أثبتت النخبة السياسية العراقية أنها مفلسة، وأنها نخب طائفية بامتياز، ومجموعات من اللصوص، سرقت العراق، ونشرت الفساد، وقالت "منظمة الشفافية الدولية" "إن الفساد في العراق لم يشهده تاريخ البشرية كله". وهذا ما دلت عليه الشواهد خلال السنوات السبع الماضية. فإذا كان حزب البعث وصدام حسين، قد زرعوا بذور الطائفية والفساد، بإعطاء السُنَّة دون غيرهم – لأغراض سياسية وليست دينية - كامل السلطات السياسية، فإن النخب السياسية العراقية قد رعت هذه الطائفية، وسقتها من دم الشعب العراقي. وها هو "حزب الدعوة الإسلامي" الديني اليميني، يحكم العراق طيلة ست سنوات (2004-2010) ( الجعفري والمالكي) وسيحكمها خمس سنوات أخرى (2010-2015) بقيادة المالكي (الأمين العام لـ "حزب الدعوة" الإسلامي). وبدون انتفاضة شعبية، على غرار ما حصل في تونس ومصر وليبيا لن يستقيم الوضع السياسي في العراق. والأمل كل الأمل فقط في الانتفاضة الشعبية، التي بدأت أعلامها تلوح من بعيد، وتتقدم.

2- كانت تونس احد أفضل البلدان العربية في نواحي عديدة منها العلمنة وحقوق المرأة ، ولم تكن دكتاتورية ابن علي من بين الدكتاتوريات الحاكمة العربية أبشعها، ألا أن الشعب التونسي انتفض وتمكن من طرد الدكتاتور، برأيك إلى ماذا تعود أسباب ذلك؟ وهل تتوقع انتفاضات قوية في بلدان عربية أخرى في الأمد القريب؟

العالم العربي بلا استثناء مرشح لما حصل في تونس ومصر وليبيا. فلا توجد بقعة في العالم محكومة بدكتاتوريات بشعة كالعالم العربي. لقد تخلصت أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا من الدكتاتوريات وبقي العالم العربي. وموقف الغرب وقرار مجلس الأمن 1970 بخصوص تقديم القذافي لمحكمة الجنايات الدولية، وحصار النظام الليبي، ومطالبته بتنحي مبارك، يدلُّ دلالة واضحة على عزم المجتمع الدولي التخلص من باقي دكتاتوريات القرن العشرين، بأسرع وقت ممكن حتى ينعم العالم بالسلام والاستقرار.

أما أسباب الانتفاضة التونسية كثيرة فيها الجوانب السياسية، والجوانب الاجتماعية. ومن الجوانب السياسية:

1- انفراد الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) بالحكم وحده طيلة 23 سنة.

2- تزوير الانتخابات التشريعية والرئاسية. ففي عام 1989 فاز الحزب الحاكم بـ 99.91 %، وفي عام 1994 فاز بـ 99.45 % ، وفي عام 1999 فاز بـ 94.49 %، وفي عام 2004 فاز بـ 89.62%. ومن الواضح في هذه النسب المضحكة/المبكية التزوير الفاضح. فماذا كان يضر الحزب الحاكم لو أتاح فرص النجاح للأحزاب الأخرى من اليمين واليسار – وهي أحزاب ضعيفة - واكتفى هو بنسب معقولة كالنسب التي نقرأ عنها في الدول الغربية عامة، وفي الوقت نفسه أصلح من قواعده وحسّن من أدائه السياسي؟

3- عدم السماح للإسلاميين والعلمانيين واليساريين من خارج تنظيم الحزب الحاكم بالمشاركة السياسية وعزلهم سياسياً. وأنا شخصياًٍ ضد العزل السياسي لأي فئة ولأي تنظيم حتى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. يجب أن لا تُستثنى أية فئة، أو أي حزب من المشاركة السياسية، لكي يتم الفرز الشعبي الحقيقي والواقعي بعد ذلك بموجب الأداء السياسي العام.

4- تقوية الجهاز الأمني على حساب الجيش، وذلك لحماية النظام. ومع ذلك لم يستطع هذا الجهاز حماية النظام، كما رفض الجيش حماية النظام والدفاع عنه. وهذا ما حصل في مصر أيضاً.

5- تعديل الدستور التونسي بحيث يصبح الرئيس المخلوع بن علي رئيساً مدى الحياة.

أما الجوانب الاجتماعية لأسباب الانتفاضة فمنها:

1- البطالة بين الشباب الخريجين من الجامعات والمعاهد العالية. وقد بلغت نسبة البطالة في 2008 أكثر من 30%.( فئة الشباب15-29 سنة)، و 22% من حملة الشهادات الجامعية.

2- إهمال التعليم بحيث أصبحت نسبة الأميين في بعض المناطق الريفية حوالي 50%.

3- التفاوت في تطبيق خطط التنمية بين مختلف مناطق تونس. حيث حظيت المناطق الساحلية بالجزء الأكبر من الاستثمارات لتنشيط السياحة، وأهملت المناطق الريفية والداخلية.

4- انتشار الفساد المالي والإداري. واستيلاء آل الطرابلسي على معظم الاستثمارات المهمة في تونس. وهو ما فعله بعض رجال الأعمال من قيادات الحزب الوطني الحاكم في مصر، كأحمد عز وغيره.

5- إنهاك اتحاد النقابات المهنية، وذلك بإخضاع أكثر من 220 منشأة وشركة ومؤسسة تجارية وصناعية وسياحية للخوصصة؛ أي تحويلها من القطاع العام إلى الخاص وتخلي ملكية الدولة عنها. وكان هناك أكثر من 500 ألف عضو في هذه النقابات. وبعد. الخوصصة أصبحوا 50 ألفاً فقط، مما أضعف فعالية النقابات التي تشكل العمود الفقري للمجتمع المدني.


3-هل ترون ثمة أمل في إحلال السلام العادل في الشرق الأوسط، وحل القضية الفلسطينية بعد فشل محولات التفاوض وتقلص الدور الأمريكي واشتداد النزعات المتطرفة عند أطراف النزاع وخاصة الإسرائيلي؟

لا حل عادلاً للقضية الفلسطينية. لقد أضاع العرب والفلسطينيون بجهلهم وغبائهم السياسي والثقافي فرصاً كثيرة لإقامة الدولة الفلسطينية منذ 1948. ولعب اليمين الديني (وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي) دوراً سلبياً فاضحاً في هذا الشأن. كان يمكن تحقيق الحل العادل – بالمنظور العام وليس بالمنظور العربي الضيق - قبل أربعين سنة؛ أي قبل 1967. أما بعد ذلك، فقد أصبحت إسرائيل هي الأقوى في العالم العربي، وهي اليد العليا، وتتمسك بالأرض. كما كبرت كرة الثلج الفلسطينية، وأصبح الذراعان العربيان أقصر وأضعف من الإمساك بها، ومن الصعب التعامل معها. وأظن أن عودة الأردن لحكم ما تبقى من الضفة الغربية الآن – وقبل فوات الأوان - كما كان عليه الحال قبل 1967 هو الحل الواقعي. ولو رفض الفلسطينيون ذلك – وهم سيرفضون قطعاً – فسوف تلتهم إسرائيل بقية الضفة الغربية. وسنقرأ على فلسطين السلام بعد ذلك. أما غزة (صندوق القمامة) فستظل هكذا، صندوقاً لإلقاء النفايات الفلسطينية والإسرائيلية فيها.

4-كثر من العلمانيين العرب يحلمون بنهوض - إتا عرب - على غرار أتاتورك، فهل مثّل عبد الناصر هذا الدور؟ و هل ثمة إمكانيات لظهور قائد علماني تنويري في العالم العربي؟

لا علمانية بدون الديمقراطية. ولا ديمقراطية بدون علمانية. والديمقراطية والعلمانية جناحان لطائر الحرية، ويكملان بعضهما بعضاً. والديمقراطية تعني إعطاء حق المواطنة الكامل لكافة فئات الشعب بغض النظر عن دينهم ولونهم وعرقهم وجنسهم. عبد الناصر لم يكن علمانياً. عبد الناصر كان يلبس قناعاً علمانياً زائفاً في حفلة تنكرية قومية. العلمانية تمنع عزل أي فئة من الفئات سياسياً واجتماعياً، نتيجة لعقيدتها وتوجهها السياسي. عبد الناصر عزل الجميع اليمين واليسار وسجنهم وأعدم زعماء اليمين (عبد القادر عودة وسيد قطب) وأبقى على نفسه، والاتحاد الاشتراكي. وهذه ليست علمانية وإنما تزييف للعلمانية. ظهور قائد علماني في العالم العربي مرتبط بالتقدم السياسي وبتحقيق الديمقراطية. الأمل أن يظهر هذا في تونس الجديدة، ومصر الجديدة، وليبيا الجديدة، والعراق الجديد، بعد المالكي و"حزب الدعوة" الإسلامي.

5- كيف ترى أهداف وأفاق الحركة الليبرالية في العالم العربي، ومن هي القوى الأقرب فكرياً لها في هذه المرحلة؟


الحركة الليبرالية تتقدم في العالم العربي بتقدم الديمقراطية والحرية. وكل ملليمتر ديمقراطية في العالم العربي يعني خطوة ليبرالية إلى الأمام. السلفية والأصولية الدينية في الخليج، وفي العراق غير راضية عما يجري. لذا فهي قلقة. توقد النار وتنشر البخور وتقرأ الأذكار، وتقبع في التكايا المظلمة، وتطلب المغفرة للشباب الثوار. لذا صدرت الفتاوى التي تُحرّم المظاهرات والاحتجاجات من رجال الدين السلفيين والأصوليين المرتعدين، والخائفين على ضياع أصواتهم ومصالحهم نتيجة لما يجري الآن. فالمستقبل ضدهم. وهم انتقلوا من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع. ولكننا نريد بقاءهم، حتى يتم الكشف عن عوراتهم كشفاً نهائياً وديمقراطياً.

6 - كيف تقيم الحراك الجماهيري الكبير في العالم العربي وآفاقه المحلية والعالمية؟

ما زال الوقت مبكراً للحكم على هذا الحراك. تاريخ الثورات كُتب بعد قيام الثورات بزمن طويل. خاصة التاريخ الانثروبولجي. تاريخ الثورة الروسية لم يكتب إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر، كذلك تاريخ الثورة الأمريكية. أما تاريخ الثورة البلشفية 1917 ، فما زال البحث والحفر والتفكيك جارياً بشأنها. أما ما نقرأه الآن بخصوص هذا الحراك العربي في تونس ومصر وليبيا فهو عواطف ومشاعر فياضة عابرة، نتيجة لطول مدة الكمد والغيظ والحرمان. أما تاريخ الأفكار فسيكتب في فترة لاحقة. فقد كتب الزعيم الهندي نهرو لابنته انديرا غاندي عام 1932 رسالة عن الثورة الفرنسية، يقول فيها: "من طبيعة الثورات أن أفكارها تحتاج إلى زمن طويل حتى تتبلور، وحتى يهضمها الناس."