أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - منير العوادي - اليسار التونسي اليوم : مواصلة التحايل على الواقع















المزيد.....

اليسار التونسي اليوم : مواصلة التحايل على الواقع


منير العوادي

الحوار المتمدن-العدد: 3294 - 2011 / 3 / 3 - 23:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تمثل الأحداث التي جدّت أخيرا بتونس لحظة ممتازة لاستجلاء كيفية تفاعل مختلف النخب السياسية والفكرية مع الواقع، وتفحّص مختلف الاستراتيجيات التي حاولت أن ترسمها لتجسيم مشروعاتها وأهدافها، من أجل تحديد الإرادة الموجهة للقراءة والفعل.
ولئن كانت هذه المساهمة لا تهتمّ إلاّ بالنخبة اليسارية، فإنّ مردّ ذلك هو الفشل الذريع والهزيمة المروّعة التي عرفها المشروع اليساري وعـدم قدرته عـلى التوصّل إلى ما هو متوقّع منه، أي التحوّل إلى بديل باستطاعته مقاومة نظام العمالة والاستبداد، وإرساء نظام وطني ديمقراطي يستند إلى السيادة الشعبية.
لقد بدأ الجميع يدرك أنّ واقع الحركة اليسارية اليوم هو واقع فاجع ومأساوي وبائس. فبعد سنوات الكفاح البطولي والصمود في الستينات والسبعينات، تحوّلت الساحة اليسارية بفعـل التهشيم والتهميش إلى فضاء للغو، تتردد فيه "التحاليل" السطحية المبتذلة، وتسيطر عليه الازدواجية بين ما يُقال علنا وما يقع البوح به سرا، وحيث يسعى كل "قائد" إلى تكريس "أناه" الصغيرة، بكل ما تحمله من تعال وتخيلات وأوهام، معـتقدا أنّه عنوان الحقيقة في مجالي النظرية والممارسة.
ولعـلّ من أهمّ العبر والدروس التي يمكن استخلاصها، في علاقة بالانتفاضة الباسلة التي وقعت أخيرا في تونس، استفحال بُعد التيارات اليسارية عن الواقع، إن لم نقل غربتها عـنه، وعدم قدرتها على تحريك الشارع والفعل فيه، مقارنة خاصة مع شباب الريف والجهات الداخلية، وامتداداتهم في المدن، وخاصة مدينة تونس.
هذا المعطى وضع هذه النخبة أمام مأزق : إمّا الاعتراف بمحدودية مساهمتها، وبالتالي الإقدام على مراجعة الذات وتحديد العـوامل التي أدّت إلى شلّ فاعلية مختلف المجموعات وإلى عزلتها الواقعية والفعلية، وإمّا مواصلة نفس عقلية الوصاية في التعامل مع الجماهير وقضاياها.
الطريق الأوّل صعب ومرهق وباهظ التكاليف، وهو يقتضي العمل في صمت ولمدّة طويلة، كما أنّه طريق غـير مأمون العواقب. أمّا الطريق الثاني فسهل وميسور، وهو كفيل بأن يؤمّن لأصحابه الحضور تحت الأضواء البرّاقة، التي عادة ما تخفي خواء الفكر وفقر التحليل.
ولكن ما لا يدركه أصحاب التصوّر الثاني هو أنّ طريق التفاؤل المفرط ـ على افتراض حسن النية ـ لن يؤدّي في النهاية إلا إلى الانتكاسة ومزيد الإحباط واليأس.
كيف تصرفت هذه النخبة؟
عندما ندقق النظر في آليات التفكير والممارسة لدى المجموعات اليسارية، وعلاقتها بما استجدّ أخيرا، نرى أنّها مرت بمرحلتين اثنتين:
أولا : منذ أن انطلقت الأحداث في 17 ديسمبر 2010، وجدت هذه المجموعات نفسها في حالة ذهول وبهتة حول ما يدور حولها.
حاولت في البداية " الالتحام" بالجماهير سواء مباشرة أو من خلال الهياكل النقابية القاعدية. وكان كلّ عمل تنجزه هذه الهياكل يقترن بلزوم التقيّد بإطار محدد سلفا، من أهمّ نقاطه: "قطع الطريق على المزايدة"، وعدم إحراج بيروقراطية الاتحاد.
ثانيا: منذ 14 جانفي وبعـد السقوط المدوّي للرئيس السابق، حاولت المجموعات اليسارية استباق الأحداث، فسارعـت إلى تنصيب نفسها وصيا على الجماهير، بالرغم من أنّها لا تملك في الحقيقة شيئا كبيرا يمكن أن تعـطيه.
اعتمدت في سبيل تحقيق هذا الهدف على خطاب عاطفي يستثير الانفعالات الجيّاشة، من خلال إعلاء سقف المطالب، وطلب تحقيقها الآن وهنا، باعـتبار أنّ ما حصل هو "ثورة شعبية".
فما الذي حدث بالضبط؟
انطلقت الشرارة الأولى للأحداث من واقعة محددة : شاب متعـلم، ينتمي إلى منطقة تعاني من الفوارق الجهوية المقيتة، وما ترتب عنها من بؤس وحرمان، يُقدم في لحظة يأس وغضب على إحراق نفسه، ليس نتيجة الفقر والجوع فقط، بل خاصة نتيجة الظلم والإهانة والجبروت.
هذه الواقعة تحوّلت إلى "حدث"، رجّ الأرض رجّا، تداعى له الشباب والجماهير التي اكتوت طويلا بنيران الواقع المرير. لذلك انفجر بركان الغـضب سريعا، فشمل البوادي والأرياف والقرى المجاورة: من سيدي بوزيد، إلى الرقاب، إلى منزل بوزيان، إلى القصرين، إلى تالة. ثم عمّ بعـد ذلك بشكل متفاوت بقية المناطق، وخاصة الأحياء الشعبية عـلى تخوم تونس العاصمة.
كان العنوان الأكثر جلاء للاحتجاجات هو الرفض، رفض الطغيان ورمزه الأول، ورفض النظام وأزلامه.
ومنذ الفرار الجبان والذليل للرئيس السابق وأفراد عائلته، توقّفت جذوة الانتفاضة وخفّ بريقها، ولم تستمر إلاّ في شكل بعض المظاهرات أو الاعتصامات هنا أو هناك.
لم تكن مقتضيات الانتفاضة ومعطياتها ( خاصة فجئيتها وسرعة إيقاعها) تسمح بتوليد قيادة أركان حقيقية أو تصورات برنامجية أو أدوات نضال ( أحزاب ــ جبهات...)، لذلك لم يقع رصد الدور الخطير الذي كانت تؤديه في الخفاء بعض الدوائر الأجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا)، وكذلك الدوائر المحلية (المؤسسة العسكرية خاصة)، لإيقاف هذه الانتفاضة عند حدود معـينة، و"إعادة الأمور إلى نصابها"، بعد ترميم الصورة والمشهد.
من هنا نرى أنّ الانتفاضة، شأنها شأن الثورة، كيفية من كيفيات "التمرّد". ولكن لكلّ منهما أوضاعه الخاصة وآثاره الواقعـية. لذلك يجب الوعي بما يميّز بينهما، باعـتبار أنّ هذا الوعي هو الشرط الضروري لضبط الممكنات التي يجب بلورتها في هذا الظرف بالذات.
فما هي الفروق الأساسية بين الانتفاضة والثورة ؟
أولا: الانتفاضة هي ردّ فعل تلقائي وعفوي، يمكن أن ينطلق في كلّ لحظة، دون تخطيط أو برنامج، لذلك لا يفرز بالضرورة قيادة له، ولا يرمي إلى نتائج محددة.
أمّا الثورة، فهي فعل واعي ومنظم، يخضع لخطة دقيقة. إنّها مخاض سياسي وعـسكري، يهدم القديم ويبني على أنقاضه الجديد. فهي إذن تحوّل نوعي ناتج عـن عـملية نمو تدريجي وتصاعـدي.
ثانيا: الانتفاضة تحمل في طيّاتها احتمالين، إذ يمكن إجهاضها عـن طريق التصفية أو التدجين، كما يمكن أن تتوفر لها السبل لتحقيق نجاح نسبي ومحدود، عكس الثورة التي لا تكون ــ عـلى الأقل في بدايتها ــ إلا ظافرة ومنتصرة.
الثورة تملك لكلّ شروط التحقق: حزب ثوري جماهيري ــ جبهة متراصة ومتحدة تضمّ كل الطبقات المضطهدة ــ جيش شعبي. وهي تُتوّج بالضرورة بتحطيم النظام السياسي والاقتصادي السائد والإجهاز عـليه، وصولا إلى امتلاك الشعب لحقّ تقرير مصيره.
الثورة لا تزيل فقط رموز الطغيان، بل هي تزيل أسباب الطغيان، وتحدد قبل ذلك الأسلوب الذي يمكّن من إزالة نظام الطغـيان واقتلاع أسسه.
إنّ إصرار البعـض على إضفاء صفة "الثورة" عـلى ما حدث، دون تحليل أو برهنة، يعبّر في أفضل الأحوال عن شدّة ضغـط الهواجس والحسابات السياسة الآنية، وخاصة الرغبة في إثبات الذات تفاديا للانقراض.
فلقد كانت هذه القوى اليسارية تعيش في واقع من التآكل والتراجع وبداية الاندثار. فجأة "اكتشفت" أنّ الحدث يُمكن أن يقذف بها إلى الواجهة.
في هذا الإطار جاء ميلاد جبهة 14 جانفي، التي أعلن عـن تأسيسها في 20 جانفي 2011. وقد أثار الإعـلان عـن الجبهة الكثير من الالتباس والضبابية والغموض، بالنظر خاصة إلى هزال مكوناتها، وكيفية انتقالها من التنافي والتجافي إلى الوحدة والعمل المشترك، وكذلك حول مضمون برنامجها.
إذ تتشكل هذه الجبهة من مجموعات مختلفة، أو بالأحرى من نواتات صغيرة، لا تملك المقوّمات الأساسية للحزب السياسي، الذي يملك عادة قيادات ذات كفاءات عالية، وقواعد جماهيرية قوية.
من خلال تخصيص هذا الرأي، نرى أنّ المجموعات المكوّنة للجبهة تعيش أوضاعا متفاوتة من الإرباك والارتباك.
فـ"حزب العمال الشيوعي التونسي" PCOT))، هو استنساخ لتجربة PCOF))، دون تأصيل نظري أو سياسي خاص. وقد سار هذا الحزب في ركاب سلطة بن علي بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987، حيث أصدر جريدة قانونية "البديل". كما تمّ توظيفه بشكل فج في الصراع ضدّ التيار الأصولي (قضية الكاسات). وقد عرف هذا الحزب ضعـفا شديدا بعـد انسحاب مجموعة محمد الكيلاني في أواخر سنة 1993. وقد أعاد الحزب النظر في مواقفه السابقة وأبرم تحالفا مع التيار الأصولي في إطار "هـيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات".
أماّ "حزب العـمل الوطني الديمقراطي"، فهو امتداد لمجموعة نقابية صغيرة، معروفة بتبعيتها وذيليتها للبيروقراطية النقابية المسيطرة حاليا على الاتحاد العام التونسي للشغـل. وقد كاد ينحصر جهد هذا الحزب في العشرية الماضية، في الحقل النقابي، على محاولة إيصال أحد العـناصر المقربة جدّا من قيادته إلى عـضوية المكتب التنفيذي للإتحاد، بما جعـله يعـيش تمزقا وتصدّعا في صفوفه.
وبالنسبة لـ"حركة الوطنيين الديمقراطيين"، فهي جناح أو جزء مما يُعرف في الساحة السياسية بـ"الوطج". وتعـيش هذه المجموعة الهلامية مأزقا حادا، نتيجة تصرّف أحد عناصرها بمنطق "العـرّيف"، عـلى وزن "الفهّيم"، وهو ما جعل عناصر انتمت سابقا إلى هذه المجموعة ترفض الانضواء في صفوفها. وإضافة إلى التسلط، تعاني هذه المجموعة من تكلس فكري وسياسي فاضح.
وفي ما يخصّ "الوطنيون الديمقراطيون" (الوطد)، فيتعلق الأمر بمجموعة نقابوية، شهدت ما يشبه التبخّر في أعقاب فشلها في المؤتمر القطاعي للتعليم الثانوي في أواخر مارس 2005. ومن المفارقات اللافتة للنظر أنّ النقاوة والطهرية التي تتظاهر بها هذه المجموعة، ترافقت مع تورّط بعـض عناصرها النّافذة في ملف عقاري ومالي أو بالأحرى في صفقة مشبوهة مع الحزب الحاكم وأجهزته الإدارية، يعود تاريخها إلى جويلية سنة 1997، وهو ما يضع هذه المجموعة مدار احتراز واتهام.
وبالإضافة إلى هؤلاء، توجد مجموعة أخرى هي "رابطة اليسار العمالي"، وهي مجموعة تروتسكية ــ ليبرالية، ذات نبرة احتجاجية عالية، ولكنها ضعيفة جدا من حيث الانتشار.
وهناك أخيرا "اليساريون المستقلون"، وهم انشقاق عـن مجموعة، منشقة بدورها عـن "حزب العـمال".
كما يكشف البيان الأوّل الذي أصدرته الجبهة عن إجراء عـملية توحيد سريعة ومتسرعة بين مجموعات اتسمت العلاقة بينها في الماضي القريب بالصراع والاتهامات المتبادلة والاحتقان الشديد.
فكيف توصلت بهذه السرعة الغـريبة إلى الاتفاق؟
إنّ إغفال الفروق والاختلافات والإعلان على عجل عن "وحدة"، وهو في الحقيقة وحدة وهمية، لا يمكن أن تفهم إلا عـلى أساس تأويل نفعي ــ مصلحي للواقع، ومحاولة بائسة لركوب نضالات الشعب، ذلك أنّ الوحدة مهما كانت ضرورتها لا يمكن أن تكون حقيقية وصادقة إلاّ متى كانت تتويجا لصيرورة سجال ونقاش بين مقاربات متباينة وأطراف مختلفة.
إنّ غياب الصراع الفكري والسياسي، كتمهيد لبناء الجبهة، يجعل" الوحدة" بين مكوّناتها ملغومة وهشة وقابلة للانفجار في كل لحظة.
من الوصاية إلى التنصيب
لم تستطع جبهة 14 جانفي مواجهة امتحان الواقع، بالنظر خاصة إلى ضعف مكوناتها. لذلك تدحرجت شيئا فشيئا، بفعل ضغط الأحداث، إلى تغيير وجهتها وقبول الالتقاء مع أعداء الأمس القريب، بل والرضوخ إليهم.
فلئن لم يتضمن بيان 14 جانفي أيّة إشارة إلى المهام العـملية أو الآليات الكفيلة بتحقيق الأهداف المعـلنة، فإنّ المجموعات المكوّنة للجبهة "تفطنت" إلى هذه الضرورة لاحقا. إذ دعـت يوم الأربعاء 26 جانفي 2011 إلى تشكيل" المؤتمر الوطني لحماية الثورة"، وهو يضمّ في صفوفه كل القوى السياسية والمدنية، "التي تتبنّى مطالب الشعـب وتناضل من أجل تحقيقها".
هذه المبادرة وقع تعـديلها وتجسيمها يوم الجمعة 11 فيفري 2011، من خلال إصدار بلاغ إعلامي، ممضى من قبل 28 طرف يمثلون مجموعة من "الهيئات والأحزاب والجمعـيات والمنظمات". وقد اتفقت الأطراف المشاركة على الدعـوة إلى إنشاء "المجلس الوطني لحماية الثورة".
ويتضمّن هذا الإتفاق جملة من النقاط بالغة الخطورة، والتي تفرض الاحتراس واليقظة، انطلاقا من دواعي سياسية وأخلاقية، لا يمكن الاستهانة بها، مهما كان ضيق الحال، ومهما كانت الملابسات، ويتعلق الأمر هنا بمسألتين:
أولا: أنّ هذا التجمع يضمّ العديد من القوى والفعاليات المعادية: البيروقراطية النقابية ــ حركة النهضة (الإخوان المسلمين)...
فهل يتعـلق الأمر بتدبيج بيانات كيفما اتفق أم أنّ المسألة خضعت للبحث والنظر؟ أو بصورة أوضح : هل يمكن أن تحمي الثورة قوى غير ثورية؟
ثانيا: يدعـو البلاغ إلى تكوين "برلمان منصب" أو "سلطة موازية"، ممثلة من قوى سياسية، لها حق القرار والتشريع والمراقبة، خلال "الفترة الانتقالية". ويتمّ المصادقة عـلى هذه الهيئة بمقتضى "مرسوم يصدره الرئيس المؤقت".
إنّ كل هذا المشروع يقوم على التكاذب المشترك وعلى الخداع والغش بين القوى التي أبرمت هذا البيان. كما أنّ طلب إصدار مرسوم للموافقة عـلى هذا المجلس يتعارض مع الموقف من "الحكومة المنصبة"، إذ كيف نقبل برئيس منصب ولا نقبل بحكومة منصبة؟
ولأنّ الجبهة، أو غيرها من القوى الممضية عـلى البلاغ، لا تملك القدرة على تجسيد مطلبها، فإنّها رأت أنّه من الضروري الاستناد إلى البيروقراطية النقابية حتى تسعفها بإمكانية الضغـط، لذلك فوّضت لها عـملية التفاوض مع "الرئيس المؤقت". كما أنّ البيروقراطية وجدت ضالتها في اعـتماد هذه القوى عـليها، وفي تبنّي كل مشروع مهما كان، لربح الوقت وتجنب كل محاسبة على الخدمات الجليلة التي قدمتها لنظام بن علي ولممارستها الاستبداد والفساد داخل المنظمة النقابية. من هنا نفهم "التجميد" الذي آلت إليه مبادرة" اللقاء النقابي الديمقراطي".
محاولة للتفسير
إنّ ما أصاب اليسار اليوم من وهن وتذرُر وعجز، يدفع ضرورة إلى وضع تجربة هذا اليسار عـلى محك النقد والمراجعة، وخاصة في مجالين : في مجال الرؤية والفكر وفي مجال العلاقة بالطبقات الشعـبية.
إذ تنطلق هذه المجموعات اليسارية من تصوّر يقرّ أولوية القضية السياسية وأولوية الفعـل السياسي. إذ هي ترى أنّ الوصول إلى السلطة، عبر العمل السياسي المباشر، يمكن أن يحقق كلّ المطالب: الحرية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتطور الفكري..
الفرضية الضمنية لهذا النوع من التفكير هي التالية: التغيير يبدأ من فوق، أي من السلطة، ثم يقع تعـميمه على كافة نواحي الحياة.
هذا الخطاب، رغم "جذريته"، في مستوى الظاهر فقط، هو خطاب يتماهى مع ما يسعى الفكر التقليدي السائد إلى إشاعـته وترسيخه، وخاصة تغليب المصلحة الآنية المباشرة على كل ما هو نظري ومعـرفي، وكذلك الانطلاق من الوحدة والاتفاق ونبذ التعدد والاختلاف.
أماّ في مستوى العلاقة مع الطبقات الشعبية، فإنّ ما يلاحظ هو عـزلة المجموعات اليسارية وعـدم قدرتها على التوجه إلى الطبقات المضطهدة.
ولعلّ أهمّ الأدلة عـلى ذلك أنّ الجماهير الفقيرة والمفقرة التي خرجت لمقاومة نظام الاستبداد والفساد في الفترة ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 رفضت الانضواء تحت راية أيّ تيار سياسي مهما كان (يساريا أو قوميا أو إسلاميا)، بل إنّ هذه المجموعات كلها لم تقدم شهيدا واحدا من قوافل شهداء الشعب. فكيف يجرؤ البعض على تنصيب نفسه قيادة لشعب لم يقدم من أجله التضحيات الضرورية؟
إنّ الجماهير المسحوقة التي قارعـت أعتى الديكتاتوريات قادرة على التصدي للمجموعات التي انغـمست في اللوصوصية بشكل ضمني أو صريح.



#منير_العوادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة النقابية التونسية بين فكي كمّاشة : العشائرية والبيروق ...
- الحركة النقابية التونسية بين فكي كمّاشة : العشائرية والبيروق ...
- الحركة الطلابية التونسية في السبعينات


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - منير العوادي - اليسار التونسي اليوم : مواصلة التحايل على الواقع