أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بلند حسين - (ثرثرة فوق النيل) العابثون أو محنة الطبقة الوسطى في ظل الأنظمة الشمولية














المزيد.....

(ثرثرة فوق النيل) العابثون أو محنة الطبقة الوسطى في ظل الأنظمة الشمولية


بلند حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 15:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(المقالة مهداة إلى الشعب المصري البطل) في3/1/2011م

في العربية يُقال(عَبَثَ) بالشيء: أي خلطهُ و(العَبَث) كمصدر: هو ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة أو ليس فيه غرضٌ صحيحٌ لفاعله. وقد تناول الروائي الكبير(نجيب محفوظ)(1) ـ الذي فُجِعْنَا برحيله حقاً ـ في روايته(ثرثرة فوق النيل) عام 1965م، شريحة من المجتمع المصري(الطبقة الوسطى)، باتت تعيش على هامش الحياة، في أزمة مع نفسها ومع النظام الذي أبعدها إلى خارج سياق الحِراك السياسي، حتى أضحت حياتها من دون معنى، نتيجة هذا التهميش المقصود، ومن دون أمل حقيقي أو قيم تحتذى، نتيجة الاستبداد أو الافتقار إلى الديمقراطية؛ فعاشت حياة روتينية، تحت ستار أخسأ أنواع المداهنة والانتهازية واللامبالاة والاغتراب عن واقعها، وبالتالي لم يعد لحياتها مغزى، لأنها تجري عبثاً في عبث.
شخصيات الرواية: يتوزع العابثون في(ثرثرة فوق النيل) ـ التي تناول فيها محفوظ أزمة المثقف كممثل للطبقة الوسطى ـ بين مَنْ يحشر أنفه في قضايا تافهة لا تُغْني ولاتسمن(أحمد نصر/موظف)، أو يتزوج فتاة طمعاً في ثروتها(مصطفى راشد/محام)، أو منافق ومداهن(علي السيد/أزهري النشأة وناقد فني يتقن الانكليزية)، أو عاطل ورثَ عمارةً ضَمَنَتْ له حياةً رغيدةً(خالد عزوز)، ورجُلُ جنس، جميلٌ وجذاب، لكنه بلا مبادىء(رجب القاضي)، ومثقف خائب(انيس زكي/موظف)، وبنات هوى(سناء وسنية وليلى/الأولى طالبة بكلية الآداب والثانية هجرَتْ زوجها، أما الأخيرة فهي مترجِمة في وزارة الخارجية وعانس في الخامسة والثلاثين)، وأخيراً العم(عبده) خادم العَوّامَة (العوامة: بيت من خشب، يقامُ على سطح الماء أو يَطفو عليه). أما الشخصية الجديّة الوحيدة في هذه الرواية، فهي بطلة الرواية الحقيقية(سمارة)، رمز إنتصار الجدية على العبثية.
هؤلاء جميعاً يلتقون في العَوّامَة الراسية في نهر النيل، ويقتلون الوقت بسفاسف الأمور وادارة الجوزة والبذاءة والاستهتار. لكنْ، هناك خيطاً رفيعاً يربطهم جميعاً، أعني(الاحباط)، فيلوذون بالعَوّامَة، أي:(بالهروب إلى عالم التغييب والمخدرات، في محاولة يائسة للبحث في معنى وهدف لوجودهم، رغم أنهم ـ تقريباً كلهم ـ أصحاب وظائف مهمة في الكادر الوظيفي في الحكومة أو القطاع العام أو الفن والاعلام)(2).فإنسحابهم إلى العَوّامَة كان بمثابة خطوة سلبية انكفائية لرفض ما يدور خارجها، مثلهم في ذلك كمثل ركاب سفينة، لايبالون بما يجري في البحر أو المحيط (الأوقيانوس) الذي يلفهم.
ورغم أن الرواية تنتقد النظام الذي شيَّأ الانسان إبان الحقبة الناصرية المجايلة للحقبة البَعْثية في سوريا، حيث هيمنتْ فيها الأجهزة الأمنية على مقدرات المجتمع وتحكمت بمفاصله كافة، إلا أن الرئيس الراحل(جمال عبد الناصر) طلب يومها من وزير الثقافة(ثروت عكاشة)، بقراءتها وإبداء رأيه فيها، وعلى ما يبدو أن الأخير قد أَخْبَرَ الرّيس، بأن فيها مجرد انتقادات بسيطة لمسيرة الثورة، مما جعله يَغضّ الطّرف عنها، بخلاف المشير(عبد الحكيم عامر) وزير الدفاع، الذي أثقل كاهل(محفوظ) بالتهديد والوعيد.
هذه الظاهرة المَرَضية، أعني نخر المجتمع من الداخل عن خلال نسفِ منظومتة الاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية، ومن ثم تدمير الطبقة الوسطى(الحامل الاجتماعي للتغيير) فيه، عن طريق عملية افساد ممنهجة، تأَمّلَها محفوظ مَلياً بقرون استشعاره الابداعية وشَخَّصَها بفراستِه، لكنهالم تعد تقتصر على الفساد الاداري(أشكال الابتزاز والاختلاس والرشوة وهدر المال العام) فحسب، بل تعدته اليوم إلى الفساد السياسي ـ وهو الأخطر ـ الذي يعشعش اليوم في قمة الهرم السياسي.
وإذا علمنا ان وسائل الاعلام والأحزاب والنقابات والبرلمانات، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني والرأي العام، تُعَدُّ من أهم وسائل الوقاية، التي يمكن من خلالها تشخيص وفضح هذا الخطر الداهم وتقويمه في ظل الأنظمة الديمقراطية، فهمنا عندئذٍ لماذا تسوِّغ الأنظمة الشمولية لنفسها تأميم وسائل الاعلام واحتكارها، وتحجب الحقائق عن الناس، وتتحكم بمفاصل أي نشاط لاينسجم وسلوك سكان العَوّامَة الموصوف آنفاً.
بهذا الشكل إذاً، تتهرب الأنظمة الشمولية من المساءلة والاستحقاقات المترتبة عليها، رغم افتقارها للشرعية والمصداقية في أعين جماهير الأمة، في ذات الوقت الذي تدفع فيه بمجتمعاتها نحو هذه الهاوية السحيقة، متحججة باعتبارات تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في ربوع البلاد !.... هذا ما أرادت(ثرثرة فوق النيل) على الأقل أن تفصح عنه بقناعتي.
طبعاً، لا يمكن الحكم على هذه الرواية إلا في سياقها التاريخي، لأنها تعكس ابداعياً حقبة معينة من تاريخ مصر المعاصر شيّأت الانسان. أما ما يجري اليوم، حيث تنتفض مصر بأكملها ويحتشد الملايين من شبابها في ساحات القاهرة(ميدان التحرير) وسائر المدن الأخرى، وهي تهتف:(ارحل ارحل يا مبارك) أو(يا جمال قُلْ لأبوك، المصريين مابحبوك)، فينذر بانتصار جدية(سمارة) الحقيقية وليست المفترضة ابداعياً، أعني جديتها المتجسدة اليوم(25 كانون الثاني 2011م) في انتفاضة الشعب المصري المباركة، ويومىء بهبوب رياح التغيير، التي ستدشن مرحلة جديدة، ليس في مصر وحدها بل في عموم المنطقة العربية، وستطهر الأرض من دنس الفراعنة وبطاناتهم الفاسدة.
-----------------
1- ولد بالقاهرة في 1/2/1911م، وتوفي في 30/8/2006م، نال جوائز عدة من بينها جائزة نوبل 1988م، تعرض عام 1994م لمحاولة إغتيال بالسكين على يد شاب متزمت في رقبته، له ما يزيد عن 68 عملاً قصصياً وروائياً وكتاباً، من رواياته الشهيرة (أولاد حارتنا)...الخ.
2-عبد الفتاح صبري ـ مجلة الرافد الاماراتية ـ العدد 111.



#بلند_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة الحدث التونسي
- رائد الشعر العربي المعاصر يُعَطِّرُ الكُرْدَ بشِعْرِهِ
- همومُ الكردي في المَنْفى
- التقليد الروماني الذي تلقفته تركيا
- (هنيئاً لمن يقول بعد اليوم: أنا تركي)!
- بئس هذا الاعلام المسكون بهوى أنقرة
- الحِراك التركي: خمرٌ قديم في أوانٍ جديدة !


المزيد.....




- فيديو يظهر لحظة اشتباك مسلح بين الشرطة الأمريكية ومشتبه به.. ...
- هذا الفيديو لا يتعلق بمحاولة اغتيال مزعومة لولي العهد السعود ...
- فرار 10 آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية على خلفية الهجوم ...
- خريطة توضح آخر تحركات القوات الإسرائيلية في عملياتها بغزة
- خطوة بخطوة.. كيف ستمر مساعدات غزة عبر الرصيف العائم؟
- هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم ...
- ترامب يعد ببناء -قبة حديدية- فوق الولايات المتحدة
- إجلاء 10 آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية بسبب الهجوم الر ...
- -طائرات حربية مصرية في سماء سيناء-.. ما حقيقة الفيديو؟
- -أكثر من ثلث طلاب الجامعات البريطانية يرون هجوم حماس عملا من ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بلند حسين - (ثرثرة فوق النيل) العابثون أو محنة الطبقة الوسطى في ظل الأنظمة الشمولية